تصنيفات مسرحية

الأحد، 20 نوفمبر 2022

مسرحية العهد تأليف د. ميسون حنا/ الأردن

مجلة الفنون المسرحية

 د. ميسون حنا

مسرحية  العهد تأليف د. ميسون حنا/ الأردن


شخصيات المسرحية:
السيد
التابع أو العبد
السيدة


اللوحة الأولى
( على الضريح. السيد يناجي قبر والده)
السيد : مالي أرى عيني وقد تحجر الدمع فيهما.... آه أيتها العينان... جودا بالدمع الغزير على من سقاني الحُب فأنبت الرحمة، ورعاني بالحب فأورق هذا الغصن، وعندما أشتد عوده نبذ.... حيث ارتحلت عني يا أبتي تاركا إياي في هذا العراء (يحتضن الضريح) أحتضن ضريحك فلا تلمس يداي إلا هذا الحجر... أستصرخك النهوض فلا أقابل إلا بالصمت (لحظة) أنت يا من رعيتني صغيرا لأتخلى عنك كبيرا مودعا إياك هذا المكان المظلم ... البارد... الجاف (لحظة) لُعنت أيها الموت، يا من تجعلنا قسرا ننبذ أحبتنا بعد أن نسجيهم بأيدينا هناك (مشيرا إلى الأرض) تحت أقدامنا في ظلام سرمدي، لا يعرف النور طريقه إليه ولا الهواء، ونصعد، ونمارس حياتنا بعيدا عنهم وكأن شيئا لم يكن ... هل حقا سأمارس حياتي متناسيا كل شيء؟ (لحظة) إبك يا قلب... واسكبي الدمع أيتها المآقي (حائرا) هل يتقن الحزن من تحجرت مقلتاه؟ آه ... لكن الألم يعتصر فؤادي، وحسبي  أني أحسه عميقا، هادئا، ينساب في داخلي جارحا، فتاكا يلهب الروح، لتقفز كالغصة في حنجرتي لا تفارقها إلى الخارج، ولا تعبر إلى مستقرها فأستريح... (لحظة) آه ... الموت يشذبني فأقف أمامه صادقا كما لم أكن، ورهبته تجعلني أشعر بالنقاء الشفيف (يرفع يده بخشوع) أعاهدك على الصدق والوفاء والإخلاص والحب، لتهدأ روحك، ولتنم قرير العين، ولتكن أحلامك كأزهار الربيع (يلتفت حوله مضطربا، يعبر التابع وبيده باقة زهور)
التابع : أوشك الغسق أن يلوح في الأفق ، وأنت ما زلت هنا!
(يلمح الزهور بيد التابع، يتناولها منه)
السيد : لننثر الزهور فتتشكل قطرات الندى عليها في السحر، لتتقن ما عجزت عنه في وضح النهار.
(ينثر الزهور على الضريح، التابع يسحبه محاولا إقصاءه عن المكان، فينأى عنه)
السيد : دعني... دعني أتنفس الموت.
التابع : تتنفس ماذا؟!
السيد : للموت عبق يتسلل إلى الروح، يكذب من يدعي أن للموت رائحة نتنة، تلك رائحة الجسد، أما الموت لا ...
التابع : الموت كريه.
السيد : أما وقد تسللت رائحته إلى قلبي، بدأت أشعر بنفسي خفيفا، وخفتي ترفعني إلى السماء، محلقا بين السحب، مصطحبا إياك معي، نمتطي غيمة مرتفعة، ننظر إلى أسفل، فنرى الموت صغيرا، تافها، وقد انتصرنا عليه بالحب.
التابع : (مندهشا) الحب...!
السيد : (بحزن) قلبي الكليم أصبح يتقن الحب أيها التابع، أنا نفسي أشعر بالعجب لما ينتابني من أحاسيس الآن بالذات.
( التابع ينظر إليه حائرا، صامتا، السيد يتابع حديثه متوترا بحماس مضطرب حتى نهاية المشهد)
السيد : إسمع ... لتلتغ الفوارق بيننا، فتشاركني مالي وبيتي، لك ما لي وعليك ما علي.
التابع : على رسلك، ما أنا إلا تابع أمين، لا أستحق كل هذا.
السيد : عندما يدهمنا الموت، وتتحفز دودة الفناء لتلتهم أجسادنا الباردة، لن نفطن حينها إلى مال ولا متاع.
التابع : المال زينة الحياة.
السيد : سأجعلك تتزين.
التابع : (بخوف) لا... لا... أنت تهذي.
السيد : الهذيان نصف الحقيقة، ونصفها الآخر وهم وخيال.
التابع : أنت ترتجف.
السيد : لا عليك، لتعلم فقط أني لن أتراجع عما بدر مني ، وليكن الموت شاهدا هذا العهد.
(ينظر التابع إليه مبهوتا بينما يضحك الشاب بصخب، التابع يبدو قلقا، حائرا، ضحك الشاب يبدأ بالتحول التدريجي إلى نحيب وبكاء)



*****
يتبع





اللوحة الثانية
( السيد والتابع في بيت السيد. السيد يحمل صندوقا مليئا بالدنانير، يضعه أمام التابع الذي ينظر إليه منبهرا بينما يراقبه السيد بنظرات حاقدة، التابع يشيح بوجهه فجأة عن الصندوق)
التابع : (بضعف) لماذا تعذبني؟
السيد : (باستهزاء) هل حقا أعذبك؟
التابع : الإثم يكبلني إذ أحتكم في مال ليس لي حق فيه.
السيد : (بسخرية) حقا... 
التابع : (مترددا، معذبا) أبعد هذا الصندوق من أمامي. (ينظر للصندوق برغبة ثم يشيح بوجهه معذّبا) لا أريد شيئا.
السيد : (بمرارة) لكني عاهدتك (مستدركا) كنت حينها ممغنطا بفعل الموت، والآن بعد أن أدركت فداحة ما فعلت فات الأوان... لن أتراجع كرامة لرجولتي.
التابع : دعني أحلك من عهدك.
السيد : (باستصغار) أنت ... تحلني ... فيقال حرر العبد سيده؟ (يضحك بسخرية. لحظة ثم يتابع بسخط) بل أجبرك على قبول عرضي لكن بشرط أن تختار أحد أمرين: تغرف من مالي على أن تظل تابعي، أما إذا اخترت الرحيل، لك هذا بعد أن تشتري حريتك بما وهبته لك من مال، فماذا تختار؟
(التابع يبدو حائرا، ينظر للصندوق تارة ، وإلى النافذة تارة أخرى)
السيد : هيا... قرر ماذا تريد؟
التابع : (حائرا، مترددا) الحرية (مستدركا بسرعة) لا ... العبودية (متأملا) الحرية... الحرية حلم (مستدركا) وقيد لمن ألف العبودية... ماذا أصنع بها الآن؟ (حالما) لكنها الحرية... الحرية... وهناك في الكفة الأخرى المال... (بألم) والعبودية (لحظة ثم حائرا) فيما مضى كنت تابعك ببساطة، بلا شروط، حينئذ لم أكن أشعر بالحرج، لكن بقائي قربك الآن أصبح له طعم آخر... عبودية من نوع جديد (متأملا) عبودية ومال... أو حرية وفقر... آه... أنت تخيرني بين أمرين كلاهما يستقطبني في زاوية معينة، فأراني أختار هذا لأميل للآخر، اعفني يا سيدي وقرر أنت مصيري.
السيد : (بحزم) القرار لك وحدك.
التابع : فيما مضى كنت أشعر بسعادة غامرة عندما تسقط في يدي بضعة قروش، وأحتار كيف أتعامل معها... والآن أنت تضعني أمام هذا (يشير إلى الصندوق ويتأمله) فأشعر بالرهبة، والرغبة، والجلال، والحيرة، والطمع، والزهد، والعفة ... والضياع... والرغبة مرة أخرى، الرغبة تلح يا سيدي، رغبة المحروم، والمحموم... والعبء، عبء الجاهل أمام هذه المتناقضات (يشيح بوجهه عن الصندوق ويبتعد عنه) أوه يا سيدي... لم لا نستأنف حياتنا كسابق عهدنا وكأن شيئا لم يكن، فتعفيني من نوازع نفسي التي تقودني إلى الضياع، والتيه، والـ... (يصمت فجأة)
السيد : بقاؤك قربي أصبح مشروطا الآن.
التابع : دعنا ننسى ذلك العهد المشؤوم، وننسى هذا الشرط اللعين، ونستأنف حياتنا ببساطة.
السيد : عرضك هذا يملؤني بالمقت والغضب.
التابع : لماذا؟
السيد : لأنك تظنني أتخلى عن عهدي فتلوكني الألسن.
التابع : حتى وإن عاهدتك على الكتمان؟
السيد : (بلؤم) كف عن مراوغتي، واختر أحد الخيارين في الحال.
(لحظات حرجة)
التابع : بقائي قربك أصبح مشروطا كما تقول، وبعدي عنك يعني أن أكون حرا، طليقا كعصفور يحط على غصن، يتنسم الهواء، وإن شعر بالضجر ارتحل إلى غصن آخر، المدى متسع أمامه (حالما) الحرية هي ... هي الحرية (مترددا) لكن حريتي تختلف عن حرية العصفور، حريتي هي قيدي يا سيدي، قيد من عاش عمره رقيقا لا يعرف الحياة إلا بعبوديته (مستدركا) بل يعرفها، ويمارس حريته من خلال عشقه لها... لكني أشعر أمامها بالذعر، والحيرة، والضياع، أشعر أنها ستقذفني كريشة في مهب الريح لا تعرف مستقرها، إما أن تعلو فيكون الحظ حليفها أو أن تتهاوى فتدوسها الأرجل، وأخشى قسوة النعال... وبقائي قربك أصبح مشروطا وأي شرط (بفخامة) المال... المال يا سيدي (تبرق عيناه وينظر للصندوق برغبة) ومن لا يعشق المال والنعيم؟ ومع ذلك أريد الحرية... (مستدركا) الحرية الحلم، لا الواقع... أريدها حرية بلا تشرد، ولا ضياع، ولا فقر...
(السيد يضحك، التابع يستمر)
التابع : (بتحد) نعم ... أريد الحرية، وأريد المال معها.
السيد : لكن هذا مستحيل.
التابع : أنت وضعتني أمام هذا الحلم.
السيد : أبدا ... أنا خيرتك فقط إما المال، وإما الحرية.
التابع : حلمان إذن... هما حلمان جميلان، آسران، محيران.
السيد : (بمكر) ولكنك تعشق حريتك، فأي مال ستنعم به وأنت رقيق؟
التابع : وأي حرية سأعيشها بلا مال... إنها القيد ذاته... ولكني لا أخفيك أني أعشقها... أعشقها أتدري لماذا؟ (بفخامة) لأنها الحرية... ولأني أفتقدها.
السيد : (بمكر) أنت تملك أن تشتريها الآن.
التابع : أي أنك تشير علي أن أشتري حريتي مقابل هذا المال (يقف أمام الصندوق، ويتأمله برغبة ثم يتابع مستنكرا) هل أتخلى عن كل هذا المال مقابل حريتي يا سيدي؟ هل هذا ما تريده أنت؟
السيد : أنا لا أشير عليك، أنت الذي تختار بمحض إرادتك.
التابع : (محدقا بالصندوق، مرتبكا، محموما) بل هذا ما تتمناه أنت .(بتحد) أنت تتحايل علي لتتنصل من عهدك بأسلوب ذكي يجعلك أمام الناس عادلا... أنا فقط من يدرك الحقيقة.
السيد : ويحك... تهددني؟
التابع : لا يا سيدي... لا ... أنا فقط أحلم بالمستحيل، أحلم بامتلاكي للحلمين النقيضين اللذين يتصارعان في داخلي (لحظة) ولكن آن الأوان لأفكر بالواقع ... نعم الواقع الذي سيجعلني أنتصر عليهما.
السيد : كيف؟
التابع : سوف أرحل يا سيدي، نعم سوف أشتري حريتي مقابل هذا المال (يلتفت إلى الصندوق ويشيح بوجهه عنه بسرعة) لقد نجحت حيلتك. (يهم بمغادرة المكان)
السيد : (يصرخ) إنتظر.
التابع : (يقف) ماذا تريد أيضا؟ ألست أحقق رغبتك؟
السيد : هذه رغبتك أنت، عليك أن تدرك هذا قبل رحيلك.
التابع : (معذّبا) قد أتراجع عن قراري هذا لو ماطلتني، دعني أغادرك بسرعة، أتوسل إليك.
(يهم بالمغادرة)
السيد : (يقف في طريقه) بل إني أمنعك من الرحيل.
التابع : لماذا؟
السيد : أكره أن يقال راوغتك، وتحايلت عليك.
التابع : لن يحدث هذا ما دمت صامتا.
السيد : وكيف أضمن سكوتك؟
التابع : أعاهدك، وأقسم لك.
السيد : لو وافقتك أكون قد بعت حريتي لك، وهذا لن يكون أبدا.
التابع : (حائرا) كيف تحولت الأمور هكذا؟
السيد : هذا من جهة، ومن جهة أخرى حتى لو صمت أنت، سيظهر من يفكر بطريقتك ويؤول وينسج الحكايات، وأنا لن أحتمل هذا أبدا.
التابع : وما ذنبي أنا؟
السيد : ذنبك أنك تابعي.
التابع : لكني اشتريت حريتي منذ لحظات.
السيد : وأنا أرفض هذه الصفقة الآن.
التابع : لم يعد هذا من حقك.
السيد : (بحزم) أمكث معي إذن ريثما نجد حلا مناسبا، يحميني من الشائعات.
التابع : هذه ليست مشكلتي.
السيد : (بتحد) لتعلم إذن أن هذا المال لا يكفي لأن تحرر نفسك به.
التابع : (بدهشة) كيف؟ أليس هذا هو شرطك؟
السيد : بل عليك أن تدفع أيضا مقابل ايوائي لك طيلة أيام عمرك.
التابع : قضيتها في خدمتك، ألا يكفي هذا؟
السيد : (بتحد ووقاحة) لا ... لا يكفي.
(يقفان مستنفرين ويتبادلان النظرات بتحد، بينما تدخل السيدة وهي شابة ثرية ورائعة الجمال)
السيدة : أنا (يلتفتان إليها، يفغر كل منهما فاه متفاجئين، بينما تتابع) أسدد دينه.
التابع : رحماك يا رب.
(السيد ينظر إليها مستغربا، تنظر إليه بتحد، يتمالك نفسه ثم ينفجر في ضحك ساخر، ترميه بكيس نقود وتمسك العبد من يده ويخرجان، بينما يكف السيد عن الضحك وينظر في إثرهما بذهول)


*****

اللوحة الثالثة 

( في بيت السيدة. السيدة في أبهى زينتها، أمامها مائدة عليها باقة زهور)
السيدة : الويل لي إذ أحترق بلهيب الشوق، ومن أعشقه لاه عني بحب ذاته، أقسم أنه سيقع... حينئذ سأجعله يقبل قدمي هاتين (يائسة) آه ... ضاقت بي السبل، وأعيتني الحيل... رميته بسهام نظراتي فلم أصبه، ماحكته، وحاولت استمالته فانعطف عني ، اصطنعت المواقف، وابتكرت المصادفات، فلم يفلح معه شيء، وأخيرا قررت أن أنتهز الفرص، سمعت أنه يراوغ عبده (بحماس) لأغتنم سانحتي إذن ... (بحماس أشد) هرعت إليه ، وقنصته العبد ( تضحك) سيراودني من أجله، فأنصب له فخ الهوى.
(تبدأ ترقص بينما يدخل التابع وبيده قارورة من الخمر، يلمح السيدة الراقصة فينظر إليها بإعجاب، تلمحه وتفطن لنظراته فترميه بنظرة خاصة، يرتبك ويشيح بوجهه عنها ثم يضع القارورة على المائدة ويطرق خجلا)
السيدة : لماذا تهرب بنظراتك عني؟ (تحوم حوله بحركات راقصة)
التابع : (مرتبكا) أنا... ؟ حاشا لله.
السيدة : أنظر إلي إذن.
(التابع ينظر إليها مترددا، ثم تتحول نظراته إلى نظرات انبهار)
السيدة : إقترب.
(يقترب منها مستلبا، بينما تضحك بصخب، يحس بالحرج ثم يخرج متعثرا)
السيدة : يكفيه هذا الآن (تضحك بصخب بينما يدخل السيد الذي يقف ويتأملها، وهي لا تلمحه، ثم يبدأ يضحك بسخرية، فتكف عن الضحك إذ تسمع ضحكه ، وتنظر إليه بوله، لحظة ثم متمالكة)
السيدة : أنا أضحك طربا، بينما الغل يفضحك ويزيف ضحكك.
(يكف عن الضحك)
السيد : أين هو ؟
السيدة : من هو؟
السيد : تعرفين من أعني.
السيدة : (مراوغة) هذه أول مرة تزورني(تتناول قارورة الخمر) لنشرب إذن نخب ... نخب..
السيد : (يتناول القارورة منها) نخب العبد!
السيدة : لا تهزأ.
(السيد يضحك ويشرب جرعة ثم يضع القارورة جانبا)
السيد : وإن أخبرتك أني أتيت شاريا.
السيدة : العبد؟ (تضحك) لا... هو ليس للبيع.
السيد : (باستفزاز) للعشق إذن؟
(تنتفض بامتعاض وقد أصابتها كلمته)
السيد : (بمكر) سيبدو الأمر هكذا أمام الجميع.
السيدة : ولماذا لا ينكشف الأمر الذي تخشاه أنت، إذ سيعلم الجميع أني أويت العبد الذي راوغته أنت واحتلت عليه لتنكث عهدك.
(السيد يبدو منفعلا ثم يتمالك بسرعة)
السيد : مكوثه عندك سيفضح مجونك ليس إلا.
السيدة : (بضعف) أنت تعلم أني لا أستبقيه من أجل هذا.
السيد : المهم ما سيراه الناس.
السيدة : المهم عندي ما تراه أنت (تنظر إليه بحب وضعف) ألا ترى الحقيقة؟
السيد : (مراوغا) أية حقسقة؟
السيدة : (ثائرة) أنت لا تطاق.
السيد : وإن قلت لك أني أعيد إليك مالك ، وأضاعفه؟
(يدخل العبد ومعه طبق فاكهة ، يرى السيد وينظر إليه باهتمام، تقترب السيدة من العبد بغنج وتتناول الطبق منه، تضعه على المائدة وتحوم حوله قائلة)
السيدة : قلت لك هو ليس للبيع.
السيد : (للعبد) أرى السيدة تتمسك بك لتبقى قربها (ساخرا) ربما هي تحبك؟
(العبد يبدو مرتبكا، بينما يضحك السيد ساخرا)
السيدة : كفى أيها السيد (للعبد بلطف) أخرج أنت الآن ريثما أطلبك.
(يخرج العبد مرتبكا)
السيد : والآن؟
السيدة : الحل بيدك أنت.
السيد : أطلبي الثمن الذي تريدين.
السيدة : ولا بأملاكك كلها.
السيد : عنادك سيضرك ، صدقيني.
السيدة : (حزينة) أعلم أني ألعب بالنار، ولكني لا أستطيع إخمادها في داخلي، لتندلع بقوة إذن ويمتد لهيبها إليك أيضا.
السيد : إلي أنا ؟ لماذا؟
السيدة : (بضعف) أنت تدرك كل شيء، لكنك تتعامى.
السيد : أنا لا أفهم شيئا.
السيدة : (بحزن) أنت ترى كبريائي تهان، فتزداد تعنتا.
السيد : أنا لا أرى شيئا، صدقيني.
السيدة : بل ترى ، لكنك تستهين بمشاعري، أهنتني من قبل وتتعمد الاستمرار في إهانتي بتجاهلك لي.
السيد : (حائرا) أنا ... أنا ...
السيدة : أنت لا تحبني.
السيد : لذا تريدين الانتقام مني؟
السيدة : سأفضحك وأكشف احتيالك.
السيد : (مستدركا، بلطف) لكني لا أكرهك.
السيدة : (بحزن) ولا تحبني كذلك! (تصرخ) لماذا ابتليت بحب من لا يفهم الحب؟
السيد : إهدئي ، وأعيدي لي العبد.
السيدة : أي قلب متحجر هو قلبك؟ (بحزن) أنا أعلم أن لا سلطة لنا على قلوبنا (منفعلة) ولكن لماذا أنا أحبك؟ ولماذا لا تقبل حبي من باب الرثاء حسب (بحزن) ولماذا لا أكون أمتك، وطوع بنانك، ولن أمنعك من مجونك مع الأخريات.
(السيد يبدو متجهما، قاسيا، تلمح هذا فتبدو منفعلة، وتصرخ منادية)
السيدة : أقبل أيها التابع في الحال (تتجه صوب الباب وتعود بالتابع ويدها على كتفه) ها هو أمامك (بتحد ومكر) خيره بيننا، لو اختارك أعدته إليك، وإلا ترحل من أمامي حيث لا أراك بعد اليوم.
( السيد ينظر إليها بدهشة كمن فوجيء بفكرتها، بينما تقف هي أمام العبد وقفة استعراضية، وترميه بنظرة خاصة. العبد يبدو منفعلا ومتأثرا بها، السيد يلاحظ هذا بقلق)
السيد : (للسيدة) تنحي جانبا لأتحدث معه.
السيدة : (واقفة في مكانها وبغنج) أنا طرف من هذا الحديث.
السيد : (يبعدها ويقف مكانها قريبا من العبد) اشتقت إليك يا صديقي...
(السيدة تضحك بسخرية، السيد يواصل)
السيد : السيدة وهبتك لي لو...
السيدة :( مقاطعة بسرعة) لو فضلته علي ورافقته بمحض إرادتك (بغنج) أتفضله علي أنا أيها التابع اللطيف؟
(تغمز له بإغراء. التابع ينظر إليها بحب وانفعال، وصمت وارتباك، تبتسم بغرور ورضى)
السيد : (للعبد) نسيت عشرتي بهذه السرعة؟ ألم تكن بيننا أيام ... بل سنين جميلة في مجملها وهادئة؟ (يبدو العبد متأثرا، يواصل السيد) حتى أني عرضت عليك مالي لتشاركني فيه... لكنك اخترت حريتك عليه.
(العبد يبدي امتعاضا، السيدة تضحك بسخرية)
السيد : (يواصل) كنت سأعفيه من ديونه لولا تدخلك، وأنت لم تنتظري موافقتي على تصرفك، بل تسرعت واصطحبته معك أمام دهشتي وذهولي.
السيدة : لم يكن هناك خيار آخر ، إنه كيس المال الذي رميته لك، وهو لي الآن (تنظر للعبد نظرة خاصة) ولن أتخلى عنه أبدا.
السيد : لكنه سيرافقني لنعيش حياتنا ببساطة، وكأن شيئا لم يكن (للعبد) أليست هذه كلماتك يا صديقي؟
السيدة : بل سيبقى معي أنا وقد أنزلته منزلة خاصة، ميزته فيها على الجميع (ينظر العبد إليها متأثرا، تتابع) أليس كذلك؟
(ينظر العبد إليها بوله)
السيد : (ثائرا) تحاولين إغواءه بوقاحتك المعهودة! (للعبد) عرضت علي نفسها أكثر من مرة فرفضتها، لذا هي تريد أن تنتقم مني ، والوسيلة أنت .
( ينظر العبد إليه مستنكرا، تلحظ هي ذلك بسرور)
السيدة : (للعبد) لا تصدق ما يقول... أنت تلحظ ما أعانيه من ترددك أمامي (ينظر العبد إليها بحيرة وحب) هيا ... أخبره أنك تحبني (ينتفض العبد منفعلا، تتابع) لم يعد هذا خافيا على أحد (لجظة ثم بلطف) الحب يلغي الفوارق بيننا ... هيا تشجع واعلن حبك لي .
(العبد ينظر إليها حائرا)
السيد : (ثائرا) تعبثين بمشاعره النقية (للعبد) لا تصدق ... هي تلهو بك ليس غير...
السيدة : بل أنا جادة... (مترددة) أنا ... أنا ...
السيد : (مقاطعا بسرعة) سأعتقك أمام الملأ، ليشهد الجميع صفاء نيتي نحوك، و...
السيدة : (مقاطعة بحدة) العبد لي ، لأنه يحبني.
السيد : (يتابع) وسأعطيك مالا تبدأ به حياتك، وأقضي على مخاوفك من التشرد والضياع (حاثا) هيا معي (يمسك يده)
(السيدة تسرع وتمسك بيده الأخرى)
السيدة : بل تبقى معي لأعتقك ، وأتزوجك، ويكون مالي جميعه بين يديك.
(العبد ينقل نظراته بينهما بارتباك، السيد يتركه ويقترب من السيدة التي تتركه هي أيضا وتقف بمواجهة السيد)
السيد : (مستنكرا ، منفعلا) تتزوجين عبدك أيتها الطائشة؟
السيدة : (بتحد) نعم .. أفعل.
(العبد يبدو متأثرا، السيدة تلحظ ذلك بسرور)
السيد : لكنك تحبينني ... فكيف تتخلين عن حبك في سبيل إرضاء نزوة عابرة، أهم ما فيها تحد مجنون بقصد الانتقام.
السيدة : أكرهك الآن ولا أطيق رؤيتك.
السيد : (مستدركا) لكني نويت أن أصحح خطأي معك، فقط أعيدي لي العبد (بإغراء) فأتزوجك.
السيدة : (مجروحة) قررت أن أتزوج العبد (للعبد بحماس) ليشهد الله أنك حر أيها العبد ، حر... حر.
( العبد يبدو منفعلا، سعيدا وذاهلا كمن لم يستوعب الموقف بعد)
السيد : (ثائرا) مجنونة ... تصرفك أخرق وسفيه.
( السيدة تحدج السيد بحقد، وتضحك بشماتة)
السيدة : هزمتك، أرى خطوط الهزيمة في وجهك.
السيد : (بغيظ) لم يعد يهمني الأمر (بتحد) إعلمي فقط أن سيكتشف الجميع كيف رجوتني لآهبك العبد الذي تعشقينه لترضي نزواتك الدنيئة، فيحتقرونك.
السيدة : (ثائرة) تزييفك للحقائق يدل على وضاعتك وخستك.
(يضحك السيد بشماتة)
السيدة : (متمالكة وبتحد) حسنا... بعد أن أتزوجه ستكف الألسنة عني لتنالك وحدك.
السيد : (مغيظا) سيان ... سيكون هذا عبرة لهم لئلا تبدر منهم وعود طائشة يندمون عليها.
السيدة : ستكون هزأة الجميع... (تضحك بشماتة)
السيد : (يصرخ) حقيرة، تافهة... (ينظر إليها باحتقار ثم يخرج بصفاقة بينما تنظر في إثره بذهول ثم تلتفت إلى العبد وتصرخ)
السيدة : ماذا تنتظر أنت هنا؟
التابع : (حائرا) هل أخرج أنا أيضا؟
السيدة : (يائسة، منهارة) أنت غبي... غبي.
التابع : (مترددا) أردت فقط أن أشكرك إذ وهبتني حريتي قبل قليل.
(تنظر إليه بازدراء، يلحظ ذلك بحيرة)
التابع : كيف تغيرت بسرعة هكذا؟
(السيدة تضحك بسخرية)
التابع : بعد أن شددتني إليك ، أنت ... أنت ... ومع ذلك أدرك أن هذا مستحيل.
السيدة : (ساخرة) وما هو المستحيل؟
التابع : (مرتبكا) زواجي بك .
السيدة : (باحتقار) أأتزوجك أنت ؟
التابع : (مرتبكا) كنت أظن ...
السيدة : (ثائرة) لتعلم إذن أني والسيد من طينة واحدة، هو نكث عهده، وأنا أنكثه كذلك.
التابع : (بصدق وصفاء) وأنا ما كنت لأرضى به... صدقيني واعذري صراحتي، نعم كنت سأرفضه حتى لا أفقد حريتي معك من جديد.
السيدة : (ساخرة) أنت ترفض؟ نظراتك كانت تكشف حقيقة شعورك ... لقد كنت مفتونا، متيما.
التابع : لا أنكر أنك أغويتني ... والآن أمام صراحتك، وبعيدا عن تأثير سحرك.. أجتريء وأقول أنك جميلة ... ورائعة... لكن الحرية أيتها السيدة... (حالما) الحرية... (يقلب كفيه ويهم بالخروج)
السيدة : (بدهشة) كيف تغادرني ببساطة هكذا؟
التابع : لا أعرف وجهتي... ولكني أدرك أن بقائي هنا مستحيل.
السيدة : لكن ... ألا ترجوني، ألا تطلب شفاعتي؟
التابع : (حالما) الحرية، الحرية...
(ينظر إليها نظرة خاصة ثم يخرج)
السيدة : (تصرخ) كلب، حقير... كلكم كلاب.
(يسمع صوت نباح : السيدة تنتفض ثم تمسك قارورة الخمر وترميها على الأرض يعنف فتنكسر، ثم تنفجر ضاحكة)


                                             ستار 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق