تصنيفات مسرحية

الأربعاء، 9 نوفمبر 2022

مسرحية أنتهاكات تأليف عكاب حمدي

مجلة الفنون المسرحية
الكاتب عكاب حمدي 

 



                       تأليف

                       عكاب  حمدي





أشخاص المسرحية:

جثة الضابط.

جثة العريف.

جثة الجندي.





                         المشهد الأول

(تبدأ المسرحية بموسيقى في مقبرة منسية في حي من أحياء إحدى المدن التي تصدّتْ للمحتل الإنكليزي في  حرب مايس عام 1941م ، فاستشهد فيها ثلاثة عسكرين، وهم: (ضابط وعريف وجندي)، ودُفنوا في المكان الذي استشهدوا فيه، وبمرور الزمن تحوّل المكان الذي دُفنوا فيه إلى مكبٍّ لنفايات الناس الذين يُحيطون بالمقبرة، وقد نسوا أنّ في هذا المكان أناسًا ضحّوا بأرواحهم من أجل سلامتهم والدفاع عن مدينتهم...الموسيقى تتلاشى تدريجيا ... ليبدأ صوت العريف من داخل قبره الذي يكاد يُغطى بأكداس النفايات والقاذورات).

العريف/ (صافرة وبصوت عال من داخل القبر): نهوض  نهوض ... تَعداد ... تَعداد 

         صباحي...هيّا ... الجميعُ يَخرجُ لتقديمِ المِوجودِ.

        (يخرج الجندي مسرعا وهو يكمّل ارتداء ملابسه).

           هيّا ... هيّا أكْمِلِ ارتِداءَ قيافتِكَ أيُّها الجُنديُّ المُتأخِر.

        ثابتْ ... اسْتَعِدْ ... اسْتَرِحْ ... اسْتَعِدْ ...

        اقْطَعِ الحَرَكةَ (يصرخ): لا تَتحرَّكْ.

           (يستدير العريف إلى الضابط ويقدّم له الموجود):

           الكُلي : 1.

       المتفرقة : لا يوجد.

       الحاضر : 1.

       الحضيرةُ حاضرةٌ للتدريبِ سيّدي.

          (يسلمه الموجود، ويؤدّي التحية ، ثم يستدير إلى الخلف ليقف أمام الحضيرة). الضابط / (بصوت عال):  اسْتَرِحْ... اسْتَعِدْ ... داومْ بِالتدريبِ بِحَسَبِ المَنْهَج.

العريف/ (يستدير إلى الجندي): إلى اليمين دُرْ ... داومْ بالهَرولة.

        (العريف يؤدي والجندي يردّد بعده):

        طالع لك يا عدوّي طالع ... من كل بيت وحاره وشارع ] .

العريف/ فوقَ التّل.

الجندي/ (يردّد بعد العريف بصوت يُشبه نباح الكلب):

        عوه ... عوه ... عوه ...

العريف/ تحتَ التّل.

    الجندي/ عوه ... عوه ... عوه ...

العريف/  بِصَوْتٍ أعْلى ... فوقَ التل ... تحتَ التل.

الجندي/ عوه ... عوه ... عوه ...، والله عريفي تَعِبْتُ.

العريف/ لا ، ابْني ...، لا تقلْ: تَعِبْتُ ... عَرَقُ التّدريبِ يُقَلِّلُ مِنْ دِماءِ المَعْرَكَة.

  الجندي/ (يتوقّف عن الهرولة وبعصبية):

          أيُّ دماءٍ؟!!! ... أيُّ عرقٍ هذا الذي يُقلِّلُ مِنْ دِماءِ المَعْركةِ؟!!! ...

       عريفي ، نحنُ الآنَ موتى ... نحنُ الآنَ جُثَثٌ  تُرابيَّة ...

       انْظُرْ ... انْظُرْ إلى قُبورِنا كيفَ تآكَلَتْ واخْتَفَتْ مَعالمُها ، وَبَدأتْ تَتساوى مَعَ

      الأرْضِ ...نحنُ فيها مُنْذُ حرب مايس بالواحد والاربعين، وأنتَ في كُلِّ يومٍ تَعدادٌ  

       صَباحيٌّ وتعدادٌ  مَسائيٌّ ، وتدريب ...هوّنْ يا عريفي هوّن ، فوالله لَقَدْ جَنّنْتَني.

   العريف/ انْضَبِطْ ... تَكلّمْ مَعَ عَريفِكَ بِأدَب.

الجندي/ (يحاول اقناعه) أسْتَغْفِرُ الله ... عَريفي نحنُ الآنَ موتى ... لَقَدْ تغيّر كُلُّ شَيْءٍ حتى               

         جُثَثُنا تَحَوّلتْ هيَ الأُخرى إلى تُرابٍ ، لمْ يَبْقَ منها أيُّ شيْءٍ ، وأنتَ ما زِلْتَ تُمارِسُ  

         مَعي أوامرَكَ العَسكريَّةَ ، صَدِّقْني يا عَريفي: زَمَنُ العَسكريَّةِ انْتهى ، وأصْبَحَ بِالنِّسْبَةِ     

         لنا مِنَ الماضي. 

العريف/ هذا الكلامُ لا يَنْفَعُ مَعي ...، سَنَبْقى نَتَدَرَّبُ ؛ لأنَّ عَرَقَ التّدريبِ يُقَلِّلُ مِنْ دِماءِ   

         المَعْرَكة.  

الجندي/ (بعصبية) أيُّ مَعْرَكةٍ هذهِ التي تَتَكَلَّمُ عَليها؟!!! ، هلْ جُنِنْتَ؟! ، أقولُ لكَ: نحنُ الآنَ  

         أمواتٌ ، نحن الآن في العالم الآخر، أجيال أتت بعدنا وذهبت ، وَأنْتَ تَقولُ لي: عَرَقُ   

         التّدْريبِ يُقَلِّلُ مِنَ دِماءِ المعركة!.

العريف/ احْتَرِمْ نَفْسَكَ ، ولا تَرْفَعْ صَوْتَك.

الجندي/ بلْ أنتَ احْتَرِمْ نَفْسَك. (يتشاجران بالأيادي).

   الضابط/ (يتدخل) إخوان ... إخوان ... دَعُونا مِنْ هذا الشِّجارِ الذي لا جَدْوى منه  ألا تَرونَ   

            ألا تَرون هذه الأزبالَ التي تُحيطُ بِنا مِنْ كُلِّ جانب ... لِمَ لا تُفكّروا بِطريقةٍ تُخَلِّصُنا 

            منها؟ ... لِمَ لا تُفَكّروا بِطريقةٍ توصِلُ احتجاجَنا وَمَطالِبَنا إلى الحُكومةِ؟ ؛ كي يَمْنعوا   

            النّاسَ مِنْ رَمْيِ أزْبالَهم فوقَ رُؤوسِنا.

الجندي/ سيّدي ... لقد مَضى وَقْتٌ طَويلٌ عَلى دَفْنِنا في هذا المَكانِ ، فالنّاسُ نَسُوا وُجودَنا هُنا  

        ، فأخَذوا يَرْمُونَ عَلى قُبورِنا أزْبالَهم، بدلًا مِنْ أنْ يَضَعُوا إكليلًا مِنَ الزُّهور.

العريف/ حقًّا ، أنا أوَّلُ مَنْ يَسْتحقُّ أنْ يَضَعوا عَلى قَبْري إكليلًا مِنَ الزُّهور.

الجندي/ أنت ... أنتَ أوَّلُ مَنْ تستحق أن يَضَعُوا على قَبْرك إكليلًا مِنَ الزُّهور؟!، وَلِماذا 

         يا سِيادةَ  العَريف؟!.

العريف/ لأنّي أنا آمِرُ حَضيرَتِكَ ، وكُنْتَ أنْتَ وَمَنْ مَعَكَ تُقاتلونَ في المَعْرَكةِ بِفَضْلِ تَوجيهاتي 

         السّديدة.

الجندي/ بِفَضْلِ تَوْجِيهاتِكَ السّديدةِ لَمْ يَبْقَ مِنّا أحَد!!!.

العريف/ اخْرَسْ ، لَنْ أسْمَحَ لَكَ أنْ تُشَكِّكَ بِقُدُراتي وَشَجاعَتي.

الضابط/ (يتدخل لحل النزاع) كانَ يَجِبُ أنْ تَحْتَرما وُجُودي بَينَكُما ، وَتَكُفّا عَنِ الشِّجار.

العريف/ (يستعد ويؤدّي التحية) عَفْوًا سيّدي ، هذا الجُنْديُّ سَلِيْطُ اللِّسانِ ، لا يَحْتَرمُ مَنْ هوَ  

        أكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا ، وأعلى رُتْبَة.

الجندي/ بابا ، أيُّ سِنٍّ؟!! ، وأيُّ رُتْبَةٍ؟!! ، نَحْنُ الآنَ مَوتى.

العريف/ لا تَقُلْ: بابا ... احْتَرِمْ نَفْسَكَ ، وَقُلْ: عَريفي.

الجندي/ (مع نفسه) [ بلّهْ هذا شتكله إذا هسه أصلخه بزيج أحد يكلي ليش ].

العريف/ ماذا...؟ ، ماذا قُلْتْ؟.

الجندي/ لا ... لا شَيْء ... أنا كُنْتُ أمْزَحُ مَعَكْ ... أنتَ تَعْرِفُ مِقْدارَ مَحَبّتي واحْتِرامي  

        وَطاعتي لكَ عَريفي.

العريف/ أنا أيضًا أُحِبُّكَ لأنَّكَ جُنْدِيٌّ مُلْتَزِمٌ وَمُطيعٌ في تَنفيذِ الاوامِرِ. (يتعانقان).

الضابط/ (يضحك) أنا أعْرِفُ أنَّ خِصامَكُما لا يَدومُ طَويلًا ، والآنَ دَعونا نَجِدُ حَلًّا لانْتِهاكاتِ 

         النّاسِ عَلى قُبورِنا.

الجندي/ لا أظنُّ أنَّ هناك حَلًّا لِهَذهِ المُشْكِلَة.

العريف/ أنا أظنُّ أنَّ هناكَ حَلًّا لِهَذِهِ المُشْكِلة.

الجندي/ ما الحَلُّ؟ ، سِيادةَ العَريف.

العريف/ الحلُّ أنْ نَجِدَ وَسيلةً بها نُوصِلُ مَطالِبَنا التي يَجِبُ أنْ تُنَفَّذَ فَوْرا.

الجندي/ (يضحك).

الضابط / أراكَ تَضْحَك.

العريف/ إنَّهُ يَسْخَرُ مِنّا.

الجندي/ لا أبدًا ، كيفَ أسْخَرُ وأنا واحدٌ مِنْكُما ، ولكنْ أضْحَكُ على كَلِمَةِ ــــــــــ يَجِبُ أنْ تُنَفَّذَ فَوْرًا    

            صَدِّقوني هُناكَ الآنَ المِئاتُ، بل الآلافُ مِنَ الأحْياءِ يَحْتَجّونَ كُلَّ يَوْمٍ ، وفي كُلِّ  

            المُدُنِ يُطالِبونَ بِجُزْءٍ يَسيرٍ مِنْ حُقوقِهِم ، ولمْ يَجِدوا آذانًا مُصْغيةً ، فَكَيفَ بِنا وَنَحْنُ 

            أمواتٌ مَنْذُ عَشَراتِ السِّنين.

الضابط/  المُهِمُّ الآنَ أنْ نَجِدَ طَريقةً نُوصِلُ بِها صَوتَنا.

العريف/ أنا عندي مُقْتَرَح.

الجندي/  يا الله ... ما هو؟.

العريف/ نُعَلِّقُ جِداريّاتٍ في كُلِّ أرْجاءِ المَقْبَرَةِ ... نَكْتُبُ عَليها مَطالِبَنا ، وَنَدْعو وَسائلَ الإعْلامِ 

         المَسْمَوعةِ وَالمَرْئيَّةِ والمَقْروءَةِ ، وبها نُوصِلُ صَوْتَنا إلى كُلِّ العالمِ ؛ لِتَصْبَحَ قَضِيَّتُنا  

         قَضِيَّةَ رَأيٍ عام.

الجندي/ : ها ما رأيُك؟.

الجندي/ بِصَراحَة ... أوَّلُ مَرَّةٍ تُفَكِّرُ تفكيرًا صحيحا.

(موسيقى يتغير المشهد ...

تعلق الجداريات في أرجاء المقبرة كافة ... 

كذلك يتحول الجندي والعريف إلى صحفيين ...

الجندي يصور من خلال جهاز تصوير محمول ...

والعريف يمسك اللاقطة ويحاور الضابط)

    

    الصحفي/ مَنْذُ مَتى وَأنْتُم في هذهِ المَقْبَرَةِ تُطالبونَ بِحُقوقِكم التي تَكادُ تَكونُ يَسيْرَةً موازنةً    

          بِمَطالبِ الآخرين؟.

الضابط/ (يتحدث للصحفي): نحْنُ شُهداءُ مَنْذُ اكثر من ثمانين سنة ، اسْتَشْهدْنا دِفاعًا عَنْ هذا   

         البَلَدِ وعَنْ هذهِ المَدينةِ وَدُفِنّا هُنا في هذا المَكانِ ، لكِنّنا لمْ نَجِدِ احْتِرامًا مِنَ النّاسِ  

         الذين يُحيطُونَ بِمَقْبَرَتِنا ، فَأخَذوا يَرْمونَ عَلينا أزْبالَهُم وقاذوراتِهم.

الصحفي/ هلْ سَبَقَ لَكم أنْ تَحَدَّثْتُم مَعَهُم عنْ هذا الموضوع؟!.

الضابط/ لمْ نَتْرُكْ طَريقةً إلّا تَحَدَّثْنا بها مَعَهم لكِنّنا لمْ نَجِدْ مِنْهُم أيَّ تَجاوِبٍ ... إنّهم يَنْظُرونَ 

         إلينا نَظْرَةً دُوْنيَّة.

الصحفي/ ما الرسالةُ التي تُريدونَ إيصالَها

الضابط/ نحنُ مِنْ خِلالِكم نُريدُ أنْ نُوصِلَ رِسالةً إلى كُلِّ الذين يُحيطَونَ بِنا ، إنَّ مَقْبَرتَنا تُعَدُّ 

          جارَةً لهم ، وإنَّ للجار حَقًّا على جارهِ في الاحترامِ وَعَدَمِ التّجاوزِ عليه ، هذا ما أقَرَّهُ 

          الدينُ والأعرافُ، زيادةً على أنّنا قاتَلْنا واسْتشْهَدْنا مِنْ أجْلِهم ؛ ليعيشوا في سَلامٍ 

          وأمانٍ ، وَلهذا لَدينا مَطالب.

الصحفي/ أنتَ الآنَ على الهَواءِ مُباشَرَةً ، تَسْتَطِيْعُ أنْ تُوصِلَ مَطالِبَكُم إلى كُلِّ العالم ...

          َتفَضَّلْ.

الضابط/ أنْ تَكُفَّ كُلُّ البيوتِ القَريبةِ مِنْ مَقْبَرَتِنا عَنْ رَمْيِ أوْساخِهِم وَنُفاياتِهِم علينا ...

      أنْ تَقومَ حَمْلَةٌ بِرَفْعِ هذهِ النُّفاياتِ، وبِتَنْظيفِ المَقْبَرَةِ تَنْظيفًا جَيّدا...

         أنْ يُبْنى سورٌ حَوْلَ المَقْبَرَةِ ؛ لِحِمايتِها مِنْ دُخولِ الكِلابِ السائبة ...

         ونُطالبُ بِتَشْجِيرِ المَقْبَرَة.

الصحفي/ هَلْ لَدَيْكُم مَطالبُ أُخْرى؟.

الضابط/ لا ، لكنّنا نُطالِبُ بِالكَفِّ عَنْ إيذائِنا فقط.

الصحفي/ سَنُحاوِلُ إيْصالَ صَوتِكِم وَمُناشَداتِكِم إلى الجِهاتِ المَسْؤولَةِ عَسى أنْ يَجِدوا لَكُمْ حَلًّا 

          لإيقافِ مِثْلِ هذهِ الانْتِهاكات.

الضابط/  شُكرًا لِتَعاطُفِكم معنا.

            (تعود الشخصيات إلى وضعها السابق )

    الجندي/ كانَ لقاءًا مُؤثِّرا.

العريف/ بِفَضْلِ إدارتي لَهُ.

الجندي/ لِماذا لمْ يَكُنْ بِفَضْلِ تَصْويري.

العريف/ لكِنّني أينما أكُنْ يكُنْ ليَ تأثير.

الجندي/ وَمَنْ تكونُ حتّى يكونَ لكَ تأثيرٌ يا جَنابَ ... العريف.

العريف/ احْتَرِمْ نَفْسَكَ ، ولا تُقَلِّلْ مِنْ شَأنِ الآخرين.

الجندي/ أنتَ احْتَرِمْ نَفْسَك ... مَنْ يَحْتَرِمْ يُحْتَرَمْ.

العريف/ سؤأدِّبُكَ (يتماسكان) (يتدخل الضابط).

الضابط/ ألا تَخْجَلانِ مِنْ أنْفُسِكُما ؟!... كَيفَ تُريدانِ الآخرينَ أنْ يَحْتَرِموا مَطالِبَنا وأنْتُم في 

         شِجارٍ دائم.

العريف/ (يستعد ويؤدي التحية ): عفوًا سيّدي ، هذا الجُنديُّ لمْ يَحْتَرِمْني ، وأنا أعْلى مِنْهُ 

         رُتْبَة.

الجندي/ سيّدي ، لِكَوْني أقَلَّ مِنْهُ رُتْبَةً يَسْتَغِلُّني ... أنا وَحْدي الذي يَقومُ بِتَنْظيفِ المَقْبَرَةِ ، 

         وَكَنْسِها ، وَرَفْعِ أكياسِ الزِّبالةِ كُلَّ يوم.

الضابط/ أنا لا أسْمَحُ أنْ يَسْتَغِلَّ بَعْضُنا بعضًا على أساسِ الرُّتْبَةِ ، أو على أيِّ أمْرٍ آخر .... 

          نحنُ هنا إخْوةٌ ، وَلِهذا سَيُقَسَّمُ العَمَلُ عَلينا جَميعًا ... والآنَ لِنَدْخُلَ إلى قُبورِنا كي  

          نَأْخُذَ قِسْطًا مِنَ الرّاحة.

العريف/ (يصرخ عاليا): ثابت.

الضابط والجندي/ [أهوووووووو ...] (يتركاه ويدخل كلٌّ منهما إلى قبره).

العريف/ ( يستعد ويستدير إلى قبره ويدخله في حالة سير عسكري).

     





                           ظـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام










                       المشهد الثاني

( الظلام والسكون يخيم على المكان ...يسمع صوت الجندي من داخل القير وهو يصرخ )

     الجندي/ لا ... أرْجُوكَ ابْتَعِدْ .... لا يُمْكِنُ أنْ تَفْعَلَ هذا ... أنا أخوكَ لا ... لا يا كَلْب يا  

             ابنَ الكلب 

               (يخرج من القبر وهو ينظف ملابسه..،الضابط  والعريف يخرجان من قبريهما   

                مذعورين)

   الضابط/ ماذا حَدَث؟.

العريف/ إنْ شاء الله  ما أصابَكَ أذى.

الجندي/ لا لا ... لا شَيء.

الضابط/ قُلْ لنا: ماذا حَدَث؟.

الجندي/ هذا الحَقيرُ تَرَكَ كُلَّ هذهِ الأمْكِنَةِ الفارِغَةِ ، وتَبَوَّلَ عليَّ.

الضابط/ ماذا ؟!!!.

العريف/ تَبَوَّلَ عَلَيك ؟!!! ، ( العريف والضابط يضحكان ).

الضابط/ هلْ يُعْقَلُ ... ألا يوجَدُ عندَهم مِرْحاضٌ في البيت.

الجندي/ هذه لَيْسَتِ المَرَّةَ الأولى ... في كُلِّ مَرَّةٍ أحْكي مَعَه ، أقولُ لهُ: يا أخي ابْتَعِدْ عنّي ،  

         لا يَجوزُ أنْ تَفْعَلَ هذا ... هناكَ أمْكِنَةٌ فارِغَةٌ يُمْكِنُكَ أنْ تَتَبَوَّلَ فيها ، لكنَّهُ يُصِرُّ على   

         أنْ يَفْعَلَها عليَّ.

الضابط/ كلامُكَ مَعَهُ لا يُجْدي نَفْعًا ؛ لأنَّهُ لا يَسْمَعُكَ ، ولا يَراكَ ، نحنُ نَسْمَعُهُم ونَراهُم فقط ؛ 

         لأنّنا نَعيشُ في عالمٍ يَخْتَلِفُ تَمامًا عَنْ عالَمِهِمْ.

العريف/ (مازحا مع الجندي): أنا أظنُّ أنّه لمْ يُرِدْ أنْ يَتَبَوَّلَ عَليكَ ، إنّما كان يُريدُ أنْ يَضَعَ 

         عَليكَ إكليلًا مِنَ الزُّهور.        ( الضابط والعريف يضحكان )

 الضابط/ لمْ يَمْضِ على مَطالِبِنا إلّا يومٌ واحدٌ ، وجاءَنا الرَّدُّ سَريعا.

الجميع/ (يضحكون).

العريف/ ( للضابط ): سيّدي كُنْتَ أنْتَ السَّبَبَ في ما حَدَثَ لأخينا الجُندي.

الضابط/ أنا !! ، كيف؟!.

العريف/ لأنَّكَ لمْ تَضَعْ فِقْرَةَ التَّبَوُّلِ في ضِمْنِ المَطالب.

الجميع/ ( يضحكون ) ... ( يدخل الضابط والعريف كل منهما إلى قبره ).

الجندي/ (يجلس في إحدى زويا المسرح متأملا ... موسيقى):

             ما زِلْتُ أشُمُّ رائِحَةَ الهَوْرِ ، وأسْمَعُ صَوْتَ الطّيورِ ، وَطورَ المْحِمَّداوي.

          الله ... كانَ مَكانًا جَميلًا ، وَساحِرًا للمُحِبّين والعُشّاق ...أتَذَكَّرُ في

          آخرِ يومٍ مِنْ إجازتي رَكِبْتُ مَشْحُوفي ، وأخَذْتُ أجُوبُ الهورَ باحِثًا 

          عَنْها بَيْنَ البَرْديِّ والقَصَبِ لأوَدِّعَها ... لمْ أكُنْ أعْلَمُ أنّهُ الوَداعُ الأخير ...

          الْتَقَيْنا ...كانَ لِقاءًا مَشْحُونًا بالحُبِّ والدُّموعِ طَلَبَتْ مِنّي وَعيونُها تَفيضُ بالدَّمْعِ.

صوت الفتاة/ [ اكلك ليش ما تعوف روحتك للجيش وتبقى يمنه ... أخاف عليك من الحرب ] 

صوت الشاب/ [ والناس شتكول علي ... إفرار ] 

صوت الفتاة/  [ شنا غرض بالناس ... تكول إلي تكولا ]

صوت الشاب/ [ شلون شنا غرض بالناس ... تالي وكت أصير إفرار ومطارد من الحكومة ]

صوت الفتاة/ [ ويا هو الراح يكظك بهذا الهور إلي يضيع جيش بحاله ] 

صوت الشاب/ [ لا أنا لازم ألتحق واطرد المحتل من بلدي ]

صوت الفتاة/ [ ﭼا هو المحتل يمك حواليك ]

صوت الشاب/ [ آنه لازم ألتحق وأدافع عن بلدي ]

صوت الفتاة/ [ ﭼا إذا هيج  ... خلي بالك من روحك تروح وترد بالسلامة ] 

صوت الشاب/ [ إن شاء الله ... ما راح تغيبي عن بالي ... أشوفك بخير ]

صوت الفتاة/  [ وداعة الله خويه ... ترد بالسلامة ].

                 (يتردد صوتها في كل أرجاء المسرح:

            [ وداعة الله خوية ... ترد بالسلامة ] ...

             يتكرر أكثر من مره ... موسيقى)

الضابط/ (يخرج من قبره ويتقدم نحوه): أمَا زِلْتَ تَتَذكَّرَها؟!!.

الجندي/ كيفَ أنْساها؟! ... إنّها قَدَري ... مَنْ مِنّا يَنْسى قَدَرَهُ؟!!!.

الضابط/ لكنَّ هذا الكلامَ مَضَتْ عليه عَشَراتُ السِّنين.

الجندي/ كَأنَّهُ البارِحَة.

الضابط/ هلْ تَظنُّ أنّها ما زَالتْ عَلى قَيْدِ الحَياة؟.

الجندي/ لا أظُنُّ ، وَلكنْ لو كانَتْ مَيِّتَةً لَكانَ على الأقلِّ الْتَقَيْتُ بِها هُنا ... ألمْ يَقولوا إنَّ 

         الأرواحَ تَلْتَقي ... لِماذا لمْ نَلْتَقِ .... لماذا ...  (موسيقى ..........) ، أنا 

          أنْتَظِرًها في كلِّ يوم ... في كلِّ وَقْتٍ عَسى أنْ أراها أو أسْمَعَ صَوتَها.

الضابط/ قَدَرُنا أنْ نَموتَ وَنُدْفَنَ بَعيدِينَ عَنْ أهلِنا وأولادِنا ... (موسيقى)

الجندي/ هلْ كانَ عندَكَ زوجةٌ وأولاد؟.

الضابط/ كانَ عِندي أسرةٌ مُكوَّنَةٌ مِنْ زَوجةٍ وَطِفْلينِ وَلَدٍ وَبِنْتٍ ... أتذكَّرُ في آخرِ يومٍ مِنْ 

         إجازتي وأنا أرْزُمُ حَقيبتي لأوَدِّعَهم وألتَحِقَّ بِوَحْدتي كُنْتَ أرى ألمَ الوَداعِ في 

          وُجُوهِهم ... ما زالتْ أصْواتُهم عالِقَةً في أُذُني وَهُمْ يَتَرَجّونني بِعَدَمِ الالْتِحاقِ بِوَحْدَتي.

صوت الزوجة/ ( تبكي ): [ راح تبقى عيوننا على الدرب تنتظر جيتك ... أتمنى أن لا يطول                      

               غيابك علينا ].

صوت الطفلة/ [ عفيه بابا لا تروح وتخلينا وحدنا ... راح نشتاق لك ].

صوت الطفل/ لا تروح بابا ... إذا رحت منو الراح يجيبنا حلوى ولعب ... عفيه بابا لا تروح  

               أبقى هنا ].       ( تختلط صوت الزوجة وصوت الطفلة وصوت الطفل)

الضابط/ لمْ أستطعْ مِنْ حَبْسِ دُموعي حينَها (يبكي ...) كانَ ذلكَ اليومُ هو آخرَ يومٍ أراهُم فيهِ 

         ... لا أعْرِفُ مَصيرَهم الآن ... هلْ تزوّجوا ... هل صارَ لَهُم أولاد ... هلْ ماتوا.

الجندي / أظنُّ أنّه لمْ يَبْقَ منهم إلّا أحفادُهُم ( مازحا ) ... لو شاء القدر وَرَجَعَتَ للحياةِ 

          ورأيتَ أحفادَ أحفادِكَ ماذا يُنادونكَ .. جَدّو وَهُمْ أكْبَرُ مِنْكَ بِكَثير ... (يضحكان 

          ويخرج العريف من القبر).

العريف/ ماذا ... ألمْ تَناموا؟.

الضابط/ كيفَ نَنامُ وَشَريْطُ الذِّكْرياتِ أخَذَنا إلى ذلكَ العالَمِ الذي كُنّا نَعِيشُ فيهِ قَبْلَ أنْ نَنْتَقِلَ 

         إلى هذا العالَم.

العريف/ [ أهووو ... شكد  قدامى ... بعدكم تذكرون ذلك العالم ]

الجندي/ أليسَ أفْضَلَ مِنْ هذا العالَمِ الذي ما أنْ يَدْخُلَ أحَدُنا إلى قَبْرِهِ حتى يَتَبَوّلَوا عَليهِ  

الجَميع/ ( يضحكون )

الجندي/ ( للعريف ) عريفي ... بِحُكْمِ عُمُرِكَ وسنينَ خِدْمَتِكَ في الجَيشِ لَيْسَ مِنَ المَعْقولِ لّا 

         توجَدَ عندَكَ ذكرياتٌ في ذلك العالَم.

العريف/ ( مرتبكا ) ها ... طَبْعًا ، لُكلِّ واحدٍ منّا ذكرياتُه.

الضابط/ إذنْ احْكِ لنا عَنْ بَعْضٍ مِنْ ذِكرياتِكَ في ذلك العالَم.

العريف/ ( مرتبكا ) لا ... لالا أرْجوكُمْ ... أرْجوكُمْ ... لا أُريْدُ أنْ أتذكَّرَ ... لا أُريْدُ أنْ     

         أحْكيَ أيَّ شَيءٍ ... أرْجوكُمْ لا تُذكِّروني بما حَدَثَ لي في ذلك العالَم ...

        (يبكي) لا أُريْدُ أنْ أتذكَّرَ ذلك اليومَ المَشْؤومَ الذي فَقَدْتُ فيهِ أُسْرَتي ... فَقَدْتُ 

        زَوْجَتي وأولادي.

الضابط/ كيفَ فَقَدْتَهُمْ؟!.

الجندي/ هلْ ماتوا؟.

العريف/  نَعَمْ ، ماتوا ... ماتوا جَمِيْعُهُمْ (يتذكر) ... كُنْتُ في إجازةٍ في البيت ، طَلَبَتْ منّي زوجتي أنْ أذْهَبَ بِهِمْ في سَفْرَةٍ إلى إحْدى المُدُنِ الأثريّةِ القَريبةِ مِنْ مَدِينتِنا ليَطّلعوا على مَعالِمِها وَمُتنزّهاتِها الغَنّاء، وافَقْتُ عَلى الفَوْرِ ، وَفي اليومِ التالي حَمَلْنا أمْتِعَتَنا وانطلَقْنا وَنَحْنُ في غايةِ السّعادَةِ ، وَبَينما نحنُ نَسيرُ على الطّريقِ الخارجيِّ عَبَرَتْ إلينا شاحِنَةٌ كَبيرةٌ مِنَ الجانبِ الآخرِ بَعْدَ انْفجارِ إحْدى إطاراتِها الأماميَّةِ ، وَلم يُسيْطِرْ السائقُ عَليها ، فاصْطدَمَتْ بِسيّارتِنا ، وأزاحَتْها عَنِ الطَّريقِ ، فانْقَلَبْنا مَرّاتٍ عدّة، فَقَدْتُ حينَها الوَعْيَ، ولمْ أفِقْ إلّا بعدَ سَبْعَةِ أيّامٍ ، فَوَجَدْتُ إخْوَتي بِجانبي في المَشْفى ، والحُزْنُ واضحٌ على وُجوهِهِم ، عَرَفْتُ في ما بعدَ أنَّ جَميعَ أفرادِ أُسْرَتي قد ماتوا  ... (يبكي) ... ماتوا .... ماتوا .... (موسيقى حزينة).

كمْ تَمَنَّيْتُ لو كُنْتُ مَيِّتًا مَعَهُمْ كانَ ذلكَ أرْحَمُ لي ، فَبَعْدَهُم لمْ أذُقْ طَعْمًا للحياة ... كَرِهْتُ نَفْسي ... كَرِهْتُ الحياةَ ... كَرِهْتُ الدُّخولَ إلى البيتِ ... ما أنْ أدْخُلَ البيتَ حتى تُطاردُني أشباحُهُم ... حاوَلْتُ أكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ أنْ أدْخُلَ البيتَ لكنّني فَشَلْتُ ؛ لِهذا فَضَّلْتُ أنْ أبْقى في وِحْدَتي وأن أرْفُضَ الإجازةَ ، كان الآمِرُ والضُّبّاطُ يَعْرفونَ مُصيبَتي ، فكانوا يَتعاطَفون معي ، أمّا الجنودُ فكانوا يَظنون أنّني أُحِبُّ العَسْكريَّةَ ، وأفُضُّلُها على أُسرتي ؛ لهذا كانوا يَنْعَتوني بِعِبارةِ مجيّش ... كُنْتُ أعْذرُهُم لأنّهُم لا يَعْرَفون ماذا حَدَثَ لي ... (موسيقى) ... (يبكي).

الجندي/ نحنُ آسِفونَ ... أيْقَظْنا مَواجِعَك.

الضابط/ للأسف ، كُلُّ ذِكْرياتِنا في ذلك العالَمِ مَشْحُونَةٌ بِالوَجَع.

        (يتقدمان إليه ويرفعونه من على الأرض ليدخلوه إلى قبره ثم يدخل كل منهما قبره  

         ... موسيقى)



                                        ظلام

                         






                              المشهد الثالث


(يبدأ المشهد على صوت صفارة العريف ... الضابط والعريف ينتظران خروج الجندي من القبر لتجري مراسيم تقديم الموجود الصباحي).


العريف/ انْهَضْ ... انْهَضْ ... بَدأ التَّعْدادُ الصَّباحيُّ ... لِمَ هذا التأخيرُ على ساحَةِ               

        العَرَضات ... سَأُعاقِبُكَ ... لِمَ هذا النّومُ؟ .... هيّا أسْرِعْ ، أيُّها الجُنديُّ الكَسُولُ 

        هيّا....

الجندي/ ( يخرج من القبر حاملا حقيبة وبطانيته ... موسيقى ).

         ( الضابط والعريف في حالة ذهول ودهشة ).

   الضابط/ ما هذا؟!.

العريف/ ماذا جَرى؟! ، إلى أينَ أنْتَ ذاهِب؟!.

الجندي/ سأُسافِر.

العريف/ تُسافِر؟!.

الجندي/ نَعَمْ ، سَأُسافِر.

الضابط/ إلى أين؟.

الجندي/ إلى مَديْنَتي.

الضابط/ وماذا تَصْنَعُ في مَدينتِك؟!.

الجندي/ ألَمْ يَقولوا ... [ يا غَريب اذكرْ هَلَك ].

العريف/ وَلِكِنَّكَ لسْتَ غَريبًا ... نَحْنُ هُنا أهْلُكَ ... تَعوّدْنا على بَعْضِنا ، وأصْبَحَ أحَدُنا يُكَمِّلُ 

         الآخرَ ... الموتُ وَحَّدَنا وأصْبَحْنا إخوةً وأصْدقاءَ ، لا يُمْكِنُ أنْ نَسْتَغني عنْ بعضِنا.

الجندي/ كَلامُكَ عَيْنُ الصَّوابِ عريفي ، ولكنْ لَمْ أسْتطِعِ التَّحَمُّلَ بَعْدُ ... سأذهبُ لأبحثَ عنها   

         عسى أنْ أجِدَ ولو أثرًا بسيطًا يَدُلُّني عَليها.

الضابط/ (بحزن ... موسيقى) ، ماذا تَجِدُ بَعْدَ كُلِّ هذه السنين؟.

العريف/ (بحزن) ، وهلْ يَسْهُلُ عليكَ أنْ تُسافِرَ وَتَتْرُكَنا وَحْدَنا؟.

الجندي/ (بحزن ... موسيقى) ، لنْ أنساكُم أبدًا ، ولنْ أنْسى السنينَ الطويلةَ التي قَضَيتُها 

         مَعَكُم بِحُلْوِها وَمُرِّها (يتعانقون بحرارة ... موسيقى ملوِّحًا لهم بيده).

الضابط/ لنْ نَنْساكَ أبدًا ... سَتَبْقى ذِكْراكَ خالدةً فينا.

العريف/ (يبكي) سَأبْقى أذْكُرُكَ في ساحَةِ العَرضاتِ ، وفي كُلِّ تَعْداد (صمت حزن) ... 

         (بصوت باكيا) ثابت ( يستدار إلى الضابط ويؤدي التحية).

        الكلي: واحد.

       المتفرقة: واحد.

       الحاضر: صفر ... سيدي.

الضابط/ سيبقى حاضِرُنا صفرًا ... (يبكيان ... موسيقى ... يدخل كل منهما قبره).






                                      ظلام






                            المشهد الرابع


(تزداد أكداس النفايات والأوساخ حتى نكاد تختفي معالم المقبرة ... الإضاءة تسلط على الضابط والعريف كل منهما جالس على قبره ... موسيقى).

الضابط/ مَضَتْ شُهورٌ طَويلةٌ عَلى فِراقِه.

العريف/ لقدْ تَرَكَ فَراغًا كبيرًا لا يُمْكِنُ أنْ نَنْساه.

الضابط/ انظُرْ إلى هذهِ النفاياتِ والأوساخِ وهي تَمْلأ المكانَ ، إنّها تَزدادُ يومًا بعدَ يوم ... 

          مناشداتُنا واحْتجاجاتُنا لمْ تُجْدِ نَفْعًا.

العريف/ أنا أُفَكِّرُ في أنْ أُغادِرَ هذا المكان.

الضابط/ إلى أين تُغادِر؟!.

العريف/ ( موسيقى ) لا أعْلَمُ ... مَقابِرُ بَلَدي كثيرةٌ ... المُهمُّ أنْ أجِدَ مَكانًا أكثرَ نَظافةً مِنْ 

         هذا المكانِ ... ، وأنتَ هل نَبْقى هنا بينَ هذهِ الأوساخِ والقاذورات.

الضابط/ قَدَري أنْ أُدْفَنَ هنا.

العريف/ صاحبُنا رُبّما وَجَدَ مَكانًا نَظيفًا وَتَرَكَنا وَسْطَ هذهِ (ساخرا) الزهورِ والحَدائقِ الغَنّاء.

الضابط/ دَعْهُ ، فسيَرتاحُ مِنْك وَمِنْ أوامِرِكَ الصَّعْبَةِ ... تَعْدادٌ صباحيٌّ وَتَعْدادٌ مَسائيٌّ ، وفوقَ   

         التلِّ ، وتَحْتَ التلِّ إلى أنْ هَرَبَ بِسَبِك.

العريف/ سيّدي ألمْ تُعَلِّمونا أنَّ عَرَقَ التّدْريبِ يُقَلِّلُ مِنْ دِماءِ المَعْرَكة.

الضابط/ هذا هناك ... في العالمِ الذي كُنّا نعيشُ فيه ... عالمِ الحُروبِ والقتلِ ... عالمِ 

         الجُيوشِ والأسْلحةِ ... عام الدمار والاوبئة ...عالمِ العُنْصريّةِ والطائفيّةِ ... العالمِ  

         الأكثرِ دَمويَّةً أمّا هذا العالمُ فهو عالمُ الموتى ... عالمُ الرُّقودِ ... عالمُ البرزحِ ، هذه 

         حقيقةُ هذا العالمِ الذي ما زِلْتَ تَجْهلُها بِرُغْمِ كُلِّ هذه السنين.

العريف/ عَهْدًا عَلَيَّ إنْ رَجَعَ فسأتركُ كُلَّ تَصرُّفاتي القديمة.

الضابط/ لا أظنُّ أنّكَ تستطيع.

العريف/ كيفَ لا أستطيعُ سيّدي؟!.

الضابط/ لأنَّ العَسْكريَّةَ عاشَتْ معَكَ سنينَ طويلةً ، وعَشْعَشَتْ في داخِلِكَ حتى أصْبَحَتْ جُزءًا 

         مِنْ تَصرُّفاتِكَ قبلَ الموتِ وبعدِه.

العريف/ بلْ هي حياتي كلُّها ... تَصَوَّرْ سيّدي عندَما كُنْتُ في ذلك العالمِ كُنْتُ أُمارسُها من   

        غيرِ شعورٍ ... ، في حياتي الخاصة ، في البيتِ ، معَ زوجتي وأولادي ، في الشارع ، 

        حتى عندَما أذهبُ إلى السوقِ لِلتسوِّق.

الضابط/ وحملتَها معكَ إلى هذا العالمِ لِتُمارِسَها مَعَ صاحبِنا الذي هَرَبَ بِسَبَبِك. (يضحكان)

         ( يدخل الجندي حاملًا أمتعته نفسها التي حملها عندما غادر (موسيقى) ... ،   

         الضابط والعريف يقفان مذهولان ثم  يعانقانه ).

الضابط/ وأخيرًا رَجَعْتَ.

العريف/ كانَ عِنْدي هاجسٌ أنَّكَ سَتَرْجِعْ.   ( يعانقه)

الضابط/ أهلًا بِكَ بينَ إخوتِكَ وأَحِبّائِك.    ( يعانقه)

الجندي/ كمْ أنا مُشْتاقٌ لَكُما. .   

العريف/ ونحنُ أيضًا مُشْتاقونَ إلى رُؤيتِكَ ... تفضلْ اجْلِسْ واسْترِحْ ، واحْكِ لنا عَنْ سَفْرَتِكَ   

        ... ماذا وَجَدْتَ هُناك.

الضابط/ هلْ عَرَفَتَ أخبارَها؟.

الجندي/ لمْ أتْرُكْ مَكانًا إلّا بَحَثْتُ فيه عَنْ أخْبارِها ، ولكنْ لمْ أجِدْ أيَّ شيء.

الضابط/ أحفادَها ... أولادَ أحفادِها.

الجندي/ (بحزن ... موسيقى) لمْ أَجِدْ أثرًا لها.

العريف/ المُهم حَمْدًا لله على رُجوعِكَ إلينا.

الضابط/ كُنْتُ يائسًا مِنْ رُجوعِكَ إلينا ... لأنّي كُنْتُ واثقًا بأنَّكَ سَتَجِدُ مكانًا أفضلَ مِنْ هذا 

         المكانِ وَتَسْتَقِرُّ فيه.

الجندي/ ما تقولُهُ صَحيحٌ يا سيّدي ، ولكنْ لمْ أتْرُكْ مَقْبَرَةً إلّا بَحَثْتُ فيها عنْ مَكانٍ شاغِرٍ 

         استَقِرُّ فيه لكنّي لمْ أجِدْ ... كلُّ المَقابِرِ كانتْ مُزْدَحِمَةً بالمَوْتى (موسيقى) ، فَحَمِلْتُ   

         أمْتعتي وَرَجَعْتُ.

الضابط/ أهلًا بكَ ، قَبْرُكَ كما هو لمْ يَشْغَلْهُ أحَد.

الجندي/ (يضحك بسخرية) ، وَمَنْ يَشْغَلُ قَبْرًا وَسْطَ هذهِ الأكاليلِ مِنَ الزُّهور؟!!!.

الجميع/ (يضحكون).

العريف/ (بصوت عال) ثابت.

الجندي/ أهوووه ... [ هم رجعْنا على إكلان ] ...

الضابط/ ها ... على ماذا اتَّفَقْنا؟!.

العريف/ سيّدي ... عَرَقُ التّدْريبِ يُقَلِّلُ مِنْ دِماءِ المَعْركة.

         ( الجميع يضحكون) (أغنية بالمناسبة )






                          انتهههههههههههههههت

                                                                   الفلوجة ـــــــــــ 2020م


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق