مسرحية " وكر الأفاعي " تأليف د .ميسون حنا
شخصيات حسب الظهور على المسرح
المغامر
الثعبان، هو نفسه الزعيم
الثعبان الثاني
ثعابين جنود
كبير الثعابين
المهرج الأكبر، زعيم السيرك
الرجل المقنع
اللوحة الأولى
(صحراء خالية، الشمس ساطعة، يدخل المغامر في ثيات لاعب سيرك، المغامر يبدو منهوك القوى، يجرجر خطاه)
المغامر: (يتوقف) نار الله الموقدة (يمسح عرقة عن جبينه بظاهر كفه) يداي متيبستان (لحظة) وساقاي كذلك.
(يدخل الثعبان وهو رجل يرتدي ملابس ألوانها تشبه ألوان جلد الأفعى، الثعبان يلامس قدم المغامر، المغامر لا يراه).
المغامر: الإنهاك (يتلفت حوله، يرى صخرة، يقترب منها، يهم بالجلوس، يتردد، الثعبان يتابعه بصمت).
المغامر: لا تستسلم أيها المغامر، هذه فرصتك لتبحث عن نقلة نوعية ترفع شأنك، وتحقق ذاتك ثم تعود إلى السيرك شامخاً، منتصراً (بضعف) ولكن، ربما أكون متورطاً في قدومي هنا (لحظة) آه العطش، العطش والجوع، إن بقيت على هذا الحال انتهيت، ربما ينطفىء النور في عيني، ويتوقف النبض في عروقي (لحظة) ولِم لا أجاهر بالحقيقة المفزعة وأقول...
الثعبان (مقاطعاً فجأة) ميت أنتَ لا محالة. (المغامر يراه، يشعر بالفزع، لحظة ثم يتمالك).
المغامر: ويحك، قلت ما كاد ينفلت به لساني حرفياً... من أين ظهرت لي؟
الثعبان (يضحك) سؤالك سمج لأني متواجد هنا بطبيعتي. أما أنت فتواجدك مريب وغريب (يتأمله) مهرج أنت؟
المغامر: تقريباً.
الثعبان: أحب المهرجين، ولكن طموحي يتعدى حدود التهريج.
المغامر: طموحي ليس له حدود يا هذا.
(لحظة يتبادلان النظرات بتمعن).
المغامر: لا أخفيك إني أشعر براحة قربك، برغم الاختلاف بيننا.
الثعبان: هذا يخيل لك فقط (يبتعد عنه بنفور) هناك تنافر حاد يبعد أحدنا عن الآخر.
المغامر: صدقت... أنت مقزز بطبيعتك.
الثعبان: (يضحك بسخرية) وأنتَ تافه ومغرور... و... وبشع.
المغامر: ومع ذلك أراني مشدوداً إليك.
الثعبان: لأنك خائر القوى، تتشبث بقشة.
المغامر: ربما، ربما.
الثعبان: حذار إذن؟ فقد تؤذيك شوكتي وليس قشتي كما تتوهم.
المغامر: أُف منك ومن حديثك.
الثعبان: لم تسمع شيئا بعد.
المغامر: رفقتك منغصة... وضرورية.
(الثعبان يضحك، المغامر يتلفت حوله).
الثعبان: أنت في صحراء لا نهاية لها كما ترى.
المغامر: نعم، يبدو هذا.
الثعبان: (بمكر) مع أن لكل أمر نهاية، فها أنت تطوف وتطوف، وقد يأتي (ينظر إليه بلؤم) أجلك وأنت على هذا الحال وتنتهي. (ينظر إليه بلؤم).
المغامر: (منقبضاً) أنت تزيدني غمة فوق غمة وأنا كدت آنس لكَ برغم خشونتك فكلانا منقطع.
الثعبان: انت المنقطع يا عزيزي، أنا فقط اتريض في نزهة وسط الرمال. (يضحك) لست منقطعا عن أبناء جنسي اللذين يتواجدون هنا، أما أنت (ينظر إليه بخبث) فقد اتخذت مسرباً غريباً، شائكاً، قد يلتف حولك ويخنقك.
المغامر: مالك تُهول الأمر علي، أنا والله متوجس شراً، خصوصاً بعد أن فقدت طاقتي في بيئة غريبة علي.
الثعبان: تحول إلى ثعبان مثلي فتأنس المكان.
المغامر: ولِمَ لا تتحول أنت إلى إنسان وتكن رفيقي.
الثعبان: نموت معاً لو جاريتك، لأنك لا تتأقلم مثلي لتعيش هنا، وقد اعترفت بقسوة البيئة عليك قبل قليل.
المغامر: أنت إنما تلهو بي وتتفكه.
الثعبان (يضحك) كما اني لست مضطراً لمرافقتك، (المغامر يجلس، الثعبان ينظر إليه بسخرية).
الثعبان (ساخراً) خارت قواك أيها التعس، (يصرخ) أنهض (يسحبه من يده، ينهض مترنحاً. الثعبان يقهقه بسخرية،
المغامر (مترنحاً) لن أجلس... لن اتيح لك فرصة التهكم بي.
الثعبان (يضحك) والشماتة... لا تنس الشماتة. (يصمت وينظر إليه) أنت مسل يا هذا... (يضحك بصخب، المغامر ينظر إليه بقلق وضعف بينما تهب فجأه سحابة غبار، تلفهما معاً، فيندمجان في كائن واحد نصفه إنسان والنصف الآخر ثعبان. أخذا ينظران إلى نفسيهما بدهشه، وبعد مدة من التفكير والصمت، قال المغامر).
المغامر: إلتصاقك بي مدني بالطاقة بعد أن كادت حياتي تنطفيء.
الثعبان: هذا شؤم.
المغامر: أصبحنا نرتوي من دم واحد.
الثعبان: قلت لك هذا شؤم.
(ينظران إلى نفسيهما حائرين)
المغامر: إلتصاقنا مزعج برغم كل شيء، لأنني لا أستطيع أن أحتفظ بآدميتي، ولا أنت بثعبانيتك.
الثعبان: ألم أقل لكَ أنه الشؤم.
(يبرز ثعبان لهما ويولي هارباً، الثعبان يكتئب).
المغامر: (يبادر بمكر) ستجعل الإنسان يفر مني ذعراً لمظهري وأنت ملتصق بي.
الثعبان: كاذب وخبيث، لأنك تعلم أن الإنسان نادر التواجد هنا، ولكنك رأيت بأم عينك كيف نَفرت الأفاعي مني بسببك فآثرت أن تبادر بالتذمر لتقطع علي فرحتي ولكن هيهات أن ينطلي علي خبثك، والمصيبه الأعظم هذا الإلتصاق المشؤوم (بحقد) أنت طفيلي يا هذا.
(المغامر يضحك)
الثعبان: ما يؤرقني إني لا أستطيع أن أنفث سمي فيك وأقتلك لأموت بعدك بقليل إذ لا حياة لكائن نصفه ميت.
المغامر: وأنا لا أستطيع إلاّ أن اشتمك، وأشتم الساعة التي جمعتني بك.
الثعبان: وتشتمني أيضاً؟ (يصرخ) لِمَ لا تنفصل عني إذن وتدعني أعيش في سلام.
المغامر: ثم أموت وحدي (يصرخ) لا.
الثعبان: ألم تفكر بالموت عندما اخترت هذا الطريق؟!
المغامر: هوس المغامرة حذفني إليه، والآن بعد أن أدركت أن الموت كان قريباً مني إذ كنت خائر القوى، بت أجد نفسي قد انقلبت إلى كائن يتشبث بالحياة وهي تهرب منه، وبما أنك انجدتني علي أن أحتفظ بك.
الثعبان: وأنا لا أريد هذا الاحتفاظ.
المغامر: (متملقاً) أنت سلوتي الآن على كل حال.
الثعبان: سبحان الله، تشتمني وتدعي إني سلوتك.
المغامر: الظروف شاءت هذا.
الثعبان: شاءَت أن تشتمني؟
المغامر: بل شاءت أن تجعل كلينا أنيس الآخر.
الثعبان: لا تراوغ.. الموت يهددك من دوني.
المغامر: (بتحد) ويهددك أيضاً.
(الثعبان يضحك بسخرية)
المغامر: (متراجعاً): حسناً، أُقر أنك انجدتني.
الثعبان: فقط.
المغامر: وإني بحاجتك.
(الثعبان يضحك بسخرية)
المغامر (مستدركاً) ولكنك بحاجتي أيضاً... هذه حقيقة وعليك أن تقر بها.
الثعبان: أنتَ أناني بشع وعلي أن أنهي هذه المهزلة بأن أنفصل عنك الآن.
المغامر: (بذعر) لا... لا تفعل.
الثعبان: بل سأفعل.
المغامر: (متلطفاً) لن أشتمك، صدقني.
(الثعبان يبدو متردداً)
المغامر: ولن أناكدك، هذا وعد... بل سأدين لك بالعرفان.
الثعبان: ولكني أريد التحرر منك ومن قرفك.
(لحظة حرجة، ينظران إلى بعضهما بتوتر وصمت وسكون).
المغامر: (بتحد) ومع ذلك أنت لا تحرك ساكناً.
(بتحد أكثر) أنت لا تريد فقدي.
الثعبان: صدقت.
(المغامر يضحك)
الثعبان: لا تبتهج كثيراً، أنا فقط أرجيء قراري إلى حين أن ألتقي برفيق من أبناء جنسي فاستغني عن رفقتك.
المغامر: (بشماتة) سيولي فاراً كسابقه.
الثعبان: لن أُعطيه فرصه الهرب، سأسرع في الإنفصال عنك، وألتحق به وسترى.
المغامر: ولكن...
الثعبان: (مُهدداً) صحبتنا مرهونة بظهور أحد الثعابين.
المغامر: ليصبرني الله إلى ذلك الحين.
الثعبان: (لاهياً) وقد أغير فكري فأنفصل عنك قبل هذا.
المغامر: لن تفعل لأن لك بي منفعه.
الثعبان: نعم، مع اني لم أتبينها بعد.
المغامر: صبراً إذن.
الثعبان: قد لا أقوى على الصبر فارفسك، وأخلص منك، واستغني عنك.
المغامر: بل لنبقى كما نحن.
الثعبان: هذا يتطلب مني كثيراً من التهاون الذي لم اعتده.
المغامر: (بقلق) لن تندم عليه بإذن الله.
الثعبان: استبقيك إذن بشرط.
المغامر: ما هو شرطك؟
الثعبان: تصبح عبدي.
المغامر: هذا كثير، هذا والله ظلم.
الثعبان: هذا شرطي الوحيد (مهدداً) وإلاّ...
المغامر: ما كنت انتظر هذه النهاية.
الثعبان: طموحك قتلك.
المغامر: بل سأحيا رغماً عنك.
الثعبان: هالك أنتَ من دوني.
المغامر: إذن سأحتفظ بك.
الثعبان: كيف؟
المغامر: موافق على شرطك.
الثعبان: (يضحك) ليس لكَ خيار آخر.
(المغامر صامت، مطرق في تفكير)
الثعبان: فيم صمتك الآن؟
المغامر: إنما أفكر كيف آل لكَ أمر قيادتي بهذه السرعة؟
الثعبان: (مبتهجاً) الدهر قُلبّ.
المغامر: قلت هذا، فما علي إلاّ الانتظار.
الثعبان: لن ادعه ينقلب إلى جانبك بعد اليوم.
المغامر: سنرى.
الثعبان: نحن معشر الثعابين نتصف بالمكر الذي لفت أنظاركم فكتبتم عنا الروايات، ومن حذى حذونا منكم ذاق الويل أو أذاقه لمن حوله، حتى أنكم اقتتلتم فيما بينكم بسبب المكر الذي تعلمتموه منا. نحن كنا نقودكم دون أن نكون في واجهة اشتباكاتكم، بل كنا نستتر خلفها بلباقة وذكاء نستحق عليه أن نقودكم علانية ونزيل الوهم الذي تتوهمونه في أنفسكم بأن نلغي سيادتكم عن الكون.
المغامر: لقد شطح خيالك بعيداً، أنت أنما تملك رقبتي منفرداً.
الثعبان: هي الخطوة الأولى لمسيرة ستمتد وتمتد.
المغامر: ماذا تعني؟
الثعبان: سيحذو حذوي الكثيرون من بعد أن يشيع خبري بينهم.
المغامر: أدعو الله أن يفك كربتي وأخلص منك قبل هذا.
الثعبان: دعك من كل هذا الآن، ولنغير دفة الحديث.
المغامر: وهل من يرزح تحت الظلم يفكر في شيء غيره؟
(الثعبان يضحك)
المغامر: لا تفرح كثيراً، أنا لم أفقد الأمل بعد.
الثعبان: ستفقده، ستفقده إن عاجلاً أم آجلاً.
المغامر: أي ماكر أنت؟
الثعبان (يضحك): والآن... بما أني سيدك وأنت عبدي، أطلب منك أن تُرفه عني.
المغامر: كيف أفعل هذا وأنا منقبض حزين؟
الثعبان: هذه مشكلتك وعليك أن تجد مخرجاً.
المغامر: دعني وشأني بحق الله.
الثعبان: لم يعد شأنك مُلكك.
المغامر: قلت لكَ إني مكتئب.
الثعبان: وأنا منشرح، وعليك أن تزيدني إنشراحاً.
المغامر: كيف؟
الثعبان: اكتئب أكثر، كلما ازداد شعورك بالإحباط، أزداد ابتهاجاً.
المغامر: ولكنك تعرف أن الإكتئاب عندما يستحوذ على المرء منا قد يقوده للموت.
الثعبان: إلاّ هذا، فأنا حريص على حياتك أكثر من حرصك عليها.
المغامر: ولماذا؟
الثعبان: إذا تناسيت جميع الاعتبارات حري بي أن أفكر أنك ما دمت حياً فأنا سيدك، وإن مت انتهت سيادتي، فمن مصلحتي مبدئياً أن تعيش.
المغامر: إلى متى؟
الثعبان: إلى أن أصحبك إلى وكر الأفاعي ليعترفوا بمجدي ويُعينوني زعيماً عليهم.
المغامر: لن أتيح لكَ فرصة الصعود على كتفي.
الثعبان: الأمر ليس بيدك (لحظة) والآن غنِ كي ترفه عني بدل الجدل الذي لا طائل من ورائه.
المغامر (بعد لحظة من التفكير، يُغني)، أحب عيشة الحرية...
الثعبان: (يصرخ) لم أقل لكَ كي تُغني لنفسك، بل عليك أن تُغني لي.
المغامر: أنا أغني لكَ.
الثعبان: إذن، ابتعد عن تَغنيكَ بالحرية، وأنطق كلمات تمتدحني فيها وتُشيد بخصالي.
المغامر (صمت)
الثعبان: فيم صمتك الآن؟ غن.
المغامر: هذا يتطلب مني بالاً صافياً لينساب اللحن في ذهني ويتملك عقلي وقلبي فينفلت لساني بغناء يشجيك، ولكني الآن لا أستطيع إلاّ أن أتغنى بمرارة تعكس مرارتي، وحزن يعبر عني.
الثعبان: لست من الجهالة كي أطلب منك الصدق، لأنك حتماً لن تمتدحني برغبتك، ولكني آمرك أن تفعل هذا.
المغامر: الفن يتطلب الصدق.
الثعبان: لا أطلب فناً، بل مديحاً أطرب له وحدي دونك ودون أبناء جنسك ممن يشتموننا.
المغامر: هذا صعب.
الثعبان: بل سهل، تمالق كأبناء جنسك عندما يصفقون لزعيم رشح نفسه لاستلام منصب.
المغامر: أي زعامة وأية مناصب وأنا أرزح تحت ظلمك.
الثعبان: سئمت تردادك لهذه العبارة، وعليك ألاّ تثير نقمتي فأهجرك.
المغامر: ليتك تفعل.
الثعبان: هيهات أن أفعل بعد أن حققت سيادتي عليك.
المغامر: وأنا سئمتك، وأظن إني لن أصمد كثيراً أمامك.
الثعبان: وماذا في مقدورك أن تفعل؟
(المغامر يبدو حائراً)
الثعبان: ليس أمامك إلاّ الغناء (مذكراً) مديح يليق بي بدل صمتك هذا.
(المغامر صامت)
الثعبان (يصرخ): آمرك للمرة الأخيرة.
المغامر (بتحدٍ مفاجيء): وإن لم أفعل؟
الثعبان (مهدداً): أهجرك.
المغامر (بتحدٍ): هيا إذن.
(سكوت وصمت)
المغامر: لماذا تتلكأ؟
الثعبان: لا أظنك ترغب في هذا حتماً.
المغامر (بتحدٍ): بل أريده الآن دون تأخير.
الثعبان: لن أفعل هذا، ستموت من غيري.
المغامر (متردداً): لم يعد يهمني هذا؟
الثعبان: بل يهمك ويهمني كما تعلم.
المغامر (بتحدٍ): الموت أهون علي من ظلمك وافترائك.
الثعبان: ماذا تَعني؟
المغامر: سأنفصل عنك أنا وليكن ما يكون.
الثعبان (متودداً): ستموت.
المغامر: سيّان.
الثعبان: لا تجعل الغضب يعمي بصيرتك.
المغامر: ماذا تنفعني البصيرة في وضعي هذا.
الثعبان: تبقيك حياً.
المغامر: سأبحث عن الحياة في منعطف بعيد عنك.
الثعبان: لن تجد غيري في هذه الظروف.
المغامر: سئمتك ولم تَعد تهمني النتائج.
الثعبان (فاقداً الصبر): لن أمكنك من نفسك قبل أن نصل إلى وكر الأفاعي.
المغامر: بل عليّ أن أسرع في الإنفصال عنك قبل بلوغنا إياه.
(يحاول الإنفصال مع محاولة الثعبان منعه من ذلك، ثم يعتركان، ويحاول كل منهما الإنفصال عن الآخر، ولكن عبثاً فمحاولتهما فاشله، تهمد حركتهما ويرتميان بإعياء على الأرض، وهما لا يزالان ملتصقين).
الثعبان: أظن أننا ملتصقين بشدة، ولا سبيل لإنفصالنا.
المغامر: ولكن عجباً، لِمَ حاولت أن تنفصل عني أنت أيضاً؟
الثعبان: لأنفث سمي فيك وأقتلك، بعد أن كدت تقتل طموحي.
(صمت، تفكير)
المغامر: والآن بعد أن تأكد لك أن بقائي معك لم يعد باختياري، تلتغي سيادتك عليّ.
الثعبان (بهدوء): ماذا تَعني؟
المغامر: الأمر واضح، أنا الآن حر.
الثعبان: لكنك ملتصق بي قسراً.
المغامر: وأنت كذلك.
الثعبان: أظن أن كلينا رهين الآخر.
المغامر: نعم
الثعبان (بنشاط مفاجيء): ومع ذلك أرى الموقف يصب في صالحي.
المغامر: كيف؟
الثعبان: الزعامة على كتفك مبتغاي.
المغامر: لم أعد عبدك، تذكر.
الثعبان: بل أنت تحت ربقتي ما دمت اسحبك إلى دياري، والمجد في انتظاري.
المغامر (بسخرية): وهل سيقبلك قومك هكذا، كائناً نصفه ممسوخ.
الثعبان: ساشرح لهم إني إنما فعلت ذلك لأسرك والاستحواذ عليك.
المغامر: ولكن، هذا كذب.
الثعبان: السياسة نصفها كذب.
المغامر: لن يستمع إليك أحد.
الثعبان: حتى لو صح افتراضك، ووسط المعارضة الشديدة التي ستواجهني، لا بد أن أجد من يساندني.
المغامر: لكننا الآن في بوتقة واحدة، وعليك أن تفكر بي بشكل يتوازى مع تفكيرك بذاتك.
الثعبان: ماذا تَعني؟
المغامر: أنت تخطط لمجدك وحدك، وبيدي أن أهدم كل شيء.
الثعبان: كيف؟
المغامر: أنت تسير باتجاه وكر الأفاعي، أليس كذلك؟
الثعبان: هذا صحيح.
المغامر: سأحبط جميع خططك بأن أغير اتجاه مساري، وما دمت متصلاً بي ستتبعني.
الثعبان (متحفزاً): لن أدعك تفعل هذا.
المغامر (بحماس): النزاع، النزاع.
(يتعاركان من جديد ولكن يبدو عراكهما فاتراً، ثم يتراجعان ويكفان عن العراك).
الثعبان (بفتور): لا فائدة من رفقة كائن يكن لكَ الكره.
المغامر (بفتور): كلانا عدو للآخر.
(صمت وتفكير)
الثعبان: وما رأيك بأن بارقة تدلني أن أضع يدي في يدك ونتحالف.
المغامر: على ماذا؟
الثعبان: جسدانا متصلان كما تعلم، فنحن نرتوي من دم واحد كما سلف وعلمنا.
المغامر: للاسف، هذه حقيقة.
الثعبان: غذاؤنا يجب أن يكون موحداً إذن.
المغامر (مشمئزاً): لا تذكرني ببشاعتك وأنت تبتلع الأضعف منك من الكائنات.
(الثعبان يضحك)
المغامر: شر البلية ما يضحك.
الثعبان: أنت البلية التي تضحكني لأنك تنسى أنك تمتص دماء أخيك الإنسان.
المغامر: معاذ الله أن أفعل هذا.
الثعبان: وهل تنكر أن هذا يحدث في عالمكم؟
المغامر (مفكراً): لم أكن من مصاصي الدماء.
الثعبان: لو أتيحت لكَ الفرصة، أَعني لو كنت غير ما أنتَ عليه، لفعلت أكثر مما تظن أنك مترفع عنه.
المغامر: هذا ليس موضوعنا.
الثعبان: بل هو موضوعنا، وعلينا أن نفكر كيف نستفيد من معضلة اتحادنا معاً.
(المغامر يضحك فجأة)
الثعبان: فيم ضحكك.
المغامر: لفكرة أدهشتني.
الثعبان: قل إذن.
المغامر: رافقني، وسنعمل معاً في السيرك، نرقص ونتعارك، ونصبح نجمين تدفع فينا آلاف الدنانير.
الثعبان: ومجدي، هل أتنحى عنه ببساطة.
المغامر: سيكون لكَ مجد آخر.
الثعبان: أنتَ تخطط لتجعلني بهلولاً تضحك الناس عليه، وأنا أخطط لأعتلي منصباً أُحترم عليه، فماذا اختار؟
المغامر: السيرك حتماً، هناك الاستثمار، الثروة الحقيقية (بإغراء) الثروة.
الثعبان: المنصب سيُحقق لي الثروة!
(يظهر الثعبان الذي ولى هارباً في البداية، ولنسميه الثعبان الثاني يدخل برفقة مجموعة من الثعابين الجنود).
الثعبان الثاني: هذا هو الكائن الغريب الذي حدثتكم عنه.
(يحيطون بهما ويتأملونهما باهتمام، ويتراقصون حولهما).
الثعبان (بحماس مفاجىء)، هذا المغامر من الأناسي، أسيري وعبدي.
المغامر: لا تستمعوا له، بل هو عبدي واسيري.
الثعبان الثاني: أخرس أيها الأنسي. (للثعبان) تكلم أنت.
الثعبان: كما قلت لكم، هي سابقه لم يسبقني عليها أحد، وكنت اسحبه لأصل إليكم لتشاهدوا عظمة إنجازي.
الثعابين الجنود (يهتفون) يحيا الثعبان الزعيم، يحيا الزعيم.
المغامر: هذا كذب وافتراء، لقد اندمجنا معاً بظروف غامضة وسط سحابة من غبار...
(يضحكون باستهزاء)
الثعبان: أخرس ولا تقطع علي فرحتي بالمجد الذي وصلت إليه.
ثعبان جندي: سترافقنا أيها الزعيم لتمثل أمام كبير الثعابين.
(يحملونهما ويغادرون).
***
اللوحة الثانية
(في حضرة كبير الثعابين. يجلس كبير الثعابين في الصدر، ويقف أمامه الجنود ومعهم المغامر والثعبان الزعيم والثعبان الثاني).
كبير الثعابين: ما حققته من نجاح أيها الزعيم يرفع منزلتك عندنا (يلتفت إلى الثعبان الثاني). أما أنت فلك مكافأة، لن ننساك، أطمئن.
(يشير لأحد الجنود كي يصحبه).
كبير الثعابين: (للجندي) اجزل له العطاء واصرفه.
(يخرجان)
كبير الثعابين: (للزعيم) ذكاؤك الوقاد، وقدرتك ودهاؤك... كل هذا يحثني لأهبك منصباً يليق بك (بحماس) تعال... اقترب مني.
(يثب الزعيم مقترباً منه، ويقترب معه تلقائياً المغامر).
كبير الثعابين: دعك منه، اتركه، هو أسيرنا الآن.
(الزعيم ينظر إلى كبير الثعابين حائراً، بينما يضحك المغامر).
أحد الجنود: (يخز المغامر في كتفه) أخرس... أنت تقف أمام سيدنا الكبير.
(المغامر مستمر في الضحك).
كبير الثعابين: كف عن الضحك يا هذا وابتعد عنه.
(يقهقه المغامر ببهجة وشماتة)
جندي: ألا تستحي (يهم بأن يضربه).
كبير الثعابين: (مبادراً) حذار أيها الجندي، (بلين) ستؤذي الزعيم.
(يكف الجندي، بينما يضحك المغامر بصخب، والمفاجأة تلجم الزعيم الذي يبدو حائراً).
كبير الثعابين (للزعيم) ابتعد عنه أنت، طلبت منك هذا قبل قليل.
(الزعيم يطأطيء رأسه، والمغامر يتلوى من الضحك).
كبير الثعابين: (لأحد الجنود) اسحب هذا الأنسي بعيداً عنا، وليؤدب لاستهتاره وميوعته، وقلة احترامه مجلسنا.
(الجندي يحاول سحب المغامر، والزعيم يحاول أن ينزع نفسه عنه كذلك دون جدوى، المغامر غارق في الضحك، الجندي يهوي بسوطه عليه، يكف عن الضحك ويئن، يئن الزعيم كذلك).
كبير الثعابين: حلمك أيها الجندي، نبهتك...
(يقف الجندي حائراً، ويكف الزعيم عن محاولته الفاشلة، واليأس ظاهر عليه).
الجندي: إنهما متلاحمان أيها الكبير، ولا سبيل لنزع أحدهما عن الآخر.
كبير الثعابين: (ساخطاً) خدعتنا إذن أيها الزعيم، وما قاله الأنسي حق... كلاكما أسير صاحبه.
الزعيم: ولكني أنا الذي سقته إليكم، فهو أسيري وعبدي.
المغامر: لا تصدق، لو لم يفاجئونا جنودك أيها الكبير لسقته بدوري إلى مقري، فما زعامته إلاّ وهم وخديعة.
الزعيم: لا تصدق أيها الكبير، لقد كنت قريباً من الديار و...
المغامر: (مقاطعاً) كنت سارغمك لتعود معي حيث أشاء لولا هؤلاء الجنود.
الزعيم (بتحدٍ) عليك أن تقر بهزيمتك بغض النظر عن الظروف التي تدخلت لصالحي.
المغامر: لا اعترف بهزيمة لم أُعط فيها فرصة الدفاع عن النفس.
الزعيم: قلت لك الزعامة على كتفك مبتغاي، وها قد حققت زعامتي فلا تحاول أن تقلل من شأنها.
المغامر: انت...
كبير الثعابين (مقاطعاً): أخرس أنت وهو، لقد خيبت ظني المفاجأة، وأنا الآن وسط هذه الزوبعة من الأفكار المتلاطمة في رأسي، ارجىء تفكيري بكما معاً. (للجنود): دعوهما في الأسر ريثما أنظر في الأمر.
(الجنود يتأهبون لوضع القيود في يديهما بينما يدخل المهرج الأكبر من الأناسي).
المهرج الأكبر: أنا زعيم السيرك، والمهرج الأكبر، جئت أطالب بألمع نجوم السيرك عندنا الذي أسرتموه واستحوذتم عليه.
(الجنود يقفون جانباً بانتظار أَوامر كبير الثعابين).
كبير الثعابين (للجنود): دعوهما الآن.
(يقف الجنود جانباً).
كبير الثعابين (للمهرج الأكبر): أهلاً بك ضيفاً علينا.
المهرج الأكبر: سمعتك تتحدث عن أسره.
كبير الثعابين: مهرجكم ضيفنا برغم الملابسات التي رافقت قدومه إلينا.
الزعيم: ليس هناك ملابسات، سقته إليكم كنعجة، وبعد أن اعترفتم بقدرتي، وميزتموني، أراكم تتجاهلون إنجازي وهذا يؤلمني.
كبير الثعابين: ليس هذا وقته.
الزعيم: متى إذن؟ وكنت على وشك أن تمنحني المنصب والجاه لولا اختلطت عليك الأمور.
كبير الثعابين: ستضطرني لإخراجك من هنا لو تماديت في النقاش.
المهرج الأكبر: لا أقبل أن يساق مهرجنا خارجاً وقد جئت من أجله.
كبير الثعابين (بمكر) قصدت ثعباننا الزعيم.
المهرج الأكبر: وبالتالي مهرجنا وهما متصلان.
كبير الثعابين (بدهشه): امطلع على هذا أيضاً؟
المهرج الأكبر: بكل تأكيد.
كبير الثعابين: قطعت علي فرحتي بأن أُفاجئك بما لا تعلم، وأمام ذهولك اسحب تنازلك، واحتفظ بمهرجكم في ديارنا رمز انتصارنا فتهابنا الأمم ويحسبون حسابنا و..
المهرج الأكبر (مقاطعاً): آراك تتناسى إمكانياتنا اللامحدودة.
كبير الثعابين: هذا لا ينفي كوننا أسرنا واحداً منكم (لحظة ثم يتابع بفخر) والدليل زعيمنا الذي سجل سابقته بالاستحواذ على مهرجكم هذا... تسجل هذه السابقة في موسوعة غينتس يا رجل، فلا تتظاهر أمامي بالقوة.
المهرج الأكبر: لكننا أقوياء وأنت تعلم هذا.
كبير الثعابين: ونحن لا يستهان بنا.
المهرج الأكبر: لنتفق إذن.
كبير الثعابين: على ماذا؟
المهرج الأكبر: لِمَ تريد أن تستأثر بالنجاح، وتحتفظ بمهرجنا عندك.
كبير الثعابين: هذا حقي بعد أن سيق إلي بمجهود ثعبان من ثعابيني.
(لحظة صمت، المهرج الأكبر ينظر إليه)
المهرج الأكبر: وبعد... أكمل.
كبير الثعابين: ستتوافد علينا الأمم ليشهدوا نصرنا كما سبق وأوضحت لك وهكذا ستتوسع رقعتنا.
المهرج الأكبر: تعني وكركم هذا؟
كبير الثعابين: ضاق علينا كما تعلم، وقد آن الآوان لإتساعه.
المهرج الأكبر: إذن عليكم بالتهريج.
كبير الثعابين: لا أوافق أن يتحول زعيمنا إلى مهرج.
المهرج الأكبر: لكنكم مهرجون.
كبير الثعابين: لم نعلن موهبتنا التهريجية بعد.
المهرج الأكبر: آن الآوان للصراحة والوضوح، وقد حانت الفرصة، فهات المهرجين، أصحبهما معي، وأبثهما ليطوفا في الأمصار، عارضين مهارتيهما التهريجية، وهكذا تتحقق الشهرة والمجد... الناس من كل ملة وبلد سيتفرجون عليهما، أتدري ما معنى هذا؟.
(كبير الثعابين ينظر إليه منبهراً بينما يشير المهرج الأكبر للمغامر والزعيم أن يقتربا، يقتربان إلى وسط الخشبة ويبدأن استعراضاً ما، كأن يرقصان أو يتعاركان، الجمهور يصفق بحرارة).
المهرج الأكبر: هذا هو التأييد، التأييد الجماهيري والشهرة (يشير للجمهور أن يكفوا عن التصفيق، يكفون، يتابع) والهيمنه، الهيمنة يا رجل، عفواً يا ثعبان... متعة الهيمنة لا حدود لها، وأيضاً المال... ألا يهمك المال الذي سنجنيه معاً، المال سيتيح لكم التوسع والإنتشار.
كبير الثعابين: وما مصلحتك أنت؟
(المهرج الأكبر يتناول رقعة شطرنج ويضعها على الأرض في الوسط).
كبير الثعابين: ما هذا؟
المهرج الأكبر (بحماس): ثعابينك جنود على هذه الرقعة أنت تحركهم وأنا...
(يدخل فجأة رجل مقنع ويمسك ياقة المهرج الأكبر من الخلف. المهرج الأكبر يتابع بصوت أقل حماساً) أنا أحرك الرقعة كلها (يصمت).
(الرجل المقنع يترك ياقته ويشير إليه أن يتابع كلامه أمام ذهول كبير الثعابين).
المهرج الأكبر: نعم، أنا أحرك الرقعة كلها، وهذا (يشير للرجل المقنع) صانع الرقعة ومبتكرها.
(يرفع الرجل المقنع رأسه بخيلاء)
كبير الثعابين: والسيرك؟
المهرج الأكبر (بحماس) نحن مبتكروه وأصحابه...
الرجل المقنع (يهمهم) هم..م..م
المهرج الأكبر (بصوت وقور ومنخفض) وهنا (يشير إلى رقعة الشطرنج) هنا حلبة المسرح (يشير للمغامر والثعبان ليقفا على الرقعة)، يقفان وسط الرقعة ويبدأن استعراضهما أمام تصفيق الجمهور وحماسهم، يضحك الرجل المقنع، ويلتفت كل من المهرج الأكبر وكبير الثعابين إليه، التصفيق مستمر).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق