صدور كتاب مغربي "العلاج بالمسرح" يبحث في آليات العلاج بالمسرح عبر العصور ويستعرض أربع محطات تاريخية للعلاج بالمسرح لدى اليونان وعصر النهضة والمسرح الحديث والمعاصر.
تهتم الباحثة المغربية نزهة الشعشاع في كتابها الصادر حديثا “العلاج بالمسرح” بالدراما العلاجية التي تشكّل محورا أساسيا في مجموعة دراسات وأبحاث قدّمتها منذ عام 2009، والقائمة على رصد العلاقة بين الدراما العلاجية وما تحقّقه من تميّز أكاديمي.
الرباط - يهدف كتاب “العلاج بالمسرح” للباحثة المغربية نزهة الشعشاع إلى مناقشة موضوع العلاج بواسطة آليات المسرح من خلال ثلاثة فصول مقتضبة، الأول عبارة عن توطئة عامة، ويشتمل على أربعة مباحث تناقش مواضيع العلاج من حيث التعريفات اللغوية والاصطلاحية، وأنواعه كالعلاج بالطبيعة وبالطقوس والشعائر وبالأساطير والمعتقدات وبالطقوس السحرية وبالتمويه والعلاج السلوكي وبالموسيقى والرقص والمسرح، والمسرح بتعريفاته اللغوية والاصطلاحية، والعلاقة بين المسرح والعلاج وإشكالية العلاقة بينهما عبر التاريخ.
كما يحوي الفصل الثاني بدوره أربعة مباحث تقدّم جردا لأربع محطات للعلاج بالمسرح عبر التاريخ، من خلال فترات المسرح الإغريقي ومنه طقس ديونيزس وسوفوكليس وأرسطو، ومسرح عصر النهضة من خلال استعراض نماذج ماركيز دو ساد وفيليب بينيل وجوزيف كيسلان وفلاديمير إليجين وهنري بركسن، والمسرح الحديث من خلال إضاءة العلاج بواسطة السيكودراما والسوسيودراما، والمسرح المعاصر عبر مقاربة المسرح عند المحلل النفسي المغربي عبدالله زيوزيو، ومنهج المسرحي البرازيلي أوغست بوال مع المستضعفين، والعلاج بواسطة الطقوس الأفريقية والطقوس الكناوية والدراما العلاجية.
فيما يتضمّن الفصل الثالث خمسة مباحث تركّز على مناقشة تأثير مجموعة من المسرحيين العالميين على العلاج بالمسرح وهم قسطنطين ستانيسلافسكي من خلال العمل على المشاعر وتقوية اللاشعور وتطوير التشخيص وتقوية الخيال والعمل بالفطرة وتطوير المخزون العاطفي وغيرها، وأنطونين آرتو عبر الدور الكبير لجسد الممثل وأهمية تداخل الممثل والمشاهِد ووجوب تطهير المتفرّج، وبرتولت بريشت من خلال دخول المتفرّج في اللعبة المسرحية وتواجد المتفرّج داخل وخارج المسرحية وتحمّل المتفرّج لقسط من المسؤولية، وجيرزي كروتوفسكي وتأثيره في المشاهِد والممثل، وبيتر بروك ومسرح الارتجال.
وتقول الشعشاع في كتابها الصادر حديثا عن دار القرويين للنشر والتوزيع بالقنيطرة، والذي أتى في 142 صفحة من الحجم المتوسط “إن المسرح لم يكن يوما مجالا للفرجة والنقاش الحر والإبداع فقط، بل كان دائما حقلا تنسج فيه علاقات لا متناهية بين تقنياته وآليات العلاج، يلتقي فيه الأطباء المتخصّصون بمرضاهم في جميع الأوقات لحل جميع المشكلات والصعوبات الفردية والجماعية”.
المسرح لم يكن يوما مجالا للإبداع والفرجة والنقاش الثقافي فقط، بل كان حقلا تنسج فيه علاقات لا متناهية بين تقنياته وآليات العلاج
وأضافت الكاتبة أن دور المسرح في عملية العلاج لم يكن يوما وليد الصدفة، بل جاء نتيجة حتمية للعمل الجاد والدؤوب للمُتخصّصين العلاجيين من جهة، وللمجهودات الجبارة للمسرحيين العالميين الخمسة من جهة أخرى.
ويستنتج من هذا الكتاب أن المسرح ساهم كثيرا في مساعدة الإنسان المريض والإنسان السليم على حد سواء، ومكنهما من تخطي أزماتهما ومواجهة معيقاتهما والخروج منها بأقل العواقب، أو دونها؛ فالمسرح يحسّن جودة الحياة لدى جميع الأشخاص، وفي جميع الميادين، وليست له حدود بشرية، فهو يتعامل مع الفرد، كما يتعامل مع الجماعة.
ووفّر المسرح أدوات عديدة للإنسان بصفة عامة مكنته من الإحساس بالسعادة، وأداء عمله بشكل أفضل وساعدته في عملية تطوير ذاته وإعطاء صورة إيجابية لها.
وتؤكّد الشعشاع أن المسرح أظهر نجاعته وجودته في جميع دول العالم دون استثناء، وحقّق نتائج علاجية مهمة وإيجابية، ومن أجل هذا وجب التفكير مليا في إدماجه في جميع الميادين الحيوية المرتبطة بالفرد، عن طريق برمجة حصص علاجية بالمسرح كإستراتيجية للمساعدة النفسية والتربوية في جميع المجالات.
ودعت الباحثة المغربية إلى “التفكير بصوت مسموع والتساؤل إلى أي حد لدينا اليوم، نحن كمجتمع متنوّع ومتعدّد، الاستعداد لتقبل هذا النوع من العلاج؟ خاصة إذا علمنا أنه لون من البوح والتعرية، تعرية مشاكلنا ومعالجتها بطريقة فنية وجمالية وإبداعية”، موردة أن ذلك سيصب بكل تأكيد في مصلحة الإنسانية بصفة عامة، وفي تسهيل عملية العيش السليم والناجح بصفة خاصة.
وتأثرا بمدرسة التحليل النفسي التي أنشأها فرويد في عشرينات القرن الماضي برزت أولى محاولات العلاج بالدراما (سيكودراما) على يد عالم الاجتماع الأميركي جاكوب إل. مورينو (1889 – 1974) معتمدا على المسرح المرتجل العفوي في تقديم استشاراته.
وعرف عن مورينو أنه كان مناهضا لأفكار فرويد، وهو الذي كتب عن ذلك في سيرته الذاتية قائلا إن فرويد خصّه من بين الطلاب وسأله عمّا يفعل، فأجابه “أنت تحلّل أحلام الناس وأنا أعطيهم الدافع ليحلموا من جديد، أنت تحللهم لأجزاء وقطع نفسية، وأنا أساعدهم ليقوموا بإعادة هذه الأجزاء مع بعضها البعض”.
وقد تطوّر هذا المجال في التنظير والممارسة خلال العقود السابقة خاصة في تطبيقها على الطلبة لمعالجة بعض مشكلاتهم كالقلق والخجل التي تترك رواسب أكبر في حال إهمالها.
وفي العام 2007 تم تطوير السيكودراما إلى شكل جديد من العلاج النفسي التربوي من قبل المغربي مصطفى مرزوقي في شكل السيكودراما التربوية، حيث تجاوز نظرية لعب الدور للمرة الثانية، وكذلك الانحصار في فعل التطهير أو ما يسمّى بالكاترسيس، جاعلا من السيكودراما طريقة لتحقيق الكفايات التربوية علاوة على العلاج النفسي، مستفيدا من خبرته الغنية كمربّ، وموظفا لما استجد في أبحاث علم النفس التربوي بصفة عامة، والعلوم المعرفية بصفة خاصة. وبذلك أصبحت السيكودراما سلسة الولوج للفضاءات التربوية كالمدارس والجامعات والمعاهد والنوادي ودور الرعاية الاجتماعية ودور الأيتام وغير ذلك.
---------------------------------------------
المصدر : العرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق