مجلة الفنون المسرحية
رحلَ .. و لم يرحلْ!! شهادة وفاء من تلميذ لاستاذه / حسين علي هارف
صدقوني .. وبلا مبالغة اقول .. انا بدأت اواجه نفسي بحقيقة ان الاستاذ سامي عبد الحميد قد مات و رحل عنا و ان ليس بمقدورنا ان نراه او نستمع اليه او نعمل معه او حتى نزوره .. فقط بعد ان اعلن قبل ايام عن اقامة جلسة استذكارية بمناسبة الذكرى الاولى لرحيله !!
سامي عبد الحميدي د .. لطالما احببت مثلما احب الجميع ان يذكر اسمه مجردا من الالقاب سوى لقب استاذ سامي حتى بعد حصوله على الدكتوراه - متاخرا-
نعم هو لقب الاستاذ الذي يليق به ، لا ببعده العلمي حسب بل بابعاده الانسانية و الفلسفية.
استاذي العملاق ... درسني منذ السنة الثانية من دراستي الاولية باكاديمية الفنون الجميلة التي ابتدأت في ايلول ١٩٧٨ ، و درسني في مرحلتي الماجستير و الدكتوراه ، و أشرف على اطروحتي في الدكتوراه ( الخصائص الفنية للمونودراما) .
عملت معه كمعيد( مدرب فنون) كمساعد له في التدريس . و عملت معه مساعدا للاخراج في ( انتوني و كليوباترا) و ( مخرجا مساعدا) في مسرحية ( جزيرة الماعز) التي قدمت في المسرح الدائري ( الموؤد) .
و قد اشاد بانصاف بجهودي في المساعدة و الاسهام في اخراج هذا العمل في تصريح له لمجلة فنون في حينها.
زرته قبل سنتين انا و زميلي وضاح طالب و اعطيناه مسودة كتابنا ( المشترك) ( علم الالقاء) و قد ابدى اعجابه بجهدنا العلمي و شرّفنا بكتابة تقديم رائع للكتاب .فكان شرف لنا ان يكون كتابنا من مراجعة و تقديم استاذ الاجيال سامي عبد الحميد.
لم انقطع عن التواصل معه منذ تقاعده ، و زرته و اكثرت من زياراتي له في ايام مرضه في المستشفى و في البيت مع اصدقائي استاذي دكتور عقيل مهدي و زميلي دكتور علي حمدان .. كان يفرح بنا .. يتطلع الى وجوهنا بحب .. و يشرد في ذهنه احيانا !! ما زلت اتذكر ..
و ما زلت حتى اليوم و لمرات عديدة اتأمل في صورته و هو يستلقي على فراش المرض في المستشفى بملابسه الزرقاء و الكالونة بيده و هو يراجع اطروحة الدكتوراه التي يشرف عليها ، و لم يسعفه الموت في حضور جلسة مناقشتها !
كم هو درس عظيم في الاستذة و العطاء بلا حدود و الاخلاص للمسرح و للعلم .. و لتلاميذه الذين احبهم و عشقوه..
ما الذي تعلمته منه؟
ما تعلمت من سامي عبد الحميد على المستوى الانساني يوازي ما تعلمته منه من فنون الالقاء و التمثيل و الاخراج و النظريات و الاكتشافات المسرحية .
اتدرون ماذا تعلمت منه ؟ سجلوا عندكم و عدّوا معي بعضها ..
١- فن العطاء و بلادحدود و بتفاني و ايثار و حتى الرمق الاخير .و هذا ماكان يفعله بالضبط.
٢- فن الاعتراف بالخطأ و التراجع عنه.
٣- فن الاصغاء الى الاخرين ، لاسيما حين تعملونا فريق عمل مخلص و واعي و طموح.
٤- فن الشغف
كان شغوفا بعمله بعمله و فنه و طلبته .. هو لم يتقاعد ابدا ابدا ابدا !!
اتحدى من يقول ان قرار الاحالة على التقاعد قد دفع بسامي عبد الحميد الى الاستكانة و الكسل و العزلة كما حدث عند الكثيرين !!
ظل يكتب و يقرأ و يترجم و يحضر و يحاضر و يُشرف و يمثّل .. فقد مثّل وهو على اعتاب التسعين ( غربة) مع تلميذه المخرج د. كريم خنجر الذي كان قريبا جدا منه في السنوات الاخيرة و وفيا له حتى الساعات الاخيرة.
٥- فن الصدق و الصراحة ( حتى و ان كان صادما احيانا و قد كان)
و كنت يوما قد انتقدته و عاتبته و لمته على بعض ما بدر منه تجاه جيل الشباب الذي لطالما كان ينتقده و يهاجمه احيانا بشيء من القسوة !
لكنها و كما كان عليهم ان يدركوا انها قسوة الاب الحريص على ابنائه .
ثقوا .. كان سامي عبد الحميد يؤمن في داخله ان كل المسرحيين العراقيين هم ابناؤه و طلبته.
رحل سامي عبد الحميد و لم يرحل ..
عزاؤنا انه ترك ارثا عظيما يتجسد في تلك الاجيال التي تتلمذت على يديه ، و تلك الكتابات و الاعمال الخالدة التي انجزها لتكون نبراسا لنا .
هي تدري اننا حين نموت .. لا نعود!
لم يعد يوما من الموت احد
رغم هذا ، فالبذور. ليس تُفنى حين تُدفن!
ربما الفنان ايضا ليس يفنى حين يدفن !
و لهذا قد يعود!
ذات يوم ..
ذات عرض
ذات مسرح
فاتركوا له مقعدا شاغرا
و انتظروه ..
تلميذ وفي لاستاذه السامي في كل شيء
٢٩-٩-٢٠٢٠
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق