مايا سبعلي: على المسرح استعيد اندهاش الطفولة و«الغياب» فيلمي الصامت قريباً
زهرة مرعي
في مسرحية «درج» ليل ومتاريس وامرأة تبحث عن الحب فتجده ليهجرها إلى الحرب
هو الـ«درج» الذي وقفت في أعلاه بجدارة الممثلة مايا سبعلي. «درج» عرّفنا إلى محطات تركت علامة فارقة في حياة إمرأة. وجدناها أمامنا على خشبة المسرح وكأنها ولدت متأبطة حقيبة سفر، ومزنّرة بأكياس الرمل. متاريس الحرب ومتاريس الحياة، لا تستأذننا إن قررت الحضور. تفعل فعلتها، وتتركنا مع ندوبنا. النص لديمتري ملكي، والإخراج لشادي الهبر الذي نسّق بدقة شخصية المرأة التي شاهدناها على الخشبة.
إمرأة تجد نفسها في ليلة ليلاء على درج طويل وسط المدينة، لا تعرف إلى أين يؤدي، ولا كيف وصلته. تواجه الجمهور ببوحها والمغامرات التي عاشتها، ومحطات حياتها الثلاث، والتي تركت بصمتها عليها. تواصل الجمهور مع مايا سبعلي بطريقة جميلة. وهي تجلّت في دور أتاح لها تبديل شخصيتها، فأثرت على المتفرجين بقوة حضورها. وربما كانت في جانب من شخصيتها تلك تقول بعض تجاربنا في زمن الحرب. بات لهذه الممثلة تجربتها القوية وهي التي أسست «مسرح شغل بيت» مع زميلها شادي الهبر.
مع مايا سبعلي هذا الحوار:
○ «درج» طويل سلكته وعصفت بك الأحداث المرهقة. لماذا ارتضيت عبوره وحيدة؟
•ألسنا غالباً نعبر محطات الحياة وحيدين؟ رغم وجود الناس المميزين والمحبين في حياتنا، إنما الشعور الداخلي الغالب أننا أو بالنسبة لي خاصة أمشي وحيدة في أموري الأساسية.
○ كم يشبه عرض «درج» الحياة؟
•صحيح، والإختلاف شعوري بأن المسرح معي، وذلك من خلال الطاقة التي يمدني بها. بمجرد الوصول إلى الخشبة تتسلل طاقة الجمهور إليَ، وهذه مشاعر جميلة. والجميل في العروض الثلاثة لمسرحية «درج» حضور الجمهور الكبير، وكأنه متعطش للمسرح. هذه الطاقة التي أستمدها من الجمهور تنسيني بأني أمشي المشوار وحيدة. تقفل الستارة وأدرك أني سأعود وحيدة في طريقي.
○ حقيبة السفر الحرب والحب إشكاليات كبرى وضعك بمواجهتها الكاتب ديمتري ملكي. كيف جمعتها وفككتها على المسرح؟
•تمثّل الحقيبة الحرب، ومراحل أخرى من الحياة. نحن في ترحال، وكان لي منه نصيب. بدأت دراستي في لبنان ثمّ تابعت في باريس. وكسرت حاجز المكان عبر السفر للتصوير والعروض المسرحية. حكايات الحب ليست غريبة عن الحياة. أحضّر الكاراكتير بالأسلوب الكلاسيكي، وأجد في مهنة «التمثيل والمسرح كما بيت بيوت». المهم أن نصدق. تلعب البنت مع شقيقها دور المعلّمة، تؤنبه حتى وإن كانت أصغر منه. تخلع الشخصية بمجرد أن تناديهما والدتهما لتناول طعام الغذاء. استعيد اندهاش الطفولة على المسرح، وأشعر بقدرته على جمع الأمور في تصديق الكاتب وتصديق المخرج. أذوب في كل هذه الخلطة فتتظهّر الشخصية.
○ هل صحيح الإستنتاج أن المرأة التي جسدتها في «درج» كانت تنشد الحب والأمان أولاً؟
•صحيح. وجَدَت هذا الحب لزمن قصير. وتخلّى عنها الجميع لأجل الـ«بارودي». لكن الكاتب لم يتركها تفقد الأمل رغم الانتظار ومرور السنوات وتوالي الخيبات من الحب.
○ هل تحتاج مونودراما مسرحية كما «درج» لجهد استثنائي خاصة وأنك تجسدين ثلاث شخصيات؟
•نعم هي شخصيات متعددة. حتى دورها الأساسي يتضمن عدة مراحل. وهي متقلِّبة في الشخصية نفسها صوتاً وتفاعلاً. وكذلك شخصيات الرجال الذين مروا في حياتها، من دون أن ننسى شخصيتها الداخلية. تصبح هادئة عندما تتكلم عن المنزل القديم ووالدتها. صوتها الداخلي مختلف عنها كراوية لحياتها. اكتشفت أن الدور يحتاج للحب ليمرّ بسهولة، واحتاج لجهد جسدي وإجادة للتقنيات.
○ كم ساعد المخرج شادي الهبر في تذليل العقبات من أمامك؟
•»درج» عملي الثالث مع المخرج شادي الهبر، يعرف قدراتي جيداً، وأعرف إلى أين يرغب بالوصول عبر أسلوبه. جوابي معاكس، فالمخرج شادي الهبر يدفش إلى النهاية طامعاً بالوصول لأقصى قدراتي. بدل تسهيل المهمة يعتمد نظرية «خلينا نستفيد». لجوابي مضمون إيجابي، فالممثل يحب التحديات، ويبحث عن الدور الذي يحتاج لجهد، كونه يغريه.
○ انتهى العرض واستمرت التعقيدات في حياة المرأة. لماذا برأيك قرر الكاتب هذه النهاية؟
•لم يكن الكاتب بصدد حكاية امرأة واحدة بل أكثر. حكايات أكثرنا اختبرها خلال الحرب. وبعيداً عن الحرب، فالحب والإطمئنان منشود من جميع البشر. والحقيبة لا تخصني وحدي، جميعنا له معها ذكريات. في مجتمعنا كثر يرددون «قصتي عند جد بتصلح لفيلم». بمجرد أن يعرف الناس مهنتي يسرعون لسرد قصصهم، فمن وجهة نظرهم تصلح لفيلم أو مسلسل أو مسرحية.
○ في الواقع الذي نعيشه كيف تنظرين إلى المسرح في لبنان؟
•واقعنا «مكركب» لكنه يمنح الأمل. بالإجمال ينمو الفن في رحم الأوجاع وليس في السياق المنظّم والجميل. غالبية الـ«شيه دوفر» في العالم ولدت في الحروب والأزمات الكبرى. من شأن الوجع والعذاب أن يحفرا في داخل الإنسان مما يؤدي لولادة إنتاج قيّم. رغم سوء الوضع في لبنان، واليتم الذي يعيشه المسرح، أرى حافزاً في مكان ما. رغم كل الظروف التي مررنا بها لم أشعر مرّة بالإحباط. تابعنا الطريق وباللحم الحي حتى خلال كورونا. نحن في مسرح «شغل بيت» فريق متكاتف متضامن حتى وإن كنت وحيدة على خشبة المسرح. وصل العرض إلى الجمهور بعد جهود. كان يصاب أحدنا بزكام فتتوقف التمارين. الحمد لله عرضنا، والإقبال لم يكن متوقعاً. البعض لم يجد بطاقات، فيما خرق البعض الآخر مسافة التباعد المفروض بفعل كورونا.
○ هل طرأت تطورات على تجربة مسرح «شغل بيت»؟
•التطور مستمر، نكبر ونرى الأمور بعين مختلفة. دخل «شغل بيت» عامه السادس، تبدّلت أشياء كثيرة على صعيد الطلاب. بات ضرورياً تطوير أسلوب التعامل معهم، ومجاراة سرعتهم وإندفاعهم. هم مستعجلون لاكتشاف ما بداخلهم. لا ينتظرون الزمن الضروري لذلك. هؤلاء الطلاب يحثوننا لإيجاد أساليب جديدة للتعامل معهم. وهذا ما أجده إيجابياً بالنسبة لي.
○ كمعالجة بالدراما كيف تقرأين في طلاب «مسرح شغل» الطامحين بالتمثيل والكتابة؟
•في لا وعيهم يعتقد من ينتسبون للدورات الدراسية في مسرح «شغل بيت» أنهم حيال علاج. ومن دون قصد منه يتعامل القائم على المقرر، بأنه حيال علاج. شادي وأنا نستمع للجميع، ونسعى لاحقاً لإعادتهم إلى مربع الفن، مؤكدين أنه سيشكّل علاجاً مع انطلاقه. بشكل عام تختلف الحياة لدى المقبلين على دورات التدريب المسرحي بين البدايات والختام. فهم يتصالحون مع ذواتهم، ويقاربون الأمور بطريقة أخرى، ويكسرون القيود. إنها حصيلة الدروس الفنية وليس العلاج بالدراما. مع التأكيد بإن خبرتي كمعالجة بالدراما تساعدني في مهمة التدريب. نتفهّم شخصيات المقبلين على هذه الدورات ونتقبلهم، فلكل منهم خصوصيته وتجربته في الحياة. دراستي وخبرتي في العلاج بالدراما سهّلت عملي.
○ هل تستمرين في عملك كمعالجة بالدراما؟
•فعلياً لم أعمل معالجة بالدراما، الفن كان غالباً. تدربت في مستشفى دير الصليب. ومن ثم عملت على التوالي مع مؤسستين تهتمان بذوي الاحتياجات الخاصة. كان علاجاً تعبيرياً من خلال الفن، وأدى إلى نتيجة جميلة. ودرّبت متوحدين وتمكنوا من تقديم عرض مسرحي، وذلك بمساعدة مختصين. أتيت بعلم النفس إلى المسرح أكثر مما أخذت المسرح إلى علم النفس. المسرح شغفي، إنما أصرّ الأهل على دراسة موازية كون «المسرح لا يطعم خبزاً» فأخترت علم النفس. لم أندم فقد أحببت دراستي، واستفدت منها كثيراً. السائد هو الإمساك بالفن للعمل بالعلاج الدرامي، لكني رحت بالطريق المعاكس. علم النفس خدم عملي الفني. فالفن هو الأصل وليس أداة لعمل آخر.
○ وماذا أفادتك دراسة علم النفس على الصعيد الشخصي كممثلة؟
•المسرح والتمثيل كانا يملآن حياتي وجدت أن علم النفس ساعدني بداية في فهم ذاتي، وتفكيك الشخصية التي سألعبها. ومن ثمّ الفصل بين ذاتي والشخصية بعد إقفال الستارة. والسؤال المتكرر من الناس «ألا يصيبك الإكتئاب بعد كل دور»؟ لعبت دور سونيا في مسرحية «خال فانيا» من إخراج منير أبو دبس. هو دور حزين للغاية، وعلم النفس ساعدني للفصل بين ذاتي والدور بمجرد ترك خشبة المسرح.
○ تجربة العمل مع ذوي الاحتياجات الخاصة ماذا أضافت لك كممثلة وفنانة؟
•مفيدة وجميلة للغاية. هم أشخاص حقيقيون جداً، ولا يجيدون التمثيل. تعلّمت منهم أن نجاح الفن يكمن بمدى مقاربته للحقيقة. هم أشخاص يعملون ويتعاملون مع الآخرين بحب. يقبلون على التمثيل بعيداً عن غايات الشهرة.
○ أين أنت من دراما رمضان الذي بات قريباً؟
•صورت مع شركة الصبّاح مسلسل «رقصة مطر» من إخراج جو بوعيد، لم أعلم إن كان سيدخل برمجة رمضان. وثمة طلب للتمثيل في مسلسلين آمل حسم الأمر قريباً.
○ ما الذي يشجعك لدور في مسلسل ما؟
•منذ بدأت الحضور في الدراما اللبنانية لم أكن في موقع «اقرأ الورق واعطيكم جوابي». فمنذ البداية يعرف المنتجون أني اُطلب لدور امرأة طبيعية دون بوتوكس وفيلينغ، ولدور يتسّم بحاجته للجهد. وبالتأكيد الطلب محدود قياساً لحضور غيري من الممثلات على الشاشة، خاصة وأني «لا أدقدق وأسأل شوفي عندكم عطوني». وعندما اُطلب تكون الشخصية جميلة ومريحة والحمد لله.
○ وماذا عن حضورك في السينما؟
•حضرت في عدد من الأفلام، لكني قبل سنتين قررت تصوير فيلم قصير خاص بي. تولّى التصوير والإخراج محمد وهبي. اجتاحتني مشاعر حزن كبير بعد انفجار بيروت. تابعت الحدث ووجدت الجميع يحكي بأعداد الضحايا ووزن النيترات، وأهملوا المشاعر. كنت أتابع الشاشات لاحقت الكاميرا إمرأة تائهة. تقدم منها المراسل ليسألها عن من تبحث؟ لفتني حجم الضياع والفراغ في عينيها. كانت تبحث عن ابنها، ساعدها المراسل واتصل من هاتفه ودلّها كيف تتوجه. الحزن البليغ في عينيها طيّر النوم مني لأيام. فقررت تصوير فيلم. وبدأ العمل. هو فيلم تعبيري صامت عن تلك الأم التي تعرّفت إلى ملابس ابنها. شاركني التمثيل بعض طلابي. نحن في مرحلة إنجاز الموسيقى، وهدفنا المشاركة في المهرجانات العربية والدولية. عنوان الفيلم «الغياب» مدته 13 دقيقة.
○ نصحك والداك بدراسة موازية للفن كونه لا يطعم خبزاً. من أين تأكلين الخبز الآن؟
•من الفن. لكل مهنة في الحياة تحديات وتنازلات. وخوض التحدي في مهنة نحبها أفضل من العكس. ما من هدف نبلغه بالسهل.
تصوير: كريس غفري
--------------------------------------------------------
المصدر :بيروت ـ القدس العربي
المصدر :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق