العرض المسرحي المصري «أحدب نوتردام»: جرائم قُبح الروح
محمد عبد الرحيم
تعد رواية «أحدب نوتردام» لفيكتور هوغو (1802 ــ 1885) من الكلاسيكيات الأدبية، وقد أصبحت مُلهمة للكثير من الفنانين لتقديمها من خلال عدة وسائط مختلفة، كالسينما والمسرح والأوبرا، وحتى الدراما التلفزيونية. ورغم مرور كل هذه السنوات ـ كتب هوغو روايته عام 1831 ـ لم تزل شخصية الأحدب وإزميرالدا تجتذب الكثيرين، الذين يقدمونها من خلال رؤية جديدة تفسيراً وتأويلاً، أو إسقاطاً على واقع تتم الإشارة إليه مباشرة أو من خلال الرمز. ومن هذه التجارب الجديدة، يقدم المسرح المصري هذه الرواية، التي تعرض هذه الأيام على مسرح (الطليعة) في القاهرة، كتجربة أخرى تتناول حكاية هوغو التي كتبها في القرن التاسع عشر.
النص المسرحي
بالطبع اختلف النص المسرحي عن الرواية وتفاصيلها الدقيقة، واكتفى بتتبع الخط الدرامي الأساسي للحكاية والشخصيات، مع تحوّل في بعض الشخصيات وجعلها أداة من أدوات السرد المسرحي، فالشاعر جرينجوار هو الذي يقوم بالحكي والتعليق على الأحداث، متذكراً أو مستشرفاً، أو متماهياً بكونه شخصية في الحدث، لتتجسد بذلك تقسيمات الزمن الثلاثة. فالمسرح خالٍ تماماً، ليبدأ هو من النهاية ـ موت إزميرالدا والأحدب ـ الشاعر الذي أحبها وأصبح زوجها الرسمي، لكن الأحدب هو الذي فضّل الموت معها، فلم يكن باستطاعته العيش دونها. ومن خلال مذكرات الأحدب، يستعيد الشاعر هذه الأحداث، لتبدأ الحكاية.
الملك
في المشهد الافتتاحي للحكاية يتم استعراض جميع الشخصيات، فباريس تحتفل، وتعيش أجواء (عيد المجانين) هذا العيد المقدس، وهنا تبدو الكنيسة خالية، فلا زوّار اليوم لبيت الرّب، وحتى حارسها الأصم ـ الأحدب ـ يُغادرها للاحتفال، فلا يجد الجميع أبشع منه ملامح، ويتوّجونه ملكاً، ويضعون تاج المهرجين فوق رأسه، وهم يتبارون في سبّه ومضايقته بعاهته ـ يتماهى هذا المشهد وسخرية اليهود من السيد المسيح، ووضعهم تاج الشوك فوق رأسه، ودعوته بملك اليهود، حيث اختلافه الروحي عنهم يتوافق والاختلاف الشكلي للأحدب ـ هنا نجد إزميرالدا الغجرية، والشاعر، الذي يريدها بطلة مسرحيته التي لم يكتبها بعد، وقائد الشرطة الذي لا يخفي إعجابه بها، متظاهراً بزجره لها، وأخيراً الأسقف، الذي نسيّ ربه لحظات وقد مسّته الرغبة، التي طالما اعتقد أنه نسيها، والذي يُنهي الضابط عن القبض عليها، فاليوم يوم فرح والله يحب الفرحين، ولا تخفى علاقة التواطؤ الدائمة بين رجل الدين ورجل السلطة. في هذا المشهد يتضح سلوك الشخصيات من البداية.. الفتاة التي لا تريد سوى أن يحبها أحد بصدق، باحثاً عن روحها، ومتجاوزاً عن جمالها، والشرطي الواثق وقد اتخذ قراره بإغوائها، والشاعر الحالم، الذي لا يمتلك سوى كلماته، ورجل الدين الذي لا يجيد سوى المؤامرات، حينما يعجز عن تنفيذ ما يريده صراحة، فلسانه الناطق بوصايا الرّب يتنافى وعينه التي تشتهي جسد الفتاة، وتفضح ما يشعر به.
التنوع اللغوي
لم يكتف النص ـ رغم الإبقاء على الاسماء الحقيقية لشخصيات الرواية ـ بالحوار الفصيح، بل اعتمد كثيراً على اللغة الدارجة المصرية (العامية) إضافة إلى تكثيف الأحداث في مشهد مثلاً، يتبادل من خلاله الشخوص الأغنيات، التي تصبح بديلاً عن المناجاة الفردية، أو المنولوجات التي توضح رؤية وأحوال هذه الشخصية أو تلك، ومن أهم هذه المشاهد وقوف الشخوص الأربعة حول محور صراعهم (إزميرالد) التي تصبح في الوسط، وكأنها تؤدي طقساً راقصاً يليق بجمالها الغجري، بينما الشاعر أمامها في مواجهة الجمهور، والأسقف إلى اليمين أمام باب كنيسته، والضابط إلى اليسار مكان مجيئه الدائم هو وجنوده، وليختتم هذه المناجاة الأحدب، الجالس دوماً بجوار جرس الكنيسة، أعلى المسرح في المنتصف، الجرس المقدس بدوره، الذي جعله يعيش ما تبقى له أصم، لا يعرف سوى لغة الشفاه، والذي لا يتكلم سوى همهمات، كوحش في البريّة، لكنه هنا.. يغني ويعترف ـ بينه وبين نفسه ـ بعشقه للفتاة، وتقديسه لجمالها.
العرض المسرحي
اعتمد العرض بالأساس على الشخصيات ومواقفها من الفتاة، مع الاحتفاظ بالخط الأساسي للحكاية، ومن هنا جاء تقديم الأحداث كلوحات تكتمل من خلالها الفكرة .. كظهور إزميرالدا، الأم الباحثة عن طفلتها المُختَطَفة، فرقة الغجر، محاولة اختطافها من قِبل الأحدب بإيعاز من الأسقف، مسامحتها للأحدب، سجنها وتعذيبها، إنقاذ الأحدب لها، تعرّف الأم عليها، موت الأحدب والفتاة معاً.
ورغم أن العرض لا يعتمد على ممثلين من المشاهير، إلا أن أغلبهم يمتلك موهبة ملحوظة، تتناسب تماماً وطبيعة الشخصيات التي يؤدونها في بساطة، ودون افتعال. أما اللافت بالفعل فهو الديكور والإضاءة، فكانا أكثر تعبيراً عن المشاهد والأحداث، وأقرب إلى لوحات دقيقة التفاصيل، متغيرة ومتباينة، شارحة للحدث ومؤكدة لحالة الشخصيات. هذه الجماليات تبدو في مدى تعبيرها وبساطتها في الوقت نفسه.. فحجرة الأحدب وإزميرالدا في الكنيسة، تبدو في إضاءة شاعرية توحي بالسعادة والاعتراف بالجميل، على العكس من الأسقف، حيث تبدو جدران الكنيسة وما تحمله من تجسيد لتماثيل القديسين، وكأن روحه الخربة لوّنت المكان، فيبدو مُقبضاً، وكأنه مرتعاً للأشباح/الشياطين.
العرض أداء.. جورج أشرف (كازيمودو) رجوى حامد (إزميرالدا) محمد عبد الوهاب (الأسقف) يحيى محمود (جرينجوار) حسام الشاعر (فيبوس) محمد دياب (كلونان) ومحمد حسيب (القاضي) وغيرهم. ديكور حمدي عطية، أزياء نعيمة عجمي، إضاءة أبو بكر الشريف، أشعار طارق علي، موسيقى كريم عرفة، استعراضات كريمة بدير. ترجمة وإعداد مسرحي أسامة نور الدين، وإخراج ناصر عبد المنعم.
--------------------------------------------------
المصدر : القدس العربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق