عبدالله المتقي - المغرب
" شكون فينا .." هو عنوان العرض المسرحي الديودرامي من تشخيص الممثلين الواعدين ، سينوغرافيا أمنة زاوي ، " نبيل العكباني"و" يوسف شفايش" ، ومن إخراج "محمد الشريف الطريبق"،
والشريف الطريبق بالمناسبة ، واحد من مريدي المسرح والسينما ، جاءهما ، ليس عن عشق وكلف وكفى ، بل عن دراية وخلفية ثقافية عارفة وملمة بهذين الفنين .
عطفا على ماسبق ، وقبل الانتقاء الى القراءة التفسيرية والتحليلية لهذا العرض المينودرامي ، نستدعي عتبات العرض التي ساهمت في خلق الأجواء للدخول إلى عوالمه ، وفي هذا المجال سنركز على الملصق والعنوان .
بالرجوع إلى عنوان المسرحية "شكون فينا .."، باعتباره نصا صغيرا، نلاحظ أنه جاء جملة استفهامية ، التي ستصبح مقصودة ، مادامت شخصيتا المسرحية ، وطيلة المسرحية يتساءلان ، ويبحثان عن حقائق خفية ، تخص " سعاد" التي تورطا معا في عشقها ، ولكل مذهبه وأسباب نزوله في هذا الوله ، والأكثر منه، هو توريط المشاهد نفسه في السؤال ليصبح بدوره واحدا من هذه ال"نا" الدالة على الفاعل، حيث ظل السؤال " شكون فينا ..." معلقا ومثيرا ، حتى بعد الانتهاء من المسرحية. أما ملصق المسرحية فيتكون من صورة تعكس امرأة بنصف ملامحها ، تلف عنقها كشكول فلسطيني ، ترتدي معطفا ، وتحمل حقيبة ، وإذا كانت الصورة لغة ثانية تختزل وتكثف دلالات العرض المسرحي ، أو تضيف إليه دلالات جديدة ، فإن الصمت البلاغي لهذه الصورة يحيل على غموض هذه المرأة التي لم نتعرف عليها بكامل ملامحها ، ثم الكشكول الفلسطيني الدال على الانتماء ، ثم الحقيبة التي تفشي بنية المرأة الرحيل .
إن هذه المرأة التي قدمت بهذا الشكل ، تتعالق مع " سعاد" التي سنتعرف عليها من خلال استذكار الشخصيتين لظلالها وتراحيلها .
فما الذي تمسرحه " شكون فينا ..." ؟ وبأي تبنين جمالي ؟
بداءة ، دعونا نتفق أن مسرحية " شكون فينا .." تنتمي إلى المسرح الديودرامي أو مسرح الثنائيات الذي يقوم على ممثلين فقط يلعبان دورهما على الخشبة ، ويدخلان في حوار عبر مشاهد العرض ، يجسدان من خلالها ما يعتريهما من تحولات نفسية ناجمة عن التصاعد الدرامي .
وعليه ، تجسد شخصيات المسرحية حالات نفسية لشخصيتين حافيتين من الاسم يربط بينهما خيط واحد ، إنها " سعاد " التي أحبها كل واحد بطريقته الخاصة ، الشخصية الأولى التنكر لمبادئها ، بل وانتقالها من موسكو إلى مكة ، ثم انسحاب سعاد منه ، ليدخل مؤسسة الزواج ، بيد أنها ظلت بداخله ويتأجج حبها بتجاويفه كلما سمع باسمها.
أما الشخصية الثانية فحبها لسعاد تاريخي ومن مرحلة الطفولة ، ولتصبح زوجته في نهاية المطاف ، بيد أنه يشعر بمسافة غرامية بينه وبينها ، ويحمل مسؤولية هذا الابتعاد للشخصية الأولى التي تسببت فيه خيانته وتلاعبه بعواطفه ، بل والتلاعب حتى بمريديه وبلغته الشبيهة بالفجل حمراء من الظاهر وبيضاء ناصعة من الداخل .
ويستمر الصراع حول " سعاد " التي تتحمل قراءات متعددة بعدد أنفاس الخلق ، فهي أنثى مرة ، ومرى أخرى ذكرى وفكرة ملتبسة ومتشابكة ، وأحيانا غامضة ، ومهما تعددت الأوجه فهي نفسها " سعاد" في أعماق الشخصيتين ، وهذا ما يجسده المشهد الأخير من المسرحية ، التي ابتدأت بغلاف زمني من الصمت اشتركت فيه الشخصيتين ، وانتهت بحلول الشخصية الأولى في الشخصية الثانية ، ليكون ختام المسرحية كما لو " مثنى بصيغة المفرد"
وبخصوص جمالية الإخراج ، نلاحظ انحياز المخرج الشريف الطريبق لمنطق الخشبة وما أتاحته له من مساحة للتخييل ، مغادرا بنصه إلى نص جديد يتأكد حضوره على الركح ، بل وهدم كل حاجز بين المسرحية والمتفرج ، ليتحول القاعة إلى خشبة ثانية ، والمتفرجون إلى ممثلين .
ومجمل القول ، شكرا للشريف الطريبق ولفرقته المسرحية التي أحرجتنا من محبس "كورونا" ، وأعادتنا إلى سيد الفنون ، حتى نحتفي بالحياة ، وحتى نتمسرح ، وحتى نتساءل بدورنا " شكون فينا .." يتحمل المسؤولية بخصوص تراحيل " سعاد " ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق