تصنيفات مسرحية

السبت، 24 ديسمبر 2022

مسرحية " المندس " تأليف حسين عبد الخضر

مجلة الفنون المسرحية
الكاتب حسين عبد خضر 


المشهد الأول


غرفة كتب في مقر حزبي. على الكرسي، خلف المكتب، يجلس رجل ببدلة رسمية، يقف أمامه،مديرا ظهره للجمهور، شاب. 
الحزبي: عرفت ما هي واجباتك الآن؟
المندس: نعم.
الحزبي: ننتظر منك معلومات بأسرع وقت.
المندس: سأحرص على تدوين كل معلومة اسمعها.
الحزبي: نريد الأسماء والعناوين، وجهات الارتباط. أنت تعرف أننا نفعل ذلك حرصا على سلامة الوطن.
المندس: كلنا في خدمة سلامة الوطن.
الحزبي: أنت تعرف أن أكثر الفوضويين هؤلاء مغرر بهم، جهات خارجية أوحت إليهم أننا لصوص جئنا لتدمير الوطن وسلب خيراته. لا نريد معلومات عن المغرر بهم، نريدك أن تركز على القادة، من يدير هذه الفوضى. من يزودهم بالمال والشعارات ويبث فيهم روح التمرد.
المندس: نعم، سيكون لك ذلك. سألاحقهم بكل حواسي.
الحزبي: أحسنت.
يمد الحزبي يده إلى المندس بمبلغ ٢٥ الف دينار، فيأخذه المندس وينحني ليقبل يد الحزبي.

المشهد الثاني

 
حشود بشرية من الشباب والشابات تسير في الشارع، تهتف بسقوط النظام. يسير المندس بينهم متطلعا في وجوههم. 
تنهال القنابل الدخانية والرصاص الحي على المتظاهرين، فيتفرقون، ويهرب المندس إلى أحد الأفرع. يخرج موبايله ويصور بعض المتظاهرين، ويقوم بإرسال الصور بعد كتابة بعض المعلومات عن كل صورة، وهو يتكلم بصوت عال: 
أحمد محمد عادل، شاب عاطل يبلغ من العمر اثنين وعشرين عاما، يسكن. . . . 
سالم جميل كاظم، خريج عاطل، يبلغ من العمر ستة وعشرين عاما، يسكن. . . . 
محمد عمار حسون. . . . 
علي عباس. . . .
 زينب جعفر. . . .


المشهد الثالث

 
خيمة اعتصام تجمع بعض الشباب، وبينهم المندس.
ثائر: لا يمكن أن ننسحب بعد أن سالت كل هذه الدماء. . الانسحاب خيانة. 
سامر: اطمئن، لا أحد يفكر في الانسحاب.
حيدر: وإذا أردنا أن ننسحب، فإلى أين؟ إنهم يقتلوننا في كل مكان.
ثائر: ما يثير جنوني أنهم قتلة بلا حدود، لصوص بلا حدود، شياطين بلا حدود. 
حيدر: ( ضاحكا) طرف ثالث بلا حدود.
سامر: قاتل مجهول بلا حدود، وسارق بلا حدود. 
ثائر: ولكي نحظى بوطن محترم الحدود، يجب أن نزيح هذه العصابة. 
تدخل شابة.
الشابة: هل تحتاجون إلى شيء؟
ثائر: نعم، الخيمة بحاجة إلى بعض النظافة والترتيب.
الشابة: اخرجوا من الخيمة إذن.
ثائر: أمرك.

 
المشهد الرابع

 
الشابة وحدها في الخيمة.
 الشابة: يبقون مجرد أولاد، يكبرون، تنمو لحاهم ويخشوشن صوتهم، لكنهم مجرد أولاد. احتجت أمي على خروجي في التظاهرات. قالت أنت بنت، ولا مكان للبنت سوى بيتها لتهتم باخوتها الصغار. أمي على حق. لكنها تجهل تماما أن الوطن بيت كبير، والأولاد الذين يواجهون سلاح الطرف الثالث في الساحات بحاجة إلى رعاية أيضا، كالأطفال في البيت تماما. (تحمل قميص أحدهم) ماذا يفعل هذا القميص هنا؟! يريدون وطنا، يواجهون الموت ببسالة، لكنهم يعجزون عن ترتيب ملابسهم. . مجرد أولاد.

 
المشهد الخامس

 
خيمة الاعتصام. ثائر يودع أصدقاءه.
 حيدر: احترس.
ثائر: قلبك كقلب أمي. 
حيدر: ( ضاحكا) كلنا هنا أمهات
سامر: إن لم تعشق الوطن بقلب أم، فلن تثور. 
ثائر: سأحاول أن أنجز قصيدة بهذا المعنى.
حيدر: اكتبها الليلة.
ثائر: سأكتبها الليلة.

 
المشهد السادس


شارع مظلم طويل. ثائر يسير وحده. يظهر المندس من زاوية في الظلام، ويريدي ثائرا برصاصة من مسدسه.

 
المشهد السابع

 
حشود بشرية من الشباب والشابات تسير في الشارع، تهتف بسقوط النظام. يسير المندس بينهم متطلعا في وجوههم. 
تنهال القنابل الدخانية والرصاص الحي على المتظاهرين، فيتفرقون، ويهرب المندس إلى أحد الأفرع. يخرج موبايله ويصور بعض المتظاهرين، ويقوم بإرسال الصور بعد كتابة بعض المعلومات عنها. 
يسقط المندس صريعا برصاصة طائشة.


المشهد الثامن


طابور طويل من شباب بالثياب البيض يتوجهون للدخول من بوابة مكتوب في أعلاها ( ادخلوا بسلام) على جانبي البوابة يقف ملاكان. وإلى الجانب من الطابور يجلس ملاكان إلى مكتب وأمامهما دفاتر كثيرة. بين طابور الشباب المتوجه إلى البوابة نرى المندس باللباس الأسود.
يسير المندس مع الطابور حتى يصل الباب، فيلقي الملاكان عليه القبض ويسلمانه إلى الملاكين اللذين يجلسان إلى المكتب.
ملاك1: ما الذي جاء بك إلى هنا؟
المندس: أنا ثائر كهؤلاء ومكاني معهم.
ملاك1: لا يمكن أن تكون منهم، إنك لاتحمل سيماهم.
المندس: يمكنك أن تسألهم. لقد كنت معهم وقتلت كما قتلوا.
ملاك1: ما اسمك؟
المندس: وماذا يهم اسمي هنا؟ قلت لك أنا منهم، وعليكم أن تسمحوا لي بالدخول كما تسمحون لهم.
ملاك1: لا تريد أن تقول اسمك!
المندس: اسمح لي بالدخول أرجوك.
ملاك1: أتظن أننا نجهل من أنت؟! أتظن أنك تستطيع خداعنا؟!
المندس: أنا لا أخدعكم. قلت لكم الحقيقة. أنا واحد مهم، وقد قتلت برصاص قناص كما قتلوا.
ملاك1: ( لملاك2) أعطه سجله، وليقرأ علينا بنفسه ما قام به في الثورة.
يناول ملاك2 المندس سجلا كبيرا مفتوحا على إحدى الصفحات.
المندس: (يكلم نفسه وهو ينظر إلى الصفحة) يا إلهي، هذا أنا، وهذا كل ما قمت به مدوّن هنا. من الذي كان يترصدني ويسجل كل خاطرة تمر في رأسي وكل كلمة قلتها وعمل قمت به؟!
ملاك1: لماذا لا تقرأ؟
المندس: هذا سجل شخص آخر. إنه ليس سجلي بالتأكيد. أنا أطالبكم بسجل أعمالي.
ملاك1: تظن أنك ستفلت بجرائمك كما كنت تفعل في الحياة الدنيا.
المندس: أنا لست مجرما، أنا ثائر.
ملاك1: سنعرف الآن.
يرفع المندس يده إلى جانب وجهه بحركة لا إرادية ويدور حول نفسه وهو يتكلم.
المندس: أنا مندس. كلفني حزبي بالاندساس بين الثوار وجمع المعلومات عنهم، ورشق القوات الأمنية بالحجارة والزجاجات الحارقة كي يطلقوا النار على المتظاهرين. وقد كلفوني أيضا بقتل ثائر عندما عجز قتلة الحزب عن تصفيته. 
يتقدم شاب باللباس الأبيض إلى الملاكين الجالسين إلى المكتب.
ملاك1: ما اسمك؟
ثائر: ثائر.
ملاك1: ماذا لديك لتقوله؟
ثائر: (وهو يرفع كفه الأيمن إلى مستوى وجهه) أنا ضحية هذا القاتل. قتلني لأني كنت أطالب بوطن نعيش فيه بكرامة كما يعيش الناس في أوطانهم. . قتلني بعد أن وثقت به وظننته شريكي في الهم وفي المصير. . كنت أرسم كل يوم خطة للإفلات من القتلة وكانت تنجح، لكني لم أستطع الإفلات من قاتل بوجه صديق.
المندس: سامحني أرجوك.
ثائر: لن تخدعني مرة أخرى.
المندس: ليس هناك مجال للخداع. نحن في عالم الحقيقة.
ثائر: ولأننا في عالم الحقيقة يجب أن يكون كل واحد منا في مكانه الذي يستحق.
المندس: أنت إنسان طيب، ولا يمكن أن تتركني أذهب إلى هناك. . لا أحد يريد أن يكون هناك.
ثائر: أنت من اختار هذا. . كنت تعرف. اذهب مع من كنت تقتل لأجلهم.
المندس: لقد أغرتني الحياة الدنيا.
ثائر: كم قبضت ثمنا لقتلي؟
المندس: خمسة وعشرون ألفا ورصيد شحن بخمسة آلاف.
ثائر: فطرت قلب والدتي مقابل هذا الثمن البخس!
المندس: سامحني أرجوك. ما مضى قد مضى ونحن أبناء هذا اليوم العصيب.
ثائر: لنفترض أني سامحتك، وهذا ما لن يكون، فهل سيسامحك الآخرون؟

يتقدم عدد من الشباب باللباس الأبيض باتجاه المندس، يرفعون أكفهم إلى مستوى وجوههم ويرددون بصوت واحد:" نحن ضحايا الثورة من أجل الوطن. نحن شهداء الكرامة والخبز. نشهد أن هذا المندس قد باع ضميره بثمن بخس. نشهد أن هذا المندس قد ساهم في قتلنا وضياع الوطن."

ستار

الناصرية 
1/10/ 2022

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق