تصنيفات مسرحية

السبت، 22 أغسطس 2020

مسرح خوسيه مورينو أريناس.. ظلال أشخاص يحاولون البقاء

مجلة الفنون المسرحية

مسرح خوسيه مورينو أريناس.. ظلال أشخاص يحاولون البقاء

المواقف الرمزية الحادة واللاذعة لمسرح الإسباني أريناس خرجت من روحه الساخرة.

محمد الحمامصي - العرب

قد تطور المسرح بشكل كبير خاصة من حيث تقنيات الإنجاز والكتابة، إذ بات أكثر استقداما لما هو مواز له من عوالم أو حتى ما هو مضاد ومختلف ليقحمه في اللعبة المسرحية التي لا تنفك قواعدها تتغير في كل مرة وفي كل عرض ولحظة ومع كل تنقل من مكان إلى مكان ومن لغة إلى لغة. وفي ما يلي إطلالة على خوسيه مورينو أريناس أحد المسرحيين الإسبان المعاصرين الذي كتب للفن الرابع العديد من النصوص الصادمة والخارجة عن المألوف، في محاولة منه للوقوف في منطقة وسط بين الأندلس العربية وإسبانيا الغربية اليوم، وبين شمال البلاد وجنوبها المتهم دوما بالتوق إلى الانفصال.

كان ولوج المسرحي الإسباني خوسيه مورينو أريناس إلى الدنيا عام 1954 وإلى عالم المسرح في منتصف الثمانينات لتشكل أعماله منذ الثمانينات إضافة مهمة للمسرح الإسباني، وموضوعا لأطروحات ودراسات وبحوث متنوعة في العديد من جامعات العالم، وعروضا على المسارح الإسبانية والأوروبية.

الغربي الشرقي
وقد قام الكاتب والمترجم خالد سالم بترجمة عدد كبير من هذه الأعمال، وقد صدر له أخيرا المجلد الثاني عن دار العين بعنوان “مسرح الميتاتياترو” وضم مسرحية “المطيعون” و21 نصا مسرحيا قصيرا تضع خطا مرئيا تحت مشكلات المجتمع المعاصر مع مسحة من السخرية والانغماس في تقنية المسرح داخل المسرح.

مسرح معقد يتضمن سلسلة من الثوابت الرمزية والجوهرية

يشير سالم إلى أن خوسيه مورينو أريناس يلجأ إلى الاقتضاب في أعماله، فكلها قصيرة باستثناء مسرحية “المطيعون” التي يضمها هذا المجلد، فهي نموذج للمسرح داخل المسرح، معها نثريات درامية التي تمثل وخزة للمتلقي لتوقظه لما يطرح عليه.

وفي مسرحية “المطيعون” هناك عالم هؤلاء الشخوص هو نفسه عالم جمهور القاعة والممثلين، وهو محصور في زمان التمثيل ومكانه. ولهذا فإنه يجعل من الخيال الدرامي موضوعا، إلى حد كبير، للشبكة الاجتماعية المؤسسية للمسرح، سواء أكان هذا خلال فترة العرض المحدد على خشبة المسرح والقاعة أم كان المكان والزمان حيث يعيش الأشخاص الذين هم على اتصال بالمسرح. ويضيف أن “مسرح خوسيه مورينو يحمل قارئه لأول وهلة إلى عالم غرناطة الأندلسية بقسمات وجهه المتمازجة، تجمع بين الشرق والغرب، ليبدو وكأنه خرج من مجلس الحكم في قصر الحمراء، فهو من بلدة البلوط، من أعمال غرناطة في إقليم الأندلس جنوبي إسبانيا، وعليه آثار العز والثراء”.

درس أريناس الحقوق في جامعة غرناطة، فجمع بين المسرح والقانون في حياته المهنية، ويعترف، وفقا للمترجم، بأن ميوله المسرحية تعود إلى والدته، إلى جانب تشجيع بعض أساتذته لمغامراته الأولى في عالم المسرح التي أخذت شكلها المهني في عام 1987 بعمله الذي اختصرته بالاتفاق معه إلى “المطيعون” والموجود ضمن هذه المختارات التي يقترب فيها من صامويل بيكيت، حسب دارسي مسرحه. وكان قد ولج هذا العالم بعرض لهذه المسرحية قامت به فرقة “El Olivo” أي شجرة الزيتون، في قاعة الاحتفالات في جامعة غرناطة، مرآة العروض المشهدية في تلك الفترة.

ويوضح سالم في مقدمته التي قرأ وحلل فيها مسرح خوسيه مورينو أنه تلت تلك الفترة سنوات حاسمة في نتاجاته المسرحية، فكتب أبرز أعماله من بينها “هجوم مسلح”، “السيرة”، “الإغراء”، و”رحلة سفاري”، “المرأب” ـ الكراج ـ و”الماكينات”، و”النادل”.. إلخ، وقد قدمتها لجمهور المسرح فرق عدة من إسبانيا والبرتغال والولايات المتحدة واليونان، ونشرت هذه الأعمال في العديد من الدول في أوروبا وأميركا، وترجمت إلى عدة لغات.

أعمال لاذعة
طروحات المسرح السريالي والعبثي أو اللامعقول

يرى المترجم أن خوسيه مورينو يتمتع بروح لاذعة وساخرة، إحدى صفات أهل إقليم جنوب الأندلس، وهو ما قد يفسره البعض على أنه عنصرية، إذ يلجأ إلى هذه الميزة الأندلسية ليقول في لغة تشي بالمشكلات الاجتماعية، بغية الكشف عن العنصريين والتدليل على وجودهم في المجتمع الإسباني عند معالجة قضايا المهاجرين الوافدين إلى إسبانيا في تسعينات القرن الماضي

والسنوات العشر الأولى من القرن الحادي والعشرين. ومن هذه الروح الساخرة واللاذعة خرج مسرحه الرمزي، أعماله اللاذعة، ذات المواقف الحادة، الملامسة للهراء التي تشكل هجوما ضاريا على المؤسسة، على ما هو متعارف عليه من ثوابت وقوالب جامدة.

ويضرب سالم مثلا لهذا المزج بين السخرية واللوذعية بمسرحية “الشاطئ” وعنوانها بالإسبانية “Te vas a ver negro” ـ سوف تصبح أسود ـ واستعراض خوسيه مورينو لهذه المشكلة، مشكلة الهجرة، كان لفضح عنصرية البعض، مع أن قطاعا عريضا من الشعب الإسباني هاجر في خمسينات القرن الماضي وستيناته وسبعيناته.

وينطلق المؤلف في جرأته لطرح إشكالية تشغل المجتمع من منطلق أنه لا يمكن قتل الرسول، حامل الرسالة، أي المؤلف وكما قال “فقد كتبت عما يحيط بي، ما أراه حولي”. والعنوان الأصلي للمسرحية يعني إثارة الغضب، لكن المؤلف يترك الباب مفتوحا أمام التلاعب باللون الأسود، لون المهاجرين الذين يطلون على الشاطئ بهجرتهم غير القانونية حيث تدور أحداث المسرحية.

ويشير إلى أن خوسيه مورينو يستخدم ألفاظا مثيرة ومستفزة لغرض معين، لغرض في نفسه، تحيل للوهلة الأولى إلى دلالات ضمنية عنصرية. وهو بذلك يثير المتلقي، المناوئ والمؤيد لمثل هذه المواقف والأفكار العنصرية، كي يتفاعل مع شفرات الرسائل الضمنية.

 إنه يبحث عن إثارة ضمير القراء والمتفرجين وتحريضهم على المشاركة الفاعلة في الفعل المسرحي، ما يعد مكافأة فورية للجمهور.

 إن رسائل أعمال هذا المسرحي الغرناطي تغلفها غلالة من السخرية والدعابة، فعندما يعرض لمشكلة المهاجرين في إسبانيا عبر سطور مسرحية “الشاطئ” فإن هذه الروح تغلب على المسرحية، ولا يجب تفسير الأمور تفسيرا مباشرا وكأنه يتهكم أو يسخر من أحد، فالقضايا المطروحة تخلو من الدعابة والمزاح، إلا أن خوسيه مورينو يخضع هذه القضايا، من منطلق العلاقة القوية بين ما هو كوميدي وما هو غير كوميدي، للمزاح الذي يمتطيه من أجل الحصول على الغرض المرجو من مسرحه.

مسرح داخل المسرح

يلفت سالم إلى غزارة إنتاج خوسيه مورينو المسرحي، حيث تتواصل نصوصه بطروحات المسرح السريالي والعبثي أو اللامعقول على طريقة المسرحي الإسباني رامون ديل بايي إنكلان، مع نقد عميق لعبثية التصرف الإسباني، ويتواصل من خلال هذا المنحى مع التجديد على خطى إيونيسكو وميجيل ميورا وفرناند أربال وفرانثيسكو مارتينيث باييستيروس، كما يلاحظ دارس نصوصه أنها تنم عن حالة من الدهشة كوسيلة لكسر الفكر الأوحد الذي يهدد حياة الإنسان ويحاصرها.

ويتابع أن أسلوب خوسيه مورينو في المسرحيات القصيرة المقتضبة يقترب من أسلوب وسائل الإعلام في استغلالها للسياق الدرامي للأحداث اليومية، فتوجزها في عنوان براق وسطور قليلة تلخصها تحت عنوان، لتصبح الأخبار جذابة ومغرية، وهو ما يزمعه ويحققه خوسيه مورينو في مسرحياته المتناهية الصغر، إذ تشكل ومضات درامية في رأي النقاد.

 ويتميز مسرحه بالإيعاز والإثارة وبالإيجاز في البنية والسياق، ويشحذ الوعي الاجتماعي والفني لقرائه ومتفرجيه من خلال الحد الأدنى من الكلمات والمواقف. هذا النوع من المسرح المقتضب مسمى وضعه خوسيه مورينو لمسرحياته القصيرة وقد أصبح بمثابة علامة تجارية مسجلة ترتبط به حسب مسرحي آخر هو خيرونيمو لوبيث موثو. ويشير المؤلف إلى أن مسرحه مرآة تعكس ظلال أشخاص يحاولون البقاء على قيد الحياة في مجتمع يحيط به هو شخصيا ويشارك فيه، وسط أقوال مطروقة وقوالب اجتماعية مؤطرة سلفا.

أما تقنية المسرح داخل المسرح، ميتاتياترو، فتقوم على أساس فكرة أن الواقع ليس تمثيلا دراميا وأن الأشخاص الحقيقيين شخوص في مسرح. وهو تداخل عوالم مختلفة في مسرحية واحدة، نصا وإخراجا.

خوسيه مورينو أريناس يبحث عن إثارة ضمير القراء والمتفرجين وتحريضهم على المشاركة الفاعلة في الفعل المسرحي

وهذا يعني وجود أسلوب كتابة، تأملي، أو ذي وعي ذاتي يذكر المتلقي بأنه أمام عمل من وحي الخيال، يعمل على تعقيد العلاقة بين الخيال والواقع، لنقع في الحيرة التي يسببها عدم القدرة على معرفة أين ينتهي الواقع ويبدأ الخيال.. ومسرح خوسيه مورينو خير نموذج على هذا، أعني تقنية المسرح داخل المسرح التي تتجلى أكثر في تلك المسرحيات القصيرة التي لا تلجأ إلى الكلمة، الحوار المسرحي.

ويخلص سالم في مقدمته لمختارات خوسيه مورينو المسرحية إلى أن الطرح الذي تتضمنه المسرحيات القصية تميل في موضوعاتها وحبكاتها إلى أقصى حد من الاقتضاب، إلا أن تعقيدها وبعدها واسعان إلى أبعد الحدود.

والحبكة وحيدة وقصيرة في حين أن المضمون موجز ويسير في اتجاه واحد، خطي، وتتجلى الفكرة في جوهرها، بلا إضافات فائضة. يستغني عما هو حشو، تكميلي، عن كل ما من شأنه أن ينحرف بالانتباه.

وفي هذا السياق يظهر إيقاع العمل المسرحي سريعا، وتجري الأحداث وتدور في عجلة دون استمرارية وهنا يصبح زمن الحبكة قصيرا.

 كل هذا يحدث بغية التأثير في المشاهد أو القارئ قدر الإمكان، فيصبح مجبرا على تخطي حدود الاكتفاء بمشاهدة ما يقع على خشبة المشرح أو بين صفحات المسرحية التي بين يديه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق