مسرح الغضب واللامعقول مدرسةعالمية ام محلية ؟ / جوزيف الفارس
لا يمكننا تحديد انبعاث هذا المسرح ولا ان نتجادل فيما اذا كان عالميا او محليا , لانه هو شعور رد فعل رافض لكل قوانين وانظمة الحياة الروتينية من عادات وتقاليد بالية , اضافة كونه ثورة على الواقع المتردي والغضب ضد الانظمة التي لا تساند القضايا الجماهيرية , اضافة كونه رد فعل الانسان الرافظ للحياة المملة والتي يرى انها مملة ورتيبة وبعدم الجدوى من الضحك على الذقون مجاملة لاي مجتمع يعيش ضمن حياة لا جدوى من التفكير بنهايتها , وخاصة الظروف الماساوية من موجة الحروب العالمية والنكبات الطبيعية والتي تخلف الدمار وتهلك الانسان وتدعه في موج التفكير الذاتي في الحياة العامة والخاصة , فياتي رد الفعل من هذا اللاجدوى من هذه الحياة الروتينية والمملة والتي تسودها انظمة تقيد حرية الانسان لا تتفق مع ميوله وافكاره الغير المحدودة والمطلقة باتجاه هذا العالم وطبيعته التي يسوده القهر والحرمان وعدم المساواة مابين طبقات ابناء المجتمع الواحد , ومن خلال هذه العوامل الاساسية والتي لعبت في حياة الفرد برزمن المفكرين والمناصرين لفكرة من خلالها تجسدت ارادة التحدي لكل ماهو غير منطقي من العادات والتقاليد البالية والثورة عليها وفيما بعد سميت من قبل بعض النقاد باللامعقول في القرن العشرين , وبالذات من فرنسا انبعثت جذور هذه الفلسفة التي نادت بها مجموعة من المثقفين منهم : جان بول سارتر والبير كامو وبيكيت ويونسكو وعديدون ممن كانت ردود افعالهم ثورية ورافضة واتسم مسرحهم بالغضب والثورة على الواقع المتردي نتيجة شعورهم باللاجدوى من هذه الحياة والتي لا تجدي نفعا من العيش فيها والاستمرار على روتينها الممل .
اذن , لنبحث وندخل في اغوار هذه الفلسفة وعن اسبابها وتمخضاتها على نطاق العالم والظروف المحلية لكل بلد والتي شجعت على ظهور مثل هذه الفلسفة والتي اصبحت فيما بعد مدرسة اهدافها جلية في الرفض والتمرد والغضب والثورة على الواقع الذي يعيشه المجتمع انذاك والذي لا يعترف الا بالافكار والعادات والتقاليد البالية والتي تقيد حرية الانسان في اختياراته , وفي هذا الصدد يقول سارتر : ( لا يمكنني ان اجعل الحرية هدفي مالم يتساوى الاخرين امام هدفي ) .
الحياة الطبيعية هي الاصالة في كينونة الانسان الحقيقي
وكل من هذه المقارنات لا تتفق مع الظروف السائدة في بلدان العالم المتطور والداعي الى الثورة الصناعية والتغيير الجذري الى نمطية الحياة الكلاسيكية ومابين واقع العالم الثالث والذي كان القسم منهم يعيش تحت هيمنة الاستعمار او تحت هيمنة بعض الانظمة الجائرة والتي كانت السبب في ظهور ردود الافعال لشريحة من اصحاب الافكار الحرة والذين ينظرون الى الحياة الطبيعية انها هي الاصالة في كينونة الانسان الحقيقي , هذه الشريحة من هذا النمط الوجودي , دعت الى الرفض والثورة والتمرد على الواقع اللامجدي لحياة الانسان الطبيعي والذي امتدت جذوره ونمت من واقع كيف حياته الطبيعية مع كينونة الطبيعة ووجودها .
فالمفكر والاديب في اية بقعة من بقاع الارض تنبت جذور افكاره بالرفض او القبول من واقع الحال الذي يعيشه , يرفض الحياة النمطية والمملة والغير المجدية لتحقيق اهداف تحرره من قيود العادات والتقاليد والتي تفرض عليه , لانه مؤمن بان مثل هذا الواقع يسوده الزيف والخداع ,ولهذا ينمو في داخله ردود افعال رافضة لمثل هذا الواقع والمبني على التقاليد البالية والدجل والتملق من اجل تحقيق مصالح شخصية , يقول الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر : ان الحرية ليست صفة او خاصة من خصائص طبيعتي , انها تماما نسيج وجودي .
فنتيجة للوضع الغير المستقر والتي ولدتها الحروب وما نتج عنها من ضعضعة الامن وعدم الاسقرار وسوء الحياة الاقتصادية , اضافة الى الويلات والكوارث الماساوية , نتيجة كل هذا ,ولد الانسان الرافض والمتمرد والثائر , وقد اختلفت ردود افعال الرفض والتمرد وكل وبموجب تاثره بما يحيطه من الاوضاع الاجتماعية والسياسية والدينية ,فمثلا التعبير عن الرفض والتمرد اختلف في العالم الثالث عن العالم المتحضر ولا سيما في اوربا , لاختلاف التجارب والافعال المحيطة بالفرد بحيث تتوازن ردود افعال كل منهما وبموجب مايحيطه ويعاني منه من هذه الاوضاع , وانما لا يمكننا رفض تاثيرات اولئك الكتاب العظام العالميين من امثال يونسكو وجان بول سارتر وكامو على نتاجات كتابنا العرب والمحليين , لان التاجارب العالمية وفي الوطن العربي ايضا خضعت لعملية التاثر والتاثير , وعلى ضوء هذه التاثيرات تاتي ردود افعال المعنيين من الكتاب , وتتجسد في اعمالهم ونصوصهم افكارا فيها من الغضب والتمرد والثورة على كل ماهو غير منطقي وغير معقول , وبهذا الصدد يقول الفيلسوف الوجودي البير كامو : لم يعد قلبي الا ذاك القلب العاشق للحياة والمتمرد على النظام القاتل للحياة .
من من الكتاب الذين تجسدت سمات الغموض و الرفض في نصوصهم ؟؟؟؟؟
لقد اختلفت اساليب التجسيد والطرح من خلال نتاجات بعض الادباء وكل منهم وبموجب ابداعاتهم واساليب طرحهم , انما الجميع اتفقوا على جوهرية الطرح , وعلى السمات الاساسية لهذه المدرسة منهم , بيكيت و يوجين يونسكو و ارثر اداموف و جان جنيه و هارولد بنتر .
فكانت معظم نصوص البعض منهم تطرح افكارا تدور حول نفسها بشيىء من الغموض وفي اجواء كئيبة متشائمة وفي حدود ضيق من الديكور المسرحي اضافة الى قلة شخوصها
كانت شخوص هذه المدرسة ( مسرح العبث ) تبحث عن الخلاص , تبحث عن الاسباب من جدوى وجودها في الحياة الا ان هذا البحث ينتهي باللا جدوى , كان الغموض يدفعهم الى الدوران حول حلقة فارغة حيث كانوا في ديمومة التسائل عن اسباب وجودهم وفنائهم , وحينما لا يجدون الاجابات لتسائلاتهم بعد ان ينتابهم العناء الفكري واليأس من الحياة وهم يبحثون في حلقة فارغة والتي تنتهي بهم باللاجدوى من هذا التفكير , ولهذا ينفصلون عن المجتمع في حالة من الكابة والانعزالية والتي دائما ما ينتهي بهم الامر الى الثورة والتمرد على الواقع الذي يعيشونه , كان جل همهم هو البحث ماوراء الطبيعة , البحث في العالم الميتافيزيقي والروحي غايتهم من هذا ان يصلوا الى اجابات ترضي تسائلاتهم وتجعلهم ان يعيشون بشكل طبيعي وسوي مع المجتمع , الا انهم لم يسنطيعوا الوصول الى الاجابات عن معنى وجودهم في هذه الحياة , عندها يدركون انهم يبحثون في حلقة فارغة يشوبها شيئا من الاحباط والكابة والانعزالية نتيجة ادراكهم ان لاجدوى التفكير بماهية الحياة مادامت نهاية كل انسان هو الموت , ولهذا جائت معاناتهم بصيغة تمردية وثورية على هذا الواقع الذي يعيشونه , وهذا ما اتسمت به نصوصهم بحيث جاء تجسيدهم للحياة الروحية مجرد هي ممارسات لا تنتهي الى نهاية عقلية ومنطقية يستطيعون من خلالها يمارسون علاقاتهم الانسانية بالشكل الطبيعي في الحياة والذي يرضي تسائلاتهم ويهدىء من معاناتهم .
اللامعقول ومؤيدوا هذه المدرسة
ان الذين امنوا الايمان المطلق بعدم الجوى من الحياة التي يعيشونها , وعدم الاعتراف بكل مايحيطهم من العادات والتقاليد , مؤمنين ايمانا مطلقا ان افكارهم والتي مبعثها من منطقية الحياة وواقعيتها ماهي الا كذبة ونفاق ودجل والضحك على الذقون , يؤمنون ان الحياة ماهي الا عالم مليىء بالاحلام والتي يصوره لهم العقل اللاواعي , معترفين بان هذا المخزون من الصور ماهي الا الحقيقة التي يؤمنون بها , ومن هذا المنطلق اتسمت انتاجاتهم الادبية بالتشاؤم والنفور من الحياة لكونها خالية وبعيدة عن المنطق , وفي الوقت نفسه تتسم بالملل واللاجدوى من اللهاث خلف النهاية التي لا جدوى منها , ومن هنا ياتيهم الياس من هذه الحياة فينتفضون بثورة غاضبة ضد الميتافيزيقية والذي يفرض بعض التعاليم والاقانيم والتي تصور لهم على ان الحياة ماهي الا سعادة واستقرار ذاتي وملاذ امن ,
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق