مجلة الفنون المسرحية
مسرحية «روّح» لفاطمة الفالحي في اختتام مهرجان «الكراكة» في حلق الوادي: سيرة فنانة حالمة وقصص تونسيات تُكتب على المسرح
مفيدة خليل :
تجربة مسرحية جديدة تضاف الى الذاكرة المسرحية التونسية، مونودرام مشاكس وجريء قدمته فنانة مسرحية مختلفة فنانة تسعى الى اثبات فكرة
المسرح الحر والمقاوم المسرح القادر على النقد وكشف عيوب المجتمع و السلطة، هي فاطمة الفالحي صانعة ذاتها من العدم، الطفلة المشاكسة والممثلة المحترفة والمبدعة التي صنعت عالمها وحولته الى مونودرام عنوانه «روح» اخرجته للجمهور خولة الهادف.
«روّح» مونودرام مشاكس وفعل مسرحي يعري المجتمع ويكشف هنات السلطة والسياسيين، مونودرام ينقد الكثير من اخلاقيات التونسيين ويكشف الستار عن مظاهر الزيف والخداع، مسرحية تنقد المجتمع والدولة وتدعو إلى التغيير انطلاقا من اقدس الاماكن بالنسبة لفاطمة الفالحي وهو «الركح».
روّح وجع مغلّف بالضحك
بفستان زهري اللون موشى بالورود تطل الممثلة على جمهورها، الالوان الزاهية ابعدت المتفرج عن السواد المنتشر في كل مكان، اختارت فاطمة الفالحي الازهار والألوان كميثاق اول مع جمهور اقبل ليكتشف المسرحية ويعيش معها تفاصيلها، أغرته بورودها وبابتسامتها وحملته معها في رحلتها بعيدا عن السواد والخوف دفعته للضحك والتفكير في الوقت ذاته وكتبت بجسدها وفكرها وحضورها الركحي رحلة مسرحية انطلقت من العاصمة الى منطقة «الرضاع» من معتمدية الرقاب من ولاية سيدي بوزيد، هي رحلة في الجغرافيا والتاريخ و السياسة ، رحلة سوسيولوجية وانطروبولوجية وثقافية كتبتها فاطمة الفالحي على الركح.
هي استاذة للتعليم الثانوي، تدرّس مادة المسرح، تلك المادة المرفوضة من قبل الاهل والمجتمع في القرى والارياف «فالحي، احنا متاع مسرح؟ يمكنك اعادة التوجيه؟ بيك في بالو» الجملة التي قيلت للفتاة الحالمة بعد حصولها على الباكالوريا، جملة تشين «المسرح» الذي عشقته الممثلة واختارته مهنة ومسارا في الحياة وهاهي تصعد على ركح الكراكة لتخبر الجمهور بقصة فتاة ريفية صنعت نفسها من العدم واختارت الفن صكّ حياة فالمسرح عندها فعل مقدّس وفي مسرحيتها قدّست الفالحي كل التفاصيل التي يمكن ان تنجح عملا مسرحيا.
«روّح» هو عنوان المسرحية، كلمة من اللهجة التونسية وتعني «عاد» ومن الحاضر تعود الفالحي الى الماضي من العاصمة تعود الرضاع من المدينة الى الريف ومن 2020 تعود الى الطفولة وفي رحلة العودة تفرغ خزائن الذاكرة من القصص والحكايات تنثرها على الجمهور، حكايات تنقد المجتمع والنقابة والبرنامج الدراسي والعلاقة بين الرجل والمراةو والنظرة الدونية للفن جميعها ملفات تفرغها من ذاكرتها، ملفات تتشارك فيها مع المتفرج وتشبه كثيرا حبة الدواء المغلّفة بالحلوى فصنعت الفرجة والضحكة والسؤال.
المسرح رحلة سيكولوجية ناقدة ومشاكسة
تنطلق الرحلة المسرحية بهاتف من العائلة يقول «فاطمة روّح» لتبدأ القصة من العاصمة الى الرضاع قرابة 300كلم طريق طويلة تصنع منها الفالحي عملها المسرحي، الانطلاقة تكون بالفيديو، يبرز المجموعة الشمسية ثم التدرج نحو كوكب الارض بعده القارة الافريقية ثم تونس ثم 218كلم عن العاصمة اي سيدي بوزيد بعدا 40 كلم اخرى لتكون الرقاب المعتمدية ثم 16كلم اخرى حتى تصل الفالحي ويصل الجمهور الى الرضاع، حيث القرية السهلية المنبسطة التي ولدت فيها الممثلة ومن الذكريات ستصوغ العمل.
فاطمة الفالحي استاذة لمادة التربية المسرحية احترمت على الركح المادة التي تدرسها وتوجهت بالنقد الى السلطة والدولة بخصوص التعليم وتراجعه «فقبل 45 عام الى حد اليوم لازال التلاميذ يمشون الكيلومترات للوصول الى المدرسة» هنا استحضرت صورتها تلك الطفلة الصغيرة التي تمشي 5كيلومترات صباحا حافية القدمين للوصول الى المدرسة، استحضرت صورة الطفلة التي تحلم بغرفة وردية اللون ودافئة وحافلة تقلها الى مدرستها وبين الهنا والهناك وبين الواقع والحلم هوّة سحيقة لازال يعاني منها اطفال الارياف.
معاناة اطفال الهناك، وجع المحفظة الثقيلة وألم البرد القارس والطريق الطويل المنهكة للأجساد الصغيرة جسدتها الممثلة بكل حرفية فكأنها تقطع شرائح من روحها ليتذوقها الجمهور ويعرف انها حقيقية وصادقة مشهد سوريالي موجع اتقنته الممثلة الطفلة الحالمة ان بالنجاح «للقطع مع الفقر والميزيريا».
انطلاقا من الذكريات القديمة وإلى حد اليوم لازال الاطفال يعانون ولازال التلميذ يحلم برغيف خبز ساخن يشبع جوعه ولازال يحلم بطريق معبدة ومسافة قصيرة ولازال يسكنه هاجس ان تكون المدرسة قريبة من المنزل أو توجد حافلة تقله ولازال التونسيون والحقوقيون يكتبون البلاغات وينزلون الصور والفيديوهات التي تصوّر ألم التلميذ وتعبه الجسدي والصور المخزية للمدارس وفي الوقت ذاته مازالت السلطة محافظة على صمتها وتكتفي ببلاغات جافة ونقاش مع النقابات حول العودة الى الدروس من عدمها.
من السياسة التعليمية الى الطرقات الطويلة غير المهيئة فانطلاقا من النفيضة الى كندار والبشاشمة والكساسـبة والشـراردة ومفتــــــرق «الكسكاس» وصولا الى بوزيد الطريق متعبة والحفر تزينها و بين «الدودان» والأخرى مسافات قصيرة تتعب السيارة وسائقها ونقدها هنا موجه لوزارة التجهيز.
تتواصـــل الرحلـــــة السيكولوجية لنقد المجتمع التونسي، فالطريق طويل والقرية بعيدة ويمكن كتابة آلاف الكلمات والقصص، في الطريق تشاهد «برانس» والبرنس هنا للدلالة على الذكور سواء أكانوا من الاطفال أو من الشيوخ، فهؤلاء «برانس يجتمعون حول كأس الشاي» وهناك حلقة برانس يلعبون الخربقة واخرى برانس ذاهبين الى المدرسة وغير بعيد «ملية وبخنوق (رمز للمرأة الريفية) نساء تنتظرن سيارة للذهاب والعمل على اولئك البرانس» فالصورة هنا نقد لظاهرة عمالة المراة في الفلاحة مقابل بقاء الرجال اما في المقاهي او على الارصفة وكأننا بفاطمة الفالحي تدعوهنّ للثورة وتدعو الدولة إلى مراجعة قوانين العمالة اليدوية.
«روّح» رحلة فاطمة فالحي في الطريق والذاكرة، تلك الـ 300 كلم التي تقطعها كلما قررت العودة الى القرية تستحضر من خلالها ذكريات الطفولة وحال البلاد، تغوص في تفاصيل المجتمع تنقده وتنقد العلاقات الاسرية المتشابكة وتفكر بحريتها وفردانيتها، «روّح» متعة مسرحية وتجربة مختلفة ابدعت فيها فاطمة الفالحي لأنها كانت صادقة جدا وحقيقية اثناء الحوار والاداء وحتى لحظات الصمت كانت مدروسة، عمل مشاكس من ممثلة جريئة ومختلفة صنعت بريقها على ركح الكراكة وقدمت عمل يجمع ثنائيتي الضحكة والنقد.
لطيفة القفصي:
الركح مقدس
تخوض اعتصام الكرامة بسبب عدم خلاص مستحقاتها، ابنة فرقة الجنوب تلك القفصية القوية كانت من المكرمين في اختتام مهرجان البحر الابيض المتوسط كعادتها جاءت محملة بالنكتة و الضحكة، وقبل تكريمها تحدثت عن ذكرياتها مع ركح الكراكة ففي السبعينات صعدت لطيفة القفصي لأول مرة على ركح الكراكة مع مسرحية «حمة الجريدي» وحينها كانت المسرحية تفتتح المهرجان وتختتمه وآخر صعود لها كان مع مسرحية «واد الربيع» اخراج عبد القادر مقداد، وفي كلمتها توجهت برسالة الى رئيسة بلدية حلق الواد بالقول «الركح مقدس سيدتي، على هذا الرّكح سقطت اكثر من مرة ظننت انه هيّئ وأضيفت له الألواح (حسبتكم زدتو حتى لويحة) لكنه لازال حجريا كما عهدته».
تكريم المسرحيين في اختتام المهرجان
أسدل الستار مساء الاحد 29اوت 2020 على فعاليات الدورة السادسة والاربعين لمهرجان البحر الابيسض المتوسط بحلق الوادي «الكراكة»، الدورة التي حملت اسم الراحلة جليلة عمامي، في اختتام الدورة اختارت الهيئة المديرة التي حرصت على انجاز التظاهرة من العدم تكريم مجموعة من المسرحيين ممن ساهموا في انجاح الدورة.
لانهم سرّ نجاح كل عرض مسرحي او موسيقي ولأنهم ملح اي عمل فني ووقود نجاحه وهم الذين ياتون للمكان قبل الفنان بساعات ويغادرونه بعده اختارت هيئة المهرجان تكريم التقنيين قبل الممثلين وكرمت حبيب جرموت ، تكريم الهدف منه توجيه التحية الى كل الفنيين خلف الكواليس والاضواء.
كما كرمت ادارة المهرجان ممثلة مسرحية عاش معها التونسي منذ اعوام تقريبا مع سلسلة «شوفلي حل» التي كبر معها التونسيين وشخصية «جنّات» وتحية لها كرمت الفنانة امال البكوش كذلك كرم الممثل والفنان توفيق العايب والاعلامية نصاف اليحياوي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق