مجلة الفنون المسرحية
أخيراً رسى قارب مسرح الشمس على ضفاف جزيرته، جزيرة الذهب التي لا وجود لها إلا من خلال سحر المسرح، هذا هو عرض مسرح الشمس الجديد الذي انتظرنا ولادته طويلا بسبب الوباء. بلا شك أن آريان منوشكين أخذت وقتها فيه طويلا، أي انها انتظرت عودة الجمهور إلى المسرح دون قيود او اكراهات. أمام شباك حجز التذاكر، كان هناك حشد كبير من الجمهور ينتظر مقاعده التي حجزها منذ فترة طويلة، وكنا نحن الثلاث (حمادي الوهايبي ومحمد زهير وأنا) ننتظر دورنا بالحصول على تذاكر الدخول، وهذا ما حدث لحسن الحظ، بعد ان تخلف بعض المتفرجين عن العرض. وكالعادة كانت أريان منوشكين بكل جمالها وتواضعها عند المدخل، تأخذ التذاكر وترحب بالمتفرجين، فهنا، لا توجد قراءة إلكترونية للكود أو الشفرة المطبوعة على سطح التذكرة عادة، وهذا جيد. أريان نفسها تمزق التذاكر، وهذا التقليد أصبح صورة أسطورية لمسرح الشمس. ولابد من القول وإعادة القول ثانية، انه لا يوجد مسرح آخر يعرف كيف يرحب ويستقبل جمهوره مثل مسرح الشمس، بطاولاته المستطيلة الكبيرة التي نتناول من فوقها شتى المأكولات التي تتغير وفقا لديكورات إبداعاته المختلفة. هذه المرة كانت المصابيح بيضاء وأسود الرسام الياباني هوكوساي حاضرة بيننا، مثل الطعام. هكذا ابتعدنا عن يوميات حياتنا اليومية شيئا فشيئا، ونسينا انتظارنا الذي دام مدة ساعتين ونصف. بهذه الطريقة انزلق المسرح في اجسادنا وعقولنا، قبل الدخول إلى قاعة العرض حيث تنتظرنا جزيرة الذهب. تتساءل هيلين سيكسوس مؤلفة اريا منوشكين، ما هو الذهب في حقيقة الامر؟ وتجيب: بالنسبة لشخصياتنا التي تدافع عن السعادة، فهو ليس بذهب المناجم والمصارف، وإنما ذهب الضيافة، وذهب البراءة، الذي هو خارج الخزانة، أنه ذهب مآدبة الصداقة، الذهب الجيد الذي سيسمح لعيد الشفاء بالمجيء، من تأجيج الذكاء وتجدده. أه، ربما اعتقد البعض منا ان جزيرة الذهب نائمة؟ وهذا يمكن حدوثه. لكن جزيرة المسرح حتى حينما تنام تغمض عينا واحدة وتظل تحلم جيداً، وهكذا تبقى مستيقظة دوما بعين واحدة وتسمع بأذن واحدة أيضا.
اقولها صراحة، أن العرض لم يكن بمستوى انتظاراتنا، الجزء الأول منه كان يحتاج ربما إلى جمع أو حكاية تربطه، فكورنيليا بطلة عمل "غرفة في الهند" كانت حاضرة من البداية الى النهاية، ولكنها في مسرحية "جزيرة الذهب"، نرها مريضة وفي حالة هذيان مستمر يرافقها ممرضها الخاص وهي تحلم وتهذي وتتحول احلامها وهذياناتها أمامنا من خلال لغة المسرح إلى العديد من المشاهد والصور. نلاحظ أن الاحداث تجري في اليابان هذه المرة وليس في الهند، وفي غرفة في اليابان، ولكن العمل لا يتحدث بالضرورة عن اليابان فقط، لأننا في الغرفة يمكن أن نسافر كثيرا حيثما نريد، ونستقبل العالم بأكمله! ويمكننا مواجهة مجموعة متنوعة من الرحلات المتخيلة، والأحلام أو الكوابيس ... بلا شك ان اليابان كانت حاضرة في هذا العرض كأرضية للأحداث ولكن ليس وحدها وانما كان إلى جانبها العالم باسره. للاسف ان الخطاب السياسي للعرض كان بدائيا بسيطا، إن صح القول، وخاصة ما تجسد من خلال علاقة شخصية العربي والاسرائيلية وصراعهما المزمن وهما يستحضرا نتنياهو كشخصية مجرمة وحماس كمنظمة إرهابية، على كل حال ربما ستكون لنا وقفة أخرى مع هذ العرض الذي لم ينتشل نفسه من براثن الخمول والضجر إلا في الجزء الثاني منه وخاصة عندما اعتمد على مشاهد وتقنيات سبق لمنوشكين قد استعملتها في عروضها السابقة، ومع ذلك، فإن الحرفة المسرحية التي تتحلى بها منوشكين كانت اكثر من حاضرة واذا كان هناك نجاح لهذا العرض، فيعود الى دربتها وامكانياتها في صناعة العرض المسرحي المحترف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق