تصنيفات مسرحية

الخميس، 24 ديسمبر 2020

جان باتيست بوكلان ( مولير ) / جوزيف الفارس

مجلة الفنون المسرحية


             جان باتيست بوكلان  ( مولير ) / جوزيف الفارس

قد تتمخظ  بعض المواهب الادبية والفنية عند الانسان ومنذ صغره  تحدد ميوله , فهذه الميول هي بحقيقتها رغبة داخلية مليئة بالاحاسيس والمشاعر ,  تاخذ  شكلها واطارها الخارجي من رؤية الفنان والاديب ليعبر عن جمالية هذه الموهبة والرغبة الذاتية بعد ان يكتسب من الثقافة والتجربة الذاتية  لتطوير هذه الموهبة , هو لا يحدد الشكل ولا الاسلوب , انما هذه الرغبة في التعبيرعما يحسه ويشعر به تاتي من خلال ما يوحى له من الاساليب التي يراها متفقة مع جمالية التعبير لهذه الميول ان كانت ادبية او فنية , ولهذا يلجأ مثل هذا الانسان الى الاطلاع على العديد من الادبيات وعلى سير معظم الادباء من الذين سبقوه في الخبرة والتجربة اما ليتاثر بهم او ليكتسب من ثقافتهم وخبرتهم ماتؤهله للابداع والابتكار والتعبير عن وجهات نظره من تاثيرات الواقع الذي يعيشه ويعاني منه , كأن يكون عن طريق قصيدة شعرية , او عن طريق قصة قصيرة يجسد احداثها ووقائعها من البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها , او من وحي خياله ليرسم معالم نصا مسرحيا او رواية طويلة فيها من الشخوص والاجواء التي يرسمها الكاتب من وحي خيال يتسم باطار شكل فني يحتوي على مضمون فكري وجوهري من الافكار التي تخدم الانسان من خلال انتقاده للواقع الذي يعيشه باسلوب جاد او كوميدي او اي اسلوب يراه مناسبا  , ولهذا لا يستحسن لاي اديب ان يكتب المضمون  ويحدد الشكل باسلوب ميكانيكي بقدر ما يرضخ لخياله في رسم معالم ذالك المضمون  والشكل وفق قناعته في التعبير عما يعانيه من ارهاصات فكرية تجعله ينتقد الاوضاع البالية في اي مجتمع يراه لا يناسب العقل والضمير , ولا يتماشى مع القيم الانسانية لمناصرة الانسان لتحقيق رغبته في الحياة الواقعية الكريمة , او تاتي انفعالاته ومعاناته من خلال واقع طبقة ارستقراطية وبرجوازية وانتقاده لواقع حياتهم المترفة والمتعالية على واقع الفقير او من المجتمع الذي لا يستطيع ان يحقق سعادته في وسط حياة هذه الطبقة البيروقراطية والبعيدة كل البعد عن قيم وجوهر الانسانية .
ولهذا قد يكون التعبير والانتقاد اما عن طريق قصيدة شعرية او قصة قصيرة او رواية او نص مسرحي كاسلوب لتجسيد هذه المعاناة وتوجيه اانتقاداته ومن ثم يعرض البدائل والتي يعتقدها انها الاساس لخلق حياة سعيدة ترفض الفوارق الطبقية وتعترف بحقوق الانسان والتي يجب انتزاعها وبقوة ارادته لتحقيق مايبتغيه من حقوق مشروعة لحياته الخاصة .
فهكذا كانت سيرة الادباء والشعراء والفنانين , يتاثرون بسيرة من سبقهم في هذا المضمار ويؤثرون ايضا باللاحق بهم من الكتاب المتاثرين بمسيرتهم الادبية او الفنية .
لقد ولد موليير في باريس 15 كانون الثاني عام  1622في احضان عائلة كانت تعتاش على رزق الوالد ومن خلال صنعته وحرفيته في تغليف الكراسي والقنفات , وتصميم البعض منها بتصاميم اعجبت حاشية القصر والملك نفسه مما اصبح ومن خلال هذه الحرفة قريبا من القصر ونفوذه والمصمم الخاص للاثاث والاطقم من الكراسي والقنفات لديوان القصر , لقد كان الوالد فنانا في صناعة هذه القنفات مما ساعدت هذه الحرفة على توسيع علاقاته مع القصر وحاشيته ولا سيما الملك نفسه حيث اصبح الممول الوحيد للاثاث في القصر الملكي .


هذا الشاب الذي رافق والده في مهنته لم يكن يهتم بها حرصا منه على ان لا تكون له مهنة لحياته الاقتصادية , ولا سيما وان والده وكما اسلفنا انفا كان المسؤول عن تجهيز الاثاث للقصر الملكي  , ان العمل الوقتي  مع والده في القصر الملكي قد منحته اجواءا ايجابية لخلق علاقة قوية وحميمية  بعد ان عمل مساعدا لوالده داخل القصر , والذي اصبح فيما بعد من الاثرياء وتاجرا ثريا يتهافتون عليه كونه نجار القصر الملكي , لقد كسب مولير صداقة الملك لويس الرابع عشر حيث رافقه في معظم رحلاته بصفة مساعدا له , وموظبا لفراشه والاعتناء به وخدمته من تقديم الفطور والغداء . الا ان موليير لم تستسغ له هذه المهنة فانقطع عن العمل داخل القصر ليعمل في المسرح والذي احبه حد العشق  , وهذا الحب هو الذي دفعه ان يكون مسرحيا وان يتزوج من فتاة صغيرة امتهنت التمثيل , هذه الفنانة واسمها مادلين بيجارت والتي انتزعت اعجاب مولير وابهرته بجمالها مما جعلته ان يرتبط بها وحتى وفاتها في سنة 1672 , لذا فهو ضحى بالكثير  وعانى من ظلم المجتمع وجوره لنظرتهم الدونية الى جميع الفنانين ونظرتهم بمستوى مادون الاحترام , فلهذه الاسباب فقد استعار اسما له هو اسم  موليير بدلا من اسمه الحقيقي ( جان باتيست بوكلان ) ليتجنب العديد من المشاكل والاحراج والتي لم تكن تروق لاسرته يومذاك .
لقد درس مولييراضافة الى اتقانه اللغة اللاتينية القانون بعد ان انهى دراسته الثانوية ,  حيث افلح في الثقافة القانونية وتخرج بتفوق بعد ان اكتسب ثقافة عن معظم قوانين فرنسا بدرجة عالية , ولهذا سمح له بممارسة مهنة المحامات ومن خلال الدفاع عن موكليه في المحاكم الفرنسية .
لقد كان موليير ذكيا بحيث ابهر اساتذته واثار انتباههم وزملائه  في الدراسة , وتخرج من الجامعة واكتسب من ثقافة القانون  والتي ساعدته  الاطلاع على مشاكل الناس الاجتماعية اضافة الى تناقضاتها , فالهمته بافكار صاغها بنصوص مسرحية عرضت من على مسارح فرنسا مما اذهلت النقاد واستقطبت الجماهير لاعماله .
لقد استطاع موليير من خلال شهرة والده ان يتقرب من بعض المشاهير من الفنانين لكونه قد اعجب بالمسرح ومنذ صغره , ولهذا كان يتابع انشطة بعض الفنانين الوافدين الى فرنسا من اقطار اوربية لتقديم عروضهم المسرحية مما دأب على متابعة هذه الانشطة الفنية ولا سيما عندما حضر الممثل الايطالي الشهير تيبيرو فيورلي الى فرنسا وعرض شخصية المهرج مما اعجبت موليير الى حد العشق لدرجة زاده اقترابا منه واصبح من اعز اصداقائه في باريس عام 1640 .
لقد اكتسب موليير ثقافة موسعة في العلوم الكلاسيكية في كلية كليرمونت اليسوعية , ولقد اندهش لما وجده من هذه الثقافة المتنوعة في الادب والفن والدين , فقد تلقى فيها مبادىء العلوم الاساسية والفلسفة , فتعرف  في هذه الكلية على حياة العديد من المفكرين من الذين لديهم افكارا متحررة , افكارا ذات مضامين تدافع من خلالها عن قيم الانسان الحقيقية وعن حريته , ولهذا اعجب بالكاتب المسرحي الشهير سبرانو دي برجراك .
لقد ورث مولير عن والدته ثروة ومن خلال بيع ماورثه استطاع ان يصبح مشرفا على مسرح من مسارح  فرنسا , الا ان الحظ لم يسعفه ويقف بجانبه  ليساعده على تحقيق اماله واحلامه فتراكمت الديون عليه مما جعله ان يستعين ببعض الاقرباء من اجل سد القروض والديون وينقذ نفسه من السجن .
لقد اشتهر موليير بعد عدة عروض مسرحية , وشاع اسمه بحيث وصلت شهرته المسرحية الى الملك فاحتظنه وساعده بالمال الكثير مما انقذه من الضياع والتشتت ومحافظا على سمعته وشهرته المسرحية .
لقد اهتم مولير بالمراة وكسر قيودها لتاخذ مكانتها بين المجتمع , مما جعله ان يفكر بالدفاع عنها ومن خلال مسرحية ( مدرسة النساء ) هذه المسرحية والتي حققت نجاحا باهرا بحيث استخدم ثقافته القانونية في الدفاع عن المراة , والمنادات بحريتها وكسر الحواجز والخطوط الحمراء عن تحركاتها واستقلالها من اجل ان تاخذ حريتها وتنال كرامتها بشكل سواسيا مع بقية افراد المجتمع ومن دون تفريق , لقد انتقد الاساليب البالية وحاربها بكل جرأة وشجاعة متحديا من خلال دفاعه الاعراف والقوانين والتي تحيط بحرية المراة واخذ مكانتها بين المجتمع ,
لقد انتهر موليير المجتمع الفرنسي وموقفه من المراة وعالج هذا الانتهار باشكال كوميدية وساخرة وهذا ما تجلى في مسرحية ( مدرسة النساء ) واثار انتقادا موضوعيا بالمواقف المجحفة للمراة والتي كان  يمارسها المجتمع الفرنسي ضدها , مما نال هذا الانتقاد رضا المسؤولين من الاوساط الملكية ولا سيما الحاشية الملكية والوزراء والمستشارين , حيث نالت معالجة هذا النص الملك نفسه مما حدا به الى تكريمه ودعمه الدعم المادي والمعنوي 
لقد تاثر موليير بالفنانين الايطاليين حينما كانوا يتوافدون على فرنسا , ولهذا اقتبس منهم اساليب النقد والسخرية وبشكل كوميدي مما ادى هذا الاسلوب الفريد من نوعه الى شهرته والتهافت على مشاهدة عروضه المسرحية , لقد كان يتابع اعضاء فرقته ويوجه الممثلين بملاحظات تساعدهم على الاداء  في مسيرة حرفيتهم , لقد اهتم بحرفية الممثل وموجها اياهم بملاحظاته على  ان يكون ادائهم بعيدا عن التشنج والتوتر , مشجعا اياهم على التمثيل التلقائي مع الحركة التلقائية وبعيدا عن المبالغة في الاداء – كان يهتم بصقل موهبة الممثل للبعد الطبيعي والاهتمام به , كان ينتقي مفردات حواره من صلب واقع المجتمع الفرنسي , مع تحرير المخزون من الصور عند الممثلين لتجسيدها بشكل كاريكاتيري مع اهتمامه بالازياء للشخصيات الواقعية مما ابهر هذا الاسلوب الجماهير من المشاهدين وزاد تهافتهم على مشاهدة عروضه المسرحية .
ان ادارته للفرقة المسرحية جائت عن تجربة واعية مثمرة وتشجيعه لاعضاء الفرقة من المتميزين اعطت ثمارا نتجت عنها ابداعات قل نظيرها مقارنة مع بقية الفرق المسرحية في فرنسا ولهذا كان لهذا الدعم الاساس في نجاح الفرقة بعروضها المسرحية .
هذا الكاتب الكوميدي والساخر لم يكن يتوقع ان يشاهد نجاحه المسرحي والذي تسلق سلالم نجومية الكتابة , ولهذا اصبح نجمه مشهورا في الكوميد والسخرية , لقد ساعده التحول الاقتصادي لحياته المادية على دعم الفرقة وتمويلها ومكافئة العاملين معه , مما جعلهم ينبوعا من العطاء الكوميدي صانعا من خلالهم نجوما كوميديين ومشهورين بنجوميتهم , ولهذا اتمنى  من فنانينا ان ياخذوا العبرة من هذه المدرسة الكوميدية , وان يبتعدوا عن المبالغة والاستجداء من الجمهور لينالوا دعمهم المعنوي من خلال التصفيق المجامل للعروض التي يحضرونها ويشاهدونها  ,
لقد برزت نجوم كوميدية عراقية جيدة تمتلك من الاستلقائية  والاسترخاء في ادائهم , وحرصا على عدم قتل الاجتهاد الذاتي لهؤلاء النجوم سامتنع عن ذكر اسمائهم , الا انني ومن خلال مشاهداتي لبعض الاسبوتات التمثيلية والتي تنشر على صفحات التواصل الاجتماعي ينتابني الفرح واستبشر خيرا بهذه النجوم الكوميدية املا منهم الاستمرار على هذا النهج والتطوير الذاتي لادائهم في حرفية التمثيل .
لقد كان للمرحوم الراحل الفنان الرائد سليم البصري لمسات من مدرسة موليير والذي يتسم بالعفوية والتلقائية ولا سيما في مسلسله ( تحت موس الحلاق ) , وكذالك الفنان المرحوم رضا الشاطىء وفي مسلسلاته التلفزيونية ( العرضحالجي ) وكذا الحال مع الفنان الرائد الكوميدي دريد لحام في ادائه وجميع عروضه ولا سيما في مقالب ( غوار الطوشي ) تسخة من مدرسة موليير , وكذالك النجم الراحل نجيب الريحاني هو نموذج من نماذج شخصيات موليير الساخرة , حيث انه تاثر بالادب الفرنسي ومن خلال بحوثه وزيارته المتكررة الى فرنسا حيث اتسمت شخصيته بمثل هذه المدرسة الكوميدية والساخرة وبعيدة عن التشنج , فمثل هذؤلاء النجوم العراقيين والعرب ممن حرصوا على اتخاذ مدرسة خاصة بهم والتي جائت عن خلاصة بحوثهم واجتهاداتهم جعلت منهم نجوما كوميديين وبلا منازع ابهرت الجمهور والصحافة والنقاد .
ولهذا فان سلالم نجومية مولير جائت نتيجة اجتهاداته في الكتابة وتاثراته بالمسرح الايطالي والدعم الذي ناله من الملك لويس الرابع عشر في دعمه وتشجيعه على مواصلة حياته المسرحية كان لها الاثر في تطوره وشهرته بين الاوساط الفنية والادبية , مما جعله يتنقل ومع فرقته بين مدن فرنسا وعرض مسرحياته على الجمهور المشاهد والذين كانوا يتهافتون على شباك التذاكر لحجز اماكنهم في قاعة العرض المسرحي .
لقد كانت نتاجات مولير المسرحية ما يقارب الخمسة عشر مسرحية منها :
البخيل 
طبيبا رغما عنه 
طرطوف 
مريض الوهم --- الخ .
لقد عرض موليير نصوصه المسرحية والتي اخذت اشكالا واساليبا جديدة في فن الكوميد , مجسدا من خلالها افكاره وارائه باسلوب هزلي وفكاهي معتمدا باعماله ونصوصه الكوميدية على كوميدية الموقف ومنتقدا بعض المتدينين من الذين يتخذون من الدين ستارا يختفون خلفها من اجل تحقيق مصالحهم الشخصية , لقد انتهت حياة هذا الكاتب الساخر والكوميدي بعد ايام من عرض مسرحيته الاخيرة وترك بوفاته ارثا كوميديا ومدرسة ساخرة باسلوب كوميدي من العادات والتقاليد , وتشريح الطبقات المتعالية بقلمه المشرط , منتقدا اسلوبهم في الحياة وتعاملهم مع الطبقات الفقيرة والتي كان مناصرا لها .
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق