مجلة الفنون المسرحية
الاحتفالية.. الصوت المقموع والاختلاف الممنوع (6)
وبالنسبة للذين يقولون بأن هذه الاحتفالية حرام، وبأنها مذنبة في حق الجهل والأمية، وفي حق الكسل الفكري والعلمي، فإننا نجد المذنب الاحتفالي يقر ويعترف بذنبه، ولقد ورد ذلك الاعتراف في كتابه (الاحتفالية مواقف وموقف مضادة ـ الكتاب الثاني) والذي قال فيه ما يلي، اسمعوا وعوا ماذا قال:
إن (جريمة) هذه الاحتفالية تكمن أساسا في أنها تريد) نعم، وهذا معناه أنها اذنبت وأجرمت، وبشهادة واحد من مقترفيها الكبار، رغم أنه وضع كلمة (أجرمت) بين قوسين، وهذا لا ينفي مطلقا بأنها قد أذنبت، وكأن هذا الذنب الواحد، في عرف السيد المذنب، لم يكن كافيا، فقد أضاف إليه حفنة ذنوب كثيرة أخرى، من بينها أنها (تعرف ما تريد) مما يؤكد أنها واعية بخطورة ما تريد، وهذه واحدة أخرى، من الكبائر الأخرى، في شريعة سادتنا فقهاء المسرح العربي، وبالإضافة إلى هذا، فهذه الاحتفالية (نعبر عن كل ما تريد، بوضوح وشفافية، وبجرأة وشجاعة، وهي تعبر عنه باللغة التي تريد، وفي الزمن الذي تريد، وفي المكان الذي تريد، وبهذا فقد كانت إرادة خالصة، وهي إرادة حرة ومستقلة، وذلك داخل الفضاءات المقيدة والمغلقة والمسيجة) ص 303 من الكتاب.
هي إذن إرادة عالمة تخالف إرادة الجماعة النائمة، وهي، في خروجها هذا عن الجماعة، تكسر مبدأ الإجماع داخل أمة المسرحيين، وهي لا تكتفي بهذا، ولكنها تجتهد أيضا، وأنها ترتكب اجتهادا بلا معنى، وبدون سند فقهي، لأن القاعدة الفقهية تقول (لا اجتهاد مع وجود النص) والنص المدرسي موجود في كل مكان وزمان، وهو صالح لكل الناس، ولقد زعم الاحتفاليون أنهم مبدعون، مع أن كل ما أخرجوه للناس من هرطقات وشطحات وبهلوانيات ينتمي إلى البدع الضالة والمضلة، وبهذه البدع، تكون هذه الاحتفالية، من خلال جماعتها، قد خالفت شريعة المسرح المغربي والعربي، والقائمة أساسا على الأمية وعلى الإتباع وعلى التكرار والاجترار، وعلى العمى الإرادي، وأيضا، على الرواية بدون دراية، وعلى اقتفاء أثر السلف الطالح في كل شيء، في الكبائر والصغائر، وفي السير إلى في قوافل الأميين والجاهلين المتحدين، وذلك بدون وعي، وبلا بصر ولا تبصر، وأيضا، اقتفاء خطواتهم العشوائية؛ خطوة وراء خطوة، وذلك في فضاء هذا المسرح العربي الطالح، وفي سياق هذا الزمن العربي الكالح ونضع نقطة ونرجع إلى السطر، ونغير من لغتنا ومن لهجتنا، ونلج فضاء الجد، والذي هو الفضاء الحقيقي للسادة الاحتفاليين المجدين والمجتهدين. ويعرف المفكر الاحتفالي، المفتون بسحر الحياة، والمندهش بسحر الوجود والموجودات دائما، بأن الغرابة موجودة فعلا، ليس في عذرية عينيه، ولا في شفافية روحه، ولا في عبقرية عقله، ولا في جنون أفكاره، ولا في شطحات خياله، ولكنها موجودة أساسا في بنية هذا الكون، وفي بنية هذا الوجود، وفي طبيعة العلاقات بين الناس في الواقع اليومي، وفي تركيبة الأفكار والأشياء في عقل هذا العالم، هذا أذا افترضنا أن لهذا العالم عقل اصلا، أو مازال لديه عقل، أو شيء من العقل
ولعل أخطر ما فعله هذا الاحتفالي المذنب، هو أنه فهم لعبة الحياة، وأنه قد حاول أن يحتفظ بهويته وبوعيه وبحقيقته في كرنفال الوجود، وأن يظل وفيا لنفسه وذاكرته وتاريخه في احتفالات الأيام التنكرية، هذا الاحتفالي هو الذي قال في كتابه (أنا الذي رأيت) والذي صدر عن منشورات إيديسوفت مدينة الدار البيضاء، لقد قال:
(لقد سمحت لعقلي أن يفكر، وقد فكر فعلا، حتى قبل أن آذن له، ولست أنا من أودع عقلي في رأسي، ولا أنا من خبأ قلبي في صدري، ولا أنا من أشعل جذوة التمرد في روحي، ولا أنا من أوجد هذا الوجود كما هو موجود، ولا أنا من أوجد هذه المسائل الغامضة والملتبسة، ولا أنا من حرص على السؤال والتساؤل، ولا أنا من ساق الناس إلى المعرفة وإلى التفكير الحر، ولا أنا من أغراهم باقتراف هذا الشغب العلمي وبهذه المشاكسات الفنية الجميلة والنبيلة).
وأنا المواطن الاحتفالي، ومعي كل رفاقي الاحتفاليين في كل العالم، محكومون كلنا بحكم مولاتنا الاحتفالية، والتي تسكننا ونسكنها، والتي هي حياة وحيوية، وهي مناخ وجاذبية سحرية، وهي عقل جماعي، وهي محرك يحرك الأجساد والأرواح، وهي طاقة حيوية إيجابية، طاقة جديدة و مجددة ومتجددة دائما وأبدا.
وتؤكد مسرحية (اسمع يا عبد السميع) الاحتفالية، على أن قدر الفنان هو أن يولد طفلا، وأن يعيش طفلا، وأن يموت طفلا، وأن أصدق كل الفنانين الأطفال هو من يحافظ دائما على إحساس الطفل فيه، وعلى روح الطفل، وأيضا على شغب الطفل، وأن يكون مزعجا بأسئلته وتساؤلاته وباهتماماته الغريبة وبهمومه العجيبة، ولعل هذا الشغب المشروع، هو الذي مارسه الاحتفاليون الأطفال بصدق، وذلك على امتداد خمسة عقود من عمر قرنين ومن عمر ألفيتين، وبفضله حافظوا على نفس الرؤية المندهشة أمام هذا العالم المدهش، واذا كان في الأمر ذنب من من الذنوب، وكان وراء هذا الذنب شخص مذنب، فما هذا الذنب، ومن عساه يكون السيد المذنب؟
أنا احتفالي، هكذا أقول وأكتب وأعيد دائما، وأصدق كل الاحتفاليين هو الاحتفالي المشاء، والذي يفكر وهو يمشي، ويحاور الحياة والأحياء وهو يمشي، وهو الذي يدفع بالاحتفالية لأن تقول كلمتها وتمضي، وأن يكون ذلك إلى الأمام دائما، ولقد كتب على هذه الاحتفالية ألا تمضي إلا من أجل أن تعود، وهي لا تغيب إلا من أجل أن تحضر، وأن تكون في حضورها الجديد أكثر صدقا ومصداقية، وأكثر إقناعا وإمتاعا، وأكثر سحرا وجاذبية، وهي محكومة بأن تسير باتجاه الأعلى والأسمى والأبعد والأقوى والأشرف والأعنف والأصدق والأجمل والأكمل والأنبل والأغرب والأعجب، وهي أساسا حركة، وحياتها حركة، وكوكبها الفكري والإبداعي الذي تدور في مداره حركة، وهي لا تمشي إلا باتجاه الاحتفاليات الأخرى، والتي لها وجود في الآتي من الأيام والأعوام.
وشخص الاحتفالي، في هذه المخاطرة الاحتفالية، يتقن فن العيش، ويحيط علما بكل علوم الحياة، وهو يحسن التفكير، ويحسن التدبير، ويحسن الكلام، ويحسن الحكي والمحاكاة ويتقن فن الرواية، ويحسن الاستماع والإنصات أيضا، إلى لغات الطبيعة ولغات الحياة أولا، وإلى لغات كل الناس بعد ذلك، وهو مقتنع دائما، في إيمانه بالحوار، بأن ما لديه (حقيقة) مؤقتة، حقيقة قد لا تخلو من الخطأ، وهو مقتنع أيضا، بأن ما عند بعض الآخرين هي أخطاء مفترصة، ولكن قد يكون بها بعض الصواب، وأن من طبيعة هذا الرأي دائما، سواء كان في هذه الجهة أو في تلك، هو الرأي المصائب والصحيح، وحتى يثبت الواقع العكس
وبهذه القناعة كتب الاحتفالي كتابين هما (الاحتفالية مواقف مضادة) الكتاب الأول عن منشورات تانسيفت بمدينة مراكش، و(الاحتفالية مواقف ومواقف مضادة) الكتاب الثاني عن منشورات أمنية بالدار البيضاء.
وفي الكتابين معا ردود على نقود، وفيهما تصحيح وتوضيح، وفيهما بيان وتبيين، وفيهما تكملة لما قد يكون ناقصا في الخطاب الاحتفالي، وفيهما شهادات على الواقع والوقائع، وفيهما تفكير بصوت مرتفع، وفيهما أيضا، دفاع مشروع عن الاجتهاد الفكري والعلمي والجمالي، إلى جانب الدفاع عن الحق في الاختلاف، بالكلمة المقنعة وممتعة طبعا، وليس بأي شيء آخر غيرها
وقد يكون في الكتابين، وفي الردود الاحتفالية عنف، أو شيء من العنف، مع أن الحقيقة عكس هذا تماما، لأن العنف فعلا موجود، ولكن ليس في الاحتفالية، وهو في حالات كثيرة، ليس منها، لأنها مجرد تأملات وأفكار وتصورات وحالات واختيارات واقتراحات، وهذا (العنف) هو بالتأكيد جزء من عنف الواقع، ومن عنف الوقائع، وأيضا من عنف الحقيقة، والتي قد يوجع نورها العيون التي بها مرض، ولعل من أهم ما يميز هذه الاحتفالية هي قوتها، ولعل أهم ما يميز قوتها هاته هو أنها قوة ناعمة وحالمة ومسالمة، وهذه الاحتفالية، لشهرتها، قد يقول عنها العارفين بأنها (علم في رأسه نار) وهي أيضا، بالنسبة للحقيقة والتاريخ، منارة في بحر المعرفة والفن والعلم، وهي منارة (في رأسها ضوء ونور).
ومثل هذا العنف، في حقيقته، قد يكون في الواقع التاريخي، وقد يكون في صورة صراع أيديولوجي بين الشرق والغرب، وبين أحزاب اليمين واليسار والوسط، وقد يكون صراعا قبليا، وقد يكون صراع أجيال، وقد يكون حروبا، ساخنة أو باردة، وقد يكون هذا العنف أيضا، مجرد هزة فكرية وجمالية وأخلاقية كما هو الشأن بالنسبة للاحتفالية، والتي هي تيار عاصف ومخالف ومختلف، وفي هذا المعنى يقول الاحتفالي في كتاب (الاحتفالية وهزات العصر) معرفا هذه الاحتفالية بأنها (هزة عنيفة وقوية؛ هزة من هزات العصر الحديث، وهي تطمح لأن تصل درجة الانقلاب الفكري، والى عتبة الثورة الاجتماعية، وألا تكون هذه الثورة بيضاء تماما، ولا حمراء كلها، ولا سوداء قاتمة، وأن تكون ـ بدلا من ذلك كله ـ ثورة ملونة بكل ألوان الطيف الممكنة). ص 18
وثورية هذه الاحتفالية ليست قيمة مضافة إلى وجودها، وليست مكتسبا من المكتسبات، ولا هي غنيمة حرب، وليست استعراضا نرجيسيا للعضلات العقلية والجمالية، ولكنها جزء أساسي وحيوي من كينونتها القلقة والمتحركة والمشاغبة والمشاكسة، لأن من طبيعة فعل الاحتفال دائما، انه (لا يمكن أن يكون إلا ثوريا، تماما كما هي الحقيقة، والتي لا يمكن أن تكون إلا ثورية أيضا).
الأمر إذن، يتعلق أساسا بالشغب العلمي والفكري والجمالي، وليس باي شيء آخر غيره، هذا الشغب الذي قد يكون فيه شيء من العنف البريء والمشروع، والذي يكون حرية واستقلالية، ويكون اختيارات أخرى قد لا تتوافق مع الاختيارات العامة أو العمومية في الواقع اليومي.
هذه الاحتفالية مزعجة إذن، ونحن نعرف لماذا هي مزعجة، ونعرف أن وجودها وحده مزعج، ليس لكل الناس طبعا، ولكن فقط بالنسبة للذين يؤمنون بأن الحياة كانت ستكون أجمل وأكمل بدون وجود هذه الاحتفالية، وبان حياتها الممتدة في الجغرافيا والتاريخ مزعجة أيضا، كما أن حضورها، في المكان والزمان، مزعج بشكل كبير، وأن مستوى خطابها (النخبوي) مزعج هو أيضا، كما أن فتوحاتها مزعجة، وأفكارها مزعجة، وإبداعاتها المسرحية مزعجة، ورهاناتها على الأصيل والجميل مزعجة، وهل هناك تيار فكري وجمالي حقيقي في العالم، يأتي ويمضي، من غير أن يحرك ساكنا، ومن غير أن يخلخل الثوابت، ومن غير أن يعيد ترتيب بعض الأفكار والمفاهيم في خرائط الفكر والعلم والفن والفكر؟
ولمن يهمه أن يعرف، وأن يدرك معنى الأشياء في أبعادها الحقيقية، فإننا نقول له بأن هذه الاحتفالية، ليست بنت الأمس أو اليوم، ولكنها أساسا إبداع أمة كاملة، بكل مكوناتها المتعددة، وهي إبداع الجغرافيا أيضا، بتعدد تضاريسها، وهي إبداع التاريخ، بكل مراحله ومحطاته ومنعطفاته المتعددة والمتنوعة، وهي إبداع المناخ الثقافي والحضاري قبل كل شيء، وهي أساسا روح الإنسان، وروح المكان، وروح الزمان، والتي اختزلتها الاحتفالية في المثلث: نحن ـ الآن ـ هنا، وهي بهذا قابلة لأن تتجسدن في أجساد، وأن تشخصن في أشخاص أو شخصيات، وأن يكون اسمها الأطلس في مسرحية (عرس الأطلس) أو أن تكون شخصية (مريمة) الغريبة في نفس المسرحية، أو أن تكون (ابن بطوطة) في احتفالية افتتاح كأس العالم للأندية بمدينة طنجة، أو أن تكون هي شخصية (لونجة) في مسرحية (سالف لونجة) أو يكون هو (جحا) في مسرحية (جحا في الرحى) أو في مسلسل (جحا فاس) أو يكون هو الشاعر الشعبي الحكيم سيدي عبد الرحمن المجذوب في مسرحية (سيدي عبد الرحمن المجذوب) للطيب الصديقي، أو يكون هو (سيدي قدور العلمي) في مسرحية عبد السلام الشرايبي، أما روح المكان، فتمثله ساحة جامع الفناء بمدينة مراكش، والتي هي ملتقى الفنون، وملتقى الفنانين المبدعين، وملتقى الأطفال الكبار المشاغبين، وتمثله المواسم السنوية أيضا، وذلك في البوادي المغربية، وتمثله الأسواق الأسبوعية كذلك، وتمثله الأبواب العتيقة في المدن المغربية التاريخية، مثل باب أبي الجنود في فاس وباب منصور العلج في مكناس وباب دكالة في مراكش وباب سيدي عبد الوهاب في مدينة وجدة.
وعليه، فإن من يخاصم الاحتفالية اليوم، سرا أو علانية، فإنه لا يخاصم أشخاصا معينين من الناس، ولكنه يخاصم ثقافة متكاملة، بكل أعلامها ورموزها، ويخاصم نظاما في الوجود، ويخاصم اختيارا في الحياة وفي التفكير وفي التدبير، وأيضا في الإبداع الفكري والجمالي والأخلاقي، وهو بهذا ضد منطق الحياة، والذي أوجد على هذه الأرض نظاما احتفاليا خاصا، وأوجد له مسرحية وجودية، وأوجد لهذه المسرحية أبطالا من الزعماء ومن العلماء ومن الحكماء ومن الفنانين ومن الرياضيين ومن الصناع المبدعين.
وبالتأكيد، فإن هذه المسرحية الاحتفالية ليست مجرد تقنيات وآليات، يمكن تعلمها واكتسابها، ويمكن اقتباسها من الآخرين، فهي أساسا حياة أمة، وإن مثل هذه الحياة لا يمكن أن تستورد من خارج أرضها، ومن خارج مناخها، ومن خارج شروطها الجغرافية والتاريخية، وهي ليست منهجية في التمثيل أو في الإخراج أو في تأثيث الفضاء المسرحي، ومن الممكن أن تشكل أفكارها ومبادئها وقيمها أرضية لأية تقنية من التقنيات، سواء في المسرح أو في الشعر أو في السينما أو في التشكيل، أو في أي فن من الفنون، أو في أي جنس من الأجناس الأدبية المختلفة.
ويبقى أن أن نتساءل الآن، في ختام هذه الورقة،: ما الذي يمكن أن يغضب في هذه الاحتفالية؟
فهي لا تقول (أنا) ولكنها تقول (نحن) وكل الذي يخاصمون هذه الاحتفالية لهم وجود في هذه (النحن) الجامعة للذوات والجامعات والمجتمعات، ومن طبيعة الاحتفالي في هذه الاحتفالية، انه لا يفكر لحسابه الخاص، ولكنه يفكر لحساب هذه النحن العامة، والتي قد تكون بحجم جماعة، أو بحجم مجتمع في مدينة، أو في حجم وطن، أو بحجم كل الإنسان وكل الإنسانية، وهذا المعنى هو المعنى الأقرب لحقيقة الاحتفالية، وذلك في كليتها وشموليتها وكونيتها.
وبحسب الاحتفالي، فإن (أخطر ما يغضب في هذه الاحتفالية هو أنها رقم صعب جدا، وذلك في معادلة دقيقة ومركبة ومعقدة جدا جدا، فهي وجود داخل العدم، أو ما يشبه العدم، وفي المقابل، فهم يريدونها معادلة سهلة وسطحية، ويتمنونها خطابا شعبويا واستهلاكيا، وذلك حتى تكون منسجمة مع تفاهة الواقع والوقائع ومع تفاهة المناخ الثقافي العام.
وكل شيء في هذه الاحتفالية، من تصورات واختيارات ومن حالات ومواقف، يعاكس التيار العام، وفي وجودها اليوم، وفي مسارها الفكري والجمالي والأخلاقي (من الشفافية أكثر مما فيه من الكثافة، وفيه من المبادئ أكثر مما فيه من الشعارات، وفيه من المراحل أكثر مما فيه من المحطات، وفيه من المتغيرات أكثر مما فيه من الثوابت، وإن من طبيعة هذا الوجود الحي، بطاقته الحيوية المتجددة فيه وبأعماره المتتابعة وبحركيته الدائمة، أن يتحدى العدم باستمرار، وأن يتحدى الفراغ، وأن يقاوم الخواء، وأن يناضل ضد الفوضى، وأن يسعى نحو الجمال والكمال، وأن يسافر باتجاه العوالم الأخرى الممكنة الوجود، والتي قد تكون أكثر سحرا وأكثر جاذبية وأكثر حقيقة من هذه القرية الكونية المحدودة والتي تسمى العالم) هكذا تحدث الاحتفالي في كتابه (الاحتفالية مواقف ومواقف مضادة ـ الكتاب الثاني).
هكذا تحدث الاحتفالي، في سعيه نحو تاسيس ثقافة احتفالية، وبناء مدينة احتفالية فاضلة، وإيجاد علاقات انسانية اكثر صدقا ومصداقية وأكثر قربا من الحق ومن الحقيقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق