الكاتب نغم عرنوق |
مسرحية " سهرة على سطح الكوكب "تأليف نغم عرنوق
بُنِيَ هذا النص على فكرة من رواية «سرّ الصبر» للروائي النرويجي «جوستاين غاردر».
ومن خلال ورشة عمل مع فرقة المسرح الجامعي في طرطوس، سورية، 2009.
المشهد الأوّل
(إضاءة على البحّار، مستلقٍ على الأرض نائمٌ بعمق، أشباحٌ تقف حوله في الظلام كأنّها أحلامه أو كشفٌ للمستقبل.. يتّشحون بالبياض بشكل يخفي شاراتهم ووجوههم، يأتي صوت الجوقة من الخلفية)
الجوقة: «تغرقُ السفينةُ في البحرِ الهائجْ.. يرسو البحّارُ الوحيدُ الذي نجا.. على جزيرةٍ لا تَني تتسّعُ معَ خَطَوَاتِهِ».
(يستيقظ البحّار، يستكشف المكان حوله)
الجوقة: مُنذ أن وصلَ إلى هذا الوادي.. أدرك أنّ عليه أن يبنيَ عالَمَهُ الجديدْ.. منْزلَه، مصادرَ غذائِهِ وكِسائِهْ.... وشركاءَهُ..
(البحّار جالس أمام ما يشبه الكوخ، ينظر في الفضاء)
الجوقة: زرعَ الأرضَ، روّضَ الحيواناتْ، وجلسَ وتذكّرَ وتأمّلْ.. «يُخفِي جيبُ السُتْرَةِ عُلْبَةَ وَرَقِ لَعِبٍ.. ثلاثٌ وخمسونَ شخصيّةً، تُلازم ابنَ الزَجّاجِ على مدى سنواتٍ طويلةْ».
(البحّار جالس يفتح الورق أمام الكوخ، ثمّ يتّكئ وينام)
الجوقة: «قبل أن تَبهُتَ الألوان، تولدُ ثلاثٌ وخمسونَ شخصيةً، يتّخَذِونَ هيئاتٍ في مخيّلةِ البحّارِ الذي يعيش في عزلةْ.. شخصيّاتٌ غريبةٌ تتراقصُ في وَعْيِ السيّدْ..... عندما ينامُ السيّدْ تحيا حياتَها الخاصّةْ».
(مع الجملة الأخيرة، يتحرّك الممثّلون مع الموسيقى كالأشباح، حول البحّار النائم، وما زالوا يخفون شاراتهم، وحين يتململ البحّار تعود الشخصيات إلى أماكنها في الوضع السابق، يستيقظ البحّار)
البحّار: «ثمّةَ ما يترصّدُ فرصةً للظهور.. ثمّة ما يُصيخُ أُذُناً ويفتح عيناً.. يطلَع من الحَساءِ البِدائي الكثيفْ.. عبر الكهوفِ وفوق أُفُقِ السهوبْ...» أرسمكم من ذكرياتٍ باقيةْ.. من أحلامٍ لأُناسٍ يَهيمونَ على وجوهِهِم في أصقاعِ هذه الأرضْ.. ومن توقٍ للكَشفِ لا ينتهي.
(ينهض البحّار مع الموسيقى، ويبدأ بالحركة أمام الأشباح وكأنّه يخلق شخصيّات ورق اللعب من خلال التعبير الحركي مع الموسيقى، فيبدأ هؤلاء، بالتتالي، بالحركة متجاوبين معه في الرقص التعبيري، كاشفين عن شاراتهم التي تدلّ على شخصياتهم، دون أيّة ملامسة أو احتكاك بينهم وبينه. بعد أن يخلق جميع الشخصيات وآخرهم الجوكر، يمسك الجوكر بيد البحّار أثناء الرقص، فينتفض الأخير مرتعباً من تجسّدهم، ويدور بينهم كالمجنون إلى أن يجلس أرضاً، وهو لا يفهم بعد ما حصل، فيما هم مستمرّون بالرقص غير آبهين لدهشته وذهوله، تعتيم)
المشهد الثاني
(إضاءة على آس الكبّا جالسة، يدخل 2 السباتي إليها)
2 السباتي: أتوَدّينَ أن أُساعِدَك بسقايةِ الزهور؟
آس الكبّا: أجل، هل أعْجَبَتْكَ زراعَةُ الزهورْ؟
2 السباتي: نعم، حين أكبُرُ أكثرْ سأعمل في الزراعة.
آس الكبّا: إذن عليك مُنْذُ الآنَ أن تُرافِقَني لتتعلّمْ.. واسألني عن أيِّ شيءٍ لا تعرفُهْ.
2 السباتي: لديَّ أسئلةٌ كثيرةْ.
آس الكبّا: مثلُ ماذا؟
2 السباتي: من أين تأتي المياه؟
آس الكبّا: من جوفِ الأرضْ.
2 السباتي: ومن أين تأتي إلى جوفِ الأرض؟
آس الكبّا: أعتقد أنّها تأتي من المطرِ في السماء.
2 السباتي: ومن أين يأتي الماءُ إلى السماء؟
آس الكبّا: آآ... لا أعرفْ..
2 السباتي: قُلْتِ لي أن أسْألَكِ، ولا تعرفين؟
آس الكبّا: أعرف كلَّ شيءٍ تقريباً عن زراعةِ الزهور.. لمَ لا تسأل البحّار عَنِ المطر؟
2 السباتي: هل يعرفُ البحّارُ كلَّ شيء؟
(إضاءة على 9 الديناري التي تدخل تعبة وتجلس بعيداً عنهما وتنتبه لوجودهما وتبدأ بالمراقبة)
آس الكبّا: أظنّ ذلك، فهو الذي علّم الجميع أعمالَهم، بناءَ البيوتِ من الأخشاب، وجَدْلَ الحبالِ من أليافِ النبات، كما علّم البعضَ صناعةَ الزجاجْ.
2 السباتي: ليتني أستطيع أن أتعلّم كلَّ ما يعرِفُهُ البحّار.
آس الكبّا: عندما تكبُرُ أكثر ستتعلّمُ الكثير، تعال لِنَسْقيَ الزهورَ الآن.
(تعتيم على أس الكبّا و2 السباتي، إضاءة على 9 الديناري يأتي إليها شيخ البستوني)
شيخ البستوني: هل أنهيتِ استخراجَ الزبدةِ من حليبِ الماعز؟
9 الديناري: أجل.. لقد تعبتْ، ولم يأتِ أحدٌ لمساعدتي.
شيخ البستوني: هكذا أفضل.. إذا عَمِلْنا وحدنا في الحليب، نستطيعُ أن نتحكَّمَ بقيمتِه، ونقايضَهُ بأشياءَ أهم.
9 الديناري: كيف هذا؟ ونحن نعيش معاً وكلُّ شخصٍ يؤمّنُ حاجاتِ الجميع.
شيخ البستوني: وهل يمنعُنا هذا من أن نُفكّرَ بمصلحتِنا أكثرَ قليلاً؟.. (صمت) هل رأيتِ أحداً؟
9 الديناري: أجل.. رأيت الجوكِرَ عائداً من الجبال، ورأيت آسَّ الكبّا تَرمُقُهُ سرّاً.
شيخ البستوني: (بتذمّر) هاه الجوكر..
9 الديناري: لماذا لا ترتاحُ إليه؟
شيخ البستوني: لأنّه غريب.. لا يشبه أحداً.. ولا ينتمي إلى أيِّ لونٍ أو مجموعة.. (صمت).. دعْكِ منه الآن، هيّا نتحضّرُ للسهرةِ عند البحّارْ.
(تعتيم على شيخ البستوني و9 الديناري، إضاءة على شب الديناري يدخل من اليمين وعلى بنت السباتي تدخل من اليسار، يرمقان بعضهما، ويرتبكان)
شب الديناري: (بتحفّظ) لقد أنهيتُ غزلَ شعرِ الماعز، هل أُحضِرُهُ لكِ؟
بنت السباتي: (بتعالٍ) لا.. أنا سأُرسِلُ من يحضِرُهْ.
(يتابعان سيرهما وهما يتمتمان)
بنت السباتي: كم هو مغرور.. ألا يعرفُ إلقاءَ السلام؟
شب الديناري: مغرورة.. من تظنّ نفسها؟
(تعتيم على خروجهما، إضاءة حيث يدخل البحار ويأخذ مكانه)
الجوقة: مُنذ القِدم، والناسُ يستخدمون أوراقَ اللعبِ لكشفِ المستور ورؤيةِ ما لا يُرى، ومُنذ أن تجسّدت أوراقُ البحّار، وهو يحاول استقراءَها، لعلّها تستطيع البوحَ بما لا يعرِفُهْ، عمّا يدورُ اليومَ على كوكب الأرض، بعد أن عُزِلَ في تلك الجزيرة.
(أوراق اللعب يدخلون ويجلسون مع البحّار في شبه حلقة)
البحّار: أهلا بكم.. ماذا لدينا اليوم؟
شيخ البستوني: الحسدُ يملأُ القلوب.. الرياءُ.. والنفاق.. لا أرى إلا الطمع والجشع.
2 السباتي: متعة الاكتشاف.. الرغبة بالفهم.. والتوق للمعرفة.
9 الديناري: النميمة والحقد.. التدخّل في شؤون الغير.. وادّعاء النَزاهة.
آس الكبّا: الحلم الذي يفتح آفاقاً جديدة.. ويبني عوالم وعوالم لا تنتهي..
10 البستوني: الوحدة والانغلاق.. العزلة داخل الذات..
شب الديناري: الحاجة للآخر.. كرفيقٍ وشريك.
بنت السباتي: الخوف من الآخر الأقوى والأدهى.
الجوكر: الحب.. أرى خيوطَهُ تُغزَل بين أعين العاشقين، وضَحِكَاتِ الأصحاب.
شيخ البستوني: الطمع.. الغدر.
2 السباتي: الفهم.. الاكتشاف.
9 الديناري: النميمة.. الحقد.
آس الكبّا: الحلم.. الأمل.
10 البستوني: الوحدة.. الخوف.
شبّ الديناري
وبنت السباتي: (معاً) الأنا.. الآخر.
الجوكر: الحب.. التناغم.
(تعيد الأوراق عباراتها بشكل آلي وهم يكرّرونها بشكل متراكب، يشير إليهم البحار فيسكتون)
البحّار: أظنّ أنّ علينا أن نجدَ طريقةً أخرى.
الجوكر: هل لي أن أقترحَ طريقة؟
البحّار: بكلّ تأكيد.
الجوكر: لمَ لا نفعل بدل أن نقول؟
(يقوم الجوكر ويشير للجميع فيقفون في دائرة، ومع الموسيقى يأخذ كلٌّ منهم وضعيته الخاصة المعبّرة عمّا كان يقوله، كأن يشير شيخ البستوني بيمناه إلى نفسه وهو يربّت بيسراه على بطنه، فيما يجعل 2 السباتي أصابعه وإبهامه على شكل عدسة مكبّرة أمام عينه، وتغلق 9 الديناري شفتيها بسبابتها فيما تتّسع عيناها وتراقبان، وتتّخذ آس الكبّا وضع الحالمة بأن تلقي خدّها على راحة يدها وتمتدّ اليد الأخرى نحو الأفق، ويغلق 10 البستوني أذنيه بكفّيه، ويشبك شبّ الديناري ذراعيه أمام صدره بغرور فيما تلاصق بنت السباتي راحتيها أمام صدرها بخيلاء، ويشير الجوكر بيمناه إلى السماء وبيسراه إلى الأرض.. ويبدأون بالحركة دوراناً مع إيقاع الموسيقى، ثمّ ومع خفوت الموسيقى تنسحب الأوراق، ويبقى البحّار يناجي نفسه)
البحّار: «هاهم بنو الجِنِّ ضمن حكايةِ الجنّيات الآن، غير أنّهم عُمْيٌ عنها.. كما هُمُ الإنسُ في حكايتِهم.. يلعبون أدوارَهُمُ المرتجلةَ على مسرحِ الحضارةِ السحري. تتلبّسُهُم أدوارُهم إلى درجةِ أنّ المسرحيةَ لن تجدَ لها نُظّارةً أبداً. ما من غرباءْ.. ما من وُجُهَاتِ نظرٍ مغايرة».
( إضاءة على دخول الجوكر)
الجوكر: «وحدَه الجوكرُ يسأل.. نحمل روحاً، وتحملنا روحٌ لا نعرف عنها شيئاً.. حينما ينتصب اللُغز على ساقيهِ دون أن يجد حلاًّ، يحين دورُنا نحن.. حين تقرُصُ صورةُ الحلُمِ ذراعَها هيَ دون أن تصحو، إنّما هي نحن...» من نحن؟
(تعتيم على الجوكر، إضاءة على البحّار)
البحّار: «أمِنَ الممكن أن تنفُضَ المادّةُ الكونيةُ، ذاتَ صباحٍ، نومَ العصورِ عن أجفانِها، وتصحو على الوعي بذاتِها؟»
(تعتيم)
المشهد الثالث
(الجوكر على المسرح، يدخل شب الديناري ويبدو شارد الذهن)
الجوكر: أنتَ تحبُّها.! وهي تحبُك.! لم لا تقولُ لها؟ (يفاجأ شب الديناري ويحدّق بالجوكر الذي يتابع) تخافُ من رَدّةِ فِعْلِها.!
شبّ الديناري: أجل.. أخشى أن تتكبّرَ أكثر.
الجوكر: وأنت؟ ألست متكبّراً؟
شبّ الديناري: أنا؟ لا.. ولكنّي أريد أن أكون الأقوى في علاقَتِنا.
الجوكر: (يهزّ رأسه مستنكراً) في الحب، إمّا أن تكونَ قويّاً بحبّك أو تكونَ ضعيفاً بخوفك..
(يقول الجوكر عبارته وكأنّه ينهي الحديث، يتابع شبّ الديناري خارجاً، تدخل آس الكبّا إليه حزينة)
الجوكر: لمَ أنتِ حزينة؟
آس الكبّا: مات عصفوري..
الجوكر: ماذا يعني أنّه مات؟
آس الكبّا: لقد نام طويلاً ولم يصحُ، وتوقّف عن الغناءِ والحركة.
الجوكر: ألم تحاولي إيقاظَه؟
آس الكبّا: بلى لكنّه لم يستيقظ، وقال ليَ البحّارُ أنّه مات، ثمّ حفر حفرةً ووضعهُ فيها وأهالَ عليه التراب، ولهذا لم أعُد أَراهُ أو أسْمَعُه.
الجوكر: هل كنت تحبّينه؟
آس الكبّا: وما زلت أُحِبّه..
الجوكر: وما زلت تتذكّرين غناءَه!
آس الكبّا: أجل..
الجوكر: إذن فَهْوَ ما زال معك.! (صمت) ألا تسألين نفسك ما هي الأفكار؟
آس الكبّا: أحياناً .. وأتساءلُ ماذا يعني أن تشعرَ بشيءٍ ما.. كأن تحبَّ عصفوراً.. أو شخصاً ما..
الجوكر: وأنت تحلُمين أيضاً.. بمياهٍ كثيرةْ وأراضٍ بعيدةْ وأناسٍ آخرينْ.. ولكن ماذا بعد؟
آس الكبّا: ماذا تقصِد؟
الجوكر: أفكّر.. هل سنرحلُ نحن أيضاً مثل العصفور؟ وأين سنذهب حينها؟
آس الكبّا: لا أعرف.. (صمت) لم لا تسأل البحّار فهو يعرف كلَّ شي؟
الجوكر: أعتقد أنّه الوحيدُ الذي يستطيعُ الإجابةَ على أسئلتي.. لكنّه يتهرّب.
آس الكبّا: يتهرّب منك؟ أشعر أنّه يُحِبّكَ أكثرَ من الباقين.
الجوكر: يحبّني!. ولكنّه يحذَرُ مني.. بل ويخاف من أسئلتي.. لم لا تسألينَهُ أنت؟
آس الكبّا: حينها سيبدأ يحذَرُ من أسئلتي أنا أيضاً.. بل وسيعرف..
الجوكر: سيعرف ماذا؟
آس الكبّا: سيعرف أنّنا نتحدّث أنت وأنا.. وهو لا بد يلحظُ أنّك لا تتحدّث كثيراً مع الآخرين.
الجوكر: أجل.. أنا أحبُّ أن أفكّرَ أكثر.. لكن الحديثَ مَعَكِ يساعدُني على التفكير.
آس الكبّا: (بِخَفَر) وأنا أيضاً أحب التحدُّثَ معك.. فهذا يجعلُ أحلاميَ أجمل.
(يدخل 2 السباتي)
2 السباتي: مرحباً..
آس الكبّا: أهلاً.. (تنظر إلى الجوكر وتتابع مع 2 السباتي) هل سألت البحّارَ عن ماءِ المطر؟
2 السباتي: أجل.. وقال لي أنّ المياهَ تدورُ بين الأرضِ والسماء.. لكنّي لم أفهمْ كيف هذا.. (للجوكر) هل تعرف أنت؟ لديّ أسئلةٌ كثيرة ولا أحد يجيبني؟
الجوكر: المهم أن يبقى لديك السؤال.. وسوف تجد الجواب.
2 السباتي: أين سأجدُه؟
الجوكر: ستجدُهُ فيك.
2 السباتي: أنا لا أملِكُ أيَّ جواب.
الجوكر: أنت تملِك السؤال..
(يشرد 2 السباتي محاولاً أن يفهم)
آس الكبّا: (لـ 2 السباتي) تعال لتساعدَني في قطف الأزهار.
(تخرج آسّ الكبّا برفقة 2 السباتي، تدخل بنت السباتي سارحة بأفكارها)
الجوكر: (وكأنّه يكلّم نفسه) إلى متى تنتظرين أن تصارحيهِ بحبِّك؟
بنت السباتي: (متفاجئة، ومستنكرة) ومن قال لك إنّي أُحِبُّه؟
الجوكر: أنتِ قلتِ.. بنظراتِك، بالتوتّرِ الذي يبدو عليك حين ترينَهْ، وهو أيضاً قال، وبالطريقة نفسِها.
بنت السباتي: (تفكّر) أتظنُّ ذلك؟.. وماذا أفعل برأيك؟
الجوكر: قولي لهُ.
بنت السباتي: أنا؟
الجوكر: لمَ لا؟ تستطيعين أن تقولي بغير الكلام.. لا تخشَي.. إنْ لم يتفهّم حبُّكِ له، لن يكون أهلاً لهْ.
بنت السباتي: (تفكّر قليلاً، ثمّ تنتفض) يجب أن أكونَ أقوى من أن أعترفَ له بحبّي.
الجوكر: لا أفهم، متى كان الحبُّ ضعفاً والخوفُ قوّة؟
(تتابع بنت السباتي خارجة، يدخل البحّار ويجلس في مكانه، يخاطب الجوكر)
البحّار: ألم يَحِنْ موعدُ السهرة؟ أين البقيّة؟
الجوكر: كلٌّ يسعى باتّجاه، يعتقدون أنّهم سائرون إلى ما يريدون، ولا يرون أنّهم يبتعدون عنه.
البحّار: (بعد صمت قصير) وماذا حضّرتم اليوم؟
الجوكر: ستكون لعبة اليوم عن الوضوحِ في الطريق والرؤيا.. وعن الضلالِ عنهما.
(يصفّق الجوكر، فيدخل الجميع، يخلعون الأوشحة التي تحمل شاراتهم ويتمشّون في المكان مع الموسيقى، يضاء نور في أعلى المسرح، ينتبه أحد اللاعبين إلى الضوء فيتوقّف في الجهة اليمنى من المسرح ويشير إلى مصدر الضوء، وينتبه آخر أيضاً فيتوقّف في الجهة اليسرى ويشير أيضاً إلى مصدر الضوء، ينتبه الباقون إلى اللاعبَين المشيرَين إلى الأعلى، ويتّجه ثلاثة منهم إلى الأوّل، وثلاثة إلى الثاني، محدقين في الإصبعين الدالّين ومأخوذين بهما تماماً، بدلاً من النظر إلى حيث يشيران، فيما يدهش الدالّان لعدم توجّه أنظار البقيّة إلى حيث يشيران، ويتّجه نظرهما ثانية إلى مصدر الضوء في حالة استرسال في التأمّل. ثمّ يتنبه كلّ فريق من اللاعبِين إلى الفريق الآخر ويتحرك باتجاهه محاولاً إرشاده إلى مُرشِدِه، وتبدأ الحركة بالتصاعد لتتطور إلى نزاع حيث يمسكون ببعضهم البعض وكلٌّ يجذب الأخر إلى جهته، وفي لحظة ما يتركون بعضهم بنفور وخوف، ويعود كلّ فريق إلى وقفته الأولى والجميع مأخوذ بالإصبع الذي يرشده، دون أن ينظر أحد إلى مصدر الضوء، مع نهاية الموسيقى، تعتيم)
المشهد الرابع
(إضاءة على شيخ البستوني و9 الديناري جالسين)
شيخ البستوني: هل رأيتِ الجوكر وآسّ الكبّا اليوم؟
9 الديناري: لا.. يبدو أن الجوكِرَ ما زال في الجبال.. (وبسخرية) وآسّ الكبّا مشغولة بأحلامها الغريبة.
شيخ البستوني: أيّةُ أحلام؟
9 الديناري: أخبرتني تسعة الكبّا أنّها رأتها تبحثُ عن طريقٍ إلى المياه المحيطة بالأرض.
(إضاءة على دخول شب الديناري من اليمين وبنت السباتي من اليسار، ينظران لبعضهما ويرتبكان)
شب الديناري: مرحباً..
بنت السباتي: أهلاً..
(يتابعان سيرهما ويخرجان)
شيخ البستوني: ما هذا؟ يبدو أن الأمورَ تطوّرت!
9 الديناري: لمَ لا.. هو يغزِل شعر الماعز وهي تنسُجُهُ.
شيخ البستوني: لا أتكلّم عن العمل، أما رأيتِ نظراتِهِ كيف رَقّتْ ولانت؟
9 الديناري: وإلى متى كنتَ تنتظرُ أن يبقَيَا هكذا؟
شيخ البستوني: إلى أن تعترف هي بحبِها له أوّلاً.. لقد نصحتُهُ بألاّ يسايرها.. أرجو أن تكونَ النصيحةُ قد أجْدَتْ.
9 الديناري: (هازئة) ماذا؟ أنت تنصحُهُ؟؟ هه.. لكنّي أنا من علّمها كيف تتدلّلُ عليه من أجل أن يبادرَ هو.
شيخ البستوني: (منفعلاً) أنت لا تفعلين شيئاً إلا لمعاكستي.
9 الديناري: لا يَهُمُّني ماذا تفعلُ أنت.
شيخ البستوني: أنتِ قُلتِها.. لا تهتمّين بي.
9 الديناري: حين تهتمُّ أنتَ بي، أهتم أنا بك.
شيخ البستوني: هكذا إذن.. حسنٌ.. سنرى..
(يدخل الجوكر)
شيخ البستوني: أهلا بالجوكر، كيف الحال؟
الجوكر: بخير، وأنتما؟ هل هناك مشكلة ما؟
شيخ البستوني: لا لا.. كلّ شيء على ما يرام، كيف أحوال الماعز؟
الجوكر: بخير، فالمراعي وفيرة.
9 الديناري: علينا أن نُكمِلَ عمَلَنا بصناعةِ الجبن (لشيخ البستوني) ألن تأتي لمساعدتي؟
شيخ البستوني: أجل أجل، هيّا بنا، (للجوكر) عن إذنك.
الجوكر: هل الحياةُ نزاع وسباق؟ أم تناغمٌ وانسجام..!!
شيخ البستوني: (وهو لا يفهم مقصده) آه.. لا أعرف، حقّاً.. لا أعرف.
(يخرجان، يدخل 10 البستوني)
الجوكر: أهلاً، كيف حالك؟
10 البستوني: بخير..
الجوكر: لماذا أنت وحيدٌ دائماً؟
10 البستوني: وأنتْ؟ ألستَ وحيداً؟ تُمضي مُعظَمَ نهارِكَ في الجبالِ تَرعى الماعز.
الجوكر: حين أكون في الجبال تكونونَ معي، أفكّر بنا جميعاً..
10 البستوني: وأنا حين يطلبني أي شخص لإصلاح باب أو شبّاك، ألبّيه على الفور.
الجوكر: لا أتكلّم عن عملك، بل عنك أنت.. تكون بيننا وأراك وحيداً.. لن أقول لك افتح قلبَك. فقط افتح أذنيكَ وأصغِ لمن هم حولَك.
(تدخل آس الكبّا تبتسم للجوكر، يتابع 10 البستوني خارجاً)
آس الكبّا: هل ما زلتَ قلقاً؟
الجوكر: أجل.. حاولت أن أتحدّث مع البحّار.. أحسست أنّه يُراوِغُنِي.
آس الكبّا: كيف يراوغُك؟
الجوكر: عندما أكلّمُه أُحِسّ وكأنّني أكلّمُ الجميع.. تارة أراهُ شيخَ الديناري، وتارة بنت البستوني، ومرّة هذا وأخرى تلك، كلّ الأرقامِ والألوانِ والمجموعاتِ تتداخلُ في حديثِهِ.
آس الكبّا: غريبٌ هذا..
الجوكر: وغالباً ما يجيبُني على السؤالِ بسؤالْ، أشعر أحياناً أنّه يعرفُ سؤاليَ قبل أن أسأل.
آس الكبّا: لكنّي أُحِسُ أنّه الوحيدُ الذي يحلُمُ مثلي، أُحِسُّ أنّه يُشبِهُني.
الجوكر: إنّه يُشبِه الجميع..
آس الكبّا: لكنّ الباقين لا يُشبِهونَ بعضهم.. أنا الوحيدة التي تحلم.. (صمت) هل أُخْطِئُ إذ أحلم؟
الجوكر: تخطئين؟ من قال هذا؟
آس الكبّا: أشعرُ أن الجميع يُراقِبُني مُستَنكِراً.. تُزْعِجُنِي نَظَرَاتُهُم.
الجوكر: إيّاك أن تتأثّري بهم، فالحلُم مِفتاحُ السؤال.
(يدخل البحّار ويجلس، يدخل إليه اثنين السباتي منزعجاً)
2 السباتي: هناك من يرمي الأوساخ في حقل الأزهار، أمعقول هذا؟
آس الكبّا: (للبحار) أجل.. نزرع الأزهار لنزيّن بها بيوتنا ويأتي بعضهم فيشوّه المكان بالأوساخ.. وحين أزلتها سخروا منّي.
البحّار: (مستنكراً) ليس هذا تصرّفاً سليماً.. يجب أن نطلب من الجميع إبعاد الأوساخ عن منازلنا، وعن الحقول ومصادر المياه، منتهى الغباء أن نؤذي أنفسنا.
(يدخل الآخرون ويخلعون أوشحة الشارات، مع الموسيقى تبدأ إحدى اللاعبات بالرقص، يراقبها الآخرون بوجوم واستنكار، ثمّ لا يلبثون يشيرون إليها باتّهام وهي لا تراهم، ويهاجمونها بحركات تنمّ عن الرفض والبغض، وهي تتابع رقصها منتشية مع الموسيقى، بينما يحاول الآخرون محاصرتها دون مواجهتها، وفي النهاية ينكفئون إلى الخلف مع نهاية اللحن، تعتيم )
المشهد الخامس
(آس الكبّا وبنت السباتي جالستان)
بنت السباتي: أتعلّمينني تنسيق الزهور؟
آس الكبّا: أجل، أتوَدّينَ إهداءَها لأحدٍ ما؟
بنت السباتي: لا.. (تنظر إليها آس الكبّا نظرة ذات معنى، فتستدرك) قد أهدي بعضها.. إن هو أهداني شيئاً.
آس الكبّا: لمَ تخافين المبادرة؟
بنت السباتي: أخاف كلام الناس.
آس الكبّا: إذا خجلنا بالحب، فبماذا نفخر؟ أبالكراهية؟
بنت السباتي: أتعرفين؟ أنا أحسُدكِ.
آس الكبّا: علامَ؟
بنت السباتي: على هدوئِك وثقتِك.. ليتني أستطيع أن أكون مثلَك.
آس الكبّا: تستطيعين.. فقط كوني أنتِ أنتِ.
(إضاءة على دخول شب الديناري و10 البستوني، تعتيم على آس الكبا وبنت السباتي)
شبّ الديناري: كأنّك تعيش بلا أصدقاء.!
10 البستوني: لا أحب الاختلاط كثيراً، أنا أفضّل الوحدة.
شب الديناري: لا أريد أن أفرِضَ نفسي عليك، ولكنّنا جميعاً نحتاجُ للصداقة.
10 البستوني: لا أحدَ يحتاجُني.. سوى في العمل.. وكذلك أنا، لا أحتاجُ أحداً.
شب الديناري: لكنّي أحسّ أنّك حزين بوحدتك.
10 البستوني: لمَ أهتمُ بأمرهم ولا أحدَ يهتمُّ بأمري؟
شب الديناري: ولماذا تنتظرُ من الآخرينَ أن يهتمّوا لأمرك، ولا تبادرُ أنت بالاهتمامِ بِهِم؟
10 البستوني: وأنت؟ أتبادرُ نحو الآخرين؟ أم تنتظرُ المبادرةَ مِنهُم؟
(يصمت شب الديناري مفكّراً)
شبّ الديناري: عليّ أن أُحضرَ شيئاً من البيت، عن إذنك.
(ينسحبان كلٌّ في اتّجاه، يدخل البحّار وهو يحمل بعض الأواني الزجاجية، يضعها أمامه ويجلس ويبدأ بتنظيفها وتلميعها يتبعه الجوكر ويجلس قربه)
الجوكر: جميلٌ أنّك تستطيعُ التحكّم بأشكالِ الأواني وألوانِها.
البحّار: ولكن ليس بِمُحتَواها..
الجوكر: ماذا تقصِد؟
البحّار: ماذا ترى داخل هذه الأواني؟
الجوكر: لا شيء.. فراغٌ فقط.
البحّار: إن قيمةَ الإناءِ في هذا الفراغ.. هذا اللاشيء.. الذي لولاه لما كان الإناءُ إناءاً.
الجوكر: أنت تحيّرُني دائماً بكلامِكَ.
البحّار: لو لم يلامس كلامي الفراغَ الذي فيكَ لما كان يحيّرُك (مبتسماً) يبدو أن فراغَكَ شَغُوفٌ للامتلاء.
الجوكر: ولماذا أنت مصرٌّ على أن تترُكَني أسألُ دون أن تجيب؟
البحّار: ألستَ أنتَ مَنْ قُلْتَ لإثنين السباتي ألا يطلبَ الجوابَ من الآخرين؟
الجوكر: (محملقاً به بذهول) أجل..
البحّار: إذن..!!
الجوكر: (بإصرار) من أنت؟ من نحن؟
البحّار: نحن جميعُنا نعيشُ هنا.. لماذا يُقْلِقُكَ السؤال؟
الجوكر: وأنت؟ ألا يُقْلِقُكْ؟ لماذا إذن تريد أن ترى الغيب من خلالِنا؟.. (صمت) ثمّ لماذا من خلالنا نحن، ألأنّنا بصيرتُك؟
البحّار: أنتم أصدقائي وأسرتي.
الجوكر: أنت مختلفٌ عنّا.
البحّار: وأنت مختلفٌ أيضاً.
الجوكر: أجل. نحن مختلفان عن البقيّة، بقدر ما نشبِهُهُم جميعاً.. لكن فيما بيننا أنت وأنا، نزاع بين الصورة والانعكاس. لا أدري إن كنتُ أنا مرآتَكَ أم أنتَ مرآتي.
(يدخل شب الديناري من اليمين حاملاً شلة من خيوط شعر الماعز، وتدخل بنت السباتي من اليسار، يلتقيان في الوسط، يعطيها شلّة الخيوط وينظر أحدهما إلى الآخر، دون أي كلام، ثم يتابعان السير وقبل خروجهما يلتفتان وحين تلتقي نظراتهما، يرتبكان ويتابعان إلى الخارج، الجوكر والبحّار يراقبان)
الجوكر: لعبةُ اليوم مهداةٌ إليهما (مشيراً إلى شبّ الديناري وبنت السباتي)
(تدخل آس الكبّا وهي تحمل أزهاراً)
آس الكبّا: لقد جَلَبتُ زهوراً لآنِيَتِك
البحّار: شكراً لك (وينظر إلى الجوكر مبتسماً)
(لحظات ويدخل الجميع، يخلعون شاراتهم، يشير إليهم الجوكر أن يجلسوا في دائرة وينضمّ إليهم هو وآس الكبّا، ويتّخذون وضعية السجود، مع الموسيقى يبدأ الجميع بحركة بالأيدي والأكتاف، ثمّ يبدأ لاعب ولاعبة بالانتصاب وقوفاً [وليكن الجوكر وآس الكبّا] مؤدّين رقصة ثنائية، ثم يُجلس الشاب الفتاة على مقعد بين شابّين، ويرقص لها فيما تأخذ هي وضعية أميرة أو ملكة ثمّ إلهة، وتتحول رقصة الشاب في هذه الأثناء إلى تعبير عن ولائه وخضوعه حيث يقوم بحركة إيمائية تشبه رمي القوس ويأتي وكأنّه حاملاً طريدته ويضعها عند أقدام الإلهة الأم، بينما يتحول الشابين الذين على جانبي مقعدها إلى خدم أو عبيد. ويتابع الشاب الرقص مُغوياً فتاته برجولته وفتوّته، فترقّ له وتستجيب بنظراتها، ثمّ يعمد إلى دعوتها للرقص معه، فتقوم هي ويجلس هو على مقعد آخر بين فتاتين، وترقص هي له فيما يأخذ هو وضعية أمير أو ملك ثمّ إله، وتتحول رقصة الفتاة في هذه الأثناء إلى تعبير عن ولائها وخضوعها، حيث تقوم بحركات إيمائية تشبه تحضير الطعام وكأنّها تحمله على صينية تأتي بها وتضعها عند أقدام ربّ البيت، بينما تتحوّل الفتاتين على جانبي مقعده إلى جاريتين أو أّمّتين، وتتابع الفتاة رقصها مُغوية رَجُلها، فيرقّ لها ويستجيب بنظراته، ثمّ تعمد إلى دعوته للرقص معها، فيقوم إليها ويرقصان في حركات تنمّ عن التوازن والانسجام، وتنتهي الرقصة الثنائية بعناقهما مع نهاية الموسيقى، تعتيم)
المشهد السادس
(الجوكر وآس الكبّا)
الجوكر: تحدّثتُ مع البحّار..
آس الكبّا: وإلامَ وصلت؟
الجوكر: أريد أن أسألكِ.. حين أتينا إلى هذا العالم، ألم يكُنِ البحارُ يعيشُ وحيداً هنا؟
آس الكبّا: أجلْ..
الجوكر: وكانَ يقومُ بكلِّ الأعمالِ التي نقومُ بها.. كان مُكْتَفياً بذاتِهِ..
آس الكبّا: أجل وهو الذي علّمنا كلّ الأعمال.
الجوكر: علّمنا كيف نكونُ أدواتٍ له؟
آس الكبّا: لكنّك قلت أنّه كان مكتفياً بذاته!
الجوكر: فلماذا نحن هنا معه؟
آس الكبّا: أتقصد أننا نستطيعُ مغادرَتَه الآن؟
الجوكر: لا.. ليس هذا ما قصدت.. ولكن من أين نحن أتينا؟ كلُّ واحدٍ منّا يشبهُ البحّارَ في وُجهةٍ.. هل أوجَدَنا من ذاتِهِ؟
آس الكبّا: طالما هو مكتفٍ بذاتِهِ، فلماذا أوجدنا؟
الجوكر: إنّه يشكّل الزجاج فقط.. ويترُكُ مَلء الفراغ لنا.
آس الكبّا: عمَّ تتكلّم؟
الجوكر: هو علّمنا البداية فقط.. ألم تتعلّمي الكثير الكثير عن زراعة الزهور من خلالِ التجرِبة؟
آس الكبّا: صحيح.. جعلني أمسك طرف الخيط فقط.. وأنا تابعت التعلّم.
الجوكر: لأنّكِ أحببتِ عَمَلَك!
آس الكبّا بالطبع.. وأعتقد أنَّ هذا ما حصل مع الجميع.
الجوكر: (بنشوة) إذن صحيحٌ أنّه يشكّلُ البدايةَ فقط.. ويترُك الباقي لنا.. نحن من أضفنا إلى عالَمِهِ كلَّ هذا الغنى والتنوّع.. قد نكون نحن هو.. لكنّنا نحن نحن أيضاً.. قد نكونُ نحن مجرّد تفتُّحٍ لأفكاره.. لكننّا التفتّحُ الأجمل..
(مع نهاية عبارة الجوكر تبدأ موسيقى نَشِطة، ويبدأ الجوكر بالرقص منتشياً، يدخل الجميع ويحدّقون به، ويبدأ بدعوتهم إلى الرقص مبتدأً بآس الكبّا، فيشترك الجميع بالرقص معه، ويدخلون في حالة النشوة، وبعد حين تقف الموسيقى، فينتبهون لما حصل وينظرون إلى بعضهم غير فاهمين)
شيخ البستوني: لماذا بدأتم بالسهرةِ قبل موعِدِها؟
الجوكر: لم نقرِرْ نحن البدءَ بها، هي التي أتت قبل أوانِها.
2 السباتي: من هي التي أتت؟
الجوكر: لحظةُ الكشف.
بنت السباتي: ماذا تعني؟
الجوكر: لقد عرفت من أين أتينا جميعاً.. كيف خُلقنا هنا.
9 الديناري: من أين؟ وكيف أتينا؟
الجوكر: من خيالِ البحّار.
الجميع: من خيالِ البحّار؟؟
الجوكر: أجل.. أوجَدَنا من خيالِهِ وذكرياتِهِ.. وأحلامِهِ..
10 البستوني: ولماذا أوْجَدَنا؟
شيخ البستوني: لنكونَ أدواتِهِ ومساعديهْ.
الجوكر: بل لنكون عالَمَه الذي يملأُ عليه وحدتَه.
10 البستوني: أوْجَدَنا لنكون تسليَتَهُ فقط؟
شيخ البستوني: علينا أن نَقْتُلَهْ.
آس الكبّا: مهلاً.. لنجلسْ ولنفكّرْ بهدوء.
(يجلس الجميع، ويكون شب الديناري بالقرب من بنت السباتي)
شب الديناري: كيف عرفتَ أن البحّار أوجدنا؟
الجوكر: لأنّنا كلُّنا البحار..
بنت السباتي: كيف هذا ونحن مجموعةٌ لا يشبهُ أحدُنا الآخر؟
الجوكر: أجل.. منّا من يريد أن يعرف كلَّ شيء، ومنّا من يريد أن يملِك كلَّ شيء، ومنّا من يرى في الحبّ قوّة للاستمرار، ومنّا من لا يريد شيئاً أبداً.. وهذا كلُّه البحّار.
آس الكبّا: علينا أن نتأكدَ قبل أن نقرّرَ ماذا نفعل.
2 السباتي: وكيف نتأكّد؟
شيخ البستوني: إذا كنّا نحن من أفكارِهِ، فهو لا بدّ يعرف الآن أنّنا توصّلنا لمعرفةِ حقيقتِه وحقيقتِنا، وسيسعى للتخلّصِ منّا.. علينا أن نفاجئَهُ قبل أن يفاجئَنا.
10 البستوني: هل يستطيعُ أحدٌ أن يتخلّصَ من أفكاره؟
الجوكر: وهل تستطيع الأفكارُ أن تتخلّصَ من صاحبها؟
آس الكبّا: قد تستطيعُ الأفكارُ أن تتحرّرَ من مُبدِعِها.. وتستمرَّ بعدَه.
الجوكر: من أجل هذا أوجدَنَا البحّار.. ليستمرَّ بنا.
آس الكبّا: لكنّنا لم نعرف بعدُ من أين أتى هو؟ وكيف وُجد؟.. أيكون هو من أحلامنا؟
الجوكر: علينا مواجَهَتُهُ.. فلنفكّر به جميعناً ولا بد سيحضَر..
(يصمت الجميع ويطرقون، يدخل البحّار بهدوء، ويجلس مكانه، يرفع الجميع رؤوسهم ويحدّقون به)
الجوكر: لماذا أوجدْتَنَا؟
البحّار: من أجل أن تكونوا.... هلِ الحياةُ إلا غايةُ ذاتِها؟
شيخ البستوني: أنت أوْجَدْتَنَا من أجل أن تتسلّى.
البحّار: إذا كنتَ تعتقد هذا، تكون أنتَ من جعلَ نفسَه تسلِيَتي.
10 البستوني: بل أوجَدْتَنَا لتعذّبَنا.
البحّار: تكون أنت من جَعَلَ نفسه ضحيّتي.
2 السباتي: أعتقد أنّك أوجدتنا من أجل أن نتمتّعَ بالاكتشاف.
البحّار: وأنت من أوجدَ هذه المتعة.. (ثمّ لآس الكبّا) وأنتِ من أوجَدَ فضاءَ الحلم.. (للجوكر) وأنت من اكتشفَ روعةَ التأمّل.. جميل أن تحلُم وتسألَ وتحبَّ وتكره، لكنّ الأجمل، أن تكتشف أنّك تستطيعُ وضع الإجابة التي تريدُها لسؤالِك الكبيرِ عن معنى وجودك.. تستطيع أنت أن تصنعَ الآن بيديك سبباً لكلّ ما مضى من حياتِك.
الجوكر: أيأتي السبب بعد النتيجة؟
البحّار: (بغموض) ربّما.. (وبعد صمت قصير) لنرَ الآن كيف يبني كلُّ واحدٍ منكم مصيرَهُ، وكما اعتدنا في سهراتنا..
(تبدأ الموسيقى هادئة، يقترب شب الديناري وبنت السباتي من بعضهما، فتعلّق شلة الخيوط على كفّيه وتبدأ بلفّ طرف الخيط على كفّها وهما يبتسمان، يبدأ شيخ البستوني و 9 الديناري بالشجار دون صوت، يقترب 2 السباتي من 10 البستوني الذي يجلس وحيداً ويعطيه زهرة يأخذها منه دون اكتراث، ويتلفّت 2 السباتي حوله مستكشفاً، آس الكبّا والجوكر يقتربان من بعضهما وهما يبتسمان ويتهامسان بحديث ودّي، تخفت الموسيقى، ومع بداية كلام البحّار يقف الجميع)
البحّار: تستطيعون قتلي.. (صمت) ولكنّكم لا تضمَنون بقاءَكم أو بقاءَ الجزيرة بعدي.. فهي وجدت وتوسّعت مع خَطَواتي.... أفلا تحلُمونَ بالخلود؟؟
الجوكر: أجل... (ثمّ بتردّد) لكنّنا نريدُ أن نتحرّر.
البحّار: وهل أنتم أسرى؟... نحن نلعب أدوارَنا في هذه الحياة.. نحن اللاعبون ونحن المشاهدون.. قد تمرّ حياتُنا كلُّها دون أن ننتبهَ لها.. لكنّنا نلعب أدوارنا انتبهنا أم لم ننتبه.. (ينظرون إلى بعضهم) «حين ينتهي عرض المشهد، وتُقَوّض خلفيُته وتحرق، كذا نحن حين نموت، أشباحٌ في ذاكراتِ نسلنا. ثمّ نصير أطيافاً.. ثمّ نصير أساطيرَ.. غير أنّنا لا نزال معاً، تحت قُبّة زمنٍ غامض، لا أزال أسمع أصواتَكم».
الجوكر وكيف نستمر؟
البحّار: أنتم من يجيب على هذا السؤال.. وليس علينا الآن إلّا أن نكتب العنوانَ العريضَ، الذي تختارونَه أنتم، لكلّ ما مضى... لهذه السهرةِ الكبيرةِ على سطحِ هذا الكوكب، ثمّ ننحني أمامَ الجمهور...
(تبدأ موسيقى إيقاعية فيتّسق الجميع في دائرة ويمشون على إيقاع الموسيقى كلّ بوضعيته التي تعبّر عنه، كما في المشهد الحركي في نهاية المشهد الثاني، ثمّ وفي لحظة واحدة وأثناء سيرهم، يتّخذ كلّ منهم وضعيّة اللاعب الذي أمامه، لبعض الوقت، ثمّ يأخذ كلّ منهم الوضعية الجديدة التي اتّخذها مَن هو أمامه، وهكذا يتناقلون الوضعيات فيما بينهم بالتتالي أثناء دورانهم حول البحّار الذي يقف في الوسط، في هذه الأثناء يكون البحّار متوجّساً في البداية ويرقبهم بحذر، وعند الانتقال الأوّل للوضعيات يبدو عليه الارتياح، ويبتسم، ثمّ يبدأ بالاسترخاء شيئاً فشيئاً، ثمّ يجلس أرضاً وهو ما زال يرقبهم بودّ وحبور، وبعد لُحيظات يسترخي أكثر فأكثر، فيتمدّد أرضاً، ثمّ ينام، ومع خفوت الموسيقى يخرج الجميع، ويبقى البحّار نائماً بعمق. تعتيم)
ستار
التعريف بالمؤلف :
نغم عرنوق
* مواليد 1961
* خرّيج كلّية الفنون الجميلة 1984، جامعة دمشق.
* عَمِلَ في الصحافة، ونشر العديد من المقالات والكتابات الشعرية والقصصية في عدد من الصحف والدوريات اللبنانية والسورية.
* شارك في عدّة معارض جماعية في سورية ولبنان والإمارات العربية.
* له: المبتسم - قصص. عن: أرواد للطباعة والنشر 2011
مِسْبَحَة عرجاء - شعر. عن: أرواد للطباعة والنشر، 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق