تصنيفات مسرحية

السبت، 21 يناير 2023

بحث في " السحر في المسرح المصري " مسرحية بلد راكبها عفريت للكاتب محمود القليني نموذجًا / إعداد د.شيماء فتحي

مجلة الفنون المسرحية


       بحث في " السحر في المسرح المصري  " مسرحية بلد راكبها عفريت للكاتب محمود القليني نموذجًا    / إعداد د.شيماء فتحي 

المستخلص

     


  يعتبر السحر من بين الإشكاليات الغامضة والمجهولة والتي ظهرت بكثرة في عصرنا الحالي ؛ ولذا حاولت الباحثة من خلال النص المسرحي بلد راكبها عفريت للكاتب "محمود القليني" الانطلاق إلى مناقشة مجموعة من الأفكار اللاعقلانية( فكر القطيع ، الاغتراب ، الشائعات ، الدجل ، السحر ، ...) لدى شخوص المسرحية، ولكن تبقى القضية الأساسية والمحورية في النص هي السيطرة على أفكار الدجل والشعوذة في حياتنا المعاصرة ، وكذلك مناقشة مدى تأثير المجتمع على الفرد وكذلك الفرد على المجتمع.فهذه الدراسة استخدمت منهج النقد الثقافي الذي يهتم بدراسة النص المسرحي ومعرفة دلالته ودراسة الأنساق الثقافية المضمرة في ذهن المتلقي ، وكذلك المنهج النفسي؛ للكشف عن بواطن النص المسرحي، وفهم ما يحتويه من مكونات وحقائق وأبعاد دلالية، ،فالدراسة تهدف إلى: مناقشة فكرة العقل الجمعي ،الرأي العام ،الاغتراب النفسي في النص المسرحي ،التعرف على الشائعات وخطورتها على المجتمع ،وربط مدارس العلوم الإنسانية والاجتماعية بمدارس النقد الأدبي المسرحي، وقد توصلت الباحثة إلى مجموعة من النتائج أهمها : استخدم الكاتب تقنية جديدة في عرض نصه المسرحي ،وهي أن قاعدة الهرم الاجتماعي قد تُسَّرب أفكارها إلى قمة الهرم عن طرق الاتصال المعكوس ، فبدلًا من أن تؤثر القيادة في الرأي العام انعكس الأمر، وتؤثر الجماهير البسيطة بخطابها العبثي في صنع القرار، وكذلك فإن علاقة السحر بالمسرح علاقة وثيقة من حيث الموضوع والفن ، فمن حيث الموضوع هناك العديد من المسرحيات قديمًا وحديثًا تتحدث عن السحر، أما من الناحية الفنية فإن عملية التسرب الإنفعالي هي وقوع المشاهد في فخ السحر المسرحي والتي هي من أهم طرق الإبهار للمتلقي .

الكلمات الافتتاحية : -

السحر، الاغتراب ، ميكانزمات الدفاع ،  التبرير  ،  الشائعة 

 






Abstract

Magic is considered one of the mysterious and unknown problems that have appeared in abundance in our time;  Therefore, the researcher tried, through the theatrical text “A Country controlled by demon Blad Rakbha Afreit ” by Mahmoud Al-Qalini, to discuss a group of irrational ideas ( thought of the  herd, alienation, rumors, charlatanism, magic, ...) through the characters of the play, But the main and pivotal issue in the text remains the control over the ideas of charlatanism and sorcery in our contemporary lives, as well as discussing the extent of the influence of society on the individual and vice versa .This study used the cultural criticism approach, which is concerned with studying the theatrical text and knowing its significance and studying the cultural patterns implicit in the mind of the recipient, as well as the psychological approach;  To reveal the insides of the theatrical text, and to understand what it contains of components, facts and semantic dimensions, The study aims at: discussing the idea of ​​the collective mind, public opinion and psychological alienation in the theatrical text, identifying rumors and their danger to society, linking schools of humanities and social sciences with schools of literary and theatrical criticism.The researcher reached a set of results, the most important of which are : The writer used a new technique in presenting his theatrical text, which is that the base of the social pyramid has leaked its ideas to the top of the pyramid by means of reverse communication.  In decision-making, the relationship of magic with theater is a close relationship in terms of subject matter and art. In terms of the topic, there are many plays, old and new, that talk about magic, but technically, the process of emotional leakage is the spectator falling into the trap of theatrical magic, which is one of the most important ways to dazzle the recipient.  

Key words:-

 Magic, Alienation, Defense mechanisms, Rationalization , Rumor





المقدمة 

              إن العصر الحالي هو عصر العلوم الإنسانية بلا منازع، فمدارس علم النفس منذ نشأتها على يد علماء كبار ( فرويد، كارل جوستاف يونج، ألفردأدلر ،جاك لاكان ،...) تحاول أن تبحث عن الذات الحقيقة للإنسان، وكيف يكون الإنسان منفردًا عن غيره من الكائنات ،ومنفردًا بذاته عن الذوات الأخرى، وكذلك العلوم الاجتماعية منذ نشأتها على يد العالم الكبير(أوجست كونت) مؤسس علم الاجتماع تحاول أن تبحث جاهدةً عن علاقة الإنسان بمجتمعه، وكيف يؤثر الفرد في المجتمع، ويؤثر المجتمع في الفرد، وبين التأثير الإيجابي والسلبي ظهرت مشكلات الإنسان في العصر الحديث لأفكار الاغتراب على يد المفكر الاجتماعي (كارل ماركس )، وكذلك ظهر مصطلح القطيع والرأي العام.

   يُعد السحر من الممارسات البشرية القديمة المنتشرة في معظم بقاع العالم ، فقد ظهر السحر بشكل جلي في الأساطير والملاحم ،والحكايات القديمة وغيرها المليئة بالقصص التي اتخذت من السحر مادة لها ، والملاحظ أنه كلما اتسعت دائرة الإيمان بالقوى الخفية زادت مساحة اعتماد السحروالشعوذة ؛ حيث تُتخذ لتفسير الظواهر وحل ما استعصى على الإنسان ؛ ولذلك تم اختيار هذا النص المسرحي  "بلد راكبها عفريت"؛ لأنه من خلال النسيج الدرامي تحدثت المسرحية عن السحر والعفاريت ،حتى أن العنوان ذاته يبدو معبرًا فالبلد راكبها عفريت . 

    إن تأثير السحر في الموروث الشعبي مازال يسيطر على أفكار عدد من المواطنين البسطاء، ومن هنا جاءت أهمية البحث الذي انطلق من فكر المواطن البسيط، وعدم قدرته على تفسير الأحداث تفسيرًا منطقيًا ؛ لننتقل بعد ذلك في جولة أدبية فلسفية رائعة، استكشفنا فيها أفكار السحر، والدجل والشعوذة، أفكار الاغتراب لدى المثقفين، ، كيف يتشكل الرأي العام؟ كيف تفكر الجموع العريضة ؟ كيف تنتشر الشائعات في المجتمع؟ كذلك اكتشاف الحقائق المجهولة ، تعديل الأفكار والرؤى عن المجتمع وطرق تفكيره ،وتشخيص المشاكل الاجتماعية بحيث يمكن معالجتها والوقاية من أثارها السلبية. 

   لقد استطاع الكاتب المسرحي "محمود القليني " من خلال استخدام تيمة العفاريت في التجول داخل أدمغتنا في محاولة جادة؛ لمناقشة الأفكار سواء أكانت عقلانية أم لاعقلانية لدى بعض شخوص المسرحية،فمن خلال النص المسرحي " بلد راكبها عفريت " يكشف لنا الكاتب "محمود القليني" بصورة غير مباشرة عن سوء بعض العادات الاجتماعية المتوارثة كـ (الثأر، ترديد الإشاعات، الإيمان بالخرافات،...) ؛ ولكن تبقى القضية الأساسية والمحورية في هذا النص هي سيطرة بعض مظاهر الدجل والشعوذة على حياتنا المعاصرة.


مشكلة الدراسة 

   وحتى كتابة هذا البحث ونحن في نهايات الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، ومع هذا التطور العلمي الهائل وثورة المعلومات والاتصالات والعولمة، هل ما زالت الأفكار الخرافية للسحر والشعوذة والدجل تؤثر في عقلية المواطن؟ 

وينبثق من هذا السؤال عدة تساؤلات وهي :

1- ما المقصود بالسحر في النص المسرحي ؟

2- ما علاقة المسرح بالسحر؟ 

3- كيف استخدم الكاتب ميكانزمات الدفاع النفسية في النص المسرحي؟

4- ما نوع الفكر الجمعي في النص المسرحي عينة الدراسة ؟ 

5- ما خطورة الشائعات على المجتمع التي وضحها الكاتب من خلال نصه المسرحي ؟

6- ما فكرة الاغتراب النفسي في النص المسرحي ؟

أهمية الدراسة

  إن عالم الإنسان عالم مادي بحت، يتعامل الإنسان فيه مع شيء مادي ملموس وواقعي، يستطيع أن يصدر أحكامًا ومفاهيم متعلقة به. إن عالم السحر وكل شيء غير ملموس أو غير مادي مصدر تشكيك وتفكير لدى الإنسان؛ لعدم قدرته على إدراك الشيء، فيذهب البعض للسحر؛ وذلك لأنها الأقرب لمخيلته وتحليله وتفسيره.  

كما لا يمكننا فصل المسرح عن علم النفس، علم الاجتماع، السياسة، الدين، ومصطلحات العصر الحديث (الاغتراب ‘ العولمة، العقل الجمعي ،... ) ومن هنا جاءت أهمية البحث على النحو التالي:-

1- إثراء الحقل العلمي بمثل هذه الدراسات التي تتسم بالندرة في مكتبتنا العربية، حيث تعمل على الربط بين المدارس العلمية المختلفة. 

2- العمل على تطبيق فنيات التحليل النفسي على الأدب المسرحي لاستخراج بنية اللاشعور في النص المسرحي.

3- التعرف على الميكانزمات الدفاعية المستخدمة في النص المسرحي ،وتأثير ذلك على العقل الجمعي للمجتمع.

4- الدمج بين المدارس العلمية المختلفة للعلوم الإنسانية الموثقة؛ للإفادة منها في عملية النقد الأدبي المسرحي. 

5- التعرف على مظاهر السحر في النص المسرحي.

أهداف الدراسة

       لكل دراسة علمية أهداف تسعى الباحثة إلى تحقيقها، والوصول إليها، فالكاتب "محمود القليني" عندما يسبح في عالم السحر، أو ما وراء الواقع ،فإن هدفه النبيل هو سعيه لفهم الإنسان، وما يحيط به؛ ولذا فهو يستعين بالخوارق واللامعقول؛ لإيجاد صيغة تطابق ما هو بصدد البحث عنه؛ ولذا تمثلت أهداف الدراسة في محاولة الوصول إلى:-  

1- تطبيق فنيات التحليل النفسي على النص المسرحي .

2- معرفة الميكانزمات الدفاعية المستخدمة من شخصيات النص المسرحي لمواجهة الواقع.

3- مناقشة فكرة العقل الجمعي والرأي العام .

4- مناقشة الاغتراب النفسي في النص المسرحي. 

5- التعرف على الشائعات وخطورتها على المجتمع.

6- ربط مدارس العلوم الإنسانية والاجتماعية بمدارس النقد الأدبي المسرحي. 

6- مناقشة مدى تأثير المجتمع على الفرد، وكذلك الفرد على المجتمع.

منهج الدراسة

     استخدمت الباحثة في هذه الدراسة منهج النقد الثقافي وهو " الذي يدرس الأدب الفني والجمالي باعتباره ظاهرة ثقافية مضمرة ، وبتعبير آخر هو ربط الأدب بسياقه الثقافي غير المعلن ، وعلى هذا الأساس لا يتعامل النقد الثقافي مع النصوص والخطابات الجمالية والفنية على أنها رموز جمالية ومجازات شكلية موحية ،بل أنها أنساق ثقافية مضمرة تعكس مجموعة من السياقات الثقافية التاريخية والسياسية والاجتماعية الثقافية والأخلاقية والقيم الحضارية والانسانية ، وعلى ضوء ذلك يتعامل هذا النقد مع الأدب الجمالي ليس باعتباره نصًا ، بل بمثابة نسق ثقافي يؤدي وظيفة نسقية ثقافية تضمر أكثر مما تعلن " ( حمداوي ، 2021).  

    إذن النقد الثقافي يهتم بدراسة النص المسرحي ،ومعرفة دلالته ،ودراسة الأنساق الثقافية المضمرة في ذهن المتلقي ، أي التركيز على النص المسرحي باعتباره عنصر خفي ومؤثر في عقلية المتلقي ، كما يستفيد من العلوم الانسانية والفلسفية ، فهو يُشَّرح العمل المسرحي ، معلّلا ديمومته وذيوعه من خلال الوقوف على المعاني الباطنية ، والدلالات الكامنة خلف الألفاظ المباشرة . وكذلك أيضًا استخدمت الباحثة المنهج النفسي؛ للكشف عن بواطن النص المسرحي، وفهم ما يحتويه من مكونات وحقائق وأبعاد دلالية، فالمنهج النفسي هو " الذي يعتمد على معطيات علم النفس الحديث في معالجته للنص، فهو يخضع النص للبحوث النفسية، ويحاول الانتفاع من النظريات النفسية في تفسير الظواهر الأدبية، والكشف عن عللها وأسبابها ومنابعها الخفية وخيوطها الدقيقة، وما لها من أعماق وأبعاد وآثار ممتدة " (إسماعيل، 2007، ص91)

عينة الدراسة 

            محمود القليني(*):مسرحية بلد راكبها عفريت، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2014م. 

أسباب اختيار العينة 

     لقد اختارت الباحثة هذا النص؛ لأن إشكالية السحر واضحة ومعروضة بشكل ثري، فالكاتب "محمود القليني" تناول هذه الإشكالية في الأروقة والحارات، وعلى المقهى، كما أنه تحدث عنها من وجهة نظر رجال الأمن وضباط الشرطة، وتحدث عنها من زاوية أخرى مع المحتجزين داخل قسم الشرطة، ، وسيظهر ذلك من خلال تحليل الباحثة للنص المسرحي. 




مصطلحات الدراسة 

1- السحر     (Magic)

التعريف الإجرائي للسحر: هو الأداة التي يتمكن عن طريقها بعض الأفراد لمعرفة الغيب، بهدف الحصول على مساعدات من طرف هذا الساحر المتعامل مع الجن ،التي يمكن من خلالها تحقيق بعض الأهداف لكل المشاكل التي تواجههم في الحياة، والتي يصعب عليهم تحقيقها بطرق أخرى. 

2- الشائعة     (Rumor)

يعرفها محمد منير حجاب بأنها هي : " ترويج الخبر مختلق لا أساس له من الواقع ، أو تعمل للمبالغة أو التهويل أو التشويه في سرد خبر فيه جانب ضئيل من الحقيقة أو إضافة معلومة كاذبة أو مشوهة لخبر معظمه صحيح وذلك بهدف التأثير النفسي " ( حجاب ، 2003، ص4) .

3- ميكانزمات الدفاعDefense Mechanisms)   )

       تعرف ميكانزمات الدفاع بأنها:"استراتيجيات نفسية يستخدمها العقل الباطن؛لحماية الفرد من التوتر الناجم عن الأفكار ،أو المشاعر المرفوضة، وتسعى هذه الاستراتيجيات إلى إيجاد حلول وسط للمشكلات الشخصية، وتمثل هذه الإسترتيجيات الطرق البسيطة للعقل الباطن في مسايرة التوتر، وتساعد الشخص على إيجاد حلول أكثر قبولًا من الناحية الاجتماعية، كما تفيد هذه الدفاعات في حماية الذات من التهديد "( الشربيني، 2014، ص130). 

4- التبرير Rationalization)   )

يعرف التبرير بأنه:"هومحاولة إيجاد سبب منطقي للسلوكيات، أو الدوافع عن طريق إعطائها مبررات أو أسباب مقبولة " (Peter ,1982,p156).

5- سلوك القطيع(Herd behavior)  

      مصطلح نفسي واجتماعي منبثق أساسًا من عالم الأحياء الانجليزي "دابليودي هاملتون" ،ثم انتقل منه إلى كافة العلوم الانسانية ويقصد به:" سلوك الشخص في الجماعة، عندما يقوم بالتصرف بسلوك الجماعة التي ينتمي لها دون تفكير، أو تخطيط ،فخلال الجماعة الواحدة يميل الأشخاص الأضعف، والأقل مركزًا إلى التصرف بسلوك من هم أعلى مركزًا أو أحسن حالة وظيفية أو اجتماعية إلى نظرية فلسفية وعلمية وسياسية " (إبراهيم ،2012 ،ص15). 

6- العقل الجمعي     Collective mind  ) )

    يعرف العقل الجمعي بأنه: "ظاهرة نفسية تفترض فيها الجماهير، أن تصرفات الجماعة في حالة معينة تعكس سلوكًا صحيحًا ،ويتجلى تأثير العقل الجمعي في الحالات التي تسبب غموضًا اجتماعيًّا وتفقد الجماهير قدرتها على تحديد السلوك المناسب، وبدافع افتراض أن الآخرين يعرفون أكثر منهم عن تلك الحالة " (corner ,2011,pp542-550 ). 

الاغتراب    Alienation ) ) 

            يعرف الاغتراب بأنه: " يعني وعي الفرد بالصراع القائم بين ذاته ،وبين البيئة المحيطة له بصورة تتجسد في الشعور بعدم الانتماء ،والسخط ،والقلق، وما يصاحب ذلك من سلوك إيجابي ، أو الشعور بفقدان المعنى، واللامبالاة، ومركزية الذات ،والانعزال الاجتماعي، وما يصاحبه من أغراض إكلينيكة " (شاخت، 2001، ص37 ). 

الجانب المعرفي للدراسة

أنواع السحر

      إن تشوق البشر بمعرفة الغيب والمجهول ، دفع طائفة من الناس بادعاء معرفة الغيب ، والقدرة على جلب الخير ودفع الشر ، فانتشر السحرة والمشعوذون ، الذين ادّعوا معرفة الأحداث بالاتصال بالجان ،والاستعانة بالكواكب ، وغير ذلك من الحيل الشيطانية. 

    وتشير دراسة أحمد معلول ، سيف صالحي (2016م) أن السحر ينقسم إلى: "سحر من حيث الأسلوب، حيث أن هناك أعمال يمكن إلحاقها بالسحر؛ لما بينهما من التشابه والاشتراك في ادعاء علم الغيب ، ومن أشهرتلك الأنواع:( الكهانة، والعرافة، التنجيم، قراءة الكف،... ) ، وسحر من حيث التأثير وله أنواع منها:- (سحر الصرف ( سحر التفريق )، سحر العطف ( سحر المحبة )، سحر التخييلات ( سحر التخييل )، سحر الآلام والأسقام ( سحر المرض )، سحر الجنون، سحر تقويض العلاقات الزوجية) ". 

ومن هنا يتضح لنا أن مسرحية "بلد راكبها عفريت" تندرج تحت نوع سحر التخييل وهو المبني على التمويه والخداع ،والتخييل الذي لاحقيقة له .

  

التوظيف الدرامي للسحر في المسرح 

   إن التوظيف الدرامي للسحر ليس جديدًا ،فإن ثقافة الجن والعفاريت والسحر في المعتقد الشعبي المصري منذ القدم، حيث يعتقد أن الشبح هو جنٌّ يظهر للإنسان المقتول، وكما يقول صلاح جاهين في رباعيته الشهيرة 

"ولدى نصحتك لما صوتي اتنَبَح 

ما تخافش من جِنِّي ولا من شَبَح 

 وإن هب فيك عفريت قتيل إسألة 

ما دافعش عن نفسه يوم ما اندبح ؟   "( جاهين ،1996،ص99) 

     إن القوى الخارقة من جن وعفاريت وشياطين "حقيقة لا نملك أن نرفضها، وعلى الرغم من الاعتقاد في وجود هذه القوى أمر موغل في القدم عالميًّا وعربيًّا ومصريًّا قبل نزول القرآن، فإنه بنزول القرآن قد تأكد من وجود هذا العالم الغيبي غير المرئي، مما أعطاها اعترافًا وشرعية مقدسة؛ ولذلك فإن بعض علماء الأرواح يؤمنون بوجود عالم آخر يعايشنا ،بل هناك معتقد بوجود عوالم خارج كوكبنا من العلماء مما كتبوا حول بعض الظواهر التي تثبت هذه الحقيقة والتي لا نستطيع أن ننكرها "( عبدالمنعم، 2020، ص93). 

    إذن ليس غريبًا الحديث عن السحر في المسرح ،حيث أن الثلاثية الشهيرة التي كتبها "سوفوكليس" ( أوديب ملكًا، أنتيجونا ،أوديب في كولونوس ) تحدث فيها عن عقدة المسرحية بالكامل ، والتي تبدأ وتنتهي عند العراف (تريسياس )، الذي يتصل بالآلهة أو بالقوى الخافية، ويستطيع أن يتنبأ ويفسر الأحلام،  بينما زخرت مسرحيات "شكسبير" بموضوعات ( السحر)،و(الأرواح )،و(الجنيات ) والنموذج الأمثل على ذلك "مسرحية العاصفة  " حيث منحت شخصية (بروسبيرو ) أن تمارس دورين في آن معًا ، فهو بالإضافة إلى كونه شخصية نبيلة (دوق) ، صار بإمكانه في الجزيرة المسحورة أن يصير ساحرًا متصوفًا يتفوق بفنه على عالم الطبيعة عن طريق ( السحرالأبيض) الذي تمكن بواسطته من تحرير الأرواح الخيرة من براثن الساحرات الخبيثات اللواتي يستخدمن (السحرالأسود) لتحقيق نواياهن الخبيثة "( شكسبير، 1986، ص89،90) .

  أما "مسرحية راسبوتين" التي قام ببطولتها الفنان "يوسف وهبي" و"أمينة رزق" عام(1960م)، فهذه المسرحية تتحدث عن شخصية حقيقة وهو راهب روسي اسمه   "غريغورى راسبوتين " وبسبب براعة هذا الراهب في السحر ،أصبح من المقربين في القصر الملكي، ووقعت الامبراطورة (إلسكاندرا ) زوجة الإمبراطور الثانى في فخ (راسبوتين)، وأصبحت تؤمن أن لديه قدرات خاصة على الشفاء، على اعتبار أن (راسبوتين) على علاقة بالجن، فاستعانت به في علاج ابنها ( إليكسي ) ولي العهد الذي كان مصابًا بمرض الهيموفيليا (سيولة الدم )، وبسبب قواه الخارقة أصبح هو المتحكم والمسيطرعلى البلاد. 

 بينما نجد "مسرحية الهمجي" للفنان "محمد صبحي" تأليف الكاتب "لينين الرملي" عام (1985م )،التي تناقش فكرة الشيطان على أساس أنه يسبب الخصال الذميمة، والجانب الآخر الملائكة التي تبعده عن هذه الخصال، إذن فهو صراع بين الخير والشر ،ولكن في وجود قوى الشيطان التي تسيطر على بطل المسرحية ( آدم عبدربه )؛لتظهر الصفات الذميمة مثل ( الكذب ،الحسد، الفتنة، الشك، الخيانة ) وغيرها من الخصال الذميمة، أما مسرحية "الساحرة" "لتوفيق الحكيم" (1987م) تدور أحداثها حول الفتاة (سعاد) التي تحب ( عزالدين ) التي تريد أن يتشجع ويطلب الزواج منها ، وتذهب إلى أحد الدجالين ، ويعطيها قطعة من السكر ، وفي حال ما أن يتم تناولها من قبل حبيبها فإنه سوف يقع في غرامها فورًا ، وتضع له قطعة السكر في فنجان الشاي ،ولكن سرعان ما ينقلب السحر على الساحر ، حيث يشعر بألم شديد في معدته ليؤدي إلى اكتشاف الحقيقة . 

         وكذلك مسرحية "الساحرة والحكيم" للكاتب "صلاح شعير" ( 2018م ) والتي تحدث فيها عن الملكة الفرعونية التي تستعين بالسحر؛حتى تنقذ مصر من الغزو، وتحاول الساحرة (تيودوره) أن تستعين بجميع القوى الشيطانية، وتقدم القرابين إلى مارد الجن، وتستجمع كل قوتها لصد الهجوم من الغزو، ومن ناحية أخرى يكون هناك صراع بين الحكيم (راع )وبين الساحرة (تيودوره )، صراع بين الخير والشر في وجود قوى الشيطان، بينما مسرحية " العفريت الظريف " للكاتب "على خليفه" (2020م)، والتي تناقش فكرة الجن ( أبلوس ) الذي يتمرد على عالم الجن ،ويتوقف عن إغواء البشرليتحول إلى جني ظريف يعمل على إسعاد الأطفال من عالم البشر. 

إذن نستنتج مما سبق أن فكرة الشيطان والعفاريت والغيبيات والقوى الخافية ،هي فكرة لم تنفك عن فن المسرح قديمًا أو حديثًا ، وأن السحر في الكتابات المسرحية أمر يُضرب بجذوره منذ القِدم.



المسرح والسحر 

      إن شعور الإنسان البدائي بالخوف من المجهول وكذلك من الحيوانات المفترسة جعل الإنسان يبتكر رقصات معينة ، بحيث أنهم يمثلون جو الصيد الفعلي ، وكأن تلك الرقصات حالة روحية للتغلب على الخوف ، وفي نفس الوقت محاكاة لعملية الصيد . 

    إن الإنسان البدائي بالتأكيد  لم يكن يعلم تلك العلوم المتخصصة في دراسة المسرح ، ولكن أجزم أن ما فعله الإنسان البدائي كان مسرحًا ؛ لسبب منطقي أن المسرحية هي إتفاق بين الممثلين والمشاهدين على أن ما يحدث على خشبة المسرح عملية تمثيل ، وبالضبط هذا ما حدث للإنسان البدائي ، فإن جميع القبيلة ينظرون إلى حلقة الرقص على أنها محاكاة لعملية الصيد ، ومحاكاة للسيطرة على الأرواح الشريرة ، إذ لا فرق منطقي بين ما حدث مع الإنسان البدائي وبين ما يحدث الآن في المسرح الحديث . 

       فالرقصات البدائية كانت طريقة ايجابية ؛ للتخلص من الخوف ،والمسرح أيضًا له سطوة على الوجدان ،والعواطف ،وتخلص الانسان من الخوف والقلق والتوتر،ولذلك ظهر العلاج النفسي من خلال التمثيل ( السيكودراما )، ولذلك فإن المسرح له الأثر الأكبر بين جميع الفنون ،بسبب منطقي  أن المسرح واقع حي ، حيث يكون الأداء في نفس اللحظة وفي نفس المكان ، حيث يجلس الجمهور في شكل يحاكي الواقع مما يجعل المشاهد يقع في فخ التصديق والتعايش وهو ما يسمى في علم النفس (التسرب الانفعالي ) ، ونفس هذا التسرب الانفعالي يحدث بين السحر والمسحور وممن يشاهد عملية السحر، وهنا تتجلى قوة المشاعر والوجدان ، فإذا ما أحكمنا قبضتنا على عملية السحر استطاعنا التحكم في المسرح الذي بدأ يتسرب من أيدينا رويدًا رويدا لصالح فنون تمثيلية أخرى مثل : السينما والتليفزيون . 

  إذن نستنتج مما سبق أن العلاقة بين المسرح والسحر علاقة وثيقة ، حيث أن وقوع المشاهد في فخ السحر المسرحي ( عملية التسرب الانفعالي) هي التي تضمن بقاء المسرح كفن مستقل قائم بذاته ، لديه مجموعة كبيرة من المتابعين والمشاهدين ، وإذا ما خفت هذه القبضة المسرحية تسرب المشاهدون من المسرح واتجهوا لمشاهدة فنون أخرى لديها العديد من طرق الإبهار .

الدراسة التحليلية 

القراءة في المسرحية 

   تدور الأحداث الرئيسة في هذا النص حول انتشار مجموعة غريبة من الظواهر الطبيعية في المجتمع، وتكرار بعض الجرائم الكبيرة ، وتفشِّي الفساد في كل مكان ،مما يهدد البلد بانهيار أخلاقي واجتماعي وأمني، حيث تنتشر ( الفتنة، الإغراء، الخيانة، الأنانية، الشهوة، الكذب، النفاق، الانحراف، التسيب، الجشع، الطلاق، العنف الأسري ) ولا تجد الجهات الأمنية ،ولا العلمية ، ولا السياسية حلًّا لهذه المشكلات، وتنتشر الشائعات بأن جميع هذه الكوارث والأحداث هي نتيجة لأفعال العفريت الذي يركب البلد ،وللأسف تصدق أجهزة الأمن هذه الشائعة، أو تتظاهر بتصديقها، فينقسم المجتمع إلى قسمين:قسم يؤيد أن البلد راكبها عفريت متبنيًا هذا الرأي ( مدير الأمن، المأمور، القيادات الأمينة )، وقسم ينكر هذه الفكرة ( الأستاذ عباس الصحفي المشهور )، فيصدر مدير الأمن أمر (للمأمور) بالقبض على كل من يتعامل في عالم السحر والدجل، وتكون المفاوضات مع أحد العرافين والدجالين ( هدهد ) لإنقاذ البلد، والذي ينتهزها فرصة لفرض شروطه وهي  جنيه واحد لكل مواطن مصري، فيكون إجمالي المبلغ ثمانية ملايين من الجنيهات. 

    فتبدأ أجهزة الأمن باستجابة طلبات الشيخ (هدهد)، وينجح (هدهد) نجاحًا جزئيًّا فينحصر الشر لدرجة ملحوظة، ولكن ما زالت المشكلة قائمة، يتواصل (هدهد) مع (عباس) لوضع حل للمشكلة؛ لأن قدراته انتهت عند هذا الحد، و يضع له (عباس) حلًّا سليمًا ولكنه يضر بمصلحة النظام، فيحظره (هدهد) من خطورة هذا الحل، وينصحه بالهرب بعيدًا في الصحراء حتى لا يتعرض لبطش (مدير الأمن)، ويعرض (هدهد) الحل على (مدير الأمن)، وفي الوقت تظهر الخطايا في صورة كائنات ( قوى خافية ) عفاريت (لعباس) في مكان اختبائه في الصحراء، وأثناء حديثه مع تلك الكائنات توصل إلى الحل عن طريق تبني القيم السليمة ( الحب، الإخلاص، العطاء، الايجابية ) ،ويقرر أن يواجه المجتمع بعيوبه. 

السحر في النص المسرحي 

  لقد اجتمعت الأديان السماوية جميعها وبخاصة الدين الإسلامي على حرمة السحر ، بل إن الإسلام يعتبر هذه الأعمال هي جرائم عظيمة، تعود على صاحبها وعلى المجتمع بالهلاك، ولقد تزايدت أعمال السحر والدجل والشعوذة في بلادنا العربية على الرغم من الجهود المبذولة أمنيًّا لمكافحتها. 

  إن السحر هو داء خطير من أدوات الدجل قديمًا وحديثا، وإنه لأمر عجيب ونحن الآن في عتبات القرن الحادي والعشرين ،ومع هذا التقدم العلمي والتقني يلجأ الناس إلى الدجل والإيمان بالجن والعفاريت والسحر... وما إلى ذلك. 

   إن هذا الخطر يهدد المجتمع ويعمل على تفكك الأسرة، ويحطم الروابط الاجتماعية ويزرع الشك في نفوس الناس، وهذه الجريمة الخطيرة يمارسها الفسقة والمجرمون، وفي سورة البقرة يتحدث  القرآن عن السحرويقول:"وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ"(القرآن الكريم ،البقرة،  102). 

    ففى الحديث الصحيح المتفق عليه البخاري ومسلم عن أبى هريرة – رضى الله عنه - قال:رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا:يا رسول الله وما هن؟ قال:الشرك بالله، والسحرة، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف. وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات " (رواه البخاري ).

  ومن هنا جاءت أهمية هذا البحث الذي يناقش فكرة الدجل والسحر، وكيف يمكن لهذه الأفكار أن تسيطر على عقلية مجتمع كامل.

 ففي المشهد الأول من الفصل الأول نرى طبيعة الحوار بين عامل البوفية (إبراهيم ) و(فرج ). 

عامل البوفية:صباح الخير يا عم فرج 

فرج:حرام عليك يا أخي... اتق الله، الواحد جتته ملبشة، وما عدش يستحمل كده برضة يا إبراهيم تفزعني. 

إبراهيم:مالك ياعم فرج؟! أنت تعبان ولا إيه 

فرج:هو فيه حد في البلد مش تعبان.... هو اللى بيحصل مش بذمتك غريب؟ 

                                                  ( المسرحية:ص 3) 

يستكملون حوارهم بسرد مشكلات المجتمع من كوارث ومصائب، وإن الناس معندهاش ضمير ذي السمك بياكل في بعضه. 

فرج:أيوه يا إبراهيم، بس إيه السبب في اللى بيحصل؟ كل يوم ساعة مصايب وكوارث. 

إبراهيم: قلة تلقى.. الناس ما عدش عندها ضمير.. ذي السمك بياكل في بعضه. 

فرج:حكاية السمك والجمبرى دي زمان يا إبراهيم، الحكاية زادت وغطت، السجون مليانة بالخلق، والمستشفيات، السرقة، النهب ،الاغتصاب، القتل، الأمراض، الوبا في النبات والحيوان والانسان ،الناس ما عدتش طايقة حتى هدومها، الرجالة بيطلقوا نسوانهم، النسوان بتقتل رجالتها و.... ( المسرحية:ص3 ) 

    ففي المشهد نفسه نجد حوارًا بين (مدير الأمن) و(الضباط الخمسة) يوضحون أن البلد ليست في حالة طبيعية ونسبة الجرائم ذادت، والوضع خرج عن السيطرة وتتعدد المشكلات والإحباطات، ولكن الضابط (علي ) يفسر الأمر بأن البلد ركبها عفريت. 

مدير الأمن:نسبة الجرائم على مختلف أنواعها تعدت كل الحدود. 

ضابط (1):احنا يا سعادة الباشا بنبذل كل ما في وسعنا 

ضابط (2):وإيه في إيدينا نعمله... بصراحة الوضع خرج عن سيطرتنا. 

مدير الأمن:والله.. الوضع خرج عن سيطرتنا.. وهو تحت سيطرة مين دلوقت؟ دا اسمه عجز وتقصير وإهمال يا حضرات.. لابد يكون في تفسير للى  بيحصل البلد على حافة الإنهيار... 

ضابط (3):أنا حاسس إن فيه مؤامرة على البلد... 

ضابط (4) يمكن زميلى يقصد مؤامرة بالمعنى الحرفي، يمكن فيه حاجة مرشوشة في الهواء، أو موضوعة في الماء، أو الأكل بتخلي الناس يعملوا العمايل دي. 

مدير الأمن:كل ده اتحلل ما لقناش حاجة... 

ضابط (5):الناس بتقول......... 

مدير الأمن:ما تتكلم يا ابني... الناس بتقول إيه؟ 

ضابط (5):الناس بتقول إن البلد.... إن البلد راكبها عفريت.... الناس كلها بتتكلم في الموضوع ده، لدرجة إنهم مصدقين حكاية العفريت.  

                                               ( المسرحية:ص4، 5 )

ففى المشهد الثاني من الفصل الأول كان الحوار بين الضابط (علي ) و(فؤاد ) و(مصطفى ) عن المشكلات الكثيرة التي تعم البلد، وكان الحل الخطير أن الدجالين والسحرة هم اللي هينوروا طريق البلد .

 على:يا فؤاد أنت مش مقدر خطورة الموقف اللي البلد ماشية فيه البلد ماشية في طريق مظلم   

فؤاد:والدجالين والسحرة وبتوع الأعمال هم اللي ح ينوروا الطريق المظلم؟ 

مصطفى:دول يقدروا يعملوا حاجات كتيرة... أنا ابن خالتي كان مربوط و.. 

فؤاد:بطل خرافات يا حضرة الصول       ( المسرحية:ص 8 ) 

ففى الفصل الثاني من المشهد الأول  نجد أن حجرة الحجز المظلمة التي يقطن بها الشيخ (هدهد) و(فاصوليا) وباقي الدجالين، من خلال الحديث والحوار بينهم نعلم كيف يتلاعب هؤلاء الأوغاد في المجتمع، ويأكلون أموال الناس بالباطل ويعملون على نشر الإشاعات والفوضى.

هدهد:هو أنا مخاوي عفاريت.

حسن:إيه يا شيخ هدهد.. الكباب والكفتة كانوا نازلين من فوق الفحم وسلطة طحينة، والخمر والسجاير المعمرة بالحشيش.. دول جم منين؟ وانت عارف أنهم بيفتشونا وياخدوا كل حاجة معانا قبل ما ندخل.. ومافيش زيارة دخلت لنا. 

هدهد:آه تقصد.. تقصد أن عفريت جاب لي الحاجات دي، على كده هم جمعونا هنا بربطة المعلم علشان... 

حسن:يا إما عندهم شك أننا إحنا اللي سلطنا العفريت على البلد.. أو عايزين مننا نخلص البلد من العفريت. 

هدهد:خد بالك من نفسك يا بني دول بيدورا عليك من سنين 

عتريس:إيدك أبوسها يا شيخ، دا أنت مكشوف عنك الحجاب 

هدهد:ما تخفش  يا عتريس، ما حدش ح يوصلك 

عتريس:دا أنت شيخ مبروك. ادعى لى يا شيخ والنبي   (المسرحية:ص20 )

وتستمر أحداث المسرحية حتى أن الدجال الكبير (هدهد) يطلب من(المأمور) أن يجمع جنيهًا من كل مواطن رشوة للعفريت حتى يترك البلد في حالها ويعمل على  جمع ثمانية مليون جنيهٍ. 

هدهد:( مفكرا) جنيه مصري. 

فؤاد:جنيه... بس !!!

 هدهد:كفاية الواحد مش طماع..... عايز ثمانين مليون جنيه مصري لا غير 

فؤاد:أنت مجنون... تمانين مليون 

هدهد:كتير أن كل واحد في البلد يدفع جنيه واحد علشان البلد تتخلص من العفريت 

فؤاد:وح تعمل إيه بالفلوس دي كلها.

 هدهد:دى مجرد رشوة للعفريت علشان افتح معه كلام  ( المسرحية:ص28 ) 

     إذن هذا النص المسرحي يحاول إلقاء الضوء على خطورة تفشِّي أفكار الدجل والسحر، وإنها من الممكن أن تسيطر على فئة البسطاء، وتنتقل إلى المجتمع ككل، ومن هنا كانت ضرورة التصدي لأفكار الدجل والشعوذة عن طريق تقديم الفكر الصحيح من خلال المثقفين مثل: بطل المسرحية ( عباس بلطية ) الصحفي الإعلامي المثقف. 

خطورة الشائعات على المجتمع 

    تعتبرالشائعات من أخطر أنواع الحروب التي تهدد أي مجتمع؛ لأنها تقوم على هدم الروابط الوجدانية بين الناس، وكم من بيوت هدمت، وجماعات تفككت بسبب الشائعات، ولا يخفى على أحد أن أخطر الشائعات في تاريخ الأمة الإسلامية التي كادت أن تعصف الإسلام من أصله هي الأزمة الكبرى التي حدثت في بيت النبي – صلى الله عليه وسلم – ونالت من سمعة النبي – صلى الله عليه وسلم – وزوجته الطاهرة عائشة بنت أبو بكر الصديق ، وقد أثر ذلك سلبًا على النبي – صلى الله عليه وسلم – وعلى صديقه العزيز أبي بكر الصديق وابنته عائشة - رضى الله عنها-، كادت أن تزعزع الأسرة والمجتمع الإسلامي، وهو ما عرف تاريخيًّا بحادثة الإفك التي تناولتها سورة النور بالتفصيل. 

     الشائعات خطيرة جدًّا؛ لأنها تهدد أيضا استقرار الدولة، وتهدد الأمن الداخلي، والأمن الوطني؛ لأنها وببساطة قادرة على إشاعة الفوضى والبلبلة في المجتمع، والتشكك في صدق الإعلام الرسمي والجهات المسئولة، وتترك الشائعات الرأي العام حائرًا لا يعرف الثواب من الخطأ، فيفقد الثقة  في نفسه، أو في قيادته السياسية، ويصبح غير آمن تتخبطه دروب الحيرة واليأس والشك ، ويساعد على انتشار انعدام المعلومات ،وندرة الأخبار بالنسبة للعامة "ومما لا شك فيه أن الشائعات تنتشر بصورة أكبر في المجتمعات غير المتعلمة ،أو غير الواعية ؛وذلك لسهولة انطلاء الأكاذيب، وقلما يسأل عن مصدر لتوثيق ما يتداول من معلومات فالمجتمع الجاهل يكون بيئة خصبة ومناسبة لإدراجه الشائعات"( نصر،ص317).

     لقد حاول كل من ألبرت وبوستمانت أن يضع قانونًا أساسيا للشائعة في شكل معادلة جبرية ووصولا إلى أنه من الممكن وضع المعادلة من شدة الشائعة على النحو التالي:"شدة الشائعة تساوي الأهمية  xالغموض"( الكردي ،2013، ص5)0

       ففي هذا النص المسرحي نجد سيكولوجية انتشار الشائعة، وهنا التحدي واضح لدى المجتمع ككل بين العامة والمثقفين وأصحاب القرار، والمعضلة الأساسية هي انتشار حالة من الفوضى والجريمة بكل أنواعها الجنائية والأخلاقية... ،ولا يوجد أحد قادر على الحل ،والصوت الوحيد العاقل في هذه المسرحية هو صوت الأستاذ (عباس بلطية )الصحفي المثقف، الذي يحاول أن يصل إلى الحقيقة ( العقل والمنطق السليم )ولكن المجتمع غير مهيأ؛ لذلك تنتشر الشائعات، ولقد انطلقت الشائعة في هذه المسرحية بشكل عجيب جدًّا، ولكن بالفعل تستحق الدراسة، قد انتشرت في الفئات الدنيا من المجتمع ( رواد المقهى ) في كل شخصية من شخصيات المقهى تتحدث عن أوضاع غريبة للمجتمع ( غش، كذب، قتل، سجون، أمراض،...) وتنطلق الشائعة بأن هناك عفريت يسكن البلد ،وأن البلد راكبها عفريت، وتنتشر هذه الشائعة في الأوساط الدنيا للمجتمع، وهي  أوساط بسيطة من المهتمين الذين لا يستطيعون أن يقدموا حلولًا واقعيةً. 

    فكما ذكرنا سابقًا على لسان صلاح نصر رئيس المخابرات السابق، أن الشائعات تنتشر في الأوساط غير المتعلمة ،ولكن تنتشر بسهولة وتكون غامضة حسب قانون الشائعة. 

    إذن فمن الطبيعي أن تنمو بذور الشائعة في المقهى، حيث الشباب العاطلون عن العمل غير القادرين على فعل أي شيء سوى الكلام وترديد الشائعات،ولسان حالهم هو لسان صلاح جاهين في رباعيته الشهيرة   

عيني رأت مولود على كتف أمه 

يصرخ تهنهن فيه  يصرخ تضمه 

يصرخ تقول يا بنى ما تنطق كلام 

ده اللي ما يتكلمش يكتر همه      (جاهين ، 1996)

     إنهم أشخاص لا يملكون إلا الكلام، ثم تسربت هذه الشائعات إلى (عامل البوفيه ) وعم (فرج ) ،و عم (إبراهيم) داخل مديرة الأمن 

فرج:أنا سمعت طراطيش كلام كده والله أعلم ح يتكلموا في حالة الناس واللى بيحصل في البلد ( غاضبا ) الله.. أنا قلت لك ألف مرة ما تدخلش  في اللى مالكش فيه 

إبراهيم :( يخرج ) الرجل عقله راح خلاص.. قال البلد راكبها عفريت.. دا كلام ناس عاقلين 

فرج :( يخرج ) استرها معانا يارب.   

مدير الأمن:( متفقدا الجميع بنظره، ثم يفتح ملفا أمامه ويناول كل واحد ورقة          بيضاء ) طبعا تقدروا  تخمنوا أنا مجتمع بيكم النهاردة ليه، أنتم عايشين في البلد وأكتر ناس عارفين اللي بيحصل... البلد مش في حالة طبيعية يا سادة.. نسبة الجرائم على مختلف أنواعها تعدت كل الحدود .   ( المسرحية:ص4) 

  ثم انتقلت إلى (مدير الأمن)؛ لأنه ببساطة قد وقع تحت تأثير الشائعة، (فمدير الأمن ) لن يقوى على مواجهة الشائعة، انتشرت لدى الشعب ثم إلى رجال الأمن، حتى إن الضباط أنفسهم داخل الاجتماع يواجهون (مدير الأمن) بأصل الشائعة قد انقلبت مرة أخرى عن طريق الاتصال الفوقي من (مدير الأمن) إلى (الضابط) إلى (رواد المقهى)، فظهرت الشائعة وكأنها قرار حكومي، وهكذا وقعت السلطة الشعب في الفخ، فخ المرسل والمستقبل، فالشعب متمثلًا في رواد القهوة كان هو مطلق الشائعة، وكان مدير الأمن هو المستقبل، ثم انقلب الحال وأصبح مدير الأمن هو مطلق الشائعة، وأن الشعب هو المستقبل، وأصبح الجميع مرسلًا للشائعة والجميع مستقبل الشائعة، والجميع جانٍ والجميع مجني عليه. 

مصطفى:( مرتعشا ) أيوه كان الأول كلام ناس مهابيل، ويا ما الناس بتقول وكلام الناس لا بيأقدم ولا يأخر، دلوقت الكلام من الباشوات، على كده الكلام جد، وجد الجد كمان، الواحد يقدم على أجازة ويقفل عليه باب بيته طالما العفريت طايح في البلد 

فؤاد  :( ضاحكا، ومشيرا إلى شنب الصول ) والشنب ده يخاف من عفريت 

مصطفى:( يدارى شنبه ) وإش يعمل الشنب مع العفريت، دا عفريت واسألنى أنا على العفاريت 

فؤاد  :( مخاطبا المأمور ) معقول الكلام ده يا أفندم؟! 

على :واللى بيحصل في البلد ده معقول.. أنت شايف أن البلد في حالتها الطبيعية

فؤاد  :لا. 

على  :إذن فيه حاجة غير طبيعية، وغير الطبيعي ما هوش منطقي، على كده سيب العقل والمنطق.

فؤاد :( متعجبا )  ولكن يا أفندم... عفريت !!

على :التفسير اللى يتفق مع اللي بيحصل 

فؤاد :( ضاربا كفا على كف ) دى حاجة بتخالف المعقول والمنطق.

على :( غاضبا ) يا فؤاد يا حبيبى.. قلت لك سيب المنطق والعقل.. فيه مانع يمنع إن البلد يكون راكبها عفريت؟ 

فؤاد:( يخرج منديله ويجفف عرقه ) أنا مش مصدق اللي بأسمعه. 

على :عندك تفسير للى بيحصل في البلد؟ 

فؤاد  :...........................

على :إذن ده اللى قدمنا، واللى ح نعتمد عليه 

فؤاد :( متعجبا ) نعتمد على خرافات وخزعبلات !!

على :ما عدتش خرافات وخزعبلات.... البلد كلها بتتكلم. 

مصطفى:سعادة الباشا معاه حق..... الناس بتقول أنهم شافوا العفريت. 

فؤاد:( ساخرا ) أظن اللي شافوه شافواعينه مشقوقة بالطول، وشافوا رجليه رجلين معيز، وله قرن، وله ديل.. مش كده يا حضرة الصول. 

مصطفى:إذا كان الناس اللي شافوه بيحلفوا 

فؤاد  :أنت شفته بعينك؟ 

فؤاد  :هو أنا لو شفته ح أكون واقف قدامك دلوقت. 

                                                         ( المسرحية:ص 8 ) 


      ووسط هذه الشائعات المحكمة تظهر خطورة الشائعات على الأمن القومي للبلاد وللمجتمعات؛ لأنه فخ محكم يصعب الفكاك منه، فحينما تسود الشائعات تسود الفوضى، ويصعب كبح زمام الأمور، والغريب أن من يعترض على الشائعة عندما تتحول إلى رأي عام أو عندما تتحول إلى ميكانزم دفاعي، أو عندما لا نفرق بين  المرسل والمرسل إليه من يعترض وقتها فيتحمل النتيجة؛ لأنه سيتهم بالخيانة ويكون مصيرة الاغتراب النفسي والاجتماعي والمكاني، كما حدث (لعباس بلطية ) الذي لن يستطيع أن يواجه المجتمع ،ولن يستطيع أن يواجه السلطة المتمثلة في شخصية الضابط (علي ).  


العقل الجمعي وسلوك القطيع

   إننا لا نستطيع أن نتحدث عن سلوك القطيع دون أن تتضح في أذهاننا العقل الجمعي، والعقل الجمعي له أهمية كبيرة بشرط أن تكون الأفكار ايجابية مثل:(السلوك ،النظام ،الصدق ،الالتزام،..... إلخ)؛ لأن هذا السلوك الجمعي أو سلوك القطيع أو السلوك الميكانيكي للمجتمع ككل يؤدى بالضرورة إلى نهضة المجتمع، كما نجد في مجتمعات مثل:اليابان ( الدقة، النظام، الالتزام ... ) وكذلك المجتمع الأمريكي سلوك القطيع فيه يتجه نحو رأس المال.

   إذن فسلوك القطيع في بعض الأحيان له تأثير ايجابي على المجتمع ككل،  ولكن حينما يكون الموروث الاجتماعي القديم مبنيًا على الخرافة ويحظى بالتقديس، فإنه سوف يشكل عقلًا اجتماعيًّا سلبيًّا، يؤدى بالمجتمع إلى القاع وليس إلى القمة. 

    لذا ترى الباحثة أن الكاتب"محمود القليني " قد تناول العقل الجمعي بشكل سلبي في نصه المسرحي "بلد راكبها عفريت"، حيث نجد أن الخرافة المقدسة في النص المسرحي( الجن، العفاريت، الدجل، الشعوذة، السحر) قد أثرت على المجتمع بأسره، وقد توقف عقل المجتمع كله عند التفسير البسيط لكل المشكلات الاجتماعية الاقتصادية، السياسية، فقد تم اختزال ذلك كله في عبارة واحده وهي  ( بلد راكبها عفريت )، وإن كانت هذه العبارة هي عنوان النص المسرحي ،فإن الأحداث الداخلية والحوار بين شخوص وأبطال النص المسرحى تؤكد هذا المعنى ( البلد راكبها عفريت )، لقد انساق المجتمع في هذا النص إلى إصمات عقله عن التفكير السليم، واختار أن يسلم عقله للآخرين، وهؤلاء الآخرون هم مجموعة من الدجالين والمشعوذين، متمثلين في شخصية الشيخ ( هدهد ) الذي يقود المجتمع وفق أفكاره وتصوراته، إن هذه السطوة والسلطة من المجتمع والجماعة على أفراده تسمى بسلوك القطيع، حيث يتجه المجتمع كله إلى تفكير متحيز بدون تفكير أو تدقيق في المعلومات. 

   ومن هذا المنطلق نجد أن السلطة متمثلة في شخصية (مدير الأمن ) قد أمن بتلك الخرافة، وبذلك أوصى (المأمور) أن يقبض على العفريت، ويأمر (المأمور) الضابط (علي) بالقبض على العفريت، وتنتشر الخرافة بين أفراد الشعب .

ومن أمثلة  انتشار الخرافة في النص المسرحي مايلي:

  • نجد زكريا في المشهد الثالث من الفصل الأول 

أبو جابر: دا البنى آدميين أصبحوا مغشوشين، مش لسه بأقول لك إحنا..( ساخرا ) قال والأستاذ حناطة بيقول لك البلد راكبها عفريت، قول البلد راكبها بنى آدميين. 

زكريا:بس كل الناس بيقولوا حكاية العفريت. 

حناطة:وفيه ناس بيقولوا أنهم شافوه. 

أبو جابر:دول ناس مجانيين. 

حناطة:أمال يا معلم إيه اللى مشقلب حال البلد كده؟ 

                                                ( المسرحية:ص11، 12 ) 

  •  كذلك نجد في المشهد الأول من الفصل الأول أن الضابط (5) يقول:إن البلد راكبها عفريت، ويرد عليه (مديرالأمن) بكل ثقة لازم تقبض على العفريت. 

ضابط (5):الناس بتقول إن البلد.... إن البلد راكبها عفريت. 

مدير الأمن:البلد راكبها عفريت..... معقول الكلام ده !!!

الضابط:كل الناس بتعتقد ده.. وهو مجرد تفسير للى بيحصل في البلد وأظن أن الناس ح تتمسك بيه لحد ما نلاقى تفسير منطقى. 

مدير الأمن:( مفكرا) فليكن...هو تفسير خرافي، ولكنه تفسير والسلام.

ضابط (5):الناس كلها بتتكلم في الموضوع ده، لدرجة أنهم مصدقين حكاية العفريت. 

مدير الأمن:( يكتب في ورقة أمامه ) أنت مكلف من الآن يا حضرة المأمور( على) ومني شخصيًا بالبحث عن العفريت ده.... يا إما تقتله أو تسجنه أو تطرده من البلد و تطفشه... المهم ترجع البلد ذي ما كانت آمنة ومستقرة.  ( المسرحية:ص4، 5 ) 

  تنمو الفكرة حتى إن (فرج) يؤكد إن في ناس كثيرة شافوا العفريت في أماكن كثيرة فرج:أيوه فيه ناس شافوه في أماكن كثيرة 

علي:شكله إيه يا فرج؟ 

فرج:مره شافوه راكب حصان، ومره شافوه راكب حمار، ومره شافوه راكب جمل بصنمين، وآخر مره كان راكب عربية مكشوفة. 

إبراهيم:( ضاحكا ) يعني مش راكب البلد 

علي:وكان لابس إيه يا فرج؟   ( المسرحية:ص6 )


  • يستمر (فرج) في التأكيد على ظهور العفريت 

فرج:مرة يلبس بدلة كاملة، ومرة يلبس جلابية وفوقها بالطو أسود، وأحيانا يلبس واحدة ست عجوزة.

على:وما حدش من الناس بلغ ليه؟ 

فرج:ما أنت عارف يا حضرة المأمور العفاريت بتظهر وتختفي على طول وبسرعة. 

على:( ضاحكا ) أيوه... أنا عارفها.. وح أعرفها أو المفروض أني أعرفها كويس.             ( المسرحية:ص6 )


  وعلاوة على ذلك يزداد حجم العقل الجمعي للمجتمع، ويظهر سلوك القطيع، حيث يمرمجموعة كبيرة من الصبية يصيحون العفريت ظهر، العفريت ماشى في الشارع، يستجيب الناس، تغلق النوافذ والأبواب، النساء يخرجن ليأخذن أولادهن وأزواجهن من الطرقات، المحلات بجوار المقهى تغلق أبوابها، وفجأة يحدث انفجار صادر من داخل القهوة، يسود الظلام ويتطاير شرار نار هنا وهناك، ويحدث هرج وتتعالى الصيحات وسط الظلام الدامس، ويسمع صوت تكسير مقاعد وتحطيم زجاج ومصابيح وصراخ وصيحان ألم.

صوت (1):أنا مسكته.. أي.. ضربنى في دماغى.. دم.. دم 

صوت (2):مسكت رجليه.. أه يا عينى.. عينى طارت 

صوت (3):أهوه... أهوه.. آه ضربنى في بطنى 

صوت ( 4):أوعا ياجدع أنا شامم ريحته.. ريحته زفره    

 صوت (5):سبنى.. أنت واخدنى على فين          ( المسرحية:ص13 )  

      إذن نستتنتج مما سبق أن السلوك الجمعي نجده ينمو من (مدير الأمن) إلى (المأمور) إلى (الضابط) والعساكر إلى جميع رواد المقهى ‘ ثم بين الأطفال والصبية، ثم النساء ،وجميع سكان الحي ،والأحياء المجاورة، ووكلاء الإعلام ،ووسائل الاتصال، لقد أصبح المجتمع يتجه في هذا الاتجاه بدون وعي، وبدون تفكير، وبدون أدلة علمية، فإن هذا هو سلوك القطيع، وهذا هو العقل الجمعي لصورته السلبية، وحينما نجد شخصًا واحد مثقفًا مستبشرًا يحاول أن يحدث الناس ،بأن الإصلاح لن يأتي من العفاريت ولكن عن طريق ( الصدق، الأمانة، إصلاح الأخطاء، العدالة، الحب، توفير فرص العمل، خفض الأسعار ) مع أن هذا الرأي هو الكلام المنطقي الواعي المتمثل في رأي الصحفي الأستاذ (عباس ) ،كان العقل الجمعي قد تشكل ولم يستمع أحد إلى صوت الضمير، ولا السلطة المتمثلة في شخصية (المأمور)، ولا المجتمع متمثلًا في جميع المترددين على المقهى، لم يسمح أحد بهذا، وهنا يكون العقل الجمعي السلبي يهرس ويدهس أفكار الأستاذ ( عباس ) بالضبط ،كقطيع من البهائم متمثل في هجرة الجاموس الإفريقي بأعداد تقدر بالآلف تتجه كلها في اتجاه واحد قد يكون صوابًا أو خطأً ،فلن يستطيع أحد من تصحيح المسار حتى ولو كان أشرس الأسود الإفريقية، فإن القطيع سوف يقوم بهلاك الأسد مهما كانت قوته، فالقطيع حينما ينطلق يكون كالسيل فلا يستطيع أحد أن يغير مساره. 

    لذلك فإن الأستاذ ( عباس ) الصحفي المستنير لم يجد إلا الهرب والاختباء في كهف داخل الصحراء؛ لأنه لم يقوى على مواجهة القطيع. ومن أهم الآراء في فكر القطيع قصيدة صاحب "التمهيد " في ذم التقليد للإمام ابن عبد البر ( لا فرق بين مُقلد وبَهيمة  تَنقاد بين جَنادل ودعَائر ) (ابن عبدالبر،1994،ص216). 

اغتراب الذات عن الآخرين

   إن الاغتراب قد يكون اغترابًا نفسيًّا حيث تغترب الذات عن نفسها، مما يسبب مشكلات وأزمات نفسية للفرد، وقد يكون الاغتراب اجتماعيًّا حيث يغترب الإنسان عن مجتمعه، وقد يغترب الانسان اغترابا قصريًّا عن مجتمعه بالتهجير أو الطرد، كما تغرب نبي الله -ابراهيم -عن مجتمعه مرات عديدة كما ذكر في الكتب المقدسة (التوراه- القرآن- الإنجيل)، حينما رفض عبادة الأصنام، وقد يكون الاغتراب اختياريًّا كما هاجر الانسان المصري إلى دول الخليج بحثًا عن سعة الرزق،  فمع ذلك فإننا نسميها غربة؛لأن الإنسان يترك مكان ولادته وطفولته وذكرياته الجميلة،  فيصبح غريبًا في أرض جديدة وبيئة جديدة. 

   وفي هذا النص المسرحي نجد أن الاستاذ (عباس )الصحفي أصبح غريبًا داخل مجتمعه ،ويا لها من غربة أليمة، يشعر الانسان بالغربة بين أهله وأحبائه، ويشعر بالغربة بين أناس من المفترض إنه ينير لهم طريقهم، فهو الصحفي المثقف، وإن هذا الاغتراب الاجتماعي قد توجه باغتراب مكاني، حينما ترك ضوضاء المدينة وارتحل بعيدًا في الصحراء خوفًا من السلطة ومن المجتمع وخوفًا من أفكار القطيع. 

كما يذكر الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي في ديوانه (أغاني الحياة)  

يا صميمَ الحياة  كم أنا في الدُّنيا غريبٌ  أشقى بغربةِ نفسي 

بين قومٍ لا يفهمون أناشيدَ فؤادي ولا معاني بؤسي (الطباع،ب ت، ص181) .

     فالشاعر التونسي كأنه يتحدث عن الأزمة التي يعيشها الأستاذ (عباس) أحد أبطال المسرحية، لقد أصبح غريبا على المستوى النفسي والاجتماعي؛لأن أهله وأحبائه أصبحوا لا يفهمونه، لقد سيطر عليهم تفكير القطيع (الجن، الأشباح ،الدجل، السحر، العفاريت)  إنه مجتمع أصبح يقوده الشيخ (هدهد) ،وهنا نجد الأستاذ (عباس )يفضل الهروب المكاني، ويقرر الارتحال ،ويقرر أن يكون في غربة داخل غربة في الصحراء في كهف مظلم ،ولعل الشاعر الرقيق جبران خليل جبران في قصيدة (البلاد المحجوبة ) يقول:

هوَ ذا الفجرُ فقومي ننصَرِف... عن ديارٍ مالنا فيها صَديق 

ما عَسى يَرجو نَبات يختلف..... زَهُره عن كُلِّ وردٍ وَشَقيق 

وجَديدُ القلبِ أني يَأتَلف..... مع قُلوب كل مافيها عَتيق 

    إن جبران خليل جبران في هذه القصيدة اتخذ نفس الموقف موقف (عباس) بما أنَّ إذن، بما أن هؤلاء القوم قومي ،أهلي ،أحبابي ،أصدقائي لا يفهمون أفكاري، مبادئي، طموحاتي، فقد أصبحت وحيدًا ،فهم يملكون قلوب عتيقة، وأفكار عتيقة، وموروثات قديمة ،وعقل جمعي سلبي ،وسلوك قطيع بهائمي، أما أنا صاحب العقل الجديد، والفكر الجديد أشعر بالاغتراب ،أشعر بالألم، أشعر بالوحدة؛ولذلك فمع أول إشراقة الفجر سوف أخذ حبيبتي وارحل بعيدًا، ولعل جبران أفضل حالا من (عباس) فجبران استطاع أن يخاطب حبيبته ويرحل بها بعيدًا، أما (عباس) فرحل وحيدًا بدون صديقة ولا حبيبة.

         الحقيقة إن هذا النص المسرحي تناول مفهوم الاغتراب تناولا جديدًا؛ لأنه يُفهم من بين السطور، وإنه لمن الصعوبة وضع تحليل شامل لمفهوم الاغتراب؛ لأن ظاهرة الاغتراب ظاهرة تحتاج إلى أسس عميقة وأسس نفسية، يقوم بدراستها علم النفس والتحليل النفسي، والبعض يعتبر أن الاغتراب مرض ،والاخرون يعتبرون أن الاغتراب النفسي عرض... ،وكذلك فالاغتراب يحتاج إلى دراسات اجتماعية وهو اغتراب الانسان عن مجتمعه ،كما قال ايميل دوركايم، كارل ماكس في تناولهم لفكرة الاغتراب الإجتماعي .

   إذن:لقد تغرب (عباس ) اجتماعيًّا ،وتغرب مكانيًّا ،وينتهى به الحال في كوخ مهجور على طرف الصحراء، حيث تنمو نباتات الصبار، والمشهد يسوده الظلمة، ويظهر هذا بوضوح في المشهد الرابع من الفصل الثالث.

عباس:أول ليلة اقضيها هنا ،أنا ح اقضي بقية عمري هنا لا ح اكتب ولا ح أقرا...( يلتفت حوله ) أنا حاسس إني مش لوحدي.... حاسس بوجود آخر معايا... يمكن دا بسبب الأصوات اللي بتعملها الرياح... إنت خايف ولا ايه ياعباس (يذهب ويجئ ويتلفت ) لا أنا خايف مش ح  أكدب على نفسي... بس خايف من العفريت... مفيش عفاريت( يضحك) فين أنت دلوقتي ياشيخ هدهد... والله دا  رجل طيب (يجلس) مفيش عفاريت....بس ممكن يكون فيه كائنات ثانية لا هي من البني آدمين ،ولا هي من العفاريت مفيش حاجه تنفي الاحتمال ده ( يقف متشجعا) ومفيش حاجة تثبت الاحتمال.... انا ح أدخل أنام (يدخل وبعد قليل يخرج) كده  أنا ممكن أجنن من أول الليلة... ماهو مش ممكن مكان واسع بالشكل ده  ما يكنش فيه كائنات  إلا العقارب والتعابين... أكيد فيه حد عايش هنا، وأنا حاسس بيه بيراقبني... بيعد حركاتي وأنفاسي، طب الحاجه دي لو موجودة ما تظهرش ليه(يذهب ويجئ ويقف في المنتصف) يا عفريت أوأى كائن تكونوا ان كنت موجود اظهر واكشف عن نفسك واعلن عن وجودك....ما فيش حد موجود غيري وانا ذي ما أنت شايف أعزل وضعيف ،إن ما ظهرتش فأنت جبان ومفيش قدامك الا إنك بكل صراحه تعلن عن هزيمتك.... مفيش حد موجود ما يحبش يعلن عن وجوده، أعلن عن وجودك اظهر لي.

                                                       ( المسرحية:ص51)                                                                               

التبرير كميكانزم دفاع 

    التبريرهو عبارة عن أسباب أو أعذار يحاول الفرد أن يقنع بها  نفسه ،أو يحاول أن يجعل هذه الأعذار منطقية ،مع أنها ليست الأسباب الحقيقية وراء السلوك الإنساني، فهي  عبارة عن محاولة بتبرير سلوكيات خاطئة، ولكن الانسان لا يريد أن يواجه نفسه بالحقيقة فيلجأ إلى الميكانزمات الدفاعية، ونحن هنا بصدر ميكانزم محدد وهو التبرير. 

  ومن عيوب هذا الميكانزم أنه يمنع من يستخدمه من التبصر، ومعرفة حقيقة أخطائه، وبذلك لن يستطيع أن يتحكم في سلوكياته، والتبرير يختلف اختلافًا  جوهريًا عن الكذب، حيث أن التبرير ميكانزم لا شعوريًا يكذب فيه الإنسان على ذاته؛ ولكن الكذب سلوك  شعور مقصود، يكذب فيه الإنسان على الناس، والإنسان يلجأ إلى هذه الحيل الدفاعية لكى يقدم تفسيرًا لسلوكياته الخاطئة، فحيث يجعلها مبررة ومقبولة من الآخرين. 

   وفي مجتمعاتنا العربية نجد صورًا للتبرير تؤدي إلى انحدار الإنسان إلى الهاوية، فنجد الفقراء دائمًا يقولون:( الفقر نعمة )، ونجد آخرين من الفقراء يقولون:( إن الثورة والمال يجلبان المشاكل والهموم )، هم بذلك يحاولون تبرير فشلهم، وقلة أعمالهم، وكسلهم، وكذلك أيضا بعض الناس يستخدمون التبرير حيث لا يعترفون بخيبة أملهم وفشلهم، فمثلًا:( لم أحصل على الوظيفة التي تقدمت عليها ). التبرير أن من حصل عليها حصل عليها بالوسطة والرشوة. وبطبيعة الحال إن طبيعة الأفكار المتصلة وقرارتهم غير منطقية، ولقد قدم أيرنست جونز مصطلح التبرير في مجال علم النفس والتحليل النفسي عام 1908م واصفًا إياه بأنه:" اختراع سببه الموقف أو الفعل الذي لم يتم التعرف على دافعه " (Peter,1982,p156).

    نجد في هذا النص المسرحي أن الأفراد والمجتمع والسلطة قد استسهلت الحل، فبدلًا من التفكير في الأسباب المنطقية لانتشار الجرائم والسلوكيات الشاذة مثل:(السرقة، القتل، الغش، الخداع، الانهيار الأسرى، الطلاق)  بدلًا من البحث عن الأسباب المنطقية لهذه المشكلات، كان الحل بسيطًا عن طريق استخدام ميكانزم التبرير ( البلد راكبها عفريت )، فالرجل يطلق زوجته بسبب العفريت ،والمرأة تقتل زوجها؛ لأن البلد راكبها عفريت... ، حتى السلطة متمثلة في شخصية (مدير الأمن )والضابط (علي ) قررت أن البلد راكبها عفريت؛ لأنه حلٌّ سهلٌ، حلٌّ مبررٌ يبرأ الجميع، فليس هناك مقصر، وليس هناك عيب بشرى نحن أفضل حال؛ ولكن البلد راكبها عفريت.

     إذن فنبحث عن العفريت ونحاول القبض عليه؛ ولكن العفريت له قدرات خارقة سوف يهرب من الشرطة، ويختبئ عن أعين المراقبين ويخرج خارج أسوار السجون. إذن فتستمر الخطيئة ونحن غير مقصرين؛ لأن الخطأ كله على العفريت. ونجد هذه الصورة مكررة في المسرحية على الشكل التالي:

- الحوار بين (أبو جابر) و(حناطة ) و(زكريا) في المقهي في المشهد الثالث من الفصل الأول يتحدثون إن العفاريت خطفت (عباس) تحت الأرض ،أو في أي مكان سري ،والدليل على ذلك أن الأوراق التي كان يكتب بها موجودة ،والنظارة موجودة و(عباس بلطية )مشي وسايب نظارته، وعباس بلطية عمره ما يمشى ويسيب نظارته. 

أبو جابر:الله.. الله أستاذ عباس بلطية فين.. كان قاعد هنا 

حناطة:مافيش غير إن العفريت خطفه 

أبو جابر:اشمعنا.. وليه ما خطفكش أنت؟ 

حناطة:هو اللى كان بيتكلم عن العفريت، يمكن كلامه ما عجبش العفريت. 

زكريا:كده العفريت موجود فعلا وله تأثير 

حناطة: إلا فين الأستاذ بلطية؟ 

زكريا:مش دى الأوراق اللى عباس كان بيكتب فيها؟ 

حناطة:أيوه.. وليه العفريت ما أخدهاش؟ 

أبو جابر:وبلطية مش ح نبلغ أنه اختفى من وسطنا 

حناطة:ح نقول إيه خطفه عفريت.. 

زكريا:حاجة غريبة الأوراق والنظارة !!مش ممكن يكون مشى، أنا عارفه ما يقدرش يستغنى عن نضارته. 

حناطة:هو ح يعمل بالنظارة إيه وهو مع عفريت؟ 

زكريا:بس دى أول حادثة خطف يقوم بها العفريت ويخطف مين؟ عباس بلطية أكبر باحث في العفاريت والشياطين !!     ( المسرحية:ص 13، 14 ) 

إذن تفسير الحدث لدى رواد المقهى إن (عباس بلطية) اختفى بسبب العفاريت، ولكن الحقيقة أن الضابط (علي)  قام بإلقاء القبض على (عباس بلطية )؛ لأنه باحث في شئون العفاريت. 

- وفي الاجتماع بين (مدير الأمن) و(الضباط ) من المشهد الأول في الفصل الأول، تحدث كل ضابط عن المشكلات الأمنية الكثيرة في دائرته، ولأن التفسير كان صعبًا على الجميع فإن الضابط (علي ) برر المشكلة بشكل بسيط جدًّا، وأن البلد راكبها عفريت، يقتنع (مدير الأمن) بالحل ،ويأمر بالقبض على العفريت. 

مدير الأمن:نسبة الجرائم على مختلف أنواعها تعدت كل الحدود. 

ضابط (1):احنا يا سعادة الباشا بنبذل كل ما في وسعنا 

ضابط (2):وإيه في إيدينا نعمله... بصراحة الوضع خرج عن سيطرتنا. 

مدير الأمن:والله.. الوضع خرج عن سيطرتنا.. وهو تحت سيطرة مين دلوقت؟  دا اسمه عجز وتقصير واهمال يا حضرات.. لابد يكون في تفسير للى  بيحصل البلد على حافة الإنهيار... 

ضابط (3):أنا حاسس إن فيه مؤامرة على البلد... 

ضابط (4) يمكن زميلى يقصد مؤامرة بالمعنى الحرفى، يمكن فيه حاجة مرشوشة في الهواء، أو موضوعة في الماء، أو الأكل بتخلى الناس يعملوا العمايل دى. 

مدير الأمن:كل ده اتحلل ما لقناش حاجة... 

ضابط (5):الناس بتقول......... 

مدير الأمن:ما تتكلم يا ابنى... الناس بتقول إيه؟ 

ضابط (5):الناس بتقول إن البلد.... إن البلد راكبها عفريت.... الناس كلها بتتكلم في الموضوع ده، لدرجة إنهم مصدقين حكاية العفريت. 

مدير الأمن:أنت مكلف من الآن يا حضرة المأمور (على ) ومنى شخصيًا بالبحث عن العفريت ده.. المهم ترجع البلد ذى ما كانت آمنه ومستقرة. 

                                 ( المسرحية:ص4، 5 )

  • وعندما يحاول ( عباس بلطية ) أن يوضح للشيخ (هدهد) أنه لا يوجد عفريت، وأن العفريت ليس سببًا في المشكلات والجرائم المنتشرة، فإن الحوارأصبح صعبًا، والإقناع أصعب؛ لأن (عباس بلطية ) تحدث بعقلية الواعي، ولكن فكرة العفريت ما هي إلا ميكانزم دفاعي عن حالة الفشل التي يعاني منها الجميع متمركزة في أعمق أعماق اللاشعور.

هدهد:طاب ما تقول بحكاية العفريت دى وخليك عاقل ذي الناس.

عباس:مستحيل أكون سلاح في إيد الفساد واعترف بالعفريت... ما فيش عفريت.. ما فيش عفريت.. فيه فساد فيه بنى آدمين. 

هدهد:خلاص يا أستاذ عباس... المسرحية قربت على النهاية.. 

                                           ( المسرحية:ص 45 )  

الدور الإجتماعي لشخصية المثقف ( عباس) 

     عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم "سيأتِي على الناسِ سنواتٌ خدّاعاتٌ، يُصدَّقُ فيها الكاذِبُ، ويُكذَّبُ فيها الصادِقُ، ويُؤتَمَنُ فيها الخائِنُ، ويخونُ الأمينُ، وينطِقُ فيها الرُّويْبِضَةُ. قِيلَ: وما الرُّويْبِضةُ؟ قال: الرجُلُ التافه يتكلم في أمر العامة" . 

     وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: بينما النبى – صلى الله عليه وسلم – في مجلس يحدث القوم جاء أعرابى فقال: "متى الساعة؟ فمضى رسول الله –صلى الله عليه وسلم – يحدث فقال بعض القوم سمع ما قال فكره ما قال.وقال بعضهم:بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال:" أين السائل عن الساعة ".قال:ها أنا يا رسول الله قال:" فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة ". قال كيف إضاعتها؟ قال:" إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ) ( صحيح البخاري ). 

    تتفق هذه الأحاديث المأخوذة من صحيح الثقافة الإسلامية، كما ورد في الأحاديث الموثوقة عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – مع ما جاء في النص المسرحي ، حيث إن المجتمع لم يلتفت لآراء وأفكار الأستاذ (عباس بلطية )، ويصبح الدجال الشيخ (هدهد) هو الذي يقود المجتمع، ومن الطبيعي أن هلاك المجتمعات يبدأ حين يظهر الرويبضة، والجهلاء ،وأنصاف المثقفين يلعبون بعواطف الناس، وينشرون الشائعات، ويرجون الأفكار والخرافات الخداعة التي تعمل على هدم المجتمع، بينما ينزوي المثقفون بعيدًا عن دائرة الضوء. 

   ومن خلال أحداث المسرحية نستنتج أن الشيخ (هدهد) هو الدجال الذي يقود المجتمع ،وبالطبع يقودها إلى الهاوية، فالشيخ (هدهد) ذلك الدجال الكفيف الجاهل هو الذي تفاوض مع رجال الأمن، وأقنعهم أن البلد راكبها عفريت، ولكى يتخلص من العفريت لابد من أن يجمع جنيهًا واحدًا من كل مواطن ،ليكون المجموع ثمانى مليون جنيه، وقد انتشر الخبر عبر وسائل الاتصال وينتشر بين كافة أفراد المجتمع لتلك الشائعة وتجد لها مكانًا بين جموع المجتمع، ويتحول الشيخ (هدهد) وغيره من الدجالين والأفاقين إلى أبواق تروج للشائعة، وأبطال يحركون المجتمع، فلو أن المثقفين أمثال الاستاذ (عباس بلطيه ) تم وضعهم في مكانهم المناسب، لما تكبدت الدولة كل هذا العناء ،والخسارة، والشائعة ،والفوضى، فكل مشكلات المجتمع من وجهة نظر الكاتب (محمود القليني ) تكمن في الشخص المناسب لابد وأن يوضع في المكان المناسب، حيث يكون التعامل مع الأفراد وفقًا لقدراتهم وثقافتهم ومواهبهم، وبذلك ينمو المجتمع وتتطور الدولة وتتخلص من زمرة الأفاقين والدجالين والسحرة والمشعوذين. 

الخاتمة 

     إن إشكالية السحرمن بين الإشكاليات الغامضة والمجهولة والتي ظهرت بكثرة في عصرنا الحالي، الذي ماج بالفتن واضطرب بالمشكلات، فعلى مر الأزمان والعصور كان السحر يلعب دورًا خطيرًا في تشكيل معتقدات الناس ،على الرغم من بلوغ الإنسان المعاصر شيئًا كبيرًا من العلم، والتكنولوجيا في تفسير الظواهر الاجتماعية تفسيراً علميًّا.  

نتائج الدراسة 

لقد توصلت الباحثة إلى مجموعة من النتائج أهمها مايلي: 

1- استخدام الكاتب تقنية جديدة في عرض نصه المسرحي وهي،أن قاعدة الهرم الاجتماعي قد تسرب أفكارها إلى قمة الهرم عن طرق الاتصال المعكوس ، فبدلًا من أن تؤثر القيادة في الرأي العام انعكس الأمر ، وتؤثر الجماهير البسيطة بخطابها العبثي في صنع القرار ،وتحدث الكارثة عندما يتم تهميش المثقفين .

2- يقصد بالسحر عند الكاتب "محمود القليني" أنه خطاب باطل لا أساس له من الصحة وأنه نوع من الحكايات من الممكن أن نرويها ليلًا ، والسحر مرتبط بالمجتمع عندما يغيب نور العلم ليحل مكانه ظلام الجهل ، فالسحر ينتشر حينما نكمم فم الشخص المثقف لصالح الجهلاء وأنصاف المتعلمين ليتحكمون في المجتمع . 

3- النص المسرحي "بلد راكبها عفريت" للكاتب "محمود القليني" يندرج تحت نوع السحر التخييلي، وهو المبني على التمويه والخداع والتخييُّل الذي لا حقيقة له . 

4- إن علاقة السحر بالمسرح علاقة وثيقة من حيث الموضوع والفن ، فمن حيث الموضوع هناك العديد من المسرحيات قديمًا وحديثًا تتحدث عن السحر، أما من الناحية الفنية فإن عملية التسرب الإنفعالي هي وقوع المشاهد في فخ السحر المسرحي والتي هي من أهم طرق الإبهار للمتلقي . 

5- وضح الكاتب "محمود القليني" نوع الفكر الجمعي المستخدم في النص المسرحي أنه فكر جمعي سلبي ؛ لأنه اتجه إلى الدجل وابتعد عن التفسير العلمي وهرب عن مواجهة الواقع وفضَّل أن يتجه إلى المجهول . 

6- فكرة الاغتراب النفسي في النص المسرحي تتمثل في شخصية  المثقف العربي( عباس) حينما يتخطى أزمة المجتمع، ويخرج عن فكر القطيع، يصطدم بقناعات العامة والغوغاء، فيعاني من الاغتراب النفسي والهزيمة النفسية .

التوصيات 

لقد توصلت الباحثة إلى عدد من التوصيات أهمها ما يلي:-

  1. إقامة ندوة بقسم الاعلام التربوي جامعة الزقازيق لمناقشة الأفكار اللاعقلانية بصفة عامة . 

  2. توجيه الباحثين إلى مناقشة إشكالية السحر من جوانب أخرى. 


              

 المصادر والمراجع 

أولًا:المصادر 

القرآن الكريم 

الأحاديث النبوية الشريفة 

1- القليني، محمود.(2014) . مسرحية بلد راكبها عفريت: الهيئة العامة لقصور الثقافة. 

ثانيًا:المراجع

أولًا:المراجع العربية 

1- ابن عبدالعزيز، خالد. (2016). ظاهرة تفشي السحر والشعوذة تحتاج إلى استئصال جذري. مجلة الجزيرة. عدد الجمعة 19 فبراير. الرياض.

2- ابن عبدالبر ، الإمام أبى عمر يوسف .(1994). جامع بيان العلم والفضلة : مطبعة دار ابن الجوزي .الدمام.

3- إبراهيم ،الزيني.(2012). ثقافة القطيع – وصف الحالة المصرية والعربية قبل وبعد الثورة:دار كنوز للنشر والتوزيع. 

4- إسماعيل، عزالدين. (2007). التفسير للأدب. الجزائر:جسور للنشر والتوزيع. 

5- بن عفاف ، سهام . ( 2015) . استمررية هيمنة المعطيات الثقافية والمحلية لدى المثقف الجزائري – السحر والشعوذة نموذجًا . جامعة جيلاني ليابس . سيدي بلعباس . كلية العلوم الانسانية والاجتماعية . قسم العالوم الاجتماعية . 

6 -البكري ، وصال خليفة كاظم . ( 2018م) توظيف السحر في المسرح العراقي 

Voloume 5 (8) ,June .Route Educational and social science .Journal

7- جاهين ، صلاح . (1996) . رباعيات صلاح جاهين . تقديم يحى حقي . مكتبة الأسرة .

8- حجاب ، محمد منير .( 2003) . الموسوعة العلمية . القاهرة . : دار الفجر للنشروالتوزيع . 

9- حمداوي ، جميل . ( 2021) ، النقد الثقافي بين المطرقة والسندان . مجلة الملتقى . العدد (27) فبراير . 

10- خليل، صبري محمد. (2011). الإشاعة تعريفها وأنواعها وعوامل انتشارها. جامعة الخرطوم.  

11- الطباع ، عمر فاروق . (ب ت ) . ديوان أبي القاسم الشابي . أغاني الحياة: شركة دار الأرقم . بيروت . لبنان . 

12- شاخت، ريتشارد.(2001). مستقبل الاغتراب. ترجمة وهبه طلعت أبو العلا. الإسكندرية :دار المعارف

13- الشربيني، لطفي.(2014). معجم مصطلحات الطب النفسي. الكويت:مركز تعريب العلوم الصحية. 

14- شكسبير . (1986) . مسرحية العاصفة . ترجمة جبر إبراهيم . بغداد : دار المأمون للترجمة والنشر . 

15- عبدالمنعم، محمد. (2020). التوظيف الدرامي للقوى الخارقة في المسرح العالمي والمسرح المصري. مجلة المسرح. عدد إبريل – مايو – يونيو. الإصدار السادس:الهيئة العامة للكتاب.

16- غبار ، آمال سالم . ( 2020). السحر والشعوذة وآثارها النفسية والاجتماعية على الفرد والأسرة ودور الخدمة الاجتماعية في التعامل معها. كلية الآداب . جامعة طرابلس . مجلة القِرْطاس . العدد العاشر . سبتمبر .

    17-الكردي ،خالدإبراهيم .(2013) .الدورة التدريبية،  أساليب مواجهة الشائعات ،   السمات النفسية والاجتماعية لمروجي الشائعات ومتلقيها . كلية التدريب . قسم البرامج التدريبية . الرياض . 

 18- معلول، أحمد . صالحي ،سيف . (2016) دور السحر في تفشي ظاهرة الجريمة في المجتمع – المجتمع السوفي أنوذجًا . كلية العلوم الاجتماعية والانسانية . قسم علم الاجتماع . رسالة ماجستير . الجزائر . 

19 - نصر، صلاح. (1979). الحرب النفسية معركة الكلمة. الجزء الأول. القاهرة. 

ثانيًا:المراجع الأجنبية 

  • 1- Abdul Manas , Shayuthi .Abdullah, Ismail. Banagga ,AhmedelMogtaba .(2021). ظاهرة السحر والشعوذة مدارسه في المفهوم والأنواع والأهداف  . Rausat an fikr,vol.17 No , 1januari 

2-corner, Adam (December 6\2011)"Social no mstrategies do work .but there are risks in volved. 


3 Peter,Greentrans,jurenal.(1982):"Thesixteen satires " Middlesex.

4-Shayuthi,Ismail,Ahmed.(2021).Rausy an fikr,vol17no.1jaunuari p 91-117 .


 ثالثًا:المواقع الإلكترونية 

  1. Sabri. Khalil @ hotmil. com 

رابعًا : المقابلات 

1- أ.د/ صلاح مكاوي :عميد كلية التربية جامعة قناة السويس السابق . أستاذ الصحة النفسية . أكتوبر/ 2021 .  

2- د. يحيى صابر: خبير نفسي بالأمانه العامة بالصحة النفسية ،كبير المعالجيين النفسيين بوزارة الصحة ، يناير/ 2022 .






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق