الشخصيات :
- الأم
- عبد الله
- يوسف
- نازك
- علي
- صوت المذياع
- شبح احمد
- شبح يوسف
- أصوات
((تفتح الستارة ، المسرح مظلم موسيقى حـزينة ، الأضاءة تنـفرج قلـيلاً ضوء أزرق ، الأم تجلس
وسط يمين المسرح وهي متكأة على طرف كرسي ، وتأن ..))
الأم : آه .. آه .. آه ...
(( من الخـارج يأتي مؤثرصوت مـؤذن الله أكبرالله اكبر ... الأضاءة تنـفرج قلـيلاً ))
الأم : أنشق الفجر، ومازالت الكائنات تغط بنوم عميق ، وأنا أحصي الأهات وأجترالذكريات
(( تتطلع في أرجاء الغرفة )) كان هذا البيت يعج بالحياة .. بالأفراح ..
(( مؤثرضحكات لغط وأصوات تعلو معبرة عن أفراحها ))
الأم : أما اليوم فأنا وحدي ، الحيطان تـرد صدى نحيبي وبكائي ، كان زوجي وأبنائي يملؤن
البيت ضحكاً ولعباً وصياحاً ... كانت الفرحة تسري نشوة في جسدي ، كنت أعـمل في
بيتي منذ طلوع الفجروحتى المغيب بنشاط وحـيوية ، لم أعرف للتعب أوالكسل معنى ،
كنت أراقب أولادي يوسف ، أحمد ، نازك واصغرهم علي .. ودائماً ارفع يدي بالدعاء
لهم بالسلامة ، وأحمد الله على نعمه وبركاته ، آه .. منذ أن تعرفت على زوجي عـبدالله
منذ الطفـولة ((تجهش بالبكاء ثم تنشق دموعها وتتحامل على جراحها)) وحتى ذهابنا
سـوية للمـدرسة لم نفترق ، كان يكبرني بثلاث سـنين هـوفي الثالث الأبتـدائي ، وأنأ في
الصف الأول، كانت أمي دائماً توصيه ((تنهض وتقلد أمها وتخاطبه من خلف الباب))
يمه ياعبدالله .. ديربالك على حليمـه .. وكان عبدالله يـرد عليها : (( بواسطة التسجيـل
الصوتي )) : خاله لاتـشيلين هـم أخليها بعيني . كان عبدالله وسيماً مفـتول العـضلات ،
بيت أهـل عـبدالله يسكنون قـربنا.. لعبنا سـوية (( تـردد بـبطء ثم تتصاعد رويداً رويداً
وتأخذ بالدوران ))
الثعلب فات فات .. وبذيله سبع لفات ..
الثعلب فات فات .. وبذيله سبع لفات ..
(( ثم تنتبه .. تخفض صوتها .. وتأخذ بالهمس ))
الأم : ياياب وين رايح ياياب للبصرة
(( تتصاعد تقوم بحركات ننمرجح بمرجوحة ))
الأم : ياب وين رايـح ياياب للبصرة
ياياب شتجيبلنه ياياب تمر وحنة
ياياب شلك بيهه ياياب العب بيهه
ياياب أنت ويامن ياياب أني وعمي
(( يأخذ صوتها بالهبوط رويداً رويداً .. والعبرة تخنقها .. ))
ياياب عمك منهو ياياب عمي سدخان
(( ثم تجهش بالبكاء ))
ياياب كاعـد بالخان .... آه ياالهي .. عبدالله .. عبدالله .. (( تمسح عينيها بكم ردن ثوبها
ثم تأخذ نفساًعميقاً )) كنت أحب اللعب ، كان عبدالله يصنع لي لعباً من الطين ، وكبرت
وعبدالله كبر.. أنا صرت في الثانية عشر، وعبدالله صارفي الخامسة عشر.. كنت حينما
أرى عبدالله لا أدري لماذا أشعر بالخجل ، وتتلبسني الرعشة..رعـشة تسري في جسدي
هـوتخــرج من كلية الأداب ، قسم المكـتبات ، أما أنا أكـملـت دراستي الثانوية ونجحـت
بمعدل أهلني الدخول الى كلية التربية .. بعـد تخرج عبدالله بسنة تقـدم لخطبتي ووافقت
أمـي .. أما أبي قـد توفي منـذ كـنت في الخامسة مـن عمـري ، وبعـد أسبوع جـاؤا أهله
وأقاربه وبعض الجيران ، أطلقوا (( مؤثـر زغاريد يعقبها أغنية زهـورحسين (( نيشان
الخطوبة اليوم جابولي)) الأم ترتدي شالاً أبيضاً وتجلس جلسة العروس لغط وضحكات
تتخلل الأغنية شبح عبدالله يجلس قربها )) أجل سأسهرعلى راحتك سأجعـل بيتنا عش
عصافير، بشرط أن تحـبني وتبقى لي وحدي لاتخونني (( يضـحك )) هاهاها حقاً .. أنا
أنا .. جادة، سأكون لك وفية كوفاء طيورالكناري ((تنهض وتندفع أسفل يمين المسرح))
نعم ياعبدالله ، سأبني لك بيتأ كما يقولون : عش ذهبي سيحسدك عليه أقرانك سأسهرعلى
أن لاتـدخله الأحـزان والهموم .(( موسيقى حالمة )) فـي السنة الأولى رُزقـنا بيوسف ،
وأحتـفلنا به أحتـفالاً كبيراً (( موسيقى وأغاني شعبية للطـفولة لحـظات ثم تهبط رويـداً
رويـداً )) فرحـنا بيوسف كل الفـرح .. وبعـد سنتـين رزقـنا بأحمد .. ثـم نازك الجميلة ،
وأخرالعنقـود علي يغـفوفي بطني ، بين حين وأخرتراودني الأفكارالمرعبة ، والكوابيس
تجثم على صدري ، في ذلك اليوم المشؤم أستيقظت وأنا أشعـربهاجساً ينعق في خاطري
(( فجاءة دوي انفجار قوي واطلاق نار من رشاشات وبنادق وسقوط قنابل تتصاعد ثم
تأخذ بالهبوط لحظة صمت ثم صرخة مرعبة.. تظهـرالام منفوشة الشعر تـتحدث وهي
شاردة الذهن ... ))
الام : لا .. مستحيل .. عبدالله .. قُتل .. عبدالله .. مات .. هـذا يعني لن اراه بعد الان .. لالالا
لا أُصدق .. كيف سأعيش من دون عبدالله .. أنا تعودت أن يضمني بين ذراعية ، أتنفس
من عبـيرجسد وأغفو كطفل بين يـديه .. عبدالله لن ينام بعد الآن على رجلي ، وأصابعي
تداعب خصلات شعره الفاحم .؟ عبدالله قُتل .. لن أصدق ..(( تأخذ بقرص يدها )) لالا
مستحيل .. أنا أحلم .. لالالا (( ثم تصيح باعلى صوتها أحتجاجاً )) يا ألهي .. يارب ....
من لي من بعده .. اين سأذهب بأبنائه القصر.. أنا يتيمة الأب والأم .. أخوتي غادروا منذ
سنين .. وأنقطعت أخبارهم ..عبدالله زوجي ، وهوأبي وأخي وأمي ..هو طفولتي وشبابي
ونضجي ، هوالهواء الذي أتنفس ،عبدالله هوأحلامي وأملي ((تصيح أحتجاجاً)) ياربي ..
لماذا عبدالله بالذات ، الا تعلم أنا بعـدك أعبده ؟ (( تنهار تتصاعد موسيقى حزينة تفـترش
الأرض وكأنها في مجلس فاتحة .. تسجيل لأحد الملايات وهي تنعي عبدالله ...))
(( خلال المسمع الأخير للنعي ، يأخذ صوت الملايه بالهبوط شيء فشيئا .. ثم تتصاعد
موسيقى حالمة .. ظلام للحظات مـع الموسيقى الحالمة .. )) أولادنا قـبل رحيل عـبدالله
مـلاؤا الدنيا علي سعادة وسروراً ، يوسف كأبيه حازماً لكنه طيب القلب .. كان حلمه أن
يصير طبيـبأً ، وتحقـق حلمه .. وأحمد كان مولـعا بالموسيقى .. حتى دخل كلـية الفنون
الجـميلة قـسم الموسيـقى .. أما نازك .. فهـي فـي السادس الثانوي ، مجتهـدة بدروسها ،
حالمة الطبـع ، لطـيفـة المعشر ، اذا غـضبت .. تشعـر بها رجـلاً ، فـأنها تفـقد أنوثـتها،
أحياناً ..كان يوسف عـندما نغضب يطلق عليها المهرة الجامحة وهي لم تزل في الثامنة
عشر من عمرها تقدم لخطبتها عشرات الشبان ، هي رفضت ، وأنا أيضا .. آه .. آه. آه
ياعبدالله .. ولكن .. الحمدلله ، أني قـد حافـظت على أمانـتك .. (( يدخل شبح عبدالله ))
(( تجلس على الأريكة )) يتـقدم لها الشـبح وينام على رجله )) عـبدالله .. وأخيراًجئت
لزيارتنا ؟! أشتقت اليك .. مضت سنين على زيارتك الأخيرة .. مالي أراك حـزيناً ...؟
ماذا، جئت لترى يوسف ؟! عبدالله أرجوك .. دع الأولاد في حالهم .. لالالا.. لم تتلاشى
ذكـراك .. على العكـس إنهـم يتغـنون بسيرتك بل وحتى يحاكون صفاتـك . يـوسف فـيه
الكثيرمن شخصيتك (( تنصت اليه وتهزرأسها .. موسيقى رومانسية للحظات )) أحمد
في المرحلة الثانية كلية الفنون الجميلة ـ موسيقى .. أجل أجل عندما فارقتنا كان عمـره
سنتان .. نازك ، عـيني عليها بارده .. مـحروسة بالحي القـيوم .. أجمل فتاة في حينا ..
صارت عروس، في العام القادم ستدخل كلية الأداب ـ أنكليزي .. مـن ؟ (( تضحك ..))
علي .. أخر العنقـود .. عندما فارقـتنا كان يلعـب في أحشائي ، علي يتميز بروح النكتة
أجل طالع على جده ..على أبيك (( تتحسر)) أجل أجل ..أنا أيضاً حزينة لأنك لم تحض
بمـداعبته، مزاحه، واللعب معه.. نعم نعـم ..علي صار شاباً وسيماً قد أخذ من ملامحك
الكثير.. أجل هـوفي الأعـدادية .. أجل أجل (( تسعل بقوة ...)) لاتخـشى عليَ.. برد ..
مجرد برد(( تتوقف عن السعال .. تأخذ نفساً عميقاً .. ثم تتكلم )) الحزن تلبسني طيلة
مدة فراقك ..عشرون عاماً وأنا قد حرمت نفسي من كل مباهج الحياة .. أنا اليوم أعيش
من أجل أولادي ..هم فرحي في هذه الدنيا القاسية ..أتسلى بذكراك وأيامنا التي عشناها
على قلة السنين التي قضيناها سوية ..ُتُعينُني على مسايرة الحياة .(( ثم نهض وتخاطب
الجمهور)) كان أمين مكتبةً .. أنـدلعت الحرب التحق لخدمة العـلم وتـم تنسيبه الى أحـد
الـوية المشاة فـي الساترالأمامي (( شبح عـبدالله يتـقدم الى أسفـل يسار المسرح يلقـي
حواره بلا أحاسيس أنه أشبه بالربوت ))
عبدالله: في هـذا اللواء أعتدنا في كل فجـر(( مؤثردوي أنفجار قـنابل وقنابروصواريخ ولعلعة
دوشكا )) كل الأسلحة تستهدف ساترنا ، الساترالذي حفرنا في باطنه خـنادق ومواضع
قتال .. رصاص الرباعيات والبي كي سي تندفع بأتجاهنا تُصفرفي مسامعنا أيام طويلة
عشتهاعلى رتابة الساترمع الأنفجارت ثم فجأة توقفت الفعالية (( الصمت يسود العرض ))
ولف الساترالسكون..عشرة أيام ونحـن نعيش حالة من الهـدوء المشوب بالحـذر..عشرة
أيام ..حيث أخذ الأسترخاء يدب في أجسادنا..نعم ..دب الخدرفي أجساد المقاتلين.. وفي
فجـرشتوي والكل قابعـون في المواضع.. فـجأة (( مؤثرقصف مدفعي )) أنطلقـت للعدو
فعالية شديدة القصف،أخذت الصواريخ والقنابل ورصاص الدوشكات والرباعيات تنهال
علينا كالمطر((مؤثرصوتي لدوي الانفجاروالرصاص)) سمعت صوتاً يعلوعلى أصوات
الأنفجارات يناديني ((الصوت يأتي مـن خارج المسرح)) عـبدالله .. عـبدالله .. الحكلي
أبو الغيره (( يأخذ وضع الأنبطاح وهو يرتدي الخوذة يرفع جسده قليلا عن الأرض))
هذا صوت جابر.. (( ينهض ويندفع خارج المسرح بقوة ))
الأم : جابر صديق لعبدالله ، إنه أيضا خريخ كلية الأداب وأرسل للجبهة للخدمة المكلفية ..
عببدالله : ( جانباً ) وصلت الى موضع جـابرـ وهوبجانب موضعي ـ فوجدته جريحاً والموضع قد
سقط عليه مع أفراد حضيرته الذين قتلوا.. أندفعت أرفع الأنقاض من على جسد جابر،
والقـذائف من حولي تتساقط بكثافة .. لحـظات.. شعـرت بجسدي يطيرفي الهـواء ثم ..
(( تتعالى موسيقى الترقب ))
الام : اه يا عبدالله .. رحلت وتركت ثلاثـة ، وواحدا فـي بطني حملتني حمل يفـوق ثقل الجبال
حملتني ما لا طاقـة لي بحـمله.. نعم نعم قالوا : من يرغـب في الورد لا يخشى اشـواكه
(( تخنقها العبره )) اشواك فراقك قد ادمت قلبي وأحرقت كل كياني .. وبت أعيش
على هامش الحياة .. ولكن ـ الحمدلله ـ أولادنا جعلوا لحياتي طعما وحلاوة .. ولكن
روحي معلقه بذكراك سأظل حين اسمع بأسمك اوانظرالى صورتك كأنني اغفوفي
احضانك .. انام كطفـل التـقى امـه بعـد فـراق طـويل .. فـما كان بينـنا من الحب ..
عنفوانه ، بل كل كيانه.. كثيرمن الرجال يمكن نسيانه . ولكـنك يا عبدالله انت النادر
من الرجال فكيف انساك ؟ انسى نفسي ، انسى روحي .. ولا انساك .. أحببتـك حبا
لـو وزع على سكان الأرض لفـاض ، وغـمركل سكان السماوات .. انـا بعـد الله ..
اعبـدك .. عبدالله .. اما زلت تـقول .. حين ما نحب شيء ولا نحصل عليه نستبدله
بشيء اخـر .. ولكن ماذا نفعـل حينما نحب وطـنا..لايمكـن ان نستبدل الأوطـان ..
فعلينا ان نحفـظ وطننا ، وحب الوطن لايمكن ان يحفظ الا ببناء سور من الأرواح
حوله .. ماذا انت ذهبت لتحفظ من يعـيش في وطـنك ، وانا .. لمـن تركتني ؟
صحيح صحيح مـن يرغـب في الورد لايخشى أشواكه ، واشواك فراقـك قـد ادمت
قلبي واحرقت كل كياني .. وبت أعيش على هامش الحياة ولكن ـ الحمدلله ـ أولادنا
جعلوا لحياتي طعما وحلاة .. وستبقى روحي معلقة بذكراك..((موسيقى رومانسية
تجلس الام على الاريكـة وينام عبدالله على رجـلها )) منذ اكـثرمن عشرة أعوام لم
ارك لم تزورنا ..ها.. لا شك انك تزوجت من احدى حورالعين .. فانت شهيد وهذا
ما وعد الرحمن الشهداء به .. ((تنتفض وتنهض )) ارجوك لا تسرد لي بطولاتك،
فانا حفـظتها ظهرا عـن قلب .. هـل تريد احكي كيـف كنت تقاتل وانت في موضع
الحجابات .. او .. تريد ان اسرد قصة جرحك في راسك .. ام تريد عن ان احـدثك
عن .. عن (( تجهش بالبكاء )) عن استشهادك ؟ (( موسيقى حـزينة .. لحـظات ))
اجـل اجـل .. انـا اعـرف انـك مللت هـذه الاحاديث .. ماذا ؟ بكـل ود .. يا زوجـي
العزيز.. أولادنا : يوسف صارطبيبا .. ولكن أنا قلـقة علـيه وخصوصاً وهـو يقاتل
الوباء ، أي وباء ؟ لقد لف بلدان العالم كله وباءا يدعى كوفيد 19 واسم الشهرة والدلع
كورونا .. ماذا،أيضا ؟ انتـم سمعتم باخبارالوباء ..ها.. مئات الالاف جاؤكم من دنيانا
الى دنياكم مهجرين ..يا الهي .. لم أرى في حياتي وباء مثل هذا الوباء من قبل .. قـد
فتك بالناس اللعنة عليه وعلى من صنعه ، الحديث عـن كورونا ذو شئون وشجون ...
عجبأ لحال بلادي من حرب الى حـرب ، ومـن حصار قاسي الى أحتلال .. وتفجيرات
داعـش .. أما آن لبلادي أن تحـيا مثل بلـدان العالم ، أما آن لأهلنا .. لشعبنا أن يعـيش
كما تعيش شعـوب العالم .. هـل كُـتب علـينا الشقاء وسفـك الدماء .. الا لعـنة الله على
الظالمين .. (( تعود الى الاريك وتخـاطب الجمهـور)) صارت كـورونا مصدرلقـطـع
ارزاق الفـقـراء والمساكين (( يظهـرشـبح يوسـف وينام على رجـلها .. الام تداعـب
خصلات شعـريوسف )) مابك يا بني ؟ اراك حـزينا ..افـتح كيس هـمـومك فـانا امـك
انا مستودع اسرارك .. لحظة .. قبل ان تخبرني ساعمل لك ما يرطـب نفسك.. كاس
من العصير (( تخـرج من المسرح .. يوسف ينهض ويتحـرك اشبه بألة .. شبح ))
يوسف : امتلات ردهات المستشفى الذي اعمل به بالمصابين بل وحتى الأرض غطتها أجساد
المرضى اندفـعت انا وثلـة مـن الأطباء والممرضين والمسعـفين ، لمعالجة المساكين
رغـم عـنايتـنا وإعـطاء العلاجات الضرورية .. ولكـن .. للأسف مات الكـثيرون بل
أصيب الكثيرمن الأطباء والممرضين وانا واحدا منهم ((موسيقى تتصاعد)) شعرت
بالحمى ثم انتابني سعال (( يسعل )) جاف ... وبت لا اقـوى على الحـركة تلبس كل
جسدي الألـم والاوجـاع واصابني صداع شـديد ثم فـقـدت حاسة النطق وظهر طفـح
جلدي وتغيرت لون يدي وقدمي ثـم شعرت ضيق في التـنفس وضغـط على صدري
وفقـدت القدرعلى الكلام والحركة .. حاول زملائي الأطباء أسعافي .. لكن .. دون
جدوى .. امي جئت لكي اودعك (( صرخة .. يخـتـفي الشبح ، والام تتحدث وهي
مذهولة.. مجلس عزاء نسوي .. لطمية ونعي نساء جنوب العراق))
الام : من يغفوعلى رجلي بعدك، من بعد اليوم تداعب أصابعي خصلات شعره، يوسف كلما
جئت مـن عـملك متعـب تضع رأسك على رجلي وتبوح بكل مايصادفك من منغصات
وهمـوم الحياة .. ياشمعة البيت .. يالهيبه.. يوسف ياوليدي أني عندما تتأخرفي عملك،
أوالواجب يحـتم عليك أن تعـمل في المستشفى من المساء حتى الصباح ، أنت تسـهر،
وأنا عـيني لا تنعم بالنوم .. ترى بعـد أن غيبك عن عيني المـوت هـل يهدىء بالـي ،
وعيني تـذوق طعم النوم .هـل يستقرقلبي في مكانه ، أم يبقى يرفرف لذكراك ..؟
(( ظلام يصدر من مذاع صوت ))
المذياع : الخبر العاجل .. وردنا مايلي .. في الساعة السابعة والنصف من صباح اليوم ، قام
ثلة ضالة من خفافيش الليل بوضع عبوة ناسفة أمام مدخل أحدى الثانويات والحصيلة
أستشهاد بعض الطالبات ، وخمسون أصبن بجروح مختلفة بعضهن أصابتهن خطيرة.
(( يدخل شيح عبدالله .. ويقف ينظر الى صورته .. تدخل الام حاملة بعض الثياب ((
الام : (( بدهشة )) عجبا .. لما جئت .. اجبني .. لما انت هنا ؟ عبدالله (( تدخل نازك تندفع
الى الشبح ))
نازك : ابي ..
الام : انت تستطيعي رؤية ابيك ؟
عبدالله : وأخيرا التقينا ..
الام : وانت تراها (( ثم تصيح باعلى صوتها )) بنتي .. نازك ..
(( تتصاعـد موسيقى حـزينة .. صورة أخـرى من لطـم نساء الجنوب ( الردح ) مع
بعض النسوة )) (( يدخل مؤثر أصوات المتظاهرين ، عند حوارالأم يخفت ))
الام : (( تفترش الأرض )) لا تذهب يا ولدي، لم يبق في الدنيا سواك انت سلوتي، ارجوك
سمعت ان هناك أيدي خـفيفة تقتل المتظاهرين ، بل وهناك جماعات متخـصصة بقتل
قيادات المتظاهرين ((تنهض)) ارجوك يا ولدي ارجوك يا علي، لاتفجعني، ماذا تفعل
امراة اخذ الشيب يغزورأسها حزناً وقهراً ، والقلب أصابه الوهن، فراقك ياعلي يقتلني
لم يبق في جعبة حياتي سواك واخوك احمد ،ارجوك يا ولدي ابقى معي ،علي ..ولدي
ارجوك .. لا تذهب .. يا وليد هناك في ساحات التظاهررجال قساة ، قلبهم من حجر،
سفاحين لايهمهم ثكل الأمهات اوايتام الأطفال.. يا علي اقسمت عليك لا تذهب ..علي
علي ..
(( يدخل عليها عبدالله ويوسف ونازك ..عبدالله يتقدم الى الأم ))
عبدالله : اشتقت لرؤية علي فانا قُتلِت وهو في بطنك .. اشتقت للقائه ..
(( تنهض بعصبية ))
الام : كفا..كفا ياعبدلله ، لم يبق عـندي سوى علي واحمد.. في كل مرة تاتيني تأخذ احد من
اولادي .. يا عبدالله .. البكاء سلوتي ، لكن خانتني العيون ..عيناي جفت من الدموع
ارجوك يا عبدلله اذهب ولااريد ان اراك ، دعني أرطب روحي بذكرياتك، وذكريات
يوسف وحبيبتي نازك .. ارجوك .. اذهب ..
(( يدخل شبح علي ))
علي : ابي .. كم انا ملهوف لرؤياك .. انت قُتلت وانا في بطن أمي .. واليوم الحمدلله .. قد
التقينا..
الأم : (( تصرخ ... )) علـ .....ـي ...
(( أغنية دللول يالولد يايبني دللول ... ))
الأم : (( تجلس الأم وهي خاوية تأن )) أن .. أن .. أن .. أن ...
(( أحمد يخرج من يسار المسرح يحمل حقيبة صغيرة على كتفه .. الأم تـتحفز ثم
تنهض بصعوبة .. تمسك بكتف أحمد ... )) (( بصوت مبحوح وبصعوبة تتكلم،
بل أنها تلهث أشبه بالمصابة بمرض الربو .. )) أحمد .. أحمد يا وليد أبتعد عن
كتابة المقالات النارية ، ياولدي حـقاً أنت صحـفي ، ولكـن .. الفاسدون فـي بلدنا
لايسكتون عـن الشرفاء ، وأنا أعلـم أن قلمك شريف .. ولايقـل شرفاً عـن أولئك
الصحفيين الذين قدموا حياتهم قرابين من أجل صون شرف الكلمة ..
(( أحمد يقبل يد أمه ويغادر المسرح الى الخارج .. ))
الأم : (( تندفع الى صورة الأب وصور أبناءها تخاطبهم )) يوسف كنت أخاطبك ياقلبي
وأنت حقاً قلبي، التراب والدود لاشك أكل وجهـك البرونزي .. وأنت يا نازك كنت
أخاطبك ياصديقتي .. هكذا تخليتي عني، هل من شيمة الصحبة عدم الوفاء، نازك
كنت أختي وصديقتي ، هـكذا يانازك تسافرين دون وداع .. كانت بينـنا الكثيرمـن
الأسرارلم أكن ، أصدق بهـذه السرعـة ترحلـين .. أين ذهـب جـمالك ، أين ذهبـت
ضحكتك المليئة غنجاً ؟ (( تتقدم خطوة وتخاطب صورة علي )) آه .. ياعلي..آه ..
كلما تذكرتك أشعر بقلبي تشب به النيران ، فقدتك وفقدت طعم الحياة ، ياليت تعود
تلك الأيام الجميلة ، بعدك تمنيتُ الموت.. كنت لاتنام إلا وتشبكني ذراعيك.. كنت
تردد على مسامعي :(الله ماأحلى الدفْ في حضن أمي) كنت أنت ونازك تتشاجرا
على النوم في حضني ، وكنتُ مجبرة على أن أفتح ذراعي لكما.. آه ياعلي ياكبدي
ياعيني، ياقلبي .. يا روحي، بل ياأخرالعنقـود.. وبعدك أنت وأخوتك عافـت نفسي
حب الحياة وتمنيتُ أن يأتي الموت في كل لحظة ((ثم تتجه الى صورة عبدالله))
عبدالله لم يـبق في البيت غـيري وأحمد.. أياك أياك وتأخذ أحمد ((ثم تغيرلهجتها))
عبدالله .. أقول : لماذا لاتأخذني معكم .. أشتقُ اليك ، والى فلذات كبدي .. خذني
ياعبدالله خذني أريد أستريح من هذا العذاب..أرجوك أرجوك أرج ..
(( فجأة صوت أطلاق رصاص من مسدس.. ثلاثة رصاصات .. ثم تدوي صرخ
خارج المسرح ))
الأم : (( تدور بتثاقل ثم تهوي الى الأرض ..)) يمــه حمودي ..
(( تتعالى الصيحات ))
أصوات : ـ أغتالوا أحمد ..
ـ هذاك أبو الدراجة اللي راكب وراها واحد ..
ـ تتعالى الأصوات أحمد بن عبدالله أغتالوه ..
الأم : (( تحاول النهوض .. تنهض بتثاقل )) يمه حمودي (( تسقط على وجهها ))
(( يدخل شبح أحمد.. لايهتم بها يقع بصره على أبيه ولأخوته، بفرح غامر
يندفع اليهم ..))
شبح أحمد : آلتم الشمل ..
شبح يوسف: كنت أتوقع قدومك علينا ..
عبدالله : هيا بنا .
(( عبدالله يتقدمهم والابناء يتبعوه يمرون من قرب الأم بلامبالاة لها ))
الأم : (( ترفع يدها اليهم .. لكن دون جدوى .. تصرخ صرخة مكبوتة .. وتبقى على
الوضع .. ))
(( تنزل موسيقى حزينة .. )) الأم ترفع رأسها تخاطب الجمهور ))
الأم : أنا مثلُ أنثى مالك الحزين .. عندما يجوع صغارها .. تحفرصدرها بمنقارها ،
وتخرج قلبها لكي يأكل صغارها .. هي تموت وهم يعيشون .. ((تنكس رأسها))
(( موسيقى حزين ... الأضاءة تأخذ بالأطفاء رويداً رويداً ....))
ـ ظلام ـ
ستار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق