مجلة الفنون المسرحية
تاريخ مسرح الشارع في السودان .. البدايات و الممارسة
توطئة:-
عندما نريد أن نتحدث عن بدايات المسرح السودانية ، نجده بدا خارج العلبة الإيطالية كاقرينه في المسرح اليوناني مع ملاحظة الفروقات في المواضع والموروثات الشعبية والمصادر الأخرى الأكثر تماسا مع الواقع.
كتبت كثير من المراجع المسرحية والدراسات عن بدايات المسرح السوداني إبان 1903 فترة المستعمر و ما بعدها ، كان التركيز لا ينعتق في تلك الدراسات من كونها أولآ تريد أن تثبت هذا الفعل بعيدا من مكان ممارسته باعتبار تلك الدراسات مفادة لصالح حفظ الفعل المسرحي بالتواريخ، ولا يعنيها أماكن الممارسة، إلا في بعض الدراسات التي أبرزت أماكن الممارسة وذلك لضرورة المكان في حد ذاته، وهذه الملاحظة تفيد فيما نكتب عن دور مسرح الشارع في السودان البدايات وأشكال وأنماط الاشتغال به. و تشير الكثير من الدراسات أن أول عرض مسرحي كان لرائد تعليم للبنات الأستاذ بابكر بدري ، وكان هذا العرض في ساحة منزله لصالح إنشاء مدرسة للبنات ،من هنا تجلت فضاءات المسرح السوداني وامتدت وتنوعت أماكن العرض المسرحي السوداني ، عزز ذلك هو عدم وجود مسارح بالسودان في ذلك الزمن فكان رواد الحركة المسرحية يقدموا مسرحياتهم في فضاءات يتم تطويعها والتماهي مع معطيات المكان ،وبرغم استخدام نمط العلبة الإيطالية الذي جاء وافدا مع المستعمر إلا أن هذه العروض كانت تقع في فخ الفضاءات غير تقليدية و المفتوح .
وجاء عرض المسرحية الأخرى لبابكر بدري في ساحة المولد وهنا انتقل المسرح من مكان إلى مكان يحقق فيه انتخابه بقصيدية واعية لمهاية المكان ، توالت النشاطات المسرحية فظل المسرحين يقدموا عروضهم في أماكن مختلفة يتم تطويعها لصالح مسرحيتهم ، دعونا نسترجع أهم الأماكن في تلك الفترة وهي (ساحة منزل ، ساحة المولد ، نوادي ، ساحات المدارس) هذه الإثباتات تدعم دراستنا حول تاريخ مسرح الشارع في السودان. المتأصل و المتجذر منذ عشرينيات القرن الماضي في عام 1959 تم بناء المسرح القومي السوداني كمبني حسب المقاييس الدولي للعلبة الإيطالية وانتظمت حركة المسرح السوداني من خلال المواسم المسرحية ، إلا أن مسرح الشارع ظل يتحرك على هامش العاصمة الخرطوم والقرى والريف وهذا أيضا ما عززه قلة المسارح للعلبة الإيطالية لكثرة نفقاتها على الدولة انذاك، ظلت فرق كثيرة تمارس مسرح الشارع في فضاءات ممنوحة وآخرى مفروضة عليه ، استمر هذا الحال لزمن طويل حتى دخول مفهوم المسرح الحديث والبحث للمسرح الاحترافي فضاءات أكثر تحقيقا لجمهور مختلف بعزفه عن القدم للمسرح القومي ، فكانت الرحلات المسرحية تسافر إلى أطراف المدن والقرى المختلفة لتقدم ما قدمته على المسرح القومي إلا أن هذه العروض تقع في فخ الأماكن غير المؤهلة لمسرحياتهم ولكن كان صانعيها يعون هذا المأزق وسرعان ما يتم تطويع العرض على بيئة المكان إن كان (نادي أو مدرسة ، سينما).
عمل الكثير من المسرحيين السودانيين على صناعة عروضهم لتتماشى مع ظروف الاماكن المفروض على مسرحيتهم .
و توارث الأجيال المسرحي هذا السلوك برغم بناء عدد كبير من المسرح في جميع أنحاء السودان وعند وصول المسرح سؤال التجريب و الحداثة وما بعد الحداثة ظل عدد من خريجي المعهد العالي للموسيقي والمسرح و قسم الدراما بقصر الشباب والأطفال تشغلهم هذه الأسئلة والبحث عن الإيجابيات من خلال العلبة الإيطالية وآخرون كانوا يذهبون بالسؤال نحو مسرح الشارع والفضاءات غير التقليدية باعتباره رهن خصب و فضاء ممنوح للتجارب التي ما أنفك عنها مسرح الشارع السوداني منذ 1903 ، فقدموا التجارب على عدد كبير من الأماكن أم مطوعة و أم ممنوحة ، ونذكر من تلك التجارب على سبيل المثال تجربة الفنان المسرحي عز الدين كوجاك بمدينة مدني الذي تفاني وأخلص لمسرح الشارع بعربته الكارو وخصص له (مسرح الكارو) ويقدونا هذا إلى أحد الدلال المهمة تاريخنا هذا حينما قدمت قناة الشروق مسرح الشارع كأحد أبرز برامجها المسمي بي (مسرح على الهواء) وهذا أثرى بالتجربة وعضدد تحركه بيقظة أكبر فقدم واتجه نحو أسماء بحثية أعمق كامسرح المكان الثابت بالحدائق العامة في يوم محدد ، بل جعل رواد الحركة المسرحية يقدمون عروض مسرح الشارع في أشكال متنوعة وتحت مسميات مختلفه كامسرح الفرجة ومسرح الاحتفال ، وجاءت الأسئلة الأكثر تعقيدا في البحث عن مسرح الشارع وانشغل صانعي العروض بسؤال مسرح الشارع أم مسرح في الشارع ، أي أن لكلاهما أضحت هناك خصائص لابد من مراعاتها وفق شرطية السؤال لصناعة العرض ، بل ذهبوا إلى أسئلة أكثر تمحورٍ هل نصنع عرض شارع مدبر الموعد مع الجمهور أم دون موعد مسبق واختلفت الفرق بين هذا وذاك وآخرين ذهبوا إلى مسرح المكان بأعتبار أن بعض الأماكن لها من الخصوصية في ذاكرة العقل الجمعي كالأسواق والمتاحف والمولد ، وكل يعمل لصالح عرضها المسرحي وفق الاجابات المُريحه لعروضهم ويبقي التساؤلات موجود لكل الفرق
مسرح الشارع ام مسرح للشارع ام مسرح المكان.
وهل بمواعيد مسبقة مع الجمهور و مدبر أم بمواعيد غير معلنه تعمل على التقاط جمهورها وفق شروط العرض بالمكان والزمان الذي يحددها فريق العرض ، وتسارع آخرين ولا تشغلهم هذه الاسئلة بينما يفكرون في أن يكون مسرح الشارع تفاعلي والجمهور جزء من العرض وفق المداخلات التي يبنيها صانعي العرض بحتمية وقصيدة واعية ، وظن هذا الأسئلة لا تخص مسرح الشارع في السودان وحده بل هي اسئلة نحتاج البحث عنه في القطر العربي و الآفروعربي من باحثين ونقاد يشغلهم أمر هذا النوع القديم قدم البشرية و المتجدد والذي أضحي واقعا ملموسا في كل بقاع الأرض وخصصت له دول مهرجانات وكتب فيه مراجع برغم قلتها إلا أن الأمر يساهم في بناء مسرح أصيل و معافي يعمل علي قيم الحق والخير والجمال.
*مخرج وباحث من السودان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق