تصنيفات مسرحية

الثلاثاء، 21 سبتمبر 2021

قاسم السومري..سعي لتأصيل الخطاب المسرحي

مجلة الفنون المسرحية 

قاسم السومري.. سعي لتأصيل الخطاب المسرحي

عبد العليم البناء 

برحيل الكاتب والمخرج المسرحي قاسم السومري  صبيحة السادس عشر من أيلول / سبتمبر 2021 يكون الموت قد سجل موعداً جديداً مع رحيل مبدع عراقي آخر، وسط صمت بالغ من المعنيين، إلا ماندر، ليضاف الى سلسلة من غادرونا من مبدعي العراق في صقيع وقسوة الغربة والمنافي القسرية، وكذلك أؤلئك المبدعين الذين عاشوا الغربة داخل الوطن بعد أن كانت عطاءاتهم وابداعاتهم الثرة تملأ فضاءاته من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب، وكانوا من علاماته الفارقة والمشرقة زهواً وحضوراً وتأثيراً وعمقاً ليظلوا أحياءً في ذاكرة الأجيال.
 
السومري الراحل عن عمر ناهز 56 عاماً إثر تدهور مفاجئ لحالته الصحية كان واحداً من رموز الثقافة والفنون في العراق، وعرف عنه العمل بصمت وهدوء وتواضع تام وبعيداً عن الظهور الإعلامي الى حد ما، لكن أعماله التي كان يقدمها بين الحين والآخر كانت تنال الإعجاب وتثير أسئلة كثيرة موحية ودالة على درجة وعيه الشامل، وسفره الإبداعي كان واضحاً للعيان منذ حصوله على البكالوريوس في الفنون المسرحية من كلية الفنون  الجميلة في جامعة بغداد، والدبلوم العالي في الإدارة التربوية من معهد الدراسات والبحوث العربية في القاهرة، فقد عمل بصفة مخرج مسرحي في الفرقة الوطنية  للتمثيل العراقية، وقام بإخراج عدد من مسرحياتها، وتولى مهام ثقافية عدة.
فعلى الصعيد الثقافي والإعلامي المتخصص، عمل السومري رئيساً لتحرير مجلة (الخشبة) الفصلية المتخصصة بالمسرح، ورئيساً لمركز روابط للثقافة والفنون، وعضواً في هيئة تحرير مركز الوتر السابع للفنون والتنمية المستدامة، وعضواً في نقابة الفنانين العراقيين، وله العديد من الكتابات والمقالات المتنوعة نشرها في الصحف والمجلات العراقية.
 وكانت مجلة (الخشبة) التي تصدر في بغداد عن مركز روابط للفنون الأدائية، الإنموذج البارز لعطاءات الراحل السومري، لسعيها إلى تبني خطاب استشرافي للعروض المسرحية أو للنقد المسرحي، وتفعيل المشهد المسرحي بغية تأصيله وتعميق تجاربه الإبداعية وصناعه وبناته على أسس صحيحة وسليمة، وصيانته من الطارئين عليه شكلا ومضموناً، لكن هذه المجلة التي كانت تعد من أهم المجلات العربية التي تعنى بالمسرح، وتعاون في اصدارها مع مجموعة من المسرحيين العراقيين البارزين (حاتم عودة، ابراهيم حنون، والمستشار الجمالي د.جبار حسين صبري، إضافة الى المدير الفني مهدي صالح)، عانت من عقبات عدة أساسها ضعف التمويل المالي، فتوقفت عن الصدور مؤقتاً لحين إيجاد مصدر تمويل ثابت، على الرغم من سعي طاقمها لجعلها مكتنزة بالأفكار، والنقد، والتحليل، والعرض، والبحث، لتوضيح قيمة المسرح العراقي الجاد وسر قوته وعناده في التصدي للقبح بوسائل جمالية فاخرة.
وتجسيداً لرؤاه وتطلعاته الثقافية الشاملة تعاون مع الباحثة الموسيقية فاطمة الظاهر في تأليف كتاب (بغداد.. يا ليل البنفسج) الذي صدر في القاهرة عن دار نشر (جزيرة الورد)، ويعد الاصدار الاول لمركز الوتر السابع الذي تديره الظاهر، ويبحث في أثر التحولات السياسية والإجتماعية في العراق وتأثيرها على الأغنية العراقية في القرن العشرين، فكان محاولة لإيجاد مقاربة لفهم التحولات الموسيقية والغنائية في سياق التحولات الاجتماعية والسياسية، ووضعها في إطار فهم ودراسة الظواهر لا لكونها ظواهر منعزلة ومستقلة بل لكونها تحمل خصائصها المتفردة، التي تتفاعل وتتناغم مع ما يحيط بها من ظواهر لتشكل مشهداً أو نسقاً كلياً شعبياً وحضارياً.
وبالرغم من قلة الأعمال المسرحية التي كتبها أو أخرجها إلا أنها كانت تمتلك عمقها وتأثيرها وحضورها الفاعل في المشهد المسرحي العراقي لما انطوت عليه من رؤية حداثوية متطورة كرسته مخرجاً يشار اليه بالبنان ، ففي مسرحيته (بدر ووفيقة)، التي أطلق عليه (مغامرة جمالية)، يستنطق سقم السياب ليمزجه بسقم العراق، ليكشف عن محنة انسان ووطن، مع التنقيب قصائد الشعراء الآخرين (السياب ، سلمان داود محمد ، صلاح حسن ، أديب كمال الدين ، نجاة عبدالله ، لوتو بامون ) واستثمار رواية مهدي عيسى الصقر ( أشواق طائر الليل ) كونها تناقش مأساة السياب.
 وهكذا نراه في  مسرحية (ماذا لو؟) التي تمحورت حول أثر الحروب على النخب الثقافية لكونها تتطلع إلى المستقبل وبث روح العمل والجمال في الحياة، وكذلك في بقية مسرحياته: (نقطة الفراغ) تأليف ضياء سالم، و(كلكامش)، (آخر ليالي الألف)، (ليالي سومرية) وغيرها، إذ كان الراحل قاسم السومري يسعى الى تأصيل الخطاب المسرحي في محاولة للإمساك بتلابيب ثوب الحياة، الذي مزقته كوارث الحروب والاستبداد والجوع، ولتنفض عنها سخامات فوهات البنادق وغبار الكوارث لكي تحيا المجتمعات الحيوية من جديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق