تصنيفات مسرحية

الخميس، 26 نوفمبر 2020

المسرح العربي المعاصر نافذة على الحاضر / عبد ربه الهيثمي

مجلة الفنون المسرحية


المسرح العربي المعاصر نافذة على الحاضر / *عبد ربه الهيثمي

سأتحدث عن مسرح يفترض أن يحمل بين دفتيه مفاهيم ثقافية لأسنة الفكر السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الوطن العربي.. مسرح يتمرد على مفهوم الثقافة البنكية السائدة..مسرح هدفه التغيير وتحرير العقل من سلطة المتسلط الثقافي..مسرح يتخذ من تنمية العقل محور لتنمية المجتمعات والشعوب العربية بمفاهيم فكرية وديمقراطية حقيقة غير دعائية مزيفة .. مسرح يمارس فيه الفنان وجوده الفني الكامل دون أن يحيل بينه وبين الجمهور حائل..مسرح ناقد بشفافية إبداعية ...مسرح تثقيفي يشذب النتوءات الثقافية المشوكة ويربي الذوق الفني والجمالي.. مسرح يرتقي لمستوى صفته المعروفة كأبي الفنون..وسمي بذلك ليس جزافاً بل لإنه المرآة التي تعكس مجمل الحراك الثقافي ومن خلاله يفهم مستوى ثقافة شعب من الشعوب.
نعم هذا هو المسرح الذي كنت أتمنى أن أتحدث عنه وبما أنه ليس موجود فليس أمامي سوى أن أتحدث عن أسباب عدم وجوده ، وعدم وجوده يعني عدم وجود الثقافة الفنية في مجملها ، إنه كما يقال أبو الفنون وطالما هو كذلك فأي محاولة لخلق مواليد على الأصعدة الفنية الأخرى سوى كانت في الأغنية أو القصة,أو الرواية أو الشعر أو الفن التشكيلي فهو خلق لقيط طالما الأب غير موجود..
إن إحساس المثقف في الألفية الثالثة بالقهر والاضطهاد يأتي ليس بسبب التعذيب في السجون أو سياسة تكميم الأفواه، كما كان سائد في الماضي بل إحساس ومعاناة أخرى واضطهاد آخر إنه اضطهاد وقهر وضعف الإمكانيات وعدم القدرة على امتلاك جزئيات التقنية ، التي من خلالها تستطيع الوصول إلى الآخر المستهدف من  خلال الأعمال الإبداعية هذا هو القهر الذاتي الأول .. الذي أراه ومع هذا فقد يتغلب المثقف على هذا الإحساس بالتفاني والجهد والاستمرار في استخدام التقنية البدائية وقد ينجح إلى حداً ما ولكن سرعان ما يصطدم بقهر أشد إنه قهر واضطهاد سلطة الوسيلة .. الوسيلة التي تصبح أداة قمع للمثقف أكبر من أي أداة قمعية أخرى وعندما أقول وسيلة فلا أعني سوى التلفزيون والإذاعة والملاحق الثقافية والمطابع والقاعات التي نطلق عليها مجازاً منابر ثقافة ..إننا في عصر تتداخل فيه المصالح والأفكار.. عصر تقنية المعلومات وصناعة الثقافة، العقل الإبداعي المسرحي  يحتاج فيه إلى حاضنة أو وسيلة لضمان حياة منجزه الإبداعي ومن لم يستطع الوصول إلى هذه الحاضنة أو الوسيلة قضي على مولده بحالة من حالات الإجهاض الإبداعي وعندما تتكرر الحالة من الطبيعي أن يصاب هذا المبدع أو ذاك باليأس والعقم الإبداعي ، وما أكثر الحاضنات لدينا لكنهن يحضن مواليد إما مشوهة أو مستنسخة أو معدله وراثياً والذي يتمعن فيما يقدم في المنابر والوسائل الإعلامية العربية سوف يشخص حالة الانفصام التي وصلنا إليها في مسرحنا العربي يقول المفكر الجابري(لم تعد الثقافة مجرد فرض كفاية أو مجرد حلية تمنح أصحابها نوعاً من الوجاهة .. كلا إن إعطاء الألوية للثقافي في عصرنا أصبح شرطاً ضرورياً للانتماء لهذا العصر) بينما نحن نعطي الألوية ليس للثقافي بل للمتسلط الثقافي وأقصد الإداري والمثقف يجب أن يكون تلك الحلية التي يعلقها هذا المتسلط على عنقية ليتباهى فيها أمام مرؤوسيه ولهذا أنتجنا من مسرح التباهي الكثير .. أنتجنا ثقافة مسرحية بؤرية ثمارها الشوك والأنفس المتوحشة والشواهد على ذلك كثيرة ولعلكم تدركون ما ساد الساحة العربية في السنوات الماضية من تطرف وعنف كان من نتائج هذه الثقافة وثمرة من ثمارها... يقول تقرير التنمية البشرية الصادر عن اليونسكو 2003م ((من أهم المشكلات التي أدت إلى عدم وجود نظم فعالة للابتكار وإنتاج المعرفة في البلدان العربية ، غياب سياسات رشيدة تضمن تأصيل القيم والأطر المؤسسية الداعمة لمجتمع المعرفة ))
إن كل المهرجانات المسرحية التي تقيمها بعض البلدان العربية لم تعد تخدم الثقافة العربية وتؤصل للنهوض بمسرح عربي معاصر بل تخدم ثقافة التباهي السياحية وتأصل للعودة المسرح الظواهر وأي حراك مسرحي قائم في أي بلد عربي فما هوا إلا حرك مجزى ومتنافر لا ينمي فكر، ولا ذوق، ولا يشذب مشاعر .حراك يغيب عنه الفعل الإبداعي القائم على التجريب ، وتأسيسه كنمط من أنماط أقامت البرهان والإدراك الواعي لما يمكن أن يكون عليه الانفتاح الثقافي على الأخر في إطار رؤية فنية موحده لمسرح عربي معاصر.وعلى سبيل المثال مهرجان المسرح التجريبي بالقاهرة تسعة عشر عام من التجريب والتكريم وتسليط الأضواء على من  لم يعد بمقدورهم العطاء وتجاهل وتهميش الشباب القادرين على العطاء من جيل المسرح الحاضر وبالذات المؤلفين ولم يفكروا حتى بتخصيص جائزة تشجيعية لكتاب المسرح العربي المعاصرين
وهم يدركون انه  سيندثر كل شي في العملية المسرحية من تمثيل وتقنية وديكورات وروا إخراجية ويضيع مع الزمن إلا النص الجيد فهوا الذي سيظل حي إلى الأبد ومع هذا المؤلف في هذا التعليب صار موضة للتهميش ...فهوية المسرح العالمي عمدها مؤلفين عظام مثل شكسبير، وكر ستوفر مارلو، برخت،وآرثر ملير وهوية المسرح العربي من سيعمدها حرفيين إخراج أو نجارين ديكور أو فنيين إضاءة أو راقصين باليه أولئك من يهتمون بهم في التجريب لهذا اسقطوا أهم ركن وأصبح التجريب تعليب طوال تلك السنيين العشرين ولم يقدم لنا مبدع مسرحي عربي اعترف فيه عالميا
 هناك مهرجانات مسرحية تقام بدول الخليج مغلقة لا نعرف عنها شي وهامشية على صعيد الإعلام وان استضافت رموز مسرحية من بعض الدول العربية فهي تستضيف بعض رواد  جيل السبعينات والثمانيات الذي لم يعد معهم شي يضفوه أو يعطوه للمسرح ...وانأ لا ألومهم كونهم لا يعلمون شي عن إبداعات الشباب الفاعلين بالمسرح العربي المعاصر والسبب أنهم وجدوا وأبدعوا في الزمن الارتدادي للمسرح العربي زمن العودة من الوقعة إلى الظاهرة ...
وحتى لا أطيل عنكم انصح بإعادة إحياء المسرح العربي من بوابة النص المسرحي الفصيح القادر على استيعاب متطلبات المرحلة وإبرازه عالميا من خلال أولئك ألصفوه من المؤلفين الذي يدركون لغة الأدب والفن ولا يثرثرون بل يبدعون، والنص المسرحي الجيد هو الوسيلة الفاعلة الذي يمكن أن تطرح من خلاله مشكلات معرفية أساسية من حيث كونه متصل بالثقافة وناقد لها ، علينا أن لا ننظر له وفقاً لما تكتنفه العاطفة ورغبات الأنظمة الراعية له وإغفال الواقع الحياتي كشرط مسبق لرعايته وعلينا أيضاً أن لا ننظر له كجزئية ثقافية اتباعية لبقية أنواع الفنون والآداب أننا ونحن نفكر بمستقبل المسرح في الوطن العربي يجب أن نفكر بمستقبل الإبداع الثقافي بشكل عام من خلال المسرح والمسرح نص إنه الشمس التي تدور حولها بقية الكواكب لتضيئها وبدونه يستمر كسوف المسرح العربي لا محالة

 *ناقد ومؤلف مسرحي
                                                                        


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق