المخرج المسرحي العراقي سمير يعقوب: الوقوف تحت الضوء في فضاء المسرح الألماني
مروان ياسين الدليمي
أي فنان مسرحي يهاجر إلى أوروبا إذا ما كان يطمح إلى ان يكون له حضور يوازي ما لديه من إمكانات، ستكون أحلامه مرهونة بمواعيد مؤجلة لزمن قد يطول كثيرا قبل ان يصبح واقعا، ويزداد الأمر تعقيدا إذا ما كان قادما من جهة الشرق، وقد ينتهي به مطاف الانتظار سنين عديدة من دون ان ينال الفرصة التي تتناسب مع تجربته التي تشكلت في بلده، وغالبا لن تكون الأسباب دوافعها عنصرية، إنما لان الأكاديميات والمعاهد المسرحية تضخ سنويا إلى المحترفات والفرق المسرحية عشرات العناصر المؤهلة بعلوم وتقنيات المشغل المسرحي، إضافة إلى ان التجارب في أوروبا توغلت بعيدا في التجريب والتفكير الجمالي الذي يشتغل في إطار تجاوز ما تم إنجازه من أساليب ومدارس فنية، ومَن ينجح من المهاجرين في اقتناص فرصة للعمل مع الفرق الغربية، لابد من ان تتوفر فيه جملة مؤهلات مميزة ترغم المسرحيين على ان يفسحوا له المجال ليكون ضمن صفوفهم، فكيف إذا ما ارتضوا ان يعملوا تحت إدارته، ويكونوا أدوات لتحقيق رؤاه الفنية، فإن ذلك يعني انهم قد وجدوا فيه أفقا فنيا جديدا يبحثون عنه، وعلى ما يبدو فإن المخرج والممثل المسرحي سمير يعقوب تمكن من أن يفرض وجوده في ألمانيا بعد أن كان قد وصل إليها لاجئا عام 2001 .
لحظة التحوّل
بطبيعة الحال لم يكن حصوله على هذه الفرصة قائما على ضربة حظ ، انما لأنه وقبل ان يغادر العراق افترق عن أترابه وأبناء جيله من المسرحيين عندما أمسك بمهارة خيوط اللعبة المسرحية، وقد تأتى ذلك بعد ان خاض عديد التجارب الإخراجية، في مدينة الموصل وبغداد ومن ثم الأردن التي كانت محطته الأخيرة قبل انتقاله إلى ألمانيا، وبعد مضي ثلاث سنوات على وصوله واتقانه اللغة الألمانية، بدأ في العام 2003 ممثلا في مسرحية «القلب هو الورقة الرابحة» تأليف وإخراج كلاوس ريملنجر، وفي العام الذي يليه 2004 تقدم خطوة كبيرة إلى الأمام عندما أخرج ومثّل مسرحية «إيليا عبر الصحراء» تاليف كلاوس ريملنجر، وكانت تلك علامة على انه قد التقط الكرة وباتت في ملعبه، ليستمر خطه البياني في الصعود. وخلال أكثر من عشرين عاما تنقل ما بين الإخراج والتمثيل مع عدد من الفرق المسرحية إلى جانب ممثلين ومخرجين محترفين ألمان. وهذه الجرأة في اقتحام الحواجز، بدت أبرز سمة امتلكها منذ ان عبّر عن حضوره في بداية مشواره الفني، إذ تشير مسيرته إلى انه دائما ما كان يتصدى لنصوص مسرحية تمتاز بعمق ما تطرحه من أفكار ومعالجات فنية، لا يجروء على الاقتراب منها إلاّ من يمتلك رؤية ذاتية لا يتردد في ان يشتبك بها مع ما يطرحه النص من طروحات، هذا إضافة إلى ما يتوفر لديه من مخيلة خصبة وشخصية قوية قادرة على تطويع العناصر التي تعمل معه. وطيلة السنين الماضية لم تنقطع أخباره عنا، فكنا على تواصل معه، نتتبع كل خطوة مسرحية ينجزها، واللافت فيه انه كان على قدر كبير من الثقة بالنفس، ليقتحم عالم المسرح هناك، من غير ان يضع أمامه سوى الوصول إلى اللحظة التي يثبت فيها الإطار الفني الذي تتجسد فيه تطلعاته المسرحية .
إصرار على التميز
اتخذ قراره بدراسة الإخراج المسرحي في نهاية سبعينات القرن الماضي، فغادر مدينته الصغيرة قره قوش متجها صوب معهد الفنون الجميلة في الموصل، مستبعدا عن طريقه أي انشغالات أخرى قد تؤثر على اكتسابه للمعرفة الفنية، ومن هنا كان تألقه في معظم مشاريعه المسرحية، لينال المرتبة الأولى على عموم طلاب المعهد عام 1982 وكرر تفوقه في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد لينتزع الترتيب الأول على دفعته عام 1987.
وخلال مسيرته الفنية في ألمانيا قدم يعقوب عروضا مسرحية كثيرة، توقف أمامها النقاد وتابعتها الصحافة الألمانية، وعلى الرغم من انه جاء إلى هذا البلد لاجئا، لكنه بدلا من ان يسترخي ويتنعم بالحياة الآمنة التي افتقدها في بلده العراق، آثر ان يواصل العمل بحثا عن فرص يحقق فيها ما عجز عن تحقيقه في وطنه الأم، من دون ان يعير أهمية إلى صعوبة هذا الخيار، إلاّ ان الإرادة التي يتسلح بها، ودوافع الحصول على المعرفة من منابعها الأصلية، كانت أكبر من ان تقف أمامها أي حواجز. ولأنه يقف اليوم في قائمة أبرز المخرجين العاملين في مدينة مورناو التي يقيم فيها، وشهرته امتدت إلى خارج حدودها صوب المدن الأخرى، لما أوكِلت إليه مهمة إخراج عرض مسرحي كبير، من بين عشرات المخرجين الألمان، على الأقل في حدود الإطار الجغرافي الذي يعمل فيه، وخاصية هذا العرض انه يحمل طابعا احتفاليا تاريخيا يتعلق بمدينة الت ناو التي ستحتفل رسميا في العام 2022 بيوبيلها الذهبي، وقد كتب النص المؤلف ماركوس فيينير، وهناك أكثر من 40 ممثلا وممثلة سيشاركون في هذه التجربة إضافة إلى منشدين وموسيقيين بنفس العدد .
روافد موهبته
وإذا ما ذهب الحديث نحو الروافد التي أحدثت تحولا في شخصيته المسرحية، لا ينسى يعقوب الدور المهم الذي لعبه استاذه في معهد الفنون المخرج التونسي المُنجي بن ابراهيم، حيث كان له الفضل في توجيهه بما يثري موهبته، ويشحذ خياله المسرحي، وما ينبغي ذكره بهذا السياق أن المُنجي لعب دورا رياديا في وضع الأسس العلمية السليمة عند تأسيس قسم المسرح بمعهد الفنون الجميلة إلى جانب المخرج الفلسطيني عصام سميح، وقد تخرج من تحت أيديهما حتى منتصف ثمانينات القرن الماضي نخبة متميزة من الطلبة، بعد ان احتشدت في مسيرتهم داخل المعهد عديد العروض المسرحية المهمة التي وقف خلفها هذان المخرجان المعلمان.
الآباء الدومنيكان وأوائل المسرحيين
يمكننا القول إن تجربة سمير يعقوب تنتمي بجذورها إلى المسرحيين الأوائل الذين ظهروا في الموصل خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وكان نشاطهم قد بدأ في كنيسة اللاتين (السّاعة) عام 1881 بتأثيرٍ ودعم ٍمن الآباء الدومنيكان، الذين كان لهم الفضل في إيقاظ الوعي بأهمية المسرح، إضافة إلى ان لهم قصب السبق في إدخال أول مطبعة حديثة إلى العراق عام 1856 صدر عنها كتب ومجلات باللغة العربية والسريانية، كذلك ترجمات في شؤون الدين والأدب والفكر، ومن تلك اللحظة الفارقة التي اجترحها الدومنيكان امتدت أغصان المسرح وجذوره إلى بقية مدن العراق. وهنا لابد من الإشارة إلى أسماء المسرحيين الذين نالوا رعايتهم آنذاك: حنا حبش، نعوم فتح الله السحار، هرمز نرسو الكلداني، ومن خلال هؤلاء الرواد امتدت أغصان الفن المسرحي من الموصل إلى العاصمة بغداد وبقية مدن العراق.
تجاربه المسرحية
مسيرة المخرج المسرحي سمير يعقوب تشير إلى انه قد أخرج حتى الآن 22 عرضا مسرحيا في ألمانيا، إضافة إلى مشاركاته كممثل، وقبل ذلك كان قد أخرج 11عرضا مسرحيا في العراق خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، ومن دون شك فإن هذا التاريخ الشخصي الحافل بالنتاج يؤكد بان الموهبة والدراسة الأكاديمية ليست كافية لتصنع فنانا، إذا لم يتم تتويجهما بعمل واجتهاد، يستمر عطائهما بعد مغادرة مقاعد الدراسة .
السؤال الذي قد يطرح هنا: هل ستلتفت دائرة السينما والمسرح في العراق التابعة لوزارة الثقافة والسياحة، إلى المجتهدين والمميزين من أمثال يعقوب، وتدعوهم للمشاركة في المهرجانات المسرحية التي تتولى إقامتها؟ في كل الأحوال نأمل ان ينالوا ما يستحقونه من اهتمام، مكافأة لجهدهم الذاتي في تأكيد وجودهم المسرحي في المُغترب، ولأنهم من الممكن ان يفتحوا آفاقا جديدة للمسرحيين العراقيين للتعاون وتبادل الخبرات مع أقرانهم في البلدان الأوروبية .
---------------------------------------
المصدر : القدس العربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق