الفنون التشكيلية ..الفنون المسرحية ..الفنون الموسيقية
وعلاقة كل منهما بالاخر
في بداية السنة الدراسيه في معهد الفنون الجميله سألت طلبة المرحلة الاولى ( السمعيه والمرئيه ) عن تعريف الفن ,فارتفعت الاكف الى الاعلى وكل منهم يحاول ان يسبق الاخر في الاجابة على هذا السؤال فأذنت لاول طالب بالاجابة فقال معرفا الفن : هو عبارة عن محاكاة للطبيعة , فاشرت له بالجلوس ,اما الثاني , فاجاب بان الفن هو عبارة عن احاسيس من الواقع الاجتماعي تعرض بشكل فني للمشاهدين , والاخر اجاب ان الفن هو مراة للمجتمع تعكس المعانات والمشاكل الانسانية , وهنا اكتفيت بالاجابة وقلت لهم : كل ماذكرتموه من التعاريف هو صحيح .
اذن اعزائي , الفن هو عبارة عن احاسيس ووجهات نظر , تصب في اطار وشكل جميل يعبر عن الرؤية الحياتية للانسان , والنظرة الشامله للحياة الاجتماعية التي يعيشها , ولكل مرحلة من مراحل التاريخ والحياة الاجتماعية لها خصوصية التعبير والانعكاسات النفسية للفرد لما تحمله ردود افعاله للعادات والتقاليد البالية والتي يتمرد عليها, وتنعكس عن رد فعل يجسده من خلال محاورة لشخوص تحمل من الافكار والاراء المتضادة الواحد ضد الاخر في نص مسرحي , تراجيديان كان ام كوميديان
فالحياة وبطبيعتها الجميلة , تحمل من الاشكال والالوان الزاهية ما تبهر النفس , ومن دون تدخل الانسان , في صيرورتها وكينونتها , او صقلها وهندستها وتنسيقها , انما هي هكذا , انوجدت منذ الازل وبفعل التغييرات الجيولوجية , والتضاريس الارضبة والغير الساكنة والمتغيرة مع الاحقاب الزمنية , اخذت مسارا طبيعيا , تعكس من خلال ماتمخضت عنه العوامل الجيولوجية والطبيعية في نحت الصخور , الصخور , ونمو الاشجار , وانحنائات الانهر , واستحداث الجداول , واصوات الشلالات , والمنبعثه من المنحدرات الطبيعية والجمالية , لما تحمله الطبيعة , من خصائص الجمال والانبهار , والمتمثلة باشكال جميلة والوان زاهية تهفو لها الانفس , واصوات متناسقة من الطبيعة الساحرة , يستانس لها الانسان المتامل والمختلي مع نفسه واجوائها الساحرة .
وبالتاكيد اعزائي , ان الطبيعة هي هكذا بجمالها الساحر اثرت في نفوس الكثير من الفنانين التشكيليين والذين جسدوا من ابداعاتهم بمحاكات الطبيعة على لوحاتهم باشكالها والوانها الزاهية , وبمناظرها الخلابة , والتي تنعكس من خلال ردود افعالهم الداخلية واحاسيسهم المنبعثة من نتيجة عوامل التفاعل مع ردود افعال مايبهرهم من المناظر الطبيعية الجميلة , منعكسة بالوانها الزاهية , وبرؤية , اكثر جمالا واحساسا مما هو عليه في الطبيعة , لان اللوحة التشكيلية ,لا تكتمل الا من خلال ريشة الفنان نفسه , والتي تحمل احاسيسه الصادقة وردود افعاله باتجاه ماينقله من الواقع الى اللوحة التشكيلية , فيها المضمون المرئي والحسي , ورؤيته , من خلال اختيارات رموزه من الالوان والحركة في داخل الاطار التشكيلي , والتي تعبر اخيرا عن الرؤية الابداعية , باتجاه اي منظر طبيعي واقعي , انما باسلوب شيق يحمل من خلاله ابداعات الفنان نفسه .
يقول الفنان التشكيلي المغربي العربي نصر الدين محمد في ريبورتاجا لموقع الصحيفة المغربيه ((((( شخصيا استثمر كل ماتلتقطه عيني لكن اعيدها بطريقة فنية اطبعها بتقنيتي الخاصه , واذا اختمرت اللوحه في الذهن , اكشف عنها وعن جمالها اللامرئي , ليصير مرئيا , ومن ثم اتقاسمه مع المتلقي , كما اشاركه اللحظات الصوفية ونشوة الابداع والخلق والحلم , واقدم له العصارة في طبق من الالوان الدافئة والصاخبه , كما اسعى الى ابراز محاسن الطبيعة وجمالها , مستجيبا لصوت داخلي , ولطقس ابداعي اعيشه خلال تناول السند بالفرشاة والالوان )))) .
خشبة المسرح , واطار اللوحة التشكيلية
واذا ماشئنا في البحث عن العلاقة المشتركة مابين الفنون التشكيلية والفنون المسرحية , سنلاحظ ان هناك خشية داخل الافريم ( الاطار للوحة التشكيلية ) , وهو مايشبه خشبة المسرح , والتي نطرح من خلالها انعكاسات الواقع بسلبياته وايجابياته , من خلال نص وشخوص مسرحية , اضافة الى المستلزمات من التقنيات الفنية والسينوغراغيا المسرحية ( الاكسسوارات والاثاث والديكور وكل ملحقاتها والتي تساعد على اكمال الصورة المتحركة من على خشبة المسرح ) .
اما في الفنون التشكيلية , هناك الاطار والذي من داخله يعرض الفنان التشكيلي رؤيته واحاسيسه , واما ما يساعد على ابراز وتجسيد هذه الرؤية , هي الفرشاة والالوان والمساحة الخلفية للوحة التشكيلية , فقد تختلف الادوات والمعدات والمستلزمات والتقنيات الفنية , كوسائل تنفيذ وتجسيد , الا ان المحصلة المشتركة مابين الاثنين و التي يستقبلها المتلقي , هي الاحاسيس وردود الافعال , والمتعة فيما يستقبل من المسرح واللوحة التشكيلية .
ففي اطار خشبة المسرح , نلاحظ لوحة تشكيلية حسية وسمعية , ومتحركة , يرسمها المخرج من خلال نص مسرحي يتضمن حوارا وشخوص , وهذه الشخوص , تتحرك وفق حركة اخراجية يرسمها المخرج , وفق مايملكه من التجارب المكتسبة والمختزنة , والاحاسيس الداخلية , والرؤية الابداعية , باسلوب تعبر عن ثقافته
التوازن المسرحي في توزيع الكتل وتصميم الديكور , وكذا الحال في اللوحة التشكيلية
في المسرح , يراعى توزيع قطع الديكور والاكسسوارات وملحقاتها , بشكل متوازن لمسقط رؤية المتلقي ( الميزانسين المسرحي ) ,كذا الحال في توزيع الكتل والالوان في اللوحة التشكيلية , اضافة الى ان في المسرح يراعى الوان ملابس الشخوص المسرحية والمنسجمة مع الوان الديكور والاضاءة المسرحية , لانه في بعض المسرحيات للالوان دلالات ايمائية ورمزية تعكس من خلالها الحالات النفسية للشخصية , اضافة الى انها تساعد على توضيح معالم الشخصيات المسرحية , من شخصيات ماساوية وحاقدة ورومانسية وبهلوانية وكل منهم له الوانه والتي منها يستدل المتلقي عن ماتعنيه هذه الرموز اللونية , وكذا الحال في اللوحة التشكيلية , حينما يراعي الفنان التشكيلي عملية مزج الالوان , للحصول على الالوان المراد ابرازها في اللوحة التشكيلية , وبموجب مايوحي للفنان التشكيلي ليخدم كل لون تصميم اللوحة الفنية وتجسد المعاني والاحاسيس النابعة من ردود افعال انعكاسية من ذات الفنان نفسه نتيجة التفاعلات ووجهات نظره لما يشاهده وينقله من الطبيعه الى اللوحة الفنية ,اضافة انه يراعي فيها توزيع الكتل اللونية ومزجها , وكتل التكوينات في الطبيعة ( الجبال , النهر , الاشجار , البيوت , السماء والغيوم ----الخ ) المنقولة منها ام الموحية له من وفق خياله , وتوزيعها على مساحة اللوحة مراعيا في ذلك التوازن في التوزيع ( الميزانسيت ) مما يساعد المتلقي على الاستمتاع بمشاهدة اللوحة ومتابعة مضمونها , اضافة الى كل هذا تضفي من الراحة النفسية للمتلقي لمتابعة تفاصيل اللوحة التشكيلية .
الايقاع في المسرح ,وفي اللوحة التشكيلية
في المسرح : يراعى عملية البناء من خلال ايقاع الكلمه , والجملة , والحوار المتكامل , هذا الايقاع , يساعد على خلق عنصر المتابعة عند المتلقي لاستقبال الفكرة الرئيسية , عن طريق الاحداث المتناميه , الناتجة من عنصري الصراع ( السالب والموجب ) وبموجبهما نصل الى العقدة , ومن ثم الذروة , لنحط رحالنا عند المحطة الاخيرة لنهاية العرض المسرحي ( كوميديان , كان , ام تراجيديان ) الا وهي المحطة الاخيرة , الحل .
في اللوحة التشكيلية : يكون الايقاع من الضروريات والتي تساعد المتلقي , على متابعة اجزاء وتفاصيل اللوحة التشكيلية , بمتابعة خالية من الضجر والملل , اضافة الى خلق المتعة عند المتلقي , من خلال ماتعكسه هذه اللوحة , من تاثيرات حسية ونفسية , تدعه يتابع اجزاء وتفاصيل التكوينات الكتلية , والالوان الممزوجة , والتي يراعي فيها الفنان التشكيلي في رسمه عملية التوازن الكتلي مابين اطراف اللوحة , اضافة الى ذالك ,الايقاع والحركة للوحة التشكيلية .
العوامل الحسية والمخفية , عند المخرج المسرحي والفنان التشكيلي
ناتي الى العوامل الحسية والمخفية لكل من المخرج المسرحي والفنان التشكيلي , حيث لكل منهما قدرة تجسيد الرؤية والخيال , وقدرة الابتكار والابداع , في رسم الحركة والتكوينات الجمالية , اضافة الى امتلاكهما لردود الافعال الحسية الانعكاسية ,والتي تتجسد على المسرح او على اللوحة الفنية , ناتي على عنصري الحركة لكليهما : فكما ان في المسرح حركة في انتفال الممثل والتي تعكس ظرفه , والحالة التي هو عليها , كذالك في اللوحة التشكيلية , تملك هذه الميزة , مثال على ذالك : في اللوحة الفنية التشكيلية , نشاهد ان هناك سيارة , فمن اجل توضيح واقع حال هذه السيارة , يضيف الفنان التشكيلي رسم لدخان محركها يجسد بهذا واقح حال ظرفها ,بان محركها يشتغل , او لوحة لمنظر البحر , فاذا اضاف الفنان التشكيلي حركة اعاصير هوائية , اولا سيعطينا واقع حال الحالة الجوية , ثم اضافة على التاكيد لظرف واقع الحالة الجوية, بامكانه رسم هيجان لامواج البحر , ومن خلال هذه الحركات التي يخلقها الفنان التشكيلي داخل اللوحة تتمكن اللوحة من توصيل الواقع الظرفي لكل جزء من اجزاء الكتل المرسومة فيها .
ماهي تاثيرات الفن التشكيلي على المخرج المسرحي هناك فوائد متعددة , يكتسبها المخرج المسرحي , في حالة اطلاعه على اللوحات التشكيلية والتمعن في اجزاء تكويناتها وحركاتها , واكتشاف العلاقة مابين هذه التكوينات , وجمالية انسجامها , تساعد الفنان المسرحي على اكتشاف مايساعده من هذه اللوحة الفنية , باقتباسه , بعض الحركات ومن توزيع الكتل فيها , وتسخير هذا الاقتباس الى المسرح, وتكييفه وفق مايخدم جمالية العرض المسرحي , وهنا لا يسعني الا ذكر هذه الحقيقة والتي تعلمتها من زميلي وصديق طفولتي واخي المرحوم المخرج المتالق والقدير الفنان د.عوني كرومي حينما كان يقترح عليا زيارة المعارض والقاعات للفنون التشكيلية ( جمعية الفنون التشكيلية في الكرخ , وقاعة كوبلنكيان في ساحة الطيران في بغداد , ودائرة الفنون التشكيلية في الشواكه , اضافة الى العروض الطلابية لطلبة معهد الفنون الجميلة , واكاديمية الفنون الجميلة ) جميع ماكنا نشاهده من اللوحات التشكيلية المعروضة ,نستجمعها ونختزنها في ذاكرتنا ( تجارب مكتسبه ) لنستخدمها لخدمة عروضنا المسرحية , وهذا بالفعل ماطبقته في تحريك المجاميع في مسرحية رصيف الغضب للكاتب صباح عطوان ,والتي شاركت في المهرجان القري الاول للمسرح العمالي في دمشق , وحازت على الجائزة الاولى في الاخراج .
النظرة الاجتماعية المشتركة لجميع الفنون والفنانين :
لو استعرضنا الاحقاب التاريخية لمجتمعنا العربي والعراقي خاصة ,ونظرتهم للفنون وللفنانين قاطبة ( المسرحيون والتشكيليون والموسيقيون ) لتوقفنا على عدة عوامل وظروف خارجة عن ارادة الفنان في هذا المجتمع , ولا سيما في المجتمع العراقي , وكل مرحلة من مراحل الحياة الاجتماعية , ظروفها وثقافتها , وفي لحظات التامل والتفكير , واستعراض التاريخ والحياة الاجتماعية التي عاشها فنانونا الرواد , وضيق تفكير مجتمعنا ونظرتهم الاشمئزازية والاحيقارية لفنانينا , حددت نشاطتهم على مساحة ضيقة , لم تساعدهم على تجسيد احاسيسهم وافكارهم وابداعاتهم , في انشطتهم وانتاجاتهم الفنية , وكذالك هذه النظرة المتدنية والرقابة الصارمة من قبل السلطة , قيدت حريتهم وحددت اختياراتهم للمواضيع والافكار التي تنسجم مع سياستها , في الوقت الذي كان الفنان يتجدد بافكاره وتطلعاته من مرحلة واخرى من حياته , كل منها وحسي مراحل الظروف الطارئة والتي كانت تحيط بالفنانين , وتغير من حالته الثقافية ونظرته للحياة وللمجتمع , ونظرة المجتمع له , هذه العلاقة مابين الطرفين كانت علاقة جدلية , حددت علاقة كل منهما بالاخر , مما زادت في معانات الفنانين وحددت انشطتهم وابداعاتهم , فكانت هذه النظرة المادونية للفن وللفنانين , قد لعبت دورا بنتاجات اعمالهم الفنية ( المسرحية والتشكيلية والموسيقية ) .يقول الفنان القدير والمتالق في عالم الاخراج والتمثيل د. سامي عبد الحميد , متعه الله في صحة جيدة وامده بالعمر المديد ((( لقد عانينا اشد المعاناة من اجل تغيير نظرة المجتمع لنا , ولا سيما نظرتهم للعنصر النسوي , وتوصلنا الى حالة من الطموح والهدف المنشود , في استقطاب جمهور مسرحي مثقف واسع وشاسع , استمر في متابعة انشطتنا وانتاجاتنا المسرحية )))) .
اذن اعزائي واحبتي , هكذا عانى روادنا من اجل تغيير نظرة المجتمع باتجاه الفنان , واستطاعوا تغيير النظرة المادونية الى نظرة الاعجاب والدعم والتشجيع بمتابعة الاعمال المسرحية , واستطاعوا ايضا ان يغيروا وجهة نظر المؤسسات المعنية , واعتمادهم اعمدة من اعمدة الثقافة يعتمدونهم في المحافل العربية والدولية , فهذه عوامل مهمة واساسية وايجابيه اضفت نوعا من الدعم والتشجيع للفنانين ساعدتهم بالتوسع في مجال البحث وطورت من امكانياتهم ومهاراتهم وابتكاراتهم وابداعاتهم , ساعدتهم على الخروج من المساحات الضيقة في ممارسات اعمالهم الفنية , الى عالم واسع , استطاعوا وبكل مقدرة واقتدار , ان يحاكوا الطبيعة الخلابة بمناظرها والوانها الزاهية , واحاسيسهم المنطلقة من النظرة التفائلية للفن ولرسالته العظيمة , بحيث اخذت في معظم الاحيان , روافد الفنون المختلفة , والنابعة من المعين الخاص لكل منهم , ان تصب في رافد رئيسي , لتمتزج وسائل التعبير فيما بينها , وتاثير الواحدة بالاخرى , وتكاثفت وسائل الابداع ىفي رافد واحد ,لينتج عنها لوحات تعبيرية , هي بمثابة الرؤية الحقيقية لكل فنان مبدع , ان كان في مجال التشكيل وروافده , والموسيقى ووسائلها ,والمسرح وبمذاهبه المتنوعة ومدارسه الحديثة .
فالفنان التشكيلي اخذ يجسد وجهة نظره للمنظور الجمالي والمتوازن لتصاميم الديكورات المسرحية , وكيفية مزج الالوان المختلفة والتي تنسجم مع الجو العام للعمل المسرحي , وتساعد ايضا على اضفاء الحالة النفسية كعامل مساعد لتجسيد الجو العام للعرض المسرحي , وهذا التلاحم , والانسجام , ياتي من خلال نظرة ورؤية الفنان التشكيلي ,والمتطابقة مع رؤية المخرج لتسخيرها لخدمة العرض المسرحي , اضافة الى تقنيات الفنون المسرحية , والتي تستخدم كل منها وحسب تصميمها ,الاضاءة والوانها , والاسلايدات والمؤثرات الصورية لخدمة العرض المسرحي , اضافة الى تصميم الملابس , ومراعات الوانها وانسجامها مع الوان الديكور والاضائة المسرحية .
وتاتي الفنون الموسيقية , واختياراتها المنسجمة مع الجو العام للعرض المسرحي , ولا سيما في افتتاحية العرض, حيث تساعد على توصيل هذا الجو للمتلقي وجعله يتهيأ لاستقبال اجواء العرض المسرحي , وتصميم الموسيقى التصويرية واختياراتها , نوعين : اولهما يتم الاستماع الى انواع المؤلفات الموسيقية , واختيارات مايلائم منها , او تكليف احد الموسيقيين بتاليف مقطوعة موسيقية مؤلفة للعرض المسرحي نفسه , بحيث ياتي هذا التاليف منسجما مع الجو العام للعرض المسرحي ,ويتناسب مع نوعية العرض , ان كان تراجيديان , او كوميديان , او ميلودراما , اضافة الى مساعدة الممثل في بعض الاحيان على اضفاء حالة من حالات الابداع في التمثيل , ومساعدة المتلقي لتكييف نفسه للحالة النفسية وللجو العام للعرض المسرحي , وكما ان هذه الموسيقى لها الفضل لربط المشاهد والفصول المسرحية , وكل منها وحسب مايتطلبه البناء الدرامي والفعل المتنامي للوصول الى رؤية اخراجية متفتحة فيها شيئان من الابداع والتواصل , اضافة الى انها تساعد المتلقي على متابعة الاحداث والمشاهد والفصول ووصولا الى النهاية .
في مجلة التشكيلي ( حوار وراي) يقول الفنان التشكيلي محمد يوسف , وبعنوان ((( هربت الى الطبيعة بعد ان خنقني الجدار ))) ((((( انا محظوظ لاسباب كثيرة , فالتشكيل يحتوي على صور متحركه اجسدها في شكل احاول ان اجعله يبدو متحركا , اما المسرح فاشياء في العقل جامدة احركها على خشبة المسرح , فتركيبات الشخصيات وقرائتي للسينوغرافيا في المسرح , وتكوينات الديكور , وشكل الاضاءة وتاثيره , والمؤثرات الخارجية والبيئة المحيطة بالمسرح , كلها موجودة في الفن التشكيلي , علاقتي بالممثل وعلاقة الممثل بقطع الديكور من حوله , كل هذا فن متحرك .
المسرح دائما يحرك فكرة على خشبة المسرح , هناك علاقة بين مرسل ومستقبل , نفس الشيىء في التشكيل , العمل الذي لم يستطيع الوصول الى قلب المتلقي عن طريق بصره والمخزون الثقافي لديه وما يمتلك من تراكمات حياتية , يصبح عملا فاشلا , اما فشل في الفكرة او الديكور او اي عنصر من عناصر المسرح , التشكيل والمسرح صورتان متكاملتان تماما كما اعتقد لاسباب كثيرة , فلقد دخلنا في الالفية الثالثه وذابت التقسيمات الفنية , فلم يعد هناك فن تاثيري او سريالي اللهم الا الاعمال المتحفيه , ولكن , هل تنتهي مع نهاية المدارس ؟ ومالذي يمكن اضافته لها ؟ انا لن اكون دافنشي , او مايكل انجلو , او جيكوميتي جديد , واتصور اننا لو كنا وقفنا عند هؤلاء الفنانين لما كانت هناك فنون جديدة واجهزه اعلامية جديدة , لذا فان المسرح والفن التشكيلي هما اللذان يجددان كل الاشياء , فاالوعي اختلف والظروف الانسانية تغيرت , فانا تعلمت في ظروف اقل بكثير من الظروف التي يتعلم فيها ابني , وكذالك الاخلاقيات تغيرت , ولو لم يكن هناك صراع فكري بين جيلين لما تم تطور للفنون ))))))
اذن عزيزي القارىء , عزيزي الطالب , نعود مرة ثاتية الى الفن وتعريفه الشامل , هو ابداع وابتكار ومحاكات ولغة استخدمها الانسان للتعبير عن ذاته وعن احاسيسه الداخلية بشكل يسمو الى الجمال والابداع , وقد اثبتت الدراسات الحديثه , بان علاقة الفنون ( التشكيلية والمسرحية والموسيقية ) هي علاقة وجدانية وملحمية اذا اتحدت مع بعضها نتج عنها فعل متحرك ومحرك ايضا لاحاسيس الانسان ولا سيما في الفنون المسرحية , وكذا الحال في الموسيقى والتشكيل , الا ان هذا الفعل والصورة المثالية لهذه الابداعات الفنية , لا تاتي الا من خلال تفاعل الانسان وبما يحسه ويعكسه من خلال شكل يمتلك قيمة جمالية وابداعيه وبموجب قيمة نسبوية فلسفية وجمالية وفكرية تعبر عن الخلفية الثقافية للفنان ,
ففي مسرحية الشيخ والقضية ( وهي من تاليفي واخراجي )والتي عرضت من على مسرح بغداد في العراق , كان الديكور من تصميم الفنان التشكيلي الرائد الاستاذ سامي البازي , حيث تمازجت الالوان في هذا التصميم الرائع ساعدت على تجسيد الجو العام لمضمون المسرحية , اضافة الى هذا جاء تصميم الديكور عن فهم وادراك لفكرة المسرحية , وساعدتني ايضا على تجسيد الرؤيا الاخراجية , من خلال خلق علاقة المجاميع مع الديكور وابراز جمالية التكوينات من خلال هذه العلاقة ,وهذا ماجاء الا من خلال تلاحم الوسيلتان التعبيريتان للفن التشكيلي ( في تصميم الديكور ) وكذالك الصورة المتحركة من خلال الشخوص المتحركة اي الممثلين على المسرح .
اذن هنا لدينا لوحتان متجانستان مشتركتان ومرئيتان في العرض المسرحي :
اولا , الفن التشكيلي والثابت بوضعيته والمتوازن المنظور والمحرك لاحاسيس المتلقي ,وتهيئته للمعايشة مع الجو العام للعرض المسرحي , اضافة الى هذا باستطاعة الفنان التشكيلي ان يجسد فكرة ومضمون المسرحية من خلال بعض الحركات الشكلية والرمزية والتي يبرزها من خلال تصميم الديكور .
ثانيا , الفن المسرحي بلوحته المتحركة الشخوص وفق مامرسوم للحركة الاخراجية في العرض المسرحي , اضافة الى الوان ملابس هذه الشخوص والاضاءة المختلفة الالوان وحسب متطلبات الاخراج المسرحي ,ينتج من هذا مايلي :
لقد اشتركتا الفنون التشكيلية وملحقاتها من التصميم والالوان وحركات التصميم الناطقة من خلال الحركات التعبيرية والرمزية والموجودة في هذا التصميم ,والفنون المسرحية بالشخوص وبالملابس وكما ذكرنا انفا وبالوانها وتكييف حركات وانتقالات الممثلين وخلق عملية توازن المنظور المسرحي , وخلق علاقة مع التصميم التشكيلي للديكور , مجسدين فكرة النص اضافة الى مساعدة توصيل الاجواء التي يبغيها العرض المسرحي , كل منهما ( الفن التشكيلي والفن المسرحي ) يؤدي وظيفته وبموجب ماجاء من وحي الفنان التشكيلي
من دراسته للنص المسرحي , وكذالك عما تمخضت الرؤية الاخراجية للمخرج المسرحي , اضافة الى الفنون التشكيلية والفنون المسرحية هناك رافد اخر يشترك مابين الاثنين ليكمل بمشاركته ,مايتطلبه العرض المسرحي , الا وهو فن الموسيقى والغناء , ففي مسرحية ايام العطالة للكاتب التقدمي العراقي المرحوم ادمون صيري كلفت الفنان المتالق جعفر حسن بتاليف الموسيقى التصويرية للمسرحية , وبعد دراسته للنص ومشاهدته لبعض التمارين استطاع هذا الفنان ان يتالق بمقطوعته الموسيقية والتي اضفت جوا ابداعيا ساعدت المتلقي على ان يعيش احداث العمل المسرحي وان يندمج مع الاحداث , وهكذا اجتمعت هذه الفنون التشكيلية والمسرحية والموسيقية ( المسرح الغنائي والاوبرالي ) وكل منهما يعبر عن الاحاسيس الداخلية والتي ماجائت الا من خلال التاثر والتاثير المتبادل مابين الفنان والمجتمع , والتي يبرزها كل من الفنان المسرحي والتشكيلي والموسيقي , كل منهما وحسب ماتوحي له احاسيسه الداخلية , وردود افعاله الانعكاسية وصور الخيال والتخيل والتي يحملها الفنانين ( التشكيليين والمسرحيين والموسيقيين ) وكل منهما يهدف الى الى خدمة العرض المسرحي والمنسجم مع الفكرة الرئيسية التي جسدها المؤلف المسرحي من خلال النص .
وهنا قد تبرز مشكلة لمستوى احدى هذه الفنون في خدمتها للعرض المسرحي , قد يكون لتصميم الديكور ضخامة وبهرجة تطغي على الاخراج المسرحي , بحيث لا يمكن للمخرج المسرحي ان يستخدمه لخدمة العرض المسرحي , او قد تكون المقطوعات الموسيقية للمشاهد والفصول المسرحية لا ترتقي الى قوة اداء الممثلين , او قد تكون القدرة الاخراجية اكثر قوة من تصميم الديكور والفواصل الموسيقية , فهنا يحدث تخلخل وعدم التوازن مابين عناصر ومقومات العمل المسرحي ككل , وكل منهم على حساب الاخر .
اذن , من الضروري جدا التوافق مابين قدرة هذه الفنون على تقديم مايخدم العرض المسرحي , كل منها وحسب ابداعاتها لخدمة العرض المسرحي متكاتفة من اجل تجسيد لوحة تشكيلية متحركة من على خشبة المسرح ومسموعة من قبل المتلقي للموسيقى وللحوار المسرحي في تلاحم وجداني وابداعي وجمالي .
فالفنون التشكيلية اضافة الى كونها فنون مرئية , هي فنون متحركة وحسية , تحرك احاسيس المتلقي من خلال مايشاهدونه من مضمون اللوحة الفنية , والنابعة من خلجات الانسان التاملية المنطلقة من اجواء الطبيعة وما تملكه من الاشكال والمناظر الخلابة والالوان الزاهية والاحاسيس التي تحرك المتامل باتجاه ردود افعال انعكاسية تنطبع على اللوحة الفنية .
اما الفنون المسرحية , اضافة الى كونها فنون حسية مشتركة مع الفنون التشكيلية بهذه الصفة والمتفاعلة مع الاحاسيس والوجدان النابع من ردود افعال الفنان المسرحي الى المتلقي انما تختلف عن الفنون التشكيلية انها صور متحركة مرئية وناطقة وسمعية اضافة الى كونهاحسية .
اما الفنون الموسيقية , اذا مااستعرضنا علاقتها ببقية الفنون , لتوصلنا الى ان هذا الفن هو فن حسي وسمعي نابع عن احاسيس المؤلف والملحن الموسيقي والذي يصل الى المتلقي ليتفاعل مع احاسيسه ووجدانه وفق صورة يتخيلها المتلقي وبموجب تاثيرات القطعة الموسيقية , اي بعبارة اخرى , ان هذا الفن الموسيقي , هو فن احساس وسمعي وانعكاسات لردود الافعال الانعكاسية للفنان الموسيقي , يشترك مع بقية الفنون بانه سمعي وحسي ويختلف عنهم بانه غير مرئي ومتحرك .
اذن اعزائي واحبتي , الى هنا اكتفي بهذا القدر من الشرح عن الفن التشكيلي والفن المسرحي والفن الموسيقي وعلاقة كل منهما مع الاخر , ارجو انني قد اكتفيت ووفيت .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق