مجلة الفنون المسرحية
خيال الظل تراث فني سوري يواجه خطر الاندثار
دمشق - العرب
مسرح خيال الظل في الساحل السوري تأثر بشكل عام بحياة الصيادين، وارتبطت نصوص هذا المسرح بقصصهم.
في عام 1970 أسدل الستار عن آخر عرض لمسرح الظل في سوريا مع رحيل آخر “المخايلين” الحكواتي أبوعزت حبيب. هذه المهنة التي رافقت أجيال القرنين التاسع عشر والعشرين وأمست بعد ذلك جزءا من التراث المجتمعي، ليقوم شادي حلاق بإعادة إحياء شخصيتي كركوز وعيواظ عام 1993، وهو ابن حكواتي قهوة النوفرة الشهيرة رشيد الحلاق والذي عرف بحكواتي الشام “أبوشادي”، ونتيجة مرافقة الابن لوالده أعاد صناعة شخصيات “كركوز” و”عيواظ” بنفسه من جلد البقر، وصمّم صندوق الحكايا ليمسي “المخايل” الوحيد في سوريا.
ومنذ عام 2014 تضافرت جهود الجهات الحكومية وغير الحكومية وحاملي هذا العنصر مع الأمانة السورية للتنمية، لترشيح عنصر مسرح خيال الظل “كركوز وعيواظ” على قائمة العناصر التي تحتاج إلى الصون العاجل لدى منظمة اليونيسكو. هذه القائمة تحمل من الأهمية الكثير لكون الغرض منها اتخاذ تدابير الصون المناسبة لأشكال ومظاهر التعبير عن التراث الثقافي اللامادي المهدد بالاندثار جراء عدم التجديد فيه.
وفي نوفمبر لعام 2018 قررت اللجنة الحكومية الدولية لصون التراث اللامادي التابعة لليونسكو، في اجتماعها المنعقد في بورت لويس موريشيوس، إدراج عنصر مسرح خيال الظل في الجمهورية العربية السورية على قائمة التراث الثقافي اللامادي الذي يحتاج إلى صون عاجل.
مسرح الظلّ يعد وجدانا شعبيا وذاكرة حية وجزءا من حكايات الشعوب ورسالتها وقطعة لا تموت من تاريخها وحضارتها
وفي مارس 2019 أقيم في التكية السليمانية بدمشق معرض لخيال الظل ضمن فعالية “ظلال”، خلال الاحتفال بإدراج عنصر خيال الظل على قوائم التراث الإنساني، وفيه قدم عبدالرحمن حجازي شاشة خيال الظل التي ورثها عن حسين حجازي، وهي إحدى شاشات العرض التي كانت تستخدم لأداء مسرحيات خيال الظل في جزيرة أرواد، إضافة إلى تقديمه لـ24 قطعة عرضت ضمن المعرض وعكست تاريخ مسرح خيال الظل في جزيرة أرواد.
تأثر مسرح خيال الظل في تلك الجزيرة وفي الساحل السوري بشكل عام بحياة الصيادين، وارتبطت نصوص هذا المسرح بقصصهم، وكانت شاشة حجازي تقدم ضمنها قصصا وحكايا استطاع الفنان تسجيلها من أفواه المخايلين أنفسهم في الساحل السوري وفي جزيرة أرواد تحديدا، ما أمد التراث الثقافي اللامادي السوري بكنز ثمين من النصوص التي تعكس بمضمونها مدى استمرارية فن خيال الظل في جزيرة أرواد، بعد أن لبّى لعقود حاجة المجتمع إلى الفرجة والتخيل.
وفي حلب وخلال السنوات الأخيرة عثر على كنز تراثي لعائلة سورية من أصول أرمنية، وهو عبارة عن صندوق يحوي ما يزيد على 150 قطعة سليمة من شخصيات حكايات مسرح خيال الظل، وحافظت الأسرة على هذا الصندوق مغلقا ووضعته في مكان آمن خلال الحرب على سوريا، والذي توارثته أبا عن جد قبل أن تعود حفيدة العائلة سونا تاتوريان بعد اغتراب، لتبحث عن صندوق جدها الذي يعد من أهم صانعي دمى مسرح خيال الظل في المنطقة منذ 100 عام.
وكان كل ما سبق من اكتشافات في حلب وجزيرة أرواد، نتيجة للتسجيل على قوائم التراث الإنساني وما رافق ذلك من رفع الوعي بأهمية التراث اللامادي وعنصر مسرح خيال الظل، حيث وضعت خطة صون العنصر لمدة أربع سنوات من تاريخ تسجيله على قائمة اليونسكو، وتضمنت مجموعة من المقترحات منها التدريب لنقل المعارف وإقامة عروض مسرحية في المحافظات والمشاركة في المهرجانات وطباعة المنشورات.
ومنذ يونيو 2019 أعلنت الأمانة السورية للتنمية عن إطلاق برنامج تدريبي متكامل لاستقطاب مخايلين جدد لتدريبهم على فن مسرح خيال الظل، بهدف الحفاظ على هذا الإرث العريق وضمان استمراريته وصونه، واستقطب ما يقارب 20 شابا وشابة من جميع المحافظات.
ووضعت الأمانة معايير القبول، منها امتلاك القدرات الصوتية والتحكم بطبقات الصوت وامتلاك حس الفكاهة والحركة ووجود خلفية معرفية بالرسم والتصميم، في حين قدم التدريب خبراء مختصون بصون الفنون، ومن بينها خيال الظل والمجتمعات المحلية الحاملة للعنصر.
وتضمن البرنامج قسما نظريا للتعريف بتاريخ خيال الظل وخصوصيته وأهميته الاجتماعية والثقافية وفصوله وتقنيات الحرف المرتبطة به، وقسما عمليا تم التدريب خلاله على طريقة صناعة لعب خيال الظل من الجلد الطبيعي بكامل مراحلها: الرسم والقص والزخرفة والتلوين وآلية بناء المسرح التقليدي وتحريك اللعب وأداء السيناريو والأصوات.
ومع هذه الخطوة حمل 20 شابا وشابة على عاتقهم خوض غمار مشروع إنقاذ تراث سوري أصيل، مصقولين بشغف خيال الظل مع انخراطهم طوال سنوات الحرب في العمل المجتمعي، فكانوا عماد المرحلة الثانية لصون عنصر مسرح خيال الظل السوري، وتركز عمل برنامج التراث الحي في الأمانة السورية للتنمية على تخريج المخايلين الجدد وتشجيعهم لتصنيع شخصيات معاصرة، تعكس أحوال المجتمع عبر شاشة خيال الظل.
وأقيم حفل تخريج عشرين مخايلا ومخايلة عام 2021 ضمن احتفالية “مخايلون سوريون” بمناسبة تأسيس أول فريق لخيال الظل السوري، بالتزامن مع يوم المسرح العالمي، وذلك على خشبة مسرح الدراما بدار الأسد للثقافة والفنون، حيث شكلت الاحتفالية فرصة للتعريف بـ24 شخصية ابتكرها أعضاء فريق “ظلال” حملت أسماء معاصرة تعكس أحوال المجتمع السوري.
واستمرت خطة الصون إلى اليوم، حيث قدمت عروضا مختلفة بالأماكن العامة والأثرية، وأقيمت نشاطات مع الأطفال واليافعين وتواصلت البرامج التدريبية في منارات الأمانة المجتمعية بالمحافظات، وآخرها في السويداء لتدريب فريق من المخايلين فيها وقريبا في حلب.
وبذلك أضحى عنصر مسرح خيال الظل بحالة جيدة، بحسب ما أكدت مشرفة مشروع إحياء وتطوير عنصر مسرح خيال الظل في برنامج التراث الحي بالأمانة السورية للتنمية شيرين نداف، هذا العنصر الذي يعد وجدانا شعبيا وذاكرة حية وجزءا من حكايات الشعوب ورسالتها وقطعة لا تموت من تاريخها وحضارتها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق