تصنيفات مسرحية

الجمعة، 8 أكتوبر 2021

مسرحية " مقلب ثقيل " تأليف حيدر عبد الرحيم الطيب

مجلة الفنون المسرحية 

مسرحية " مقلب ثقيل  " تأليف حيدر عبد الرحيم الطيب

   االشخصيات : 

-   الرجل الأول

-  الرجل الثاني 

- المرأة

الرجل الثالث

                                                     

المكان : قاعة مسرح

الزمان: الوقت الحاضر أو زمن عرض المسرحية

 

المنظر: قاعة مسرح

 

( يدخل رجلان مسرعان بيد كل واحد منهما قدح شاي، يأخذان مكانهما على مقعدين الصف الأول من المسرح الخالي)

الرجل الأول: هذه المرة الأولى التي أحضر فيها عرضا مسرحيا.

الرجل الثاني: على العكس منك تماما، حضرت أغلب العروض التي قدمت على هذه الخشبة.

الرجل الأول: ( وهو يحتسي الشاي) كنت أعتقد أننا لن نجد مكانا في المسرح!

الرجل الثاني: يحدث ذلك عندما تأتي متأخرا، فيكون مكانك في المقاعد الخلفية، وتضطر للوقوف على قدميك لترى العرض. والحقيقة أن هناك خدعة قديمة تلجأ إليها الفرق المسرحية وهي تأخير تقديم العرض حتى تكتظ القاعة بالمتفرجين، وفي كل مرة يقدمون أعذارا مقنعة.

الرجل الأول: مقنعة! كيف؟!

الرجل الثاني: إنهم بارعون في التمثيل، لذلك يفلحون في اختلاق الأعذار وإقناعنا بها.

( يدخل رجل، ويقوم بتوزيع الفولدر عليهما)

الرجل الأول: ( وهو يقرأ الفولدر) شاهدت هذه المسرحية وأنا طالب في معهد الفنون الجميلة، قبل خمسة عشر عاما. كنت قد قررت أن أتخصص في الإخراج المسرحي، وبعد أن شاهدت براعة بطل المسرحية غيرت قراري واتجهت للتمثيل.

الرجل الثاني: ومع ذلك لم تصبح ممثلا!

الرجل الأول: للحياة اشتراطاتها يا صديقي. عندما تكون بحاجة لعمل يوفر لك الخبز، فلن يكون المسرح هو الخيار الأفضل.

الرجل الثاني: لا تهتم، هذا العمل سيعيد إليك ذكرياتك المسرحية. أتوقع أن نرى تطورا في أسلوب الإخراج.

الرجل الأول: أتمنى ذلك، لا أريد أن أغادر وأنا خائب الأمل. ( يفتح الفولدر، يتكلم وكأنه يهمس لنفسه) العمل من أربع شخصيات وأمامي ثمانية أسماء.

( تدخل شابة في الخامسة والعشرين من عمرها، تجلس بفارق مقعدين إلى اليمين من الرجل الأول)

الرجل الثاني: ( يهمس) هل عرفتها؟

الرجل الأول: من؟

الرجل الثاني: تلك الشابة التي أخذت مكانها توا.

الرجل الأول: هل تعرفها؟

الرجل الثاني: بالطبع، إنها الفتاة التي رفضت صديقنا ( يقلد حركة يد عضباء).

الرجل الأول: هذه هي إذن.

الرجل الثاني: نعم، وقد تطلقت منذ عامين، وقد عرف هو بذلك، فعاد حبه القديم إلى الحياة.

الرجل الأول: لكنها كانت قد رفضته.

الرجل الثاني: الحب لا يعترف بالرفض.

الرجل الأول: ( بصوت عال) لكنها جميلة فعلا.

الرجل الثاني: اخفض صوتك.

الرجل الأول: سأخفض صوتي وأكتفي بالنظر إلى هذا الجمال الملائكي.

الرجل الثاني: ستجلب انتباه الآخرين إلينا.

الرجل الأول: ياله من جمال هادئ.

الرجل الثاني: اخفض صوتك أرجوك.

الرجل الأول: ياله من وجه طفولي.

الرجل الثاني: أرجوك، إنها تعرفني. ماذا لو جلبت انتباهها إلينا؟

الرجل الأول: ما أروع أن تنتبه إلينا.

الرجل الثاني: ( يحاول سحبه) دعنا نغادر.

الرجل الأول: ( يدفع يده) دعني أمتع نظري برؤية عينيها.

الرجل الثاني: ( يحاول اقناعه) سندخن سيجارة فقط، ثم نعود.

الرجل الأول: أخرج أنت لتدخن إن شئت.

الرجل الثاني: إفففففف.

الرجل الأول: أنت لم تكمل الموضوع، وماذا حدث بعد أن رفضته؟

الرجل الثاني: ولماذا أنت مهتم بمعرفة بقية الموضوع؟!

الرجل الأول: لست مهتما، لكنك لم تنته بعد من حديثك.

الرجل الثاني: لم أنه حديثي بسبب عينك التي تركتني وذهبت إليها.

الرجل الأول: هنا أنا أعود إليك يا سيدي. أكمل.

الرجل الثاني: شرط أن لا تلتفت.

الرجل الأول: ( وهو ينظر إليها) موافق.

الرجل الثاني: هل جننت؟ هل هي أول امرأة تراها؟!

الرجل الأول: ( يدير وجهه تماما إلى الرجل الثاني) والآن، أكمل.

الرجل الثاني: عاد صديقنا فخطبها بعد أن تطلقت، فوافقت.

الرجل الأول: جميلة، لكنها بلا ذوق للأسف.

الرجل الثاني: لكنه عاد فأفسد كل شيء في الأيام الأولى.

الرجل الأول: هو لا يستحق هذا الجمال.

الرجل الثاني: تصور. . يطرق الباب فجرا ليقدم لها باقة ورد!

الرجل الأول: هذا لا يحصل حتى في مستشفى الأمراض العقلية!

الرجل الثاني: يتصل بها كل يوم أكثر من عشر مرات، وعندما لا ترد عليه يذهب ليطرق الباب بقوة كي يراها!

الرجل الأول: جنون!

الرجل الثاني: لم تطق صبرا عليه، ففسخت الخطوبة.

الرجل الأول: إنه دائما ما يضع نفسه في مواقف محرجة بسبب حبه للفتيات. . هل سمعت عن موضوع تقدمه لطلب يد بطلة مسرحية أعجبه تمثيلها على الخشبة، فذهب إلى المخرج ليطلب الزواج منها؟!

( يرن هاتف المرأة الشابة)

المرأة: الو. . أين أنتم؟ تأخرتم كثيرا. . لم يتبق الكثير على بدء العرض، أرجو أن لا تتأخروا أنا بحاجة لمساعدتكم.

الرجل الأول: ( يلتفت إليها) هل أنت بحاجة للمساعدة؟

المرأة: نعم، هل تستطيع أن تساعدني؟

الرجل الأول: سيكون ذلك من دواعي سروري. ماذا تريدين أن أفعل؟

المرأة: ( تشير إلى الخشبة) اذهب هناك وضع المساطب واحدة إلى اليمين والثانية في العمق.

الرجل الأول: وماذا بعد؟

المراة: ( وهي منشغلة بالهاتف) لا تسأل، اذهب وافعل ما طلبته منك. ( تنظر إليه) مابك؟

الرجل الأول: لا شيء. . لا شيء.

المرأة: تحرك إذن، ليس هناك وقت.

الرجل الثاني: ( للرجل الأول، وهو يضحك) تحرك بسرعة، ما بك؟

المرأة: الو. . ماذا فعلت؟ . . جميل، هذا يكفي. لا تتأخر أنا في الانتظار. ( تنظر إلى الرجل الأول) ما هذا؟! قلت لك في عمق الخشبة وليس في منتصفها.

الرجل الأول: حاضر. . حاضر.

المرأة: وبعدها ضع السلم في المنتصف وتسلقه، أريد بقعة ضوء هنا ( تشير إلى مقدمة المسرح) لكن أخبرني، ما لون المصباح الذي في يدك؟

الرجل الأول: أخضر.

المرأة: هذا ما أريده هنا. انتقل إلى الجانب الآخر.

الرجل الأول: سيدتي.

المرأة: ( تصيح به) دعك من الثرثرة وانتقل إلى الجانب الآخر.

الرجل الأول: ( ينتقل بالسلم إلى الجانب الآخر)

المرأة: أريد بقعة حمراء هنا.

الرجل الأول: سيدتي، أرجوك، أريد أن أخبرك. . . .

المرأة: ( مقاطعة) ماذا تريد؟

الرجل الأول: أريد أن أقول. . . .

المرأة: نفذ ما أطلبه منك فقط، وسأزيد من أجرك.

الرجل الأول: تزيدي أجري! أنا لست عاملا في المسرح. جئت فقط لمشاهدة العرض.

المرأة: ( بخجل) أرجو أن تتقبل اعتذاري، ظننتك أحد العاملين هنا.

الرجل الأول: اعتذارك مقبول.

المرأة: لقد تأخرنا كثيرا. هناك مكملات لم تكن في الحسبان. حينما يتغير المكان يحدث ذلك. معوقات العمل الكثيرة ولا تخطر على البال أحيانا. في السنة الماضية كنا نبحث عن قاعة للتمرين، وبعد البحث لثلاثة أشهر حصلنا على القاعة. باشرنا التمرين في اليوم الأول، والثاني، وفي اليوم الثالث قام الحارس باغلاق الباب الرئيسي لساعتين. . في اليوم الرابع قطع التيار الكهربائي. . وفي اليوم الخامس صاح بنا أننا نزعجه. ورغم كل شيء استمررنا في التمرين، لكن يوم العرض شهد حدثا استثنائيا. . قطعت الأسلاك الكهربائية.

( يدخل الرجل الثالث من الباب الخلفي للقاعة مرتديا بدلة رصاصية اللون وقميص نيلي وربطة عنق.وفي الجيب الأعلى للسترة يضع وردة حمراء)

الرجل الثالث: ( للمرأة) هل تأخرت؟

المرأة: ( تنظر إلى الرجل الثالث باستغراب، وتدير وجهها عنه)

( يذهب الرجل الأول إلى الرجل الثاني)

الرجل الأول: ( مشيرا إلى الرجل الثالث) ما الذي جاء بهذا إلى هنا؟

الرجل الثاني: أنا.

الرجل الأول: أنت؟!

الرجل الثاني: بينما كنت تعمل على الخشبة، خطرت في رأسي فكرة جهنمية. . لقد أرسلت له رسالة من هاتفي على أساس أنني خطيبته السابقة، وطلبت منه أن يحضر إلى المسرح لأن لدي، أقصد لديها، ما تقوله له. وسرعان ما وصلني الرد:" حبيبتي، كنت أعرف أنك ستكلميني. خلال دقائق قليلة سأكون إلى جانبك."

الرجل الأول: يالها من فكرة شيطانية. . هيا، لنراقب ونضحك.

الرجل الثالث: ( يعود ويجلس إلى جوارهما) أمر عجيب حقا!

الرجل الأول: ما هذه الأناقة والعطر الجميل؟

الرجل الثالث: أنا دائما هكذا، لكنها لا تنتبه.

الرجل الثاني: من هي التي لا تنتبه؟

الرجل الثالث: امرأة غريبة الأطوار.

الرجل الأول: هل نعرفها؟

الرجل الثالث: لا، لا أحد سواي يعرفها.

( يرسل الرجل الثاني رسالة أخرى إلى الرجل الثالث متقمصا دور المرأة تطلب فيها منه أن يجلس إلى جوارها. ينهض الرجل الثالث ويجلس إلى جوارها، فتغير مكانها)

( الرجل الأول والرجل الثاني يضحكان بصوت منخفض. تعلو نغمة الرسائل في هاتف الرجل الثاني)

الرجل الثاني: لقد بعث إليّ برسالة.

الرجل الأول: ماذا كتب فيها؟

الرجل الثاني: ( يقرأ) لماذا طلبت مني أن آتي إلى هنا ثم قمت بتجاهلي، ولماذا طلبت أن أجلس إلى جوارك، ثم غيرت مكانك؟ ما الذي يجري هنا؟

الرجل الأول: أكتب ما سأمليه عليك.

الرجل الثاني: هل خطرت لك فكرة؟

الرجل الأول: نعم.

الرجل الثاني: هل هي مضحكة؟

الرجل الأول: جدا.

الرجل الثاني: قل إذن.

الرجل الأول: ( يملّي الرجل الثاني) لكي تثبت لي حبك، اذهب وقف على خشبة المسرح، اعترف لي بحبك من هناك، ثم تقدم مني وأهدني وردتك الحمراء.

الرجل الثاني: سيكون مشهدا مضحكا للغاية.

الرجل الأول: لا عزاء للبلهاء.

( يفتح الرجل الثالث هاتفه ويقرأ الرسالة. ينظر إلى المرأة التي تبدو غير مهتمة به، ويصعد الخشبة)

الرجل الثالث: ( يقوم ببعض الحركات التعبيرية التي تكشف عن عمق حبه للمرأة. يبدأ الجمهور الذي بدأ يدخل القاعة قبل قليل بالتصفيق).

المرأة: أنت، ماذا تفعل هناك؟

الرجل الثالث: أنا هنا بطلب منك أنت. . أنا هنا لأعلن لك عن حبي أمام الجميع.

المرأة: لكني رفضتك.

الرجل الثالث: كيف، وهذه رسائلك تطلبين مني أن أحضر وأعترف لك بحبي.

الرجل الأول: بدأت الأمور تسوء.

الرجل الثاني: انتظر ما سيحصل.

المرأة: لم أرسل لك بأية رسالة، ولم أطلب منك الحضور. لقد انتهى ما بيننا.

الرجل الثالث: ما بيننا هو الحب، ولا يمكن للحب أن ينتهي. قد نزول نحن، لكن الحب باق.

المرأة: انزل من على الخشبة أرجوك. . أنت تضعني في موقف محرج.

الرجل الثالث: أنا الذي أرجوك. . أنا أعترف بحبي لك أمام الجميع، وأتمنى أن تستمعي لنداء قلبي.

( يدخل المخرج من الباب الجانبي للخشبة)

المخرج: أسدلوا الستار، لقد انتهى العرض.

                              ستار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق