تصنيفات مسرحية

السبت، 19 نوفمبر 2022

قراءة في كتاب "محاورة النواميس" لأفلاطون (الجزء الأول )

مجلة الفنون المسرحية 

مريم زكرياء

مقدمة عامة حول قراءة الكتاب:
      
   عندما  نتحدث عن الفكر  السياسي  عند اليونان  ؛ فإننا  لا يمكن  أن نلمس  حقيقته  وجوهره إلا  في  النسق  الأفلاطوني  على وجه التحديد ، إذ  شكلت  فلسفة  أفلاطون  أساس  كل الفلسفات؛ وهذا ما  نلاحظه  في ما أتى  بعد أفلاطون ، خصوصا  في الفكر الروماني  على  وجه العموم  إذ  نلحظ وجود  تأثير كبير للأفكار أفلاطون  خاصة  أفكاره  في الجمهورية  والقوانين ؛ وهذا  يظهر  لنا من خلال الفكر السياسي  عند  "شيشرون"  الذي عنون كتبه  بنفس التسمية  التي كانت في تآليف "أفلاطون" إلى  جانب  ذلك لا يمكن  أن نتحدث  عن أفلاطون  بدون  ذكر الباعث الأساسي  الذي  جعله  ينكب  على مجال السياسة  ؛ إذ  كان رافضا  لهذا المجال لكن السبب  الذي حمله  على هذا  الاهتمام هو المشهد السقراطي  الذي  ولد فيه  شعور وطني  لتحقيق  العدالة ؛ والتي  اتخذت  من متنه  في الجمهورية  موضوعا  أساسيا. 

 ولا  شك  أنه  كان  ضد كل  الأنظمة  التي  سادت في  أثينا  ورأى أنها فاسدة  ؛ ومنها النظام الديمقراطي الذي بسببه  أعدم سقراط  ، وهنا ينبغي  الإشارة  إلى أن  سقراط  لم يكن  ضد  الديمقراطية، ولكن ضد من يحكمون باسمها.
   تميز  أسلوب  أفلاطون  بكونه  أسلوبا  شعريا ، وكأنه  للأول  مرة  يعيش الفيلسوف  والشاعر معا  في شخص أفلاطون  وروحه ؛ إذ  وضع  لنفسه طريقة  في  التعبير  توحي  إلى نوع  من الحقيقة والجمال ، لم تلبس  الفلسفة  إطلاقا  مثل  هذا الثوب  اللامع  الذي  بدا  في  أسلوب  أفلاطون  قبله  أو  بعده.
 و بهذا  تتجلى  صعوبة  فهم  أفلاطون  في  هذا  التمازج  بين  الفلسفة  و الشعر؛  و لعل  هذا ما  يمكن  أن  نلمسه  من  خلال قول  امرسون  عندما  قال  " إن أفلاطون هو الفلسفة والفلسفة هي  أفلاطون"
  إننا  لا  يمكن  أن  نتذوق  هذا  الأسلوب  واللغة  الشعرية  للأفلاطون ، إلا  في  ضوء محاوراته  التي  يمكن  أن  نصفها على أنها  سقراطية  في  متنها  وجوهرها ؛ ما  عدا  "محاورة القوانين"  التي  كانت  من  الاستثناءات  و التي  جعلها  أفلاطون  في  شخصه .
  إن  هذه  المحاورات  و ضعت  لكي  تتناسب  مع  فهم  الرجل  الذي  يتذوق  الفلسفة   في مناسبات  تتوفر فيها  الراحة  على  حد  تعبير ويل  ديورانت ؛  فهذه  المحاورات  تتميز  بأسلوبها المجازي  والمداعبة ، هذا  الأسلوب  لا يمكن  أن يدركه  إلا طلاب  العلم  والاجتماع  والأدب  في عصره.
   إن  المحاورات  الأفلاطونية  بهذا  المعنى  تبقى  إحدى  الكنوز  الثمينة  في  العالم   وأفضلها خصوصا  محاورة  الجمهورية ، التي حاول أفلاطون  أن يرسم  على ضوئها  صورة  تخيلية  لمدينة مثالية ، من خلال  إضفاء  نوعا  من الطوباوية  على فكره ؛ حيث  قام  برسم  تخيلات  واهية  في شخص  أستاذه  سقراط  ؛  لكن  هذه  الصورة  المثالية  تعكس  تماما  التوجه الذي انتهى  إليه  أفلاطون في أواخر حياته.
  هذا  ما  حاولنا  أن ندرسه  في محاورة القوانين ، التي  تبرز  لنا  صورة  جديدة  لشخصية أفلاطون ، و تعتبر محاورة  النواميس  من  أشهر  المحاورات  الأفلاطونية ، إذ  هي  الوحيدة  التي كتبها  على  لسانه  في  شخص الغريب الأثيني ، فإذا  كان  أفلاطون  قد  رسم  صورة  مثالية  للدولة في الجمهورية ، ثم  صورة  لطبيعة  عمل  رجل الدولة  أو  السياسي  في  محاورة  بوليتيكوس  ؛ فإنه في  محاورة النواميس ؛  حاول  أن  يبرز  لنا  الأهمية  التي  حظي  بها  القانون  من  خلال  تأسيس المدينة  و تحديد  تشريعاتها  ومؤسساتها ، ولعل  إلحاح  أفلاطون على  هذه الأهمية  للقانون  هو مهاجمته  للسفسطائيين الذين كانوا  يحتقرون فكرة  القانون، حيث  أن  خلفيات  القوانين  السائدة  قد دفعت  بالسفسطائيين  إلى  التفكير  بنقيض  القانون  الطبيعي  وبنقيض  النواميس.
 مما  لا شك  فيه  أن  أفلاطون  حاول  أن  يولي  اهتماما  للقانون ، ودوره  في تقرير  العقوبات  بخصوص  الجرائم  المرتكبة  ؛ و هذا  ما  يتوضح  لنا  من  خلال  المحاورة  ، إذ  يمكن القول  أن هدفه  كان هو محاولة  تأسيس  نظرية  في  الحكم السياسي  ؛ أو  ما يصطلح  عليه  بالعلوم السياسية ، و هذا   ما  حاولنا  أن نعالجه   ونناقشه  على  ضوء  أفكا ر أخرى ؛ خصوصا  عند  تلميذه أرسطو .
   و من  تم  يمكن  أن  نستشف  على  أن  أفلاطون  كان  وسيظل  المثل  الأعلى  للجميع ؛  خلال  تأثير  أفكاره  خصوصا   في الفكر السياسي الحديث    وهذا  ما حاولنا  أن  نعرضه  من خلال  الحديث  عن الدولة  الحديثة  خصوصا  مع توماس  هوبس  وجان جاك  روسو ؛  ثم  من خلال   واقع  الدولة العربية  اليوم  في  نموذج  الفيلسوفين  المغربيين  " عبد الله العروي"   من  خلال  كتابه  " مفهوم الدولة" ،  و " محمد عابد الجابري"  من  خلال  سلسلة  مواقف  بعنوان  " الواقع  العربي  بعيون  ابن  خلدون" ؛  وعلى  ضوء  ما  سبق  يمكننا  أن  نتساءل  ما  يلي: 
 ما القانون ؟
 ما أهمية القانون داخل الدولة ؟
 ما موقف أفلاطون من الخمر؟ وكيف يعالج هذه المسألة ؟
 ما هي نظرته إلى الشّعر  ؟
 ما علاقة الدولة بالقانون ؟
 ما الغاية من وجود الدولة والمدينة ككل  ؟
 ماهي خصائص الدولة المدينة  ؟
ماهي القوانين التي تحدث عنها أفلاطون وما دورها في الفصل في بعض الجرائم وتقرير العقوبات ؟
 ماهي التربية وما علاقتها بالفضائل ؟
 ماهي المفارقة التي يطرحها النسق الأفلاطوني بين تصوره المثالي ونظرته الواقعية ؟
 كيف يمكن لنا أن نقرأ أفلاطون من خلال أفلاطون ؟

     المستوى الأول:  وصف  الكتاب ( محاورة القوانين):

توطئة حول  أهمية الكتاب:

  تعتبر  محاورة  القوانين  من  المحاورات  الأفلاطونية  التي  كتبها  أفلاطون  في  أواخر حياته ، حيث  يجمع  أحد  المؤرخين  و المترجمين  على  عدم اكتمال  المحاورة ، نظرا  لكونه  توفي قبل  أن  يتمها ، ولا  شك  أن  محاورة  القوانين  هي  الوحيدة  التي  تغيب  فيها  شخصية  سقراط بعدما  كانت  المحاورات  السابقة  تتخذ  من  سقراط  شخصية  محورية ، و كونه  السبب  الذي  جعل أفلاطون  ينكب  على  السياسة  هو  موت  سقراط ، الذي  كان  حدثا  مؤلما  بالنسبة  إليه ،  و من  تم جعل  أفلاطون  من  نفسه  شخصية  محورية  في  محاورة  القوانين ، حيث  كتبها  على  لسانه  في شخص  الغريب  الأثيني ، نجد  في  هذه  المحاورة  ثلاثة  شخصيات  رئيسية  يتحاورون  حول موضوع  أساسي  وهو  ضرورة  وضع   القوانين و أهميتها  داخل المدينة ؛  وذلك  من  خلال  التأكيد على  أهمية  التشريع  ودوره  في  تنظيم  الدولة ، وكما  تمت  الإشارة  إلى  ذلك  فإن  أفلاطون  قد جعل  شخصيات  الحوار  في ثلاثة:  هناك  الغريب الأثيني  ممثلا  في  شخصه ، ثم  كلينياس  وميغيلوس  الكريتي ، و قد  قسم  أفلاطون  هذه   المحاورة  إلى  اثنى  عشر  كتابا ، و قد  جعل  عدد صفحات  هذه  المحاورة  في   522 صفحة  ، حسب  ما  نقله  المترجم   شوقي  داود تمراز   لهذه المحاورة  ، كل  كتاب  يحمل  موضوعا  له  دلالة  في  ارتباط   بمواضيع  أخرى  التي  سيثيرها  أفلاطون   في باقي  الكتب  الأخرى  ولعل  هذا  التقسيم  مختلفا  عن  ما  وضعه  في  محاورة "الجمهورية"  التي  جعلها  في  عشرة  كتب  أساسية  ، و تتلخص  أفكار  محاورة  "القوانين" كالتالي:

الكتاب الأول:

   بداية  في  هذا   الكتاب   يدور  الحوار  بين  الغريب  الأثيني  و كلينياس   وميغيلوس    يبدآن  الحوار  بمساءلة  الغريب  الأثيني  كل  من  كلينياس  وميغيلوس  عن ما  الذي  وضع  قوانين  دولتهم  هل هو إنسان أم إله ، إذ يواصل  كلينياس  حديثه عن الذي  وضع  القوانين  أنه  إله  وقد  تجسد  في  شخص  زيوس  في  جزيرة كريت ، ولكن  في  دولة لاقيدايمونيا  كان  المشرع  للقوانين  هو  إله  آخر  تمثل  في  إله  أبولو كما  يعلن  بذلك  ميغيلوس ، ثم يواصلون  الحديث  فيما  بينهم  أثناء  نقاشهم  عن  الاختلافات  التي  تسود  داخل  كل  دولة ، إلى جانب ذلك  يتحدث الأثيني  عن  فكرة  تحريم  الخمر من خلال  الإشارة  إلى  التشريع  الإسبرطي  الذي  يحرم  الخمر؛  ومن  تم  يشير الغريب  الأثيني  إلى  أن  هدف  الدولة  هو السلم  و ليس الحرب.  ( من صفحة 12 إلى 50.).
 

الكتاب الثاني:
     يبدأ  الأثيني   بحديثه  عن  التبصر  في  الطبيعة  الإنسانية  باعتباره  الجرعة  الأكثر  فائدة ولها  منافع   كثيرة  ، ثم   يباشر  حديثه  هذا  بموقفه  من التعليم  الذي  يعتمد  تنظيم  الواجب  لأداء العلاقات  المولعة  بالقصف  و تناول  الطعام  والشراب  مع  الأصدقاء ، وذلك   يحد  من  الملذات والآلام   التي  تنتج  عن  الشراب  ، لكن  هذا  لا  ينفي  اعتبار  اللذة  والألم  من  المدركات  الحسية الأولى  لأطفال ؛ كما  يعرض  الغريب  الأثيني  في هذا الكتاب  أهمية  الموسيقى  التي  تنقذ  من  الانحلال والتفسخ  الخلقي  خصوصا  بالنسبة  للأطفال  حيث  تعمل  على  تنمية  مدركاتهم. ( من صفحة 51 إلى 87). 

الكتاب الثالث:

   في  هذا  الكتاب  يستمر  الأثيني  حديثه  الذي   بدأه   في السابق  حول  بناء  الدولة  وتشكيل الحكومات ، إذ  يبدأ  كلامه  عن أصل  الحكومة  و تقدم  الدول  وتحولاتها  معلنا  بذلك  على  أن  هذه الحكومات  تشكلت  عبر مراحل  متعددة من  خلال  تطور أشكالها  ؛ من  خلال  التأكيد  على  أهمية التشريع  ودوره  في  تنظيم  المدينة ؛  كما  أشار إلى  المسار  التاريخي  لتطور  ونشأة  الحكومات، (من صفحة   88 إلى  131(.

الكتاب الرابع:
     في  هذا  الكتاب  يتحدث  الغريب   الأثيني  عن الخصائص  الطوبوغرافية  للمدينة ؛ من خلال  الإشارة   إلى  تحديد  ماهيتها ،  كما  يشير  إلى  فكرة  الحاكم   و ما  يجب  أن  يتصف  به  من صفات  إلهية  كالتكريم   واحترام   بعض  الطقوس الدينية  ؛ كما أشار إلى أهمية  القوانين  ودورها  في بناء و تشييد الدولة  من خلال الإشارة  إلى قانون  الزواج الذي كان هدفه هو تحديد  النسل ؛ إلى جانب  ذلك  يتحدث  الأثيني عن أهمية الفضائل  ودورها في  تشكيل  الدولة وقيامها  على نوع  من الاعتدال  و الحكمة.( من صفحة 132 إلى 641(.
      
الكتاب الخامس
 بعد حديث الأثيني عن الخصائص الطوبوغرافية للمدينة وعن التشريعات القانونية التي ينبغي أن يشرع لها المشرع أو الحاكم الذي يقود شؤون دولته، يختتم الأثيني هذا الحديث بالإشارة إلى التكريم والتقديس للروح  لتكون  موضوع هذا الكتاب، نجده إذن يستأنف هذا الكتاب بحديثه عن سرد النواميس التي تخص الآلهة ؛ وذلك من خلال حديثه عن البناء السياسي للمدينة بالإشارة إلى القوانين التي تنظم المدينة وكذا عمل المشرع الذي يجب أن يتسم بالحكمة والاعتدال لكي يكون حكمه عادلا.( من الصفحة 165 إلى   201).
 
 الكتاب  السادس:
 يأتي الحديث في هذا الكتاب عن الهيئات القضائية، وكذلك عن الانتخاب، أي انتخاب الأعضاء من هم أهل للحكم و لقيادة الدولة ، يشير الغريب  الأثيني في بداية حديثه عن هدف المشرع الذي   ينحصر في السعي إلى وضع  قوانين  حكيمة وعادلة  ودقيقة تكون مراعاة بالقانون ؛ من خلال الإشارة  إلى بعض  القواعد التي تحددها الدولة ؛ كقانون مشاركة المرأة في الخدمة العسكرية بعد قيامها بتربية أطفالها ؛ وقانون الزواج الذي يحدد ما بين 16 و20 سنة بالنسبة للمرأة وما بين 30 و35 سنة بالنسبة للرجال.( من الصفحة 202 إلى  249.)

الكتاب السابع: 
  يسائل   الغريب الأثيني كلينياس عن أهمية التعليم الذي ينص عليه  الناموس  ؛ ويؤكد على أنه يجب تعليم الأطفال مجموعة من الأشياء التي تفيدهم في حياتهم وتجعلهم يتجنبون الملذات والآلام، بمعنى أن التعليم الصحيح هو ذلك الذي يقوم على الميل إلى الجمال والامتياز للعقل والجسم ، فيما يواصل الأثيني  حديثه عن أهمية التمارين الرياضية التي يقوم بها النساء لتربية أطفالهن أو التي يعلمن من خلالها الأطفال منذ أن يأتون إلى العالم ، و ذلك من خلال التغلب على المخاوف والأهواء التي تكتنف هؤلاء الشباب ؛ إلى جانب الإشارة إلى عمل المشرع و أن على المواطنين أن يطيعوا التشريعات التي يضعها. (من الصفحة  250 إلى  307).

    

  الكتاب الثامن:

   بداية يتحدث  الأثيني عن المدينة وسن التشريعات القانونية وذلك من خلال وضع نواميس، إذ يشير بذلك إلى تقديس للآلهة في معبد دلفي، وكذلك من خلال ما يضعه حماة الناموس من قواعد للقيام بذلك حيث أن المدينة مثلها مثل الفرد ينبغي أن تحيا حياة  سعيدة ؛ و يكون هدف الدولة  هو تحقيق السلام  ونبذ الحرب والشرور، وذلك من خلال تساءل المشرع عن من هم المواطنون الذين نظمت المدينة من أجلهم ، فيما يعود كلينياس ويتحدث عن وجوب التشريع من خلال جعل الدولة تمارس مثل تلك التمارين الرياضية وذلك تفاديا للوقوع في الحرب، وفي ذلك يتحدث عن الحكومات كالحكومة الديمقراطية والألغارشية والاستبدادية .( من الصفحة  308 إلى  342 ).

الكتاب التاسع:
  يفتتح الغريب  الأثيني هذا الكتاب  بالحديث عن دعاوى الناموس وكل القضايا التي تدخل في السياق الطبيعي، وبعدها يتحدث عن العقوبات التي يجب أن تفرض على كل اعتداء وإلى القضاة المولجين بشأنها، ثم يتحدث عن التشريع وعن تفاصيل الجريمة في الدولة  التي يجب أن تنظم جيدا وذلك بممارسة الفضيلة ، وأن الذي يرتكب جرائم متعددة كالجرائم التي ترتكب عادة في الدول الأخرى ، وأن يتم وضع وتهديده بسن نواميس ضده وذلك قصد معاقبة ذلك الشخص ؛ إلى جانب ذلك يتحدث  الغريب الأثيني عن أنواع الجرائم المرتكبة وكذا العقوبات المنصوص عليها وفق القانون، حيث يحدد هذه الجرائم في جرائم اختيارية ترتكب عن اختيار حر، وجرائم ترتكب عن غضب أو بشكل انفعالي.( من الصفحة  343 إلى  388 ).

الكتاب العاشر:
    يبدأ الأثيني حديثه في هذا الكتاب بالإشارة إلى أعمال العنف ؛ بحيث يعرض قانون الاستيلاء على أموال الغير ؛ وكذلك بعض القوانين الخاصة بشأن العقوبات المقررة ؛ وذلك من خلال الإشارة إلى بعض الجرائم كالجرائم المرتكبة ضد الدين ؛ أو الآلهة ويشير بذلك إلى كون الآلهة لا يعنون اهتماما بالبشر ؛ وكون الإنسان ينفي وجود الآلهة.( من الصفحة  388 إلى  430).

الكتاب الحادي عشر:
   في  مستهل  هذا الكتاب يتحدث  الأثيني عن القوانين التي تسن من أجل حفظ ممتلكات الغير، ثم يتحدث عن ناموس ترك الممتلكات ؛  ثم يتحدث عن قانون البيع والشراء ؛ إلى جانب  الناموس الذي يسمو فوقه الإنسان ، وفي سير حديثه عن سن القوانين يمر إلى الحديث عن قانون الغش حيث يدعو الأثيني إلى أنه يجب منع الغش داخل الدولة، ويستمر بعد ذلك للحديث عن ناموس رعاية الأيتام ؛ يعود  الغريب الأثيني ليواصل حديثه عن النواميس وهذه المرة سيأخذه الحديث إلى قانون احترام الوالدين  إلى جانب حديثه عن الناموس المتعلق بالتسميم والسحر ؛ ليتحدث عن الناموس المتعلق بالتعسف.( من الصفحة  431 إلى 468 ).

الكتاب الثاني عشر:
  في مستهل هذا الكتاب الذي يحمل في طياته العديد من الأفكار الأساسية ، يمكن الإشارة هنا إلى أن الأثيني بعد أن تحدث في   الكتاب الحادي عشر عن تنظيم الدولة وذلك بسن مجموعة من النواميس التي يجب تنظيمها من طرف حماة الناموس، ليستمر في هذا الكتاب على نفس الفكرة، ولكن سيحاول الأثيني الاستشهاد بآراء كل من كلينياس و ميغيلوس بخصوص سن ووضع النواميس الخاصة ، والتي تدخل ضمن القانون العام كقانون الضريبة والملكية ، ثم قانون إقامة الغرباء؛ بخصوص  تقرير بعض العقوبات التي تخص بعض الجرائم كجريمة الاختلاس من المال العام؛ أو جريمة السرقة أو تزييف الرسالة من قبل عمل السفير، سواء تعلق الأمر بنواميس الآلهة أو بنواميس الدولة هادفا بذلك إلى تحقيق غاية الدولة، إلى جانب وجود عقل سياسي قادر على تنظيم شؤون المدينة وحماية الأمن العام ؛ إلا  أن مييغيلوس و كلينياس سيقومون باحتجاز الغريب الأثيني  وإلى هنا لم تكتمل المحاورة بل حتى المشروع الذي كان  الغريب الأثيني  ينظر ويشرع له من بداية الحديث عن النواميس.( من الصفحة 469 إلى  513).

 المستوى الثاني: قراءة في المحاورة من خلال تحليل مضامينها:
         
 لاشك أن القانون أصبح ضروريا و مهما  لفرض السيطرة و التحرر من القيود التي تجعل الدولة والمجتمع معرضان للهدم  والخراب ، وبالتالي تعم الفوضى  والحرب ويسود الصراع داخل المدينة، وعلى هذا الأساس جاء أفلاطون ليؤكد لنا الأهمية القصوى التي أضحى القانون اليوم يحظى بها.
  
  إذ يذهب في محاورة القوانين إلى التأكيد على أهمية القانون كجهاز لا يمكن للدولة أن تنتظم بدونه ، وهذا ما حاول تأكيده في بداية المحاورة حيث يتساءل عن أهمية ومصدر القوانين الموضوعة  في باقي الدول ، و ليوضح  ذلك حاول أن يستعرض الأحداث التي قد وقعت في كل من جزيرة  كريت ولاقيدايمونيا و كذا الأنظمة التي كانت سائدة عندهم ، ولعل هدف أفلاطون من ذلك هو تبيان مصدر القوانين التي سادت  في هذين البلدين ، بحيث يقول أفلاطون على لسان الغريب الأثيني" ما الذي وضع قوانين دولتكم هل هو إنسان أم إله" ، وكما تم الإشارة سابقا كان الباعث الأساسي من  ذلك هو البحث عن مصدر  القوانين والمشرع لها.
         
 إذ نجد أفلاطون في  حديثه عن القوانين يركز بالأساس على الانشقاقات والاختلافات التي سادت داخل كل دولة ، حيث كان الحاسم في الأمر هو القانون الذي  وضع  مجموعة من الاعتبارات التي نظمت طريقة و  نمط  حياة   الأفراد داخل كل دولة ، ويشير بذلك إلى وضع وجبات  الطعام  وبعض التمارين الرياضية و التمنطق  بالسلاح.

  إلى جانب ذلك يؤكد أفلاطون على كون المشرع الذي  وضع القوانين أخد بعين الاعتبار حالة الحرب التي ستؤدي  بالرجال إلى الصراع و خلق نزاعات فيما  بينهم داخل الدولة ، وفي حديثه يركز على الإشارة إلى جزيرة كريت التي تم وضع فيها بعض القواعد  لتفادي الحرب وضمان السلم ، ومن هنا يذهب  أفلاطون إلى الحديث عن أهمية السلم  داخل الدولة  وضرورة القضاء على الحرب بدعوى أنها  تؤدي إلى آثار وخيمة على  الفرد يقول  أ فلاطون  في   محاورة النواميس " إن كل إنسان هو عدو بالنسبة لكل إنسان وإنه يكون كذلك بالنسبة إلى نفسه" ، نستشف من هذا القول أن طالما  شكلت الحرب مركز خلق العداوة  بين الناس لاسيما بين المرء  وبين نفسه  أو بينه  وبين الأغيار، بحيث ينبغي القضاء على الحرب والدعوة إلى السلام ، وهذا  يستدعي وجود  القانون الذي يمثل أساس كل  التنظيمات والتشريعات.
       
  ففي  نظر أفلاطون  يجب الاحتكام  إلى عنصرين  أساسين  وهما  الشجاعة  والعدالة  باعتبارهما نظاما  لممارسة الاعتدال  والعفة ، وعلى هذا الأساس  تظهر غاية  الدولة  والمتمثلة  في نشر السلم وليس الاستعداد للحرب ، ونجد من يحتكمون في سير هذه الأخيرة  هم طبقة الجنود التي  تتسم  بالقوة الغاضبة عبر فضيلة الشجاعة والقوة ؛ لكن أفلاطون يرفض إتباع  قواعد وقوانين الدولة عن طريق القوة ، ليكون المقابل بذلك هو اهتداء الأفراد عن طريق  التربية لخلق توازن  اجتماعي وتحقيق تراتبية  اجتماعية ، في إطار القوانين المنظمة  للحياة الجماعية  داخل المدينة ، ومن تم  سيادة السلم والسلام داخل الدولة.
   
  وعليه يكون الإنسان الصالح حسب  أفلاطون هو الذي يستطيع  أن يجعل قوته  العاقلة مسيطرة على الغضب والشهوة ، وفي حالة  تصرف الإنسان عكس ذلك  يصبح عرضة لخلق عداوة مع نفسه ومع غيره ، وللسيطرة عن كل هذا  ينبغي إخضاع  القوة العسكرية للتربية التي يدعو إليها  الطرح الأفلاطوني ، لكي يتم  سيادة  نظام  عادل  يمثل  حكم المدينة  بعيدا عن  سيطرة الأهواء  والملذات      و الآلام ، ففي  سن ووضع القوانين يجب على المشرع أن يأخذ  بعين الاعتبار أساس الفضائل والتي تكمن في الاعتدال والحكمة والعدل ، وكذا الولاء  لجزء مهم منها ، فهذه الفضائل يتم على ضوئها التمييز بين الخيرات الإلهية  والخيرات الإنسانية ، من خلال انبثاق فضيلة العدل واتحادها  بالشجاعة عن طريق الحكمة والاعتدال.
  ومن هنا تظهر أهمية هذه الفضائل   في السيطرة عن الأهواء  والملذات  والرغبات ، إذ يذهب أفلاطون إلى كون المشرع لهذه القوانين يجب أن يتحلى  بل  وأن يكون حائزا على جميع  الفضائل.
         
 وهنا يركز أفلاطون اهتمامه على  القانون الذي يخول  للمشرع حسن تدبير شؤون الدولة من خلال الاحتكام  إلى القوة العاقلة التي تسيطر على الأهواء والملذات ، التي تخرج المواطنين عن وعيهم فكل ما يقوم به المواطنين  داخل الدولة  هو الخضوع  للقوانين التي شرعها لهم الإله ؛ يكاد أفلاطون يزيل عنه المثالية التي تمثلها في  كتابه الجمهورية ليجسد  في القوانين صورة مختلفة تماما وهي النظر إلى الواقع ، ولعل هذا ما يبرز  بوضوح من خلال دعوته إلى  تحريم الخمر.
       
  ولكي يوضح هذا ذهب  إلى الحديث عن واقع كل من الدولتين ؛  حيث يختلف  نظامهما حسب القانون السائد فمثلا  في اسبرطة يمنع شرب الخمر، ولكن في لاقيدايمونيا  وكريت يعتبرون الخمر شيء عادي ، لكي يؤكد أن شرب الخمر ممنوع على الحاكم،  حيث أن القانون  يفرض عليه عدم  تعاطي  إلى الخمر لأن ذلك يتسبب في ارتكاب الشر في حق المواطنين، إلى جانب ذلك يؤكد  على أهمية التعليم التي هي جزء من الفضيلة ودوره في الوقاية من الشرور والمفاسد، إذ أن هذا التعليم يعد نوع  من  الفضيلة                       على هذا الأساس يتم التمييز بين الخير والشر في الدولة ويتم وضع القانون ؛ الذي تجلت غايته في ضبط الأفعال والأهواء الإنسانية.
  ولعل أفلاطون كان ولا يزال يشدد على أهمية التعليم  كركيزة مهمة يجب على  كل من الحاكم والمشرع والمواطنين أن يحتكموا إليها ؛  فالتعليم  يكسب  المواطن مواطنيته ويعلمه ويعطيه القدرة على تدبير شؤونه الخاصة داخل الدولة، و هذا ما ذهب إليه أفلاطون في كتابه الثاني من هذه المحاورة وهو التأكيد على أهمية التعليم الذي ينمي كذلك القدرة البدنية للطفل؛ من خلال غرس بعض العادات كاللذة والصداقة ، ليجعل أفلاطون من ركائز التعليم الموسيقى والشعر من خلال عرضه لبعض الآلهة كآلهة الشعر والفن والغناء.
     
  لاشك أن هذه النظرة الواقعية  للشعر قد غيرت من منظوره المثالي  حيث كان أفلاطون يرفض  الشعراء وعمل على طردهم من المدينة الفاضلة ، إذ نجده  يباشر حديثه عن الأهمية التي حظيت بها الموسيقى والشعر ؛ ليؤكد على أنها أساس تربية الروح والنفس، ومن هنا جاء تأكيد أفلاطون على اعتبار الموسيقى لها امتيازات تقاس بمدى لذتها والتي تعتبر ركيزة النفس؛  وبالتالي التشديد على أهمية تحلي القضاة بأخلاق رفيعة وبالتعليم الذي يجعل الشباب خاضعين لقواعد القانون التي تتميز بنوع من التعقل والحكمة.
 
  ولعل غاية أفلاطون من سن  ووضع القوانين هو تنظيم شؤون المواطنين ؛ ويذهب  بالحديث عن القانون  الذي يمنع بشرب الخمر بالنسبة  للأطفال إلى أن يتم بلوغ سن الرشد وهو 18 سنة  مع الحرص على نوع من الاعتدال  في تناوله ، وهذا المنع ليس فقط على المواطنين بل كذلك على القضاة والحكام أثناء تنفيذ حكمهم.
   وانطلاقا من  ذلك نجد أفلاطون يعيد الاعتبار للشعراء ويمجد الشعر؛  من خلال الإشارة بذلك إلى التربية التي تنمى منذ الطفولة في الطفل، وعلى هذا الأساس نجد أفلاطون يتحدث عن وضع وتأسيس المدينة على مجموعة من القوانين والتشريعات ، وذلك من خلال الحديث عن بناء الدولة وأصل الحكومة مؤكدا بذلك على أن جميع الحكومات تشكلت عبر مراحل وأطوار متعددة، ومن خلال ذلك يعرض أفلاطون التاريخ الذي مرت به تلك الحكومات سواء قبل وضع القوانين أو بعدها.
      
  وعليه نجده يتحدث عن الفنون التي عرفت منذ أفول تلك الحكومات ؛ ويشير بذلك إلى الاكتشافات التي كانت عاملا أساسيا لبروزها خصوصا منها اكتشافات المتعلقة بحكم دايدالوس و أرفيوس  وبالاميدس ، أي منذ اختراع  مارسياس و أوليمبوس الموسيقى.
   
 وفي  نفس السياق يحاول  أفلاطون أن يعرض ما كانت عليه تلك الحكومات في السابق ؛ وهل كانت تلك الاكتشافات على علم بالتشريعات التي تخص المدن والحكومات؛ و يعود أفلاطون إلى الحديث عن عمل الرعاة  وأنهم لم يكونوا بحاجة إلى القوانين، وهنا ينبغي الإشارة إلى أن هؤلاء قد عاشوا قبل الطوفان ، فبعد الطوفان سيقوم الرعاة بوضع المدن، وقد نسوا كل التشريعات والفنون أي التطور الناتج عن القوانين والتشريعات ، و لا يقف أفلاطون عند هذه الحدود أي الحديث عن وضع القوانين  داخل الحكومات سواء التي كانت قبل أو بعد الطوفان ، لعل أفلاطون هنا يتبع منهج تاريخي في دراسة النظم والتشريعات التي ارتكزت عليها الحكومات ، وعرض السياق التاريخي لبروزها.
        
   حيث نجده  يذهب في الكتاب الثالث للحديث عن أحد أشكال هذه الحكومات ، ويشير بذلك إلى الحكومة اللوردية التي كانت قائمة ما بين الهلينيين والبربر ، والتي كانت لا تتوفر على مجالس الشورى وحتى الأحكام لم تكن ، وفي ذلك يشير إلى أنهم كانوا يعيشون في الكهوف على قمم الجبال؛  ومن تم  كان كل شخص يسن قانون خاص به ؛ هذا الأخير الذي يطبقه على زوجته وأطفاله ، يكاد أفلاطون هنا يصور لنا السلطة الأبوية التي يفرضها الأب داخل أسرته أو الزوج على زوجته.
      
 وبعد ذلك يشير أفلاطون إلى أنه تم تشكيل كل حكومة وفق خصوصية معينة عبر التشريع للقوانين حسب طبيعة هذه الحكومات ، وهنا يتحدث عن بعض الحكومات التي كانت سائدة عند البربر والتي تمركزت حول سلطة الأب وكان حكمه عادلا يرتكز على الحكمة والاعتدال، ويشير أفلاطون إلى الملوك التي تقوم باختيار القوانين بحيث يصادقون عليها ، فيحضرونها للرؤساء الذين يقودون  القبائل ومن تم فإن هؤلاء الملوك سيدعون أنفسهم أنهم مشرعون للقوانين.
    
   ولكي يبرز لنا أفلاطون أصل الحكومات يعرض  نموذج مستوطنة  لاقيدايمونيا التي كانت تطبق قوانين متنوعة ، حيث شمل هذا الاستيطان ثلاث مدن  وهي آرغوس  ومسينيا ولاقيدايمونيا  التي برزت في شخص الملوك كبروكلس و تيمنيوس ، وكان غرضه من ذلك هو تبيان العلاقة التي تجسدت بين الحاكم  والمحكومين من خلال القوانين التي تم فرضها من طرف الملوك ، وعليه فإن الحكام سيفرضون مجموعة من القوانين التي لا يمكن لهؤلاء الملوك تدمير المدن ، إن أفلاطون في حديثه  عن هذه القوانين والحكومات ، يحاول أن يبرزها في سياقها التاريخي لكي يعطي صورة متكاملة عن القوانين التي كانت سائدة  سواء داخل الحكومات أو داخل الممالك ، إلى جانب ذلك نجد أفلاطون يولي أهمية بالغة لعمل التشريع.
     
  ولا ننسى أنه  كان  يهدف منذ البداية  إلى البحث والتنظير لمجموعة من التشريعات التي تشكل الأساس الذي تنبني عليه  الدولة المدينة ككل ، إن موضوع التشريع كان من الأولويات  التي  كانت تحظى بقيمة خاصة سواء عند المشرع أو الحاكم ؛ إذ وضع المشرعون  مجموعة من القوانين التي على الشعوب  القبول بها ، وهنا ينبغي الإشارة إلى مسألة  تنظيم هذه القوانين ، إذ يزعم المشرع الكريتي  إلى أن المشرع أو رجل الدولة  في وضعه  للقوانين ينبغي أن يصدرها  بقصد وحكمة.
        
 ولعل أفلاطون  يعترض على هذا التصور بتأكيده على أن عمل التشريع  كانت غايته  الأساس هي تنظيم الدولة  والقضاء على الحرب ، حيث جعل المشرع  ينظم القوانين بهدف القضاء على الحرب، ينتقل أفلاطون للحديث عن أهمية إطاعة القوانين  داخل الدولة  من خلال الأخذ  بعين الاعتبار العلاقة ما بين الحاكم والمحكومين ؛ ويجب أن تنظم  هذه القوانين  وفق مبدأ الوسطية  والاعتدال.
   
 وهنا يشير أفلاطون إلى كون حكم المشرعين  هو حكم يتسم بالاعتدال والحكمة، عكس حكم الطغاة أو الحكم المستبد الذي يقوم على الاحتكام إلى الأهواء والغرائز، وهذا يختلف عن حكم المشرع الذي يرتكز على الحكمة والصداقة كرابطة تربط بينه وبين المواطنين لأنها كانت الهدف المقصود.
       
 إن أفلاطون بذلك   سينتقل للحديث عن أشكال الأنظمة التي كانت  سائدة آنداك ؛ إذ يميز بين الدولة الملكية التي تنفرد بحكم الفرد والتي سادت عند الفرس ، ثم دولة ديمقراطية التي كانت منشأ الأثينيين ، حيث لا يمكن لأي حكومة أن تحكم  إذا لم تتشكل من هذين الشكلين وهما الشكل الملكي والشكل الديمقراطي ؛  إذ تكون  الدولة صائبة في حكمها وبالتالي تصدر قوانين صحيحة وغير اعتباطية.

 وعلى هذا الأساس يعرض أفلاطون خصائص كل دولة  فيبدأ بالفرس حيث كان الاحترام والصداقة والحرية من ركائز الملك لأنه يفوض لشعبه هاته القدرة على المشاركة الفعلية ، إذ يشير إلى حكم داريوس الذي وصل إلى العرش رغم فقره واستطاع  أن يخلق نوع  من الصداقة والتنظيم ذي المصالح  المشتركة بين الفرس ، ومن خلال ذلك نجد أفلاطون يشير إلى  التشريع الأخلاقي بالحديث عن الفضائل الأربعة التي كانت أساس  حكم المشرع ، إن الحديث عن الحكم السائد في كل دولة  جعل أفلاطون   يميز حكم الأسياد عن العبيد والأقوياء عن الضعفاء  وهذا يتماثل  مع القانون  الذي  يخالف الإكراه.
      
 إننا لا يمكن أن ننكر الأهمية التي حظي بها  القانون في وضع تشريعات  المدينة ، نجد أفلاطون بذلك يمهد لهذا  بالإشارة إلى الخصائص  الطوبوغرافية التي قامت عليها المدينة ، إذ يقول أفلاطون على لسان الغريب  الأثيني في  الكتاب الرابع" ماذا ستكون هذه المدينة؟ و أين تتموقع هل ستقع بجانب الشاطئ البحر أم داخل البلاد" ، إن أفلاطون كان يبحث عن  الأساس الذي انبنت عليه  الدولة بعد البحث عن أصل الحكومة ، إذ يشير إلى بعض القوانين التي تتعلق بالطقوس الدينية وشعائر العبادة.
         
وفي حديثه عن الدولة يعرض  نموذج الطاغية   الذي يحكم الدولة  من خلال  استبداديته ؛ وذلك لكي يعرض الشكل أو النظام الذي يجب على  الدولة أن تحتكم  إليه ، هل هو نظام أولغارشي أم نظام ملكي أم ديمقراطي ، وهنا يشير أفلاطون إلى القانون الذي ينص على نوع من التربية ويقوم على الفضيلة العسكرية ، إذ يراعي مصالح العامة من أشكال الحكومات  وهذا يكاد يشبه  القانون الطبيعي  الذي  يراعي مصلحة الأقوى ، إذ تفرض السلطة الحاكمة التي تسن القوانين على أنه  إذا خرج أي مواطن عنها أو انتهك هذه النواميس ؛ فإنه سيعاقب كما يزعم أفلاطون بذلك في كتابه الثاني عشر، إذ يؤكد على نفس المسألة وهي ضرورة احترام القانون، إذ يكون هذا العقاب صادر من طرف المشرع.
      
  ومن الواضح أن أفلاطون  يرفض بشكل تام الحكومة الأولغارشية وكذلك الاستبدادية ، وأنها  جديرة بأن تكون  دولا نظرا  لما يطغى عليها من استبدادية، وكذلك منع تام لممارسة السلطة من طرف أصحاب الطبقة العليا.
     
  وهنا يعرض  أفلاطون  مثالا للقوانين  الصادرة عن تلك الدول التي تمارس الاستبداد ، وأن الدولة التي  يكون فيها  القانون مرؤوسا ولا يمتلك سلطة تكون معرضة  للهدم والخراب ؛ وذلك ليؤكد أن الدولة التي  يكون القانون  فيها فوق الحكام ويكون الحكام أدنى من القانون جديرة بأن تكون دولة صالحة  لأن نظمها مؤطرة وفق القانون ، وهنا ينبغي الإشارة إلى أن أفلاطون لم يكتفي بالحديث عن سلطة مؤطرة  بالقوانين ؛ بل يشير كذلك إلى السلطة الخاضعة لمشروعية الحق الإلهي أي  الحكم الذي يطبق فكرة العدل الإلهي، أي يحكم طبقا لما شرعه له الله ، شرط أن يتسم هذا الحكم بالعدل ، من خلال ربط  فكرة السلطة الإلهية  بتنظيم  بعض القوانين التي تتعلق بالتقديس وتكريم  الروح.
        
  وفي الحديث عن تشريع المشرع لهذه القوانين ؛  ينبغي الإشارة إلى أن العمل التشريعي  ينبني على قواعد ومبادئ التي يجب مراعاتها ، آخذا بعين الاعتبار أن هدف المشرع من   كل  تشريعاته وقوانينه هو الفضيلة ؛ لعل أفلاطون كان الهدف من خلال حديثه عن تشريعات المدينة ،هو الإشارة إلى الاعتدال كرمز من رموز سن و تصدير هذه القوانين التي  يجب مراعاتها وفق مبدأ العقل وعدم  الخروج عن القانون لأن ذلك  يفرض عقابا على المواطنين ؛ وهنا يكمن دور المشرع في إنقاذهم من الفوضى وتنظيم حياتهم وفق نفس المبدأ ألا وهو الاعتدال ، كمثال على هذه القوانين التي لا يجب خرقها لأن الخروج عنها يؤدي إلى فرض نوع من العقوبة ؛ نجد القانون المتعلق بالزواج والذي يعتمد في كل دولة على الأصح، هذا القانون يفضي إلى أن الرجل يجب أن يتزوج بين سن الثلاثين والخامسة والثلاثين سنة وإذا لم يقم بذلك فإن الدولة ستقوم بإنزال عقوبة في حقه  كدفع غرامة  مالية التي تحددها  الدولة ، لأن هذا القانون إلزامي  على الكل ؛  ومن تم  فالذي يطيع  القوانين سيكون حرا ولن  يكلف  بدفع أية غرامة مالية  في حين الذي لا يطيع هذا القانون  فإنه سيتعرض لعقوبات  كدفع غرامة  مالية سنوية  ذات قيمة محددة.
      
وعلى هذا الأساس يذهب أفلاطون في كتابه الخامس إلى التأكيد على  أهمية القوانين لأنها تمنع الإنسان من أن  ينقاد لذاته ؛ فهي التي تحدد من الظالم ومن المظلوم ، وينبغي الإشارة إلى أن أفلاطون أكد أن دور المشرع يكمن  في وضع تشريعات المدينة والعمل على تنظيمها ، وبداية إنقاذ الدولة وهذا يتلاءم  مع أشكال الحكومة معتبرا أن الشكل الأسمى للدولة هو جعل القانون ينص على مشاركة  النساء لأن هدف المشرع  هو سن القوانين التي يفترض أن تكون  منظمة بشروط معينة ، إذ أن القانون يجب أن ينظم جميع الوحدات بما فيها القرى والمدن ؛  ومن تم سيتم تعميم  التعليم  كقانون لتحسين  وتنظيم الدولة وذلك  بتخلص المشرع من الخشية  والاشتهاء بفعل القوانين والتشريعات ، وعلى هذا الأساس فإن هدف المشرع  هو أن يصنع قوانينه على ضوء الفضيلة و الاعتدال.
       
  بعد هذا الحديث عن أهمية القانون وضرورته داخل الدولة سينتقل أفلاطون في الكتاب السادس، لكي يتحدث عن دور الانتخاب في اختيار الحكام وموظفين الدولة ، إذ يتحدث عن الهيئات القضائية   وعن انتخاب أعضاء الدولة ؛ أي من هم أهل للحكم ولقيادة الدولة ، إذ يشير بذلك إلى أن هناك جزآن اثنان في تنظيم  الدولة الأول هو عدد الهيئات القضائية وطريقة إنشائها؛ و الثانية هي أن يتم تجهيز الدولة بالقوانين إذ يؤكد على أنه لا يتم بشكل فعلي إلا عندما يتم انتخاب الهيئات القضائية، و يشير إلى إقامة الدولة التي تقتصر على الشعب وهذا يتم من خلال ما تسفر عنه الانتخابات العامة للدولة ، وذلك باختيار الحاكم الأمثل الذي يمثل الدولة  وفق ناموس يوحد الجميع ، وستتم المشاركة  في الانتخابات كل من الجنود  الذين أدوا الخذمة العسكرية  وإشراكم في انتخاب السلطة الحاكمة ، حيث يتم  في إطار الانتخابات إدلاء الكل بصوته  وليتم هذا الانتخاب  باختيار هيئة قضائية حاكمة وهذا  يتم وفق القانون.
      
   ففي حديث أفلاطون عن عملية الانتخاب  يضع شروط لهذه العملية وهي أن من يريد أن يتبوأ منصبا لمدة تزيد عن عشرين سنة ؛ يجب ألا يكون عمره أقل من خمسين سنة عند مشاركته في عملية الانتخاب ؛ ويقرر أفلاطون ذلك لأنه إذا تم انتخابه عند بلوغه الستين سنة من عمره ، فإنه  سيشغل المركز لعشر سنوات فقط ، وعلى هذا الأساس تكون هذه النواميس الثلاثة كحامي للقانون ، إذ يتم انتخاب موظفين الدولة من القادة العسكريين ومساعدون وضباط وفوارس، ويتم اختيار من يمثلهم وذلك عبر المصادقة عليه عن طريق التصويت في الاختبار النهائي.

  وعلى هذا الأساس سيتم اختيار موظفين الدولة  من قادة عسكريين  ومراقبين على الشؤون العسكرية  بعد اجتيازهم لامتحان كالفحص الدقيق الذي اجتازه حماة الناموس ، إذ يسري هذا القانون على الجميع  بواسطة  القرار والتصويت  ، إلا أن يتم انتخاب الحكام  والرؤساء  ومجلس الشورى  الذي يتألف من أربع أجزاء ، وإذا تم تقسيم هذه الأجزاء فسيتم الحصول على 90 عضو في المجلس لكل طبقة، إذ يتم هذا الانتخاب  بموجب اختيار حر، حيث أن فعل التصويت  يكون بموجب  الحرية التي يمتلكها كل مواطن، ولن يجبر أي أحد على التصويت  مالم تتم وفق إرادته ؛ إن أفلاطون يؤكد على أن هذه العملية ستتم  باختيار أحد الطبقات  هي التي ستمثل  نخبة داخل المجتمع  عن طريق التصويت ؛  إذ سيجتاز هؤلاء اختبار دقيق ويشكلون مجلس الشورى.
     
 ومن تم يعتبر أفلاطون أن عملية الانتخاب هي  وسط بين الملكية  والديمقراطية  ومن واجب الدولة أن تسهر على ذلك ، مشيرا إلى أهمية العدل والمساواة في تنظيم الدولة ، لاشك أن أفلاطون كان يهدف من  خلال الحديث  عن عملية الانتخاب  والتصويت إلى تحديد غاية الدولة  التي تجلت  في حفظ الأمن وفرض النظام،  و لا يتم ذلك إلا بوجود مجموعة  من الهيئات التي تتواجد بالمدينة ، ويقدم أمثلة لهذه الهيئات كالبوليس  باعتباره قوة أمنية  تسهر على تنظيم البلاد ، إذ يشدد أفلاطون على  أنه يتم تعيين  حاكم المدينة عندما  يتم الاقتراع  وينخفض عدد الناجحين إلى 6 أعضاء  هم الذين حصلوا على أعلى عدد من الأصوات وهو الأمر نفسه  الذي ينطبق على الضباط  المنتخبين الذين يختارون  بالأكثرية ثلاثة من  أصل  الستة التي  تم ذكرها  الذين تم انتخابهم ؛ فعندما يجتازون تدقيقا عاما  يحتلون المنصب طبقا  للقوانين التي  تم سنها إلا أن  يتم اختيار الحكام  بعد إجراء الفحص.
       
 على هذا الأساس ستتم معاقبة  كل من يتجاوز قانون الانتخاب وفق السلطة المخصصة لذلك التي تقوم بمعاقبته وفرض قانون الغرامة المالية ؛  لم يقف حديث  أفلاطون عند انتخاب الهيئات  القضائية والحاكمة ، بل إنه يذهب إلى الحديث كذلك عن انتخاب الوزراء ليتم اختيار موظفين الدولة، ومن تم فإن هذا القانون يسري على الجميع داخل الدولة ، بحيث يتم انتخاب وزير التعليم على ضوء  القانون الذي يقضي بأنه يجب تعيين وزير التعليم في سن 50 سنة ، إلى جانب ذلك يكمن  هدف المشرع في  السعي إلى وضع قوانين عادلة تكون مراعاة بحكمة.
         
   ولم يلبث أفلاطون  أن يؤسس  للدولة العادلة  التي بدون قوانين  وبدون محاكم عدل منتظمة ستفقد صفة المدنية ، بل إنه يذهب أبعد  من ذلك لكي  يتحدث لنا عن قانون آخر والذي عليه يقوم نظام المدينة وهو قانون الزواج والذي تحدده  الدولة بالنسبة للمرأة  ما بين 16 و20 سنة  كأبعد وأقصى حد للزواج وأما الرجال فمن سن 30 إلى 35 سنة ؛ حيث أن قانون الدولة يقرر أن الرجل إذا لم يتزوج في سن 35 كأقصى حد للزواج ؛ فإنه ستفرض في حقه عقوبة جزرية وهي  تقديم غرامة مالية ؛ كما تم الإشارة إلى ذلك في الكتاب الرابع.
 يكاد أفلاطون يستمر على نفس فكرته وهي شيوعية النساء إذ يذهب إلى أن المرأة يجب أن ترتقي إلى الوظيفة بعدما تقوم بتربية أبنائها ، ومن تم أن تكون شديدة الحرص على تربية الناشئة، ولا يمكن لها أن تقوم بالخذمة العسكرية إلا إذا قامت  بتربية أطفالها  ليتم تمديدها إلى سن الخمسين سنة، وهذا يتم وفق مؤهلاتها الطبيعية  وقدرتها على أداء هذه المهمة في ضوء ما ينص عليه القانون.
      
   وكما تمت الإشارة  سابقا إلى أهمية التعليم  ودوره في تربية الروح ؛ نجد أفلاطون يؤكد هذه الفكرة بمزيد من الوضوح مع تقديمه للأمثلة على ذلك ؛ وهذا ما يؤكده بإصرار في كتابه السابع من هذه المحاورة ، بدعوى أن التعليم قد نص عليه الناموس  كتعليم الأطفال مجموعة من الأشياء التي تجعلهم  يتجنبون الملذات والآلام، ثم إلى جانب بعض التمارين التي  يقوم بها  النساء لتربية أطفالهن  والتي يكون هدفها  هو التخلص من المخاوف والأهواء وفرض السيطرة  على الجسد ؛ إذ نجده يقدم أمثلة لأنواع التعليم كالرياضة البدنية والرقص  والتلاوة الموسيقية ، ليؤكد من خلال ذلك  على أهمية  هذه التمارين وأنها نافعة وضرورية للروح، والتأكيد على  أهمية  الموسيقى كقسم  من التعليم ،  وكمثال على ذلك يعرض أفلاطون طريقة المصريين  في اتخاذ أسلوب جديد في الرقص واللحن كنوع من التقديس.
      
      ونجد أفلاطون كما تم ذكر ذلك سابقا يؤكد على الدور الذي تحظى به  النساء في المشاركة  في التعليم ؛  و كذلك مشاركتهم  للرجال في مهامهم ، وعليه فإن أفلاطون  يؤكد أن هدف النواميس هو فرض النظام  داخل المدينة ؛ وهذا تم ذكره سلفا فإن هدف وغاية الدولة هو السلم  وليس الحرب، بمعنى أن الدولة  تحارب الحرب  وتمنعها بكل الوسائل.
        
      من الواضح إذن  أن القانون يحظى  بقيمة وبأهمية  في تنظيم الدولة ؛ ولعل المشرع لهذه النواميس  يجب أن يتحلى بنوع من الفضيلة  في سنه ووضعه لها ، إذ يذهب أفلاطون في الكتاب التاسع من هذه المحاورة ، إلى التأكيد على دور القانون في تقرير بعض العقوبات والفصل  في بعض الجرائم سواء التي  ترتكب بإرادة المجرم أو التي تكون غير مقصودة  ، حيث يتحدث عن تحصيل الغرامات فعندما  يرتكب الإنسان شيئا يستحق غرامة  فلسوف يدفعها  وعلى حماة  الناموس أن  يرجعوا إلى السجلات  للتأكيد من ذلك،  ولكن إذا كان  هناك شخص ما يستحق غرامة أكبر فيجب  أن يتم الحكم عليه  لمدة سنة بالسجن ما لم يتم الاعفاء عنه بكفالة أو غرامة مالية ، وفي حالة عدم دفعه لهذه  الغرامة فلا يمكن أن يفر بدون عقاب ، وفي حالة هروبه سيكون عقابه هو الموت.
      
       ففي حديث أفلاطون  عن أنواع الجرائم  يشير إلى  عملية السرقة وأعمال العنف التي ذهب إليها في الكتاب الأخير؛  حيث يؤكد على أن الناموس يفرض معاقبة السارق  سواء أكانت  سرقته قليلة أو كثيرة مادام الناموس واحدا فإن العقاب سيكون واحدا، وعلى السارق أن يدفع ضعف ما سرقه إذا تمت إدانته من طرف محكمة الناموس ، وعلى حماتها أن يقدموا عقابا في حقه ، وفي حالة إذا  كان يملك أكثر من الحصة المسروقة  وإذا لم يكن لديه ذلك  فإنه سوف يقيد إلى أن يدفع الغرامة أو إلى أن يقنع من أصدر الحكم عليه أن يعفو عنه ، والشخص الذي أدين بسرقة  ضد الدولة فإنه  إذا استطاع إقناع الدولة أو إمكانية  دفع ضعفي القيمة التي سرقها فسيطلق صراحه في ذلك الوقت.
       
       إن أفلاطون في حديثه عن جريمة السرقة والتي أكدها في كتابه التاسع  يذهب إلى  نفس الفكرة  في كتابه الثاني عشر؛  والذي أكد فيه على أن عمل  المشرع  بخصوص هذه الجرائم المرتكبة هو أن يتم معاقبة أصحابها ، وفي ذلك يتحدث عن الناموس الذي بموجبه يقضي أنه  إذا قام  أي إنسان  بسرقة  أي شيء  يخص الشعب  فإن عقابه سيكون هو تقديم غرامة  عن ما سرقه .
       
      ولا يلبث أفلاطون إلا  أن يجعل هذه الإدانة مطبقة على كل  الشخصين ؛ لأن السارق  يكون معرضا  للعقوبة أكثر من الذي سرق  سواء أكانت  سرقته أقل أو أكثر، ويشير أفلاطون بذلك إلى كون إذا طبقت أي عقوبة  في حق  أي شخص في محكمة  القانون مهما  كان هذا الشخص سواء غريبا  الذي لم يقيم بالمدينة ، أو عبدا حر إذا قام  بسرقة ملكية هي للجميع ، ففي هذه الحالة يجب على المحكمة  أن تقرر العقوبة التي  سيقضيها وكذا الغرامة التي ستفرض عليه.
        
      ويشير أفلاطون بذلك إلى أن المواطن الذي تلقى تربية داخل المدينة إذا وجد مذنبا يقوم بخيانة بلاده عن طريق السرقة بواسطة الاحتيال أو أعمال العنف ؛ ستتم  فرض عقوبة  في حقه ومن  تم سيحكم عليه بالموت، لأنه قام بخرق القانون إن  هذه الأهمية التي يكتسيها القانون داخل المدينة والدولة ككل هي أساس التمييز ما بين الظلم والحق ، ويشير بذلك إلى  هؤلاء الخونة الذين يفسدون ما يسن به من نواميس قصد تدمير الحكومة ، وإذا تم  وضوح الأشياء للقضاة الذين بموجب الانتخاب تم اختيارهم للنظر في الدعوى قضائيا  بناء على مناشدة المجرم ومحاميه،  فيجب أن يحاكم في هذه الحالة عند ارتكابه الاعتداء.
       
      وهنا يعود أفلاطون إلى  الناموس الذي  يقر بأن  يكون مرتكب الجريمة  الذي قام بالقتل إما قتل السيد أو العبد الحر، إذا تم ارتكاب الجريمة بدون سبب فإن ذلك سيؤدي به إلى الموت ؛  إذ لم يتمكن من دفع الغرامة  فإنه سيعاقب وسيحكم  عليه بالموت ، ويشير بذلك  إلى الجرائم التي  ترتكب في  لحظة غضب ؛ ويعطي أفلاطون مثالا  لقتل الزوج لزوجته في نوبة  غضب فإذا قتلت الزوجة  زوجها فإن القاتل ستكون مدة  سجنه ثلاث سنوات مع إخضاعه لعملية التطهير ومدة للنفي التي تم تحديدها سابقا.
     
       وهنا يشير  أفلاطون إلى أن  مرتكب الجريمة  يمنع عليه  بعد أداء  مدة السجن ؛ أن ألا يشارك أطفاله في الطقوس المقدسة ، وفي حالة عدم إطاعة  الأب لهذا القانون  فإنه يكون  معرضا للمحاكمة بتهمة العقوق ، وعليه يقرر أفلاطون أن القانون المتعلق  بإرجاء العقوبات في حالة قتل الأم أو الأب أو أحد الأقربين ، يجب أن ينطبق على الكل بشكل متساو، بحيث أن القانون  يسري على الجميع وفقا للعقوبات المنصوص عليها ، ويجب على مرتكب لعمل  القتل أن يتعرض  للتطهير  وأن ينفي لمدة سنة طبقا لما يفرضه الناموس ، والأمر نفسه ينطبق على  قتل الأخ لأخته حيث ستكون العقوبة  هي التطهير والنفي  وبعد حديثه عن الجرائم التي  ترتكب عن غضب وبشكل انفعالي  والتي تكون ناتجة عنها عقوبات جزرية.
       
           يأتي الحديث عن الجرائم التي ترتكب عن اختيار حر، وتكون بمثابة جورا في  حق من ترتكب ضدهم ؛  وذلك نتيجة تأثير وسيطرة الملذات ورغبات الجسد ، ويؤكد أفلاطون بذلك أن السبب الأعظم  لهذه الجرائم  هي الشهوة وسيطرة الأهواء ؛ أي الشهوة التي تسيطر على الروح والتي تكون مخبلة بالرغبة ؛ إذ يعطي أمثلة للأسباب التي تؤدي لهذه الجرائم ، ويذكر في هذا المقام  سبب تحكم الهوى الذي هو الأقوى  والأكثر سيادة  وانتشارا بين أفراد الجنس البشري ؛ ثم السبب الثاني هو الطموح الذي يخلق الحسد، ثم السبب الثالث هو الجبن والخوف الذي ينتج على أنه غير عادل ، ويشير بذلك إلى أن هذا كان السبب المباشر للعديد من جرائم القتل ، ففي حديثه عن هذه الجرائم وكذا العقوبات التي تفرض في حق من يرتكبها.
        
      يحاول أفلاطون أن يبين الأهمية التي يحظى بها القانون  ومهمته في هذا الشأن ، بحيث يذهب إلى حد اعتبار القانون  ينص على أن  أي شخص يقوم  بارتكاب ظلم  أو عدوانا  في حق  شخص آخر وبدون سبب فإنه سيجرد من امتيازاته  الشرعية ؛ كسلطة الحاكم  فإنه إذا ارتكب أي  ظلم في حق أي من المواطنين  فإنه سيجرد من مهمته ، وسيمتنع عن قيامه بمهامه  في تدبير شؤون المواطنين  والدولة وحيث أن الناموس الذي يمثل الدولة بمجملها  سيمنعه على الدوام و يحاكمه ، ويقدم أفلاطون مثالا على ذلك أنه  إذا لم يحاكم الشخص القاتل  فإن ابن عم القتيل أو الذي يقربه نسبا سواء من جهة الذكر أو الأنثى سيقوم بمحاكمته وفق ما تجب محاكمته  ولم يعلن أنه طريد  وسيقدم أمام العدالة ، فإنه يكون شريك في التدنيس، وبالتالي يتسبب في جلب غضب الآلهة ، وعليه أن يعلن وأن يشرع بالعمل ومن تم يجبر القاتل على ما ينص عليه العدل طبقا للناموس.
        
    وعليه يقرر أفلاطون على أنه أي مواطن أو قريب من أقرباء المقتول أن يراه أولا ويقابله ثم يقتله بسبب الإفلات من العقوبة ، لينفذ بذلك حكم الإعدام في حقه  حيث أن القانون ينص على أنه  يتم تقديم القتيل أمام المحكمة ، كما أنه بإمكانه أن يدفع غرامة جريمة  قتل وكأنه  قام بها ضد مواطن  من المواطنين.
 
      وعليه فإن من  يقوم بارتكاب جريمة قتل عليه  أن يتحمل عواقب فعله  ؛ وتكون هذه العقوبات المفروضة  تتسم بنوع من الزجرية ؛ و بناء على هذا نجد  أفلاطون يميز بين ما يقوم به المشرع  وبين ما تختص به محاكم الناموس ، حيث ينبغي على المشرع  أن  يسمح  لهم بتعيين  الغرامات على الاعتداءات ، فعندما تمتلك الدولة محاكم  جيدة  ويكون القضاة فيها يخضعون  لتدريب جيد واختبار دقيق، يمكن أن يتم تقرير العقوبات والغرامات التي ستفرض على المذنب  شريطة أن تترك معها فائدة.
       
      من الواضح إذن أن أفلاطون   يفرض نوعا من العقاب الجزري  ضد من يرتكب جرائم  عن قصد وتكون مقصودة وبحرية اختيارية ؛ أي أنه كل ما يقوم بارتكاب  أي جريمة  في حق شخص  آخر بدون سبب فسيتم  تطبيق العقاب المناسب لها ؛ ولذا  وجب إذن وضع  تشريع بخصوص  جرائم القتل التي تدخل ضمن الجنح ؛ هذا الحكم الذي يفترض بأن يكون عادلا.
   
      لا يقف أفلاطون عند هذا الحد بشأن تقرير بعض العقوبات في حق مرتكبي جرائم القتل ؛ سواء بهدف الدفاع عن النفس أو بهدف خارج سيطرة الإنسان بسيادة نوازعه وأهوائه ، بل يذهب  أبعد من ذلك لكي يتحدث  عن جرائم من نوع آخر، وهذا ما يقرره في الكتاب العاشر من نفس المحاورة.
      
    إذ يزعم أفلاطون بأن هناك جرائم أخرى وهي المرتكبة ضد الدين ؛ ومن بين الاعتداءات منها ما يرتكب ضد الآلهة وهي عظيمة الشأن ، في ذلك عندما يتم انتهاك الشعائر الدينية المقدسة والطقوس العامة، أي الطقوس التي تشارك فيها القبائل والعشائر، ثم يشير إلى الجرائم المرتكبة من خلال التصرف دون اعتبار لسلطة الحكام ، إذ يتحدث أفلاطون عن العقاب الذي يفرض  في حق من  يتصرف ضد الآلهة.
  
     إن هذا الحديث  يقودنا إلى تقديم بعض الأمثلة  لماذا يتصرف  هؤلاء الناس ضد الآلهة ، هو أن الآلهة موجودون  ولكن لا يهتمون  بالإنسان والأشياء المادية ، ثم يعطي مثال للأشياء التي يكون مصدرها هو الحركة ، ويشير إلى  أن من يقوم  بهذا الفعل  ستتم معاقبته  وسيحاكم بتهمة العقوق، وهذا ما يقوم به حماة الناموس.
    
     وعلى هذا الأساس يذهب أفلاطون  إلى الحديث عن أنواع  القوانين  التي تم سنها  لتنظيم الحياة الجماعية داخل المدينة  والدولة ككل ؛ ويذكر من بينها  قانون الحفاظ على ممتلكات الغير ؛ حيث أن الإنسان لا يحق له  أن يستحوذ على ممتلكات  الشخص الآخر لأن القانون يفضي إلى معاقبته.
     
      ثم يتحدث عن قانون الممتلكات ؛  حيث إذا كانت الملكية المودعة فإنه يجب على القضاة الحاكمين أن يقوموا بتسجيلها ، إلى جانب ذلك يتحدث عن قانون البيع والشراء ؛ إذ يقدم مثالا على ذلك من خلال الإشارة  إلى تبادل البضائع بالبيع  والشراء، وسوف ينقلها الإنسان ويسلمها إلى أصحابها وتسلم بالمقابل ثمنها، ولكنه لن يتم شراء أو بيع في مكان آخر، لأن الناموس لا يؤمن الحماية في حالات الأشياء التي تم بيعها طبقا لهذه النظم.
 لاشك أن  أفلاطون يتحدث  عن هذه القوانين بتدقيق ، حيث يشير  إلى قانون من  نوع لآخر وهو قانون الغش ؛  حيث يدعو بذلك  إلى منع مثل  هذه الممارسات داخل الدولة ؛  لأن من  يغش كأنه يقدم شهادة الزور ويخدع معه الآخرين ، وهنا يقرر أفلاطون على أنه إذا باع إنسان أغراض مغشوشة فإنه  ستتم معاقبته من قبل ما يفرضونه القضاة الحاكمين من عقوبات ، يليه قانون تنظيم التجارة أو القانون  التجاري ، حيث يتحدث عن تجارة التجزئة في المدينة ، وأنها لا تقتصر على الطبيعة  بل يجب كبح الشر جزئيا بواسطة التشريع ؛ ومن يمتنع عن ممارسة التجارة  فإنه  سيتم مضاعفة الحكم عليه ومدة سجنه.
      إلى جانب ذلك  ينتقل أفلاطون  إلى الحديث عن القانون  الذي ينص على رعاية الأيتام ؛ حيث أن الذي يقوم بتوزيع ملكية أو تحويلها إلى وصية ، فإذا أعطى أي شخص أيا من أبنائه لشخص آخر لكي يتبناه فهذا يجب أن يكون وفق القانون.
       
    ولا يقف هذا القانون  عند هذه الحدود  بل ينص كذلك على أنه إذا توفى الأب وترك وصية معينة لأبنائه ؛ فيجب على حماة الناموس أن يقوموا برعايتهم ؛ حيث  يشدد أفلاطون بذلك على أنه إذا ترك  المالك أو الأب  وصية لابنته وجب على حماة الناموس أن يقوموا  بتزويجها لشخص آخر لكي يرث تلك الوصية.
    
      وهذا ما يتزعمه  أفلاطون في كتابه الحادي عشر، إذ يقرر بذلك على  أن الأطفال اليتامى  ستتم العناية بهم ؛ إذ يجب على القاضي والحامي للناموس أن يولي اهتماما  لتنشئة اليتامى ، وفي حالة إذا ارتكب القاضي خطأ بحق اليتيم بإهماله ، فالمحكمة في هذه الحالة ستقرر حكما يقضي بدفع ما سيقاسيه لليتيم ، ويكون إذن من واجب الدولة أن تعين حامي آخر للناموس لتسيير الحكم بالمدينة.
      
      إضافة إلى ذلك  يثير أفلاطون حديثه  عن قانون احترام الوالدين ، بحيث يقرر أنه إذا لم يتم احترام هذا القانون  فسيقوم حماة  الناموس بمحاكمته  ومعاقبته  وفقا لما تنص عليه القوانين ؛ وبذلك ينتقل إلى الحديث عن قانون المتعلق  بالتعسف والذي ينص  على أنه لا أحد ينبغي له أن  يتحدث بالسوء عن الآخر ؛ لأن المشرع سيقوم بإنزال عقابا  في حقه  بدعوته إلى تقديم غرامة  مالية  ؛ ويقدم أمثلة على ذلك؛  وهي تلك الاتهامات  التي تنسب إلى الشخص الذي  يتهم بالقتل  أو التعسف ، وكون من يدلي بشهادة الزور إلى حدود ثلاثة  مرات فلن يسمح  له أن يدلي بشهادته أمام محكمة القانون ؛  وبالتالي وجب على الحكام  والقضاة أن يتخذوا في حقه حكما جائرا بتسليمه إلى المحكمة ؛ وتكون حالة استثنائية وهي  إذا  أدين  فسيعاقب  بالموت.
     
     ولا يمكن أن ننكر القيمة الأساسية  لوجود القانون  داخل الدولة  والمدينة ؛ ومن تم نجد أفلاطون يؤكد  ذلك في مستهل الكتاب الأخير من هذه المحاورة ، بحيث يزعم فيلسوفنا إلى أن الهدف من النواميس  والتي تدخل ضمن القانون العام ، هو تنظيم المدينة  سواء تعلق الأمر بنواميس الآلهة  أو نواميس الدولة ، هادفا بذلك إلى تحقيق الهدف  المنشود  وهو ضرورة  وضع دستور للدولة ؛ إلى جانب وجود عقل سياسي قادر على تنظيم  شؤون المدينة وحماية الأمن العام ؛ ومن ضمن القوانين  التي  تحدث عنها أفلاطون في هذا الكتاب ؛ نجد قانون الذي يفضي إلى معاقبة من ينقل رسالة زائفة من بلاد إلى أخرى ممثلا في عمل السفير؛  حيث  إذا حمل أي سفير رسالة زائفة  من مدينة إلى أخرى ؛ فإن الناموس يفرض بحقه عقوبة لأنه سيتهم  بتهمة مخالفة  الأوامر والواجبات التي تفرضها عليه الآلهة، وسيكون عقابه هو دفع غرامة مالية.
  
     إلى جانب حديثه في  هذا الشأن عن أعمال  السرقة واللصوصية ؛ حيث  تعتبر السرقة عملية  خسة وعمل دنيء لا يجب القيام  به داخل الدولة ؛ ونفس الأمر ينطبق على اللصوصية  التي تعتبر عبارة عن صفاقة  تتنافى مع عمل الآلهة.
        
      على هذا المنوال  يزعم أفلاطون  بالحديث  عن عمل المشرع  بخصوص  هذه الجرائم  المرتكبة فإنه ينبغي عليه معاقبة أصحابها ؛ وهنا يشير إلى القانون الذي بموجبه  يقضي أنه إذا  قام أي إنسان بسرقة أي شيء يخص الشعب  فإن عقابه هو تعويض ما سرقه ، وهذا الأمر ينطبق على كلا الشخصين ؛ وفي هذا الشأن  يشير أفلاطون إلى كون  إذا طبقت أي عقوبة في حق  أي شخص  في  محكمة القانون ؛ مهما كان هذا الشخص سواء غريبا الذي لم  يقيم  بالمدينة  أو عبدا قام  بسرقة ملكية هي للجميع والعامة ؛ ففي هذه الحالة يجب على المحكمة أن تقرر العقوبة التي سيقاسيها وكذا الغرامة التي ستفرض عليه ؛ حيث إذا وجد مذنبا بسرقة بلاده ، بواسطة الاحتيال أو أعمال العنف سيتم فرض عقوبة بحقه وسيتم الحكم عليه بالموت.
 
        نجد أفلاطون يتحدث  في هذا المقام  عن قانون آخر والمتعلق بمسألة الإدانة ؛  حيث إذا وجد إنسان اتهم بكونه رمى سلاحه  في الحرب ، بدون وجود  قائد عسكري  أو ضابط في الجيش ، فلن يسمح له بالمشاركة  في الخذمة العسكرية كجندي ؛ إذ يعود أفلاطون هنا إلى نفس  الفكرة التي سبق  وأن تطرق لها في الكتاب السادس ؛ وهي مسألة  انتخاب الحكام الذين سيحكمون الدولة  ويتم  ذلك  من خلال سلطة تمثيلية ، أي يتم اختيار من يمثل الحاكم ؛ وذلك شريطة  أن يكون هذا الحاكم لا يفوق الخمسين سنة ، وأن يكون إجماع من طرف المواطنون.
        
     يشير  أفلاطون إلى  أن الحاكم القضائي  إذا لم يقبل بأن  الحكم عليه  عادل فقد  يكون له  الحق بإحضار أحد المستنطقين  العامين أمام القضاة ؛  الذين تم اختيارهم  ليصغون  القوانين ويديرون شؤون المواطنين.
    
      كما تمت  الإشارة إلى ذلك  في الكتاب العاشر ؛ حيث يشير أفلاطون  إلى الجرائم  المرتكبة ضد الدين ، وذلك من خلال الحديث عن نفي الآلهة وعدم عنايتهم بالبشر؛ وهذا يستدعي القول أن آراء الرجال بخصوص الآلهة تبقى متغيرة ونفس الأمر ينطبق على القوانين  فهي سارية مفعولها على الجميع؛ وعليه فإذا عارض  الإنسان الحر الدولة في  مسألة ثانوية ، فالعقوبة  لن تكون هي  الحبس أو الضرب أو الموت ؛ بل ستكون هي إعطاء  كفالة  للضباط  الذين تم اختيارهم من طرف حماة الناموس، وأعطاهم القانون  شرعية  تحديد الغرامة التي  يجب على هؤلاء دفعها ؛ وإذا لم يستطيعوا دفع كفالتهم أو فقدوها ففي  هذه الحالة سيتم  بيع  أغراضهم التي  تعهدوا بها وذلك لتزويد  المدينة  وتعويض ما فقدته.
  
     في هذا المقام  يقول  أفلاطون  على لسان  الغريب الأثيني " و بعد  فإن  الدولة تكتسب  المال من حرث الأرض  وزرعها فقط ، وليس لديها أية تجارة  خارجية  يجب عليها أن تتأمل ماذا ستفعل بشأن الإقامة المؤقتة لشعبها الخاص  في البلدان الأخرى، وبشأن استقبال الغرباء في مكان آخر يجب على المشرع أن يتأمل هذه المسائل كلها" .
        
      
     في  معرض  تحليلنا لهذا  القول نجد  أن الدولة  التي  لا تتوفر  على ملكية الأرض  لصالح حرثها أي لا تمتلك  تجارة خاصة بها ؛ في هذه الحالة  وجب النظر إلى وضعية  شعبها  الذي  سيهاجر ويقيم في بلاد أخرى ، وكذا الأمر نفسه بالنسبة  للغريب الذي يأتي  من بلد آخر لكي  يقيم  داخل الدولة على المشرع  أن ينظر في هذه المسألة ؛ وأن يطبق في حق الغرباء قانونا بخصوص إقامتهم ببلاد أخرى.
     
      على ضوء  ذلك يشير أفلاطون  إلى فكرة إقامة الغرباء  في دولة أخرى ، فلا يجب  التعامل  معهم من منطلق  العنصرية والطرد  ؛ لأن ذلك يدخل ضمن التعسف  وهي الفكرة التي  أشار إليها  في الكتاب الحادي عشر.
     وعليه  نجد فيلسوفنا  يذهب إلى الحديث  عن قانون آخر ؛ الذي يخص  العقاب الذي  يتم تقاضيه كل  من يخرق أو  يتجاوز القانون بخصوص  جريمة الاختلاس من المال العام ؛ بحيث  يجب طاعة  الناموس الذي يفضي  إلى كون كما يقول  أفلاطون" لا تخدم من أجل الرشوة"،  إذ يؤكد  على أنه  في حالة عصيان ؛  أي  شخص لهذا  الناموس فإن عقابه  سيكون هو الموت ؛  ويأتي على ضوء هذه الفكرة حديث أفلاطون عن قانون الضريبة ، إذ يؤكد على أنه يجب على الكل أن يقوم بتوحيد ملكيته.
   
      هكذا يمكن  القول أن هذا  الموقف الذي  ينص على  الالتزام  بالقانون يتخذ في طياته  أبعادا متعددة ،  والتي  حاول  أن يعالجها  أفلاطون  في  محاورته ؛  التي ربما  غيرت منظوره  لكل  الأفكار السائدة ؛ وهذا بطبيعة الحال يدفعنا إلى التساؤل عن ما يلي : ما  هي حدود  هذا الموقف  الأفلاطوني؟ و ماهي  أوجه الاتفاق  والاختلاف  بين ما أكده  أفلاطون  في  محاورة  القوانين  وباقي  المحاورات الأخرى كمحاورة الجمهورية  ومحاورة السياسي ؟  بمعنى آخر  كيف يمكن  لنا أن نقرأ  أفلاطون من خلال أفلاطون؟

#عن_صفحة_فلسفة_سؤال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق