أول مسرحية يموّلها القطاع الخاص في الجزائر تعيد النشاط للحركة المسرحية.
من النادر أن يدعم القطاع الخاص في الجزائر الأعمال المسرحية الدرامية، فعلى غرار بقية البلدان المغاربية يتوقف الدعم الخاص عند الأعمال التجارية نظرا إلى مردودها المادي. لكنّ مسرحية “غصة عبور” في الجزائر نالت أخيرا دعما حكوميا خاصا وهاما، لتقدم عرضها الشرفي على خشبة مسرح باتنة مؤخرا.
استمتع عشاق أبي الفنون بمدينة باتنة الجزائرية أخيرا بمشاهدة العرض الأول الشرفي لمسرحية “غصة عبور” الذي قُدّم على خشبة المسرح الجهوي الدكتور صالح لمباركية بالمدينة.
واستقبل الحضور الذين غصت بهم قاعة العروض العمل المسرحي الجديد لمسرح باتنة بحرارة وتفاعلوا مع أبطاله لمدة من الزمن فاقت الساعة و20 دقيقة، خاصة وأنه يمثل عودة النشاط إلى المسرح الجزائري بعد فترة توقف حتمتها الإجراءات الصحية.
الخروج من الكوميديا
مخرج المسرحية اعتمد على ديكور بسيط وركز على قدرات الفنانين الذين تمكنوا من الحضور القوي على الخشبة
تروي أحداث مسرحية “غصة عبور”، التي كتبت نصها الكاتبة الكويتية تغريد الداود وعالجها دراميا إسماعيل سوفيط وأخرجها توفيق بخوش، قصة مجموعة من الأشخاص علقوا على جسر بعد الغلق المفاجئ لمنفذيه ليصبحوا عاجزين عن العبور إلى الوجهة المقصودة أو العودة مجددا إلى المكان الذي قدموا منه.
ويتبيّن في أوج القلق الذي أصاب العالقين على الجسر ولكل واحد منهم حكاية ومأساة، أن هذا الجسر ضعيف ومهدد بالانهيار في أي لحظة، يطلب الحارس الذي يسهر على النظام بالمكان من الجميع رمي كل المتاع الزائد في البحر لسلامتهم، ليسترسل كل واحد منهم في سرد قصته في جو من الدراما.
واجتمعت في العرض المسرحي الذي كان باللغة العربية الفصحى، حسب ما أكده الفنان المسرحي شعيب بوزيد، “جمالية في لغة الحوار مما أعطى حضورا قويا للممثلين على الخشبة، دون إغفال الحبكة، وهذا ما جعله عرضا متكاملا بمعنى الكلمة، وزاد في ذلك التأليف الموسيقي الذي كان موفقا ومناسبا”.
وأضاف بوزيد أن المخرج، وهو أيضا صاحب السينوغرافيا، اعتمد على ديكور بسيط وركّز على قدرات الفنانين الذين تمكنوا من الحضور القوي على الخشبة، مبرزا أن مسرح باتنة الجهوي عاد من بعيد بإنتاجه الجديد الذي بإمكانه أن يحقق التميّز في تظاهرات ومنافسات مسرحية محلية أو عربية.
ومن جهته، لم يخف الفنان المسرحي صالح بوبير إعجابه بالمسرحية الجديدة لمسرح باتنة، وقال إنها تحمل الكثير من الجماليات والدلالات أيضا.
أما المخرج توفيق بخوش، فذكر أن المسرحية أنتجت بفريق من الفنانين الشباب بنية المشاركة في منافسة المهرجان الوطني للمسرح المحترف لسنة 2021، وقال إنه حاول من خلالها الخروج من الكوميديا وتقديم عمل في مستوى ذوق الجمهور.
وأضاف أن نص المسرحية كان رائعا مما دفع الممثلين إلى الإبداع في تقمص الشخصيات، مردفا أن العمل رغم طابعه التراجيدي إلا أن الأحاسيس فاقت الصراعات فيه.
وبشهادة الحضور فإن الممثلين الذين تم اختيارهم لتقمص الأدوار في “غصة عبور” وهم عصام خنوش وعزالدين بن عمر وعبدالرؤوف دزيري وعقبة فرحات، أبدعوا على الخشبة فيما تميز سمير أوجيت وابنته هبة في أداء دوريهما.
واستفاد عرض غصة عبور الذي تم اختياره من طرف اللجنة الفنية لمسرح باتنة الجهوي من تمويل صندوق دعم الفنون وتطويرها التابع لوزارة الثقافة والفنون، إلى جانب دعم آخر في إطار الرعاية “السبونسور” من طرف ثلاث مؤسسات خاصة بمدينة باتنة، وهي المرة الأولى التي يمول فيها القطاع الخاص أعمالا مسرحية محليا. وللإشارة فقد سبق تقديم العرض الشرفي للإنتاج المسرحي الجديد لمسرح باتنة، تكريم عدد من الوجوه التي أثرت الساحة الفنية بالولاية بمناسبة اليوم الوطني للفنان الذي يوافق الـ8 من يونيو من كل سنة حيث لاقت المبادرة استحسان الحضور.
قراءة ثانية
المسرحية تحمل الكثير من الجماليات والدلالات، وقد حافظت على رمزيتها ولغتها الفصحى في قراءتها الإخراجية الجديدة
سبق وأن قدمت مسرحية “غصة عبور” برؤية إخراجية مختلفة قدمها المخرج محمد العامري، حيث حافظ على نفس النص ولكن بروح تميل أكثر إلى التراجيديا، فعلى جسر بين ضفتين يحاول الحارس أن يمنع الناس من التجمع فوقه، لأنه جسر ضعيف قد ينهار في أي لحظة، وهو الجسر الوحيد للعبور بين الضفتين، فيما نجد الشخصيات العالقة تنخرط في مآسيها وتسترجع آلامها.
وفي المسرحية نجد الشاب الفارّ من جحيم القتل والدمار، والمرأة الحامل التي حاولت الانتحار على الجسر، وهي فارة أيضا من زوجها الإرهابي الذي أغواها حتى هربت معه وتزوجته، كذلك الرجل المسن القادم من بلاد الغربة التي امتهنته وأكلت عمره، والشاب الذي يحمل جنسية أجنبية واسماً أجنبياً، فهو عائد إلى وطنه الأصلي وحارته التي تربى فيها.
المسرحية الجزائرية وإن حافظت على جوهر هذه الشخصيات فإنها قامت بتحويرها بعض الشيء من خلال الدراماتورجيا التي قام بها إسماعيل سوفيط، والذي أبقى على النص الأصلي بالعربية الفصحى، ولكنه توغل أكثر في قضايا كل شخصية وخفف نوعا ما من البعد المأساوي بأن يجعل لكل حكاية تفاصيل مثيرة، وخاصة من خلال الإضافات الموسيقية التي ساهمت في الحركية الدرامية وفي إعطاء روح جديدة للنص شأنها شأن السينوغرافيا التي توخت البساطة.
----------------------------------------
المصدر : باتنة الجزائر - العرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق