تصنيفات مسرحية

السبت، 4 فبراير 2023

مسرحية " الطريق إلى دلمون " تأليف طلال حسن

مجلة الفنون المسرحية

الكاتب طلال  حسن 


                     مسرحية " الطريق إلى دلمون " تأليف طلال حسن

بثلاثة فصول



   الفصل الأول


                            صالة ، الأم ترتب الآثاث ،

                           تدخل ابنتها سالمة متثائبة


الأم : سالمة ، تأخرت اليوم .

سالمة : لم أتأخر ، هذا وقت نهوضي كلّ يوم ،
يا ماما .

الأم : لكنّ خالك سالم عندنا ، وهو لا يأتي كلّ
يوم إلى الموصل .

سالمة : عفواً ، ماما ، ظننت أن أبي سيكون معه
صباح هذا اليوم .

الأم : أبوكِ كالعادة ذهب إلى المحل ، منذ
وقت مبكر .

سالمة : " تهم بالخروج " سأذهب ، وأعد مائدة
طعام الافطار .

الأم : أعددت المائدة ، وأنتِ نائمة ، اذهبي
وسلمي على خالك .


                            يدخل سالم ، في حدود 

                          الأربعين ، تتوقف سالمة

                          

سالم : لا عليكِ ، أنا أسلم على الوردة العزيزة
سالمة .

سالمة : خالي !

سالم : صباح الخير ،  وردتي .

سالمة : صباح النور والسرور ، يا خالي .

سالم : " يتأملها مبتسماً " آه يا للحنطة
القندهارية الجميلة ، زهرتي أيضاً حنطية
مثلك .

سالمة : زهرة ؟

سالم : نعم ، هذا اسمها .

الأم : على اسم أمنا ، زهرة ، آه .

سالم : كلّ من يراها من العراقيين ، يقول إنها
موصلية ، أكثر مما هي بلغارية .

الأم : لا عجب ، فأبوها سالم ، والموصل
تجري في دمه .

سالم : الموصلي حيثما يكون ، فهو موصلي ،
حتى لو كان في الآخرة .

الأم : تصور ، ابنة أختك القندهارية ،
استيقظت الآن .

سالم : " يبتسم " ....

سالمة : اليوم عطلة ، يا ماما .

سالم : وما أكثر العطل في العراق .

الأم : الآن تغيرت عناوين العطل ،
ومدلولاتها ، وتضاعفت عما كانت عليه
من قبل  .

سالمة : تصور ، يا خالي ، أيام الدوام في الكلية
توقظني ماما مع الفجر ، وأحياناً قبل
صياح الديك .

الأم : لو يترك الأمر لها ، لما استيقظت إلا
عند الظهر .

سالم : " يضحك " وراثة .

الأم " تغالب ابتسامتها معاتبة " سالم .

سالم : رحم الله أيام زمان .

الأم : الذنب ليس ذنبي ، وإنما ذنب أمي  ،
كانت تدللني .

سالمة : أرأيت ، يا خالي ؟ لا أريدها إلا أن
تكون مثل جدتي زهرة .

الأم : هذا يلائمكِ ، اذهبي الآن ، الشاي يغلي
على النار .

سالمة : " تهم بالخروج " نعم ، ماما .


                              يدق جرس الباب ،

                            تتوقف سالمة مترددة


سالمة : ترى من يكون ؟

الأم : لابدّ أنه وعد الله ، لقد اتصل بالتلفون
قبل قليل ، وقال بأنه سيأتي ، ليرى خالكِ
، ويسلم عليكهِ .

سالمة : " وهي تخرج " سأفتح الباب .

سالم : " يبتسم للذكرى " وعد الله .

الأم : للحقيقة ، يا سالم ، وعدالله يسأل عنك
دائماً ، ويرسل لك تحياته .

سالم : " مازحاً " إنه وعد من الله ، مهما يكن ،
فهو إنسان طيب ، وطالما وقف إلى
جانبي ، في أقسى الظروف .

الأم : لا عجب ، فإنه ابن عمتك " تضحك "
لقد ذهب قبل سنوات إلى الحج .

سالم : " يضحك " هذه تليق به تماماً ، الحاج
وعد الله .


                             يدخل وعدالله ، ويسرع 

                             إلى سالم فرحاً متهللاً 


وعد الله : والحمد لله ..

سالم : " يضحك " كنت أغتابك ، الحاج ..


الحاج وعد الله .

وعد الله : ستذهب أنت أيضاً إلى الحج يوماً ، ولن
تكون أول ماركسي متشدد يذهب إلى الى
بيت الله الحرام .

سالم : " يمدّ يديه نحوه " فليذهب أبو محمد
خاصتكم أولا .

وعد الله : " يعانقه ضاحكاً " آه منك ، يا ابن
عمتي " يقبله " يسعدني أن أراك بصحة
وعافية .

سالم : أشكرك ، أشكرك جداً ، يا عزيزي "
مازحاً " يا حاج وعد الله .

الأم : كما قلتُ لك ، يا سالم ، وعد الله يسأل
عنك دائماً ، ويدعو لك بالخير .

سالم : " يربت على كتفه " لا عجب ، كنّا في
جبهة وطنية واحدة .

وعد الله : ليتها استمرت ، يا ابن عمتي ، فتلك
الأيام كانت أفضل الأيام .

سالم : لم يردها من لم يردها ، وإلا لما وصل
العراق إلى ما وصل إليه اليوم .

الأم : لا تعودا إلى نقاركما السياسي  ، وعد
الله أفطر معنا اليوم .

وعد الله : أشكركِ ، أفطرت قبل قليل ، ثم إنني
مشتاق لنقاره الراقي ، فمنذ أن ذهب إلى
بلغاريا لم أجد من أناقره .

الأم : " تتجه إلى الخارج " تناقرا إذن ، ولكن
كونا رحيمين بريشكما ، الذي وخطه
الشيب .

وعد الله : أخوك هو الشايب ، أنظري إلى شعره ،
لقد غزاه الثلج .

سالم : وابن عمتك وعد الله ، يقاوم الثلج
بالأصباغ ، دون جدوى .


                              تخرج الأم ، يبقى 

                         سالم ووعد الله وحدهما


وعد الله : " يمازحه " وأخيراً جئتم ، يا سالم ،
ولكن على دبابة أمريكية .

سالم : كلا ، رغم أنني ، كما تعلم ، بعيد عن
الحزب ، لكن ما أعرفه أن الحزب كان
ضد الحرب وضد الدكتاتورية ، وكذلك
ضد التدخل الذي حدث في العراق .

وعد الله : سالم ..

سالم : والحقيقة ، أن الذي حدث ، هو أن
الأمريكان ، أنزلكوم من القطار ، الذي
جاءوا بكم فيه عام 1963 .

وعد الله : أنت كالعادة تغالط ، يا سالم ، فالحقيقة
هي ..

سالم : هذا ما قاله مسؤولكم الأول وقتها ، جئنا
في قطار أمريكي .

وعد الله : هذه ليست الحقيقة ..

سالم : " يحضنه ضاحكاً " والحقيقة .. الحقيقة
.. أن هذا فات أوانه .

وعد الله : لندع هذا الآن ، ستأتي عندنا ، ونناقش
كلّ شيء بهدوء " يدق التلفون " مهما
يكن ، أهلاً بك في الموصل .

سالم : أشكرك ، أشكرك ، يا عزيزي ،
سأجيء ، وأسلم على عمتي .

وعد اله : طالما تمنيت أن أراك " يبتسم " وقد
دعيت ، وأنا بين يدي الله في الحج ، أن
تأتـي ، وأراك .

سالم : " التلفون يستمر على الدق " وها قد
أتيت ، ورأيتني .

وعد الله : الحمد لله .

سالم : أشكرك ، أراك قريباً .

سالمة : " تدخل وترفع السماعة " ألو ..

وعد الله : إلى اللقاء قريباً .


                         وعد الله يخرج ، سالمة

         تتحدث في التلفون


سالمة : نعم ، إنه هنا ..  

سالم : " ينظر إليها " ....

سالمة : " هامسة " إنه لك ، يا خالي .

سالم : " يتجه نحوها " من ؟

سالمة : صباح .

سالم : صباح !

سالمة :" تقدم له سماعة التلفون " تفضل ، يا
خالي ، تريد أن تسلم عليك .

سالم : " يأخذ سماعة التلفون " ألو ..

صباح : " في التلفون " سالم ..

سالم : صباح ..

صباح : مرحباً ، يا سالم ..

سالم : أهلاً بكِ صباح ..

سالمة : " تنسحب وتخرج بسرعة " ....

صباح : حمداً لله على سلامتك ..

سالم : أشكرك ، يا صباح ..

صباح : أرجو أن تكون .. بخير .

سالم : ألف شكر ..

صباح : صوتك متغير .. متغير بعض الشيء ..
يا سالم .

سالم : إنه الزمن ، يا صباح ، لكن صوتكِ أنتِ
لم يتغير .

صباح : أنت مجامل كالعادة .

سالم : هذه ليست مجاملة ، صوتك مازال كما
، أعرفه ، صباحاً .

صباح : أخشى أنك قد تغير رأيك ، يا سالم ،
إذا التقينا . 

سالم : سنلتقي ، سنلتقي قريباً ، لابدّ أن أزوركم
        ، فأرى خالتي ، وأراكِ ، و.. ولن أغير
رأيي بالتأكيد .

صباح : خالتك ، إنها تسأل عنك دائماً ، ربما
أكثر مما تسأل أنت عنّا ، مهما يكن ،
فأنت عزيزها الغالي .

سالم : وأنتما العزيزتان دائماً ، وأنا أسأل
عنكما دائماً .

صباح : عفواً لقد أطلت ..

سالم : لا .. أبداً ..

صباح : اتصلتُ لأسلم عليك ، وأسمع صوتك ،
كي أطمئن على صحتك ، و .. وأقول لك
" الأم تقف بالباب "  إن خالتك تسلم عليك
، وتدعوك للعشاء هذا اليوم .

سالم : شكراً ، أريد أن أراكما فقط ، وأشرب
معكما قدحاً من الشاي ، سأحضر اليوم
قبل المساء .

صباح : أهلاً ومرحباً بك .

سالم : مع السلامة " يضع سماعة التلفون "
هذه صباح .

الأم : عرفت أنها هي .

سالم : اتصلت بي لتسلم عليّ ، وتدعوني
عندهم مساء هذا اليوم .

الأم : كما يقال ، يا سالم ، جبل وجبل لا
يلتقيان ، لكن انساناً وانساناً ، مهما طال
الزمن ، قد يلتقيان ، وها أنت وصباح ،
وبعد هذه السنين ، ستلتقيان .

سالم : أنتنّ النسوة تقلن ، كلّ شيء قسمة
ونصيب .

الأم : كلا ، كلا يا سالم .

سالم : " ينظر إليها " ....

الأم : إنها إحدى أخطائك ، يا سالم .

سالم : يبدو أن لا فائدة ، سأبقى المتهم عندك ،
يا أم سالمة .

الأم : أمي المرحومة ، كانت تتمنى دائماً ، لو
رأتك أنت وصباح ..

سالم : " يلوذ بالصمت " ....

الأم : ماتت ، وفي قلبها حسرة واحدة ، أنت ،
يا سالم .

سالم : أنتِ تعرفين ، إنني لم أحب انساناً كما
أحببتُ أمي .

الأم : لكنك سافرت ، وتركتها ، كما تركت ..
صباح .

سالم : أمي ، وكذلك صباح ، لم تريدا أن أبقى
هنا ، بعد أن تعرضت لمحاولة الاغتيال
الغادرة تلك .

الأم : لم تغب عن بالها ، لحظة واحدة ، حتى
النهاية .

سالم : أرادوا قتلي ، وأطلقوا عليّ الرصاص ،
لكنهم أخطأونني ، وأرادوا ملاحقتي حتى
النهاية ، وتصفيتي جسدياً ، ولو لم
يهربني وعد الله إلى بغداد ، لما نجوت
منهم أبداً .

الأم : تلك فترة بعيدة ، قبل أن تسافر إلى
بلغاريا .

سالم : لم أسافر إلى بلغاريا مباشرة ، كما
تعرفين ، فقد تسللت عبر المنطقة الكردية
، إلى مواقع الأنصار، وبقيت هناك لمدة
سنتين تقريباً ، وكانت الحياة هناك صعبة
وخطرة ، فأضطررت إلى الهجرة إلى
بلغاريا .

الأم : ومنذ أن تزوجت تلك الفتاة البلغارية ،
وورثت متجر أبيها ، لم تعد سالم الذي
نعرفه .

سالم : عملت أول الأمر عند أبيها ، وقد
احتضنني وكأني ابنه ، وتزوجت ابنته
ليس طمعاً في شيء ، فقد كانت هي فتاة
ناضجة خيّرة محبة ، وبعد أن توفي أبوها
، ورثت هي عنه المتجر ، فهذا حقها
وليس حقي .

الأم : أمي كانت تنتظرك هنا في الموصل ،
وكذلك صباح .

سالم : لم يكن بامكاني أن أعود ، لأي سبب من
الأسباب ، فقد كانت الخطورة شديدة عليّ
، وحتى مجيئي الآن ، فيه خطورة شديدة
على حياتي ، إنهم لم ينسوني ،
والاغتيالات الآن ليست أقل من
الاغتيلات في السبعينيات ..

الأم : " تنظر إليه صامتة " ....

سالم : لقد اغتالوا مسؤول الحزب قبل أيام ،
وبعدها اغتالوا أحد أعضاء الحزب ومعه
زوجته ، وأنا نفسي يمكن أن أغتال في
أية لحظة .


                        يفتح الباب ، وتدخل سالمة ،

                       يتوقف سالم والأم عن الكلام


سالمة : ماما ..

الأم : " تنظر إليها " ....

سالمة : الفطور جاهز .

الأم : " لسالم " تفضل .


                        سالم يخرج ، تخرج 

                       سالمة ، تتبعها الأم


                              إظلام


 

    الفصل الثاني


                         صالة ، صباح ترتب قطع   

                       الكيك ، الأم تتابعها بنظرها    


الأم : صباح ، ابنتي ، المفروض أن نعدّ لسالم ، بعد هذه الغيبة الطويلة في بلاد الغربة ، وجبة عشاء تليق به  ، وليس قالب كيك وشاي .

صباح : هذه رغبته ، يا ماما .

الأم : إننا لم نره ، منذ أن سافر إلى بلغاريا ، ومن يدري ، فقد نراه ، أو لا نراه مرة ثانية .

صباح : لا عليكِ ، يا ماما ، سندعوه إلى الغداء ، في يوم قريب .

الأم : " تبدو فرحة " سالم يحب كبة البرغل الموصلية ، وطالما قال إنني أفضل من يعمل كبة البرغل في العائلة ، حتى أفضل من أمه .. أختي زهرة .

صباح : كما تريدين ، يا أمي ، أدعيه ، واعملي له كبة برغل . 

الأم : " تنظر إليها " صباح ..

صباح : ماما ..

الأم : عزيزتي ..

صباح : سالم الآن ، وسيبقى ، ابن خالتي المرحومة زهرة ، وأخي .

الأم : أنتِ مازلتِ عنيدة كالصخر ..

صباح : هذا الموضوع انتهى ، منذ فترة طويلة ، يا ماما .

الأم : إنها الفرصة الأخيرة ، وقد لا أراه أنا وأنت مرة أخرى .

صباح : " تقف لائذة بالصمت " ....

الأم : " تتنهد " ليهدكِ الله .


                            جرس الباب يدق ،

                          الأم تلتفت نحو الباب


الأم : لابدّ أنه سالم ..

صباح : نعم ، إنه هو على الأغلب .

الأم : أسرعي ، وافتحي الباب .

صباح : " تنظر إلى أمها " ....

الأم : صباح ، إنني متعبة ، قد أجلس معكما
قليلاً ، ثم أخلد إلى فراشي .

صباح : " تهز رأسها " ماما ..

الأم : لا تدعيه ينتظر ، اذهبي يا ابنتي ،
وافتحي الباب .

صباح : " وهي تخرج " حالاً ، يا ماما .

الأم : الولد همّ ، وخاصة إذا كان بنتاً ، وكلما
كبر الولد كبر همه معه ، آه صباح ، ماذا
سيكون مصيرها بعد أن أرحل ، وصحتي
تقول لي ، إنني قد أرحل قريباً ، آآآآه .


                              يدخل سالم باشاً ،

                            وتدخل صباح وراءه


صباح : تفضل ، خالتك تنتظرك ، آه لو تعرف
كم تحبك .

سالم : القلوب سواقي ..

الأم : دعها ، يا سالم ، إنها تغار .

سالم : " يفتح يديه لها " أمي وليست خالتي
فقط .

الأم : " تعانقه بلهفة " هذا صحيح ، إنني أمكَ
" تتشممه " آه رائحة الغالية ، أختي
العزيزة زهرة .

سالم : فليرحمها الله .

الأم : آه منك ، يا سالم .

صباح : ماما ..

سالم : دموعكِ غالية " يمسح دموعها " دعيني
أمسحها لك .

الأم : أمك لا توفيها الدموع حقها ، إنها في
قلبي ، وستبقى فيه ، مهما مرّ الزمان ، آه
زهرة .. زهرة .

صباح : أرجوكِ ، يا ماما .

الأم : " تمسح دموعها " صباح أعدت لكَ
قالب كيك ، " تجلس " تعال اجلس ،
سنتذوقه مع الشاي المهيل .

سالم : " يجلس إلى جانبها " إنني مشتاق إلى
شايك المهيل .

صباح : " تقدم له استكان شاي " تفضل ، ذق
شاي خالتك .

سالم : " يتذوق الشاي " الله ، ما اللذه ، طالما
حاولت في بلغاريا أن أقلده ، لكن دون
جدوى .

الأم : " تضحك " شاي خالتك ، إنه ماركة
مسجلة لا تقبل التقليد .

سالم : " يضحك " حتى أنا ، ومهما حاولت ،
لم أستطع تقليده .

الأم : " تقدم له قطعة كيك " تذوق هذا الكيك ،
أعدته لك صباح .

سالم : " يأخذ قطعة الكيك ، ويتذوقها " آه ..
كيك لذيذ ، صباح مبدعة في صنع الكيك
منذ البداية .

صباح : أشكرك .

الأم : " تتأمله " أنت بخير ، وهذا يفرحني ،
و .. ومازلت شاباً .

سالم : " يبتسم " شيباتي تقول غير ذلك ، يا
خالتي .

الأم : هذه زينة .

سالم : " يتأملها " وأنت ، يا خالتي العزيزة ،
في صحة وعافية ، العمر الطويل لكِ ، إن
شاء الله .

الأم : لا تخدعك المظاهر ، يا ابني سالم "
تقف بشيء من الصعوبة " إنني في
الحقيقة لست على ما يرام ، وقد ألحق
بأختي زهرة قريباً .

صباح : ماما ..

الأم : " تحاول أن تبتسم " مهما يكن ، يا بنيّ
، هذه هي الحياة .

صباح : ماما ، برد شايك ، سأصب لك استكانة
أخرى .

الأم : لا ، كثرة الشاي تضرني كما تعرفين "
تتنهد " إنني متعبة ، عن اذنك يا بنيّ "
تسير ببطء نحوالباب " ..

سالم : " يقف " خالتي ..

الأم : أريد أن أرتاح في فراشي .

سالم : تفضلي ، يا خالتي ، صحة وعافية .

الأم : أشكرك ، يا عزيزي .

صباح : " تمسك يدها وترافقها " دعيني أمسك
يدكِ .

الأم : " تتوقف عند الباب " لا تستعجل ،
ستبقى صباح معك .

سالم : شكراً ، يا خالتي .

الأم : أريد أن تتغدى معنا ، في يوم قريب ،
سأعد لك كبة برغل .

سالم : إن شاء الله ، يا خالتي .

الأم : " لصباح " دعيني ، ما زلت أستطيع أن
أسير وحدي ، أبقي أنت مع سالم .


                          الأم تخرج ببطء ، صباح

                            تعود إلى حيث سالم


صباح : " تفضل اجلس .

سالم : " يجلس " خالتي تبدو متعبة .

صباح : أمراض الشيخوخة ، لم تعد ماما
صغيرة " تنظر إليه " أنا أيضاً أشيخ ، يا
سالم .

سالم : " يحدق فيها مبتسماً " لا ، أنت مازلتِ
صباحاً .

صباح : الصباح أيضاً يشيخ ، إذا مرّ عليه وقت
، كالوقت الذي مرّ علينا .

سالم : أنتِ صباح ، وستبقين صباحاً .

صباح : ليس صباح ، التي كنت تعرفها من
السنين الأولى  .

سالم : أمر طبيعي أن نتغير مع الزمن ،
فصباح التي قرأت رواية الأم لمكسيم
غوركي ، هي ليست صباح التي قرأت
فيما بعد ، كتاب " عشرة أيام هزت العالم
" للكاتب الأمريكي جون ريد ..

صباح : أنت أول من هزني ، يا سالم ، وأيقظني
على عالم جديد .

سالم : صدقيني ، يا صباح ، إنني أشعر أحياناً
بما يشبه الندم ، فالنوم في بلادنا ليس
سيئاً دائماً .

صباح : بالعكس ، كنت ومازلت فخورة ، فقد
أفقت على يديك ، لكن يديك للأسف
سرعان ما أفلتتاني .

سالم : صباح ، أنتِ تعرفين أن يديّ ، لم تفلتاكِ
أبداً ، وكلّ ما حدث ، لم يكن بارادتي ،
فقد كنت مطارداً ، ولو ألقوا القبض عليّ
وقتها ، لما كنتُ الآن أمامكِ .

صباح : هل أنتَ الآن أمامي ، يا سالم ؟ هل أنت
أمامي ؟

سالم : ليتني استطعت أن أكون أمامكِ دائماً ، 

                  يا صباح ، فقد كان الابتعاد عنك ، طوال
هذه المدة ، نوعاً من الموت .

صباح : " تلوذ بالصمت " ....

سالم : غادرت بغداد سراً ، بعد أن هربت من
الموصل ، والتحقت بالأنصار في الجبال
، وحملت السلاح معهم  ، وفي هذه الحالة
، كان من المستحيل أن أتواصل مع أحد
هنا ، وخاصة معكِ ..

صباح : وبقيت أنا هنا ، أنقل من موقف إلى
موقف ، بعد أن فصلتُ من الجامعة ،
وكنتَ أنت دائماً حاضراً في الاستجوابات
, التي أواجه بها ، ولم أستطع حتى في
داخلي أن أتبرأ منكَ .

سالم : لا أدري إذا كان خطئي أنني كنت دائماً
معكِ ، وأردتكِ دائماً معي ، حيثما رحلت
أو حللت .

صباح : لكنك فيما بعد تركت الجبال ، وما تمثله
الجبال ، ولذت بالفرار إلى بلغاريا .

سالم : لم أكن الوحيد في هذا ، وأنا شخصياً لم
أستطع أن أواجه التناقضات ، التي شكلتها
الجبال ، ولست الوحيد ، الذي ألقى
السلاح ، واستجاب إلى متطلبات الحياة
الأخرى .

صباح : وتزوجت هناك ، في بلغاريا ، وصارت
لك حياتك الخاصة ، التي لم يعد لصباح
مكان فيها .

سالم : لو تعرفين الوضع الذي كنت فيه ، حين
وصلت بلغاريا ، بعد أكثر من سنتين ،
من الملاحقة والقتال المستمر في الجبال ،
كنت وحيداً ، ضائعاً ، شبه مريض ، وقد
صادفني هذا الرجل الطيب ، الذي فتح لي
متجره ، وبيته ، وحياته ، فعملت معه بكل
جد واخلاص ، وقد كانت ابنته الشابة
تعمل معنا ، فتعلقت بي ، و .. وتزوجنا ..
بمباركة أبيها .. وقد رزقنا بعد مدة بابنة ..
أسميتها زهرة .

صباح : " تطرق صامتة " ....

سالم : قبل أكثر من سنتين ، أصيبت أم زهرة
بمرض عضال ، لم يمهلها طويلاً .

صباح : " تتنهد " ....

سالم : هذه هي الحياة .

صباح : تساءل البعض عن سبب مجيئك إلى
الموصل الآن بالذات .

سالم : لم أجيء لأبقى ، وقد تأكد لي هذا بعد أن
جئت ، الحياة هنا ليست مناسبة لي ، أو
لابنتي زهرة ، فالخطورة لا تقل عن
خطورة السنين السابقة التي عشتها هنا ،
أو في بغداد ، أو في الجبال .

صباح : خالتي زهرة ، توفاها الله ، قبل سنين
عديدة ، وقد توقعت ماما وخالتي أن تأتي
وقتها ، ولو لحضور طرفاً من مراسيم
العزاء .

سالم : أردت أن أحضر ، حالما علمت بوفاة
المرحومة أمي ، لكن بعض أصدقائي من
العراق في بلغاريا ، نصحوني أن أتريث
، فالأوضاع في رأيهم ، كانت خطرة
للغاية .

صباح : لكن الأوضاع لم تتغير كثيراً ، خلال
هذه الفترة .

سالم : نعم ،  ورأيت أن أجيء ، رغم ذلك ،
فقد لا تتحاح لي الفرصة ثانية .

صباح : " تنظر إليه صامتة " ....

سالم : صباح ..

صباح : لو تعرف ، يا سالم ، كم انتظرتك أمك ،
خالتي زهرة ، وكم تمنت أن تراك ، قبل
أن ترحل عن هذا العالم .

سالم : أعرف ، وهذا ما يحزّ في نفسي ،
يا صباح ، وحاولت جهدي أن أجيء
لأراها ، لكني أعرف أيضاً ، أنها ما كانت
لترضى أن أتعرض لخطر الموت ، لأي
سبب من الأسباب .

صباح : والآن رحلت خالتي ، دون أن تراك ،
وتركت البيت لك .

سالم : " ينظر إليها ملياً " لم يخطر هذا الأمر
في بالي لحظة واحدة ، لا الآن ولا في
أي وقت من الماضي " يصمت لحظة "
وكم أخشى أن هذا ما تظنه أختي أم
سالمة .

صباح : مهما يكن ، يا سالم ، فأنت الآن هنا ،
في الموصل .


                                يدق جرس التلفون ،

                               صباح ترفع السماعة


صباح : ألو ، أهلاً وعد الله ، نعم ، إنه هنا "
تشير لسالم " تفضل ، وعد الله يريد أن
يتكلم إليك .

سالم : " يأخذ سماعة التلفون منها " ألو ، وعد
الله ، أهلاً بك ، إنني أسمعك ، أسمعك
جيداً ، سأعود بعد قليل إلى البيت ،
أنتظرك هناك ، نعم ، سأستقل تكسي ، في
أمان الله .

صباح : خيراً .

سالم : يريد أن يراني على وجه السرعة ، يبدو
أن الأمر هام .

صباح : وعد الله يحبك كثيراً ، وهو إنسان طيب
جداً  ، ويعرف الكثير مما يدور في
المدينة هذه الأيام .

سالم : نعم ، إنه إنسان طيب ، ولابد أنه قدم لك
الكثير من المساعدة ، في محنتك مع
الاستدعاءت الكثيرة .

صباح : هذا صحيح ، لكن يبدو أنه كان يأمل
شيئاً ، لم أستطع أن أحققه  له ، وهذا ما
حزّ في نفسه .

سالم : " ينظر إليها صامتاً " ....

صباح : أرادني ..

سالم : وعد الله !

صباح : رأى الطريق أمامه مفتوحاً ، فأنت .. في
بلغاريا ، وتزوجت هناك ، تزوجت من
فتاة بلغارية .

سالم : لم أكن أعرف هذا .

صباح : الآن عرفت .  

سالم : أنا الآن ليس في بلغاريا ، يا صباح ..

صباح : " تنظر إليه " ....

سالم : ولم أعد متزوجاً ..

صباح : سالم ..

سالم : رافقيني ..

صباح : " تنظر إليه صامتة " ....

سالم : " يمد يده ، ويمسك يدها " طالما كنت
بحاجة إليك ..

صباح : " تطرق رأسها " ....

سالم : صباح ..

صباح : " تهز رأسها " فات الأوان .

سالم : الأوان لم يفت ، ولن يفوت ، ما كان
بيننا يربطنا معاً حتى النهاية .

صباح : لنترك هذا إلى وقت آخر ، يا سالم ،
اذهب إلى موعدك ، أخشى أن يكون وعد
الله في ينتظرك الآن في البيت .


                        يتأملها لحظة ، ثم يتجه 

                          مقطباً إلى الخارج 


سالمة : " تلحق به " استقل تكسي ، وكن حذراً
، يا سالم .

سالم : تحياتي إلى خالتي .

سالمة : رافقتك السلامة .

سالم : أشكرك .

صباح : اتصل بي ، وطمئني حالما تصل
بالسلامة إلي البيت .

سالم : " وهو يخرج " إن شاء الله . 


                          صباح تغلق الباب ، وتقف 

                          دامعة العينين ، تدخل الأم


الأم : يبدو أن سالم قد ذهب .

صباح : نعم ، ذهب ، وقد سلم عليكِ .

الأم " تصمت " ....

صباح : اتصل به وعد الله لأمر هام ، فذهب
على عجل .

 الأم : صباح ..

صباح : " تنظر إليها صامتة " ....

الأم : سمعت ، وأنا في غرفتي ، ما دار بينكما
من حديث .

 صباح : هذا يغنيني عن الحديث عما دار بيننا ،
مادمتِ قد سمعته .

الأم : سمعت أنكِ وعدتِ أن تجيبيه على ما
طلبه ، فيما بعد .

صباح : نعم ، لقد وعدته .

الأم : كنت أتمنى لو تجيبيه مباشرة .

صباح : ماما ، أنتِ ..

الأم : " تقاطعها " لا تتحججي بي ، أمي
مريضة ، وهي بحاجة إليّ ، لو كنت
مكانك ، لتركت كلّ شيء ورائي ،
ولحقت بمستقبلي .

صباح : " تنظر إليها " ....

الأم : اذهبي ، وعيشي حياتكِ .

صباح : لقد عشت حياتي .

الأم : لم تعيشيها ، ولن تعيشينها ، مادمتِ
بعيدة عن سالم ، سالم كان وسيبقى حياتكِ
، التي يجب أن تعيشيها  .

صباح : " تجلس ، وتضع وجهها بين كفيها "
....

الأم : هذه فرصتكِ الأخيرة ، فلا تفرطي فيها
، يا ابنتي .

صباح : " لا ترد " ....

الأم : فكري ، يا صباح  " تتجه إلى الداخل
ببطء " فكري جيداً ، لقد عشتُ أنا حياتي
، بحلوها ومرها ، فلا تدعي حياتكِ أنتِ
تفلت من بين يديك ، فالإنسان لا يحيا إلا
مرة واحدة .  


                                 إظلام 


   الفصل الثالث


                             يدق

                       التلفون ، تدخل سالمة مسرعة


سالمة : ألو ، أهلاً صباح ، الحمد لله ، خالي
سالم ؟ لم يأتِ بعد ، حسناً ، سأتصل بكِ
حالما يأتي ، اطمئني " تدخل الأم " أرجو
أن لا يكون هناك أمر ذا بال ، حمداً لله ،
سأتصل بك ، مع السلامة .

الأم : من كان على التلفون ؟

سالمة : " تضع سماعة التلفون " ابنة خالتي ،
صباح .

الأم : صباح ، يبدو أنها كانت تسأل عن خالك
سالم .

سالمة : نعم .

الأم : كان عندهم هذا المساء ، أخشى أن يكون
قد جرى ، ما يدعوها للسؤال عنه ، إن
الظروف لا تبشر بخير .

سالمة : لا تقلقي ، يا ماما ، سيصل خالي بعد
قليل ، ونطمئن عليه .


                              يدق جرس التلفون ، 

                             سالمة ترفع السماعة


الأم : " قلقة " انظري من يكون ، آه يا سالم ،
طول عمرك قلق وتثير القلق .

سالمة : لحظة ، يا ماما " في التلفون " ألو ،
أهلاً أستاذ عبد المنعم ، كان خالي في بيت
خالتي أم صباح ، وهو الآن في الطريق
إلى بيتنا ، ولابدّ أنه سيصل قريباً ، أهلاً
ومرحباً ، مع السلامة .

الأم : لابدّ أن الأمر خطير ..

صباح : " تضع سماعة التلفون " ماما ..

الأم : صباح تتصل لتطمئن على وصوله ،
وعبد المنعم أيضاً يتصل ، آه سالم .


                              يدق جرس الباب ،

                          سالمة تسرع إلى الخارج


سالمة : لابد أن خالي وصل  ..

الأم : بالسلامة إن شاء الله ، أسرعي ..
أسرعي .. يا سالمة .

سالمة : " تخرج مسرعة " ....

الأم : أخي سالم هذا كتب عليه الشقاء ، ويبدو
أنه لن يرتاح أبداً .


                            يدخل سالم ، ومن 

                           ورائه تدخل سالمة


الأم : " تسرع إليه ، وتعانقه " سالم ، عزيزي
، حمداً لله .

سالم : " يضحك " أم سالمة ، لم أكن في
الجبهة ، لقد انتهت الحرب .

الأم : لم تنتهِ الحرب ، ولن تنتهي ، حروب
العراق دائمة .

سالم : " يتملص منها " حربنا انتهت ، اطمئني
، يا أم سالمة .

الأم : آه ..

سالمة : خالي ..

سالم : " يلتفت إليها " نعم ، سالمة .

سالمة : اتصلت صباح قبل قليل ، وسألت إذا
كنت قد وصلت إلى البيت .

سالم : " يلتفت إلى الأم مبتسما " ها أنا هنا ،
ماذا تقولين ؟

الأم : أقول ليحفظك الله من كل مكروه . لكن
لن أطمئن عليك ، لن أطمئن .

سالم : أشكرك ، اطمئني .

الأم : لن أطمئن عليك ، لن أطمئن .

سالم : " يضحك " أمي الثانية .

الأم : آه منكَ . 

سالم : " يلتفت إلى سالمة " سالمة ..

سالمة : نعم خالي .

سالم : اتصلي بصباح ، وقولي لها ، إنني
وصلت .

سالمة : حالاً ، يا خالي " تتجه نحو التلفون "
سأتصل بها ، وأطمئنها .

الأم : أنتم تقلقونني ، يبدو أنني كالأطرش في
الزفة ، لا أدري ماذا يجري .

سالم : اطمئني ، يا أم سالمة ، ليس هناك ما
يدعو إلى القلق .

سالمة : " في التلفون " صباح ، مرحباً ، خالي
وصل قبل قليل ، اطمئني ، إنه بخير طبعاً
، تحياتي إلى خالتي ، شكراً ، مع السلامة
" تضع سماعة التلفون " .

الأم : " تنظر إلى سالم " هذه صباح ..

 سالمة : نعم ، يا ماما ، وهي تسلم عليكِ .

الأم : ليسلمها الله ، بنت مثل الوردة ، لكن ..
آه من لكن " لسالم " اجلس ، يا سالم ،
اجلس .

سالم : " يجلس " اجلسي أنتِ أيضاً .

الأم : " تجلس إلى جانبه " سالم ..

سالمة : نعم ، ماما .

الأم : هاتي قدح ماء لخالكِ .

سالمة : " تتجه إلى الخارج " نعم ، ماما .

سالم : " مازحاً " وعزمي عليه .

سالمة : " تخرج مبتسمة " ....

الأم : نعم ، لتعزم عليه ، لعل الله يهديكَ .

سالم : أمي  ..

الأم : إذا لم أقلق أنا عليكَ ، فمن يقلق ؟ نحن
لا نعرف ما يخبىء لنا القدر ، في هذه
الأيام السوداء .

سالم : اقلقي ، يا أم سالمة ، إذا كان هناك داع ٍ
للقلق .

سالمة : " تدخل حاملة كوب ماء " تفضل ، يا
خالي .

الأم : اشرب .

سالم : " يأخذ كوب الماء مبتسماً " أرجو أن
تكوني قد عزمّمتِ عليه .

سالمة : " مبتسمة " اشرب ، يا خالي ، هذه
أوامر ماما .

سالم : سأشرب وأمري إلى الله ، رغم أنني
لست عطشاناً ، ارضاء لأمكِ ، أمي
التي تطاردني دائماً .

الأم : والآن ، حدثني ، يا سالم ، قل لي
الحقيقة ، ماذا يجري ؟

سالم : علمي علمكِ " يدق جرس الباب " ،
وهذا الجرس شاهد .

سالمة : " تتجه إلى الخارج " سأفتح الباب .

الأم : يبدو أنه الشاهد فعلاً ، آه منك ، تمنيت
أن تأتي لأراك ، وأطمئن عليك ، والآن لا
أدري .. لا أدري ماذا يجري .


                             يدخل وعد الله ، 

                         ووراءه تدخل سالمة


الأم : " تنهض " أهلاً ابني وعد الله .

وعد الله : أهلاً بكِ ، يا خالة .

سالم : " ينهض باشاً " مرحباً " يصافحه
بحرارة " اتصلت بي ، وأنا عند خالتي أم
صباح .

وعد الله : أريد أن أراك ، وأشبع منك " لأم سالمة
" أشتهي فنجان قهوة .

الأم : من عيني " لسالمة " أعدي لنا قهوة
للجميع .

وعد الله : لا ، يا خالة ، أريد فنجان القهوة  من
يدكِ أنتِ .

الأم : حيلة مكشوفة .

وعد الله : " يبتسم " ....

الأم : قل إنك تريد أن تختلي بسالم ، وتتبشبش
معه .

وعد الله : أريد أن أختلي به ، وآكله ، لعلي أشبع
منه .

الأم : " تدفع سالمة أمامها " هيا تعالي ،
وليختلِ به كما يشاء " تتوقف عند الباب "
وعد الله ..

وعد الله : اطمئني ، القهوة .

الأم : آه منكَ ، ستأتيك القهوة حالاً .


                         تخرج الأم وسالمة ، يبقى

                          سالم وعد الله وحدهما


سالم : ما الأمر ، يا وعد الله ؟ يبدو أن الأمر
جاد .

وعد الله : عليك أن تغادر الموصل ، يا سالم
، وبأسرع وقت ممكن .

سالم : مهلاً ، مهلاً ، يا وعد الله ، الأمر
خطير على ما يبدو .

وعد الله : أخطر مما يمكن أن تتصور .

سالم : قل لي الحقيقة إذن ، فكل شيء متوقع
في هذه الظروف .

وعد الله : مجموعة اسلامية متشددة جداً ، علمت
بوجودك ، وأخشى أنهم يبيتون لك أمراً
خطيراً .

سالم : " يبوذ بالصمت " ....

وعد الله : خلال هذه الفترة ، إذا كنت لا تعلم ،
قامت المجاميع الاسلامية ، باغتيال عدة
أشخاص من جماعتكم وغير جماعتكم ،
من بينهم المسؤول الأول للحزب في
المدينة ، وشخص آخر أيضاً هو وزوجته
، وبلغت بهم الجرأة حدّ ، أن يقتحموا بيت
الضحية ، وينتزعوه من وسط أهله ،
ويقتادونه إلى الشارع ، وينفذون فيه حكم
الاعدام علناً أمام الناس .

سالم : هذا ما سمعته ، من بعض الرفاق ، وأنا
في بلغاريا .

وعد الله : لم يعد لك مكان هنا ، يا أخي سالم ، وقد
عملت على تأمين خروجك من الموصل
هذه الليلة .

سالم : مادام هذا رأيك ، يا عبد المنعم ، فليكن
ما تراه ، أشكرك .

وعد الله : اتفقتُ مع سائق موثوق ، سيأتي إليكَ في
غضون ساعة ، ويأخذك إلى أربيل ، ومن
هناك ، أنصحك ، أن تطير إلى بلغاريا ،
في أسرع وقت ممكن .

سالم : أشكرك ، يا أخي .

وعد الله : أنت أخي ، يا سالم ، ولن أرتاح إلا
بوصولك إلى بيتك في بلغاريا ، وتكون
مع ابنتك ورفاقك .

سالم : لقد أنقذتني في أواخر السبعينيات ، وها
أنت تنقذني الآن أيضاً .

وعد الله : إذا وصلت الليلة إلى أربيل ، سأقول
إنني أنقذتك .


                            تدخل أم سالمة ،

                         وتحمل فنجاني قهوة


الأم : انتظرت أن ينتهي كلامكما ، لآتيكما
بالقهوة ، لكن كلامكما على ما يبدو لن
ينتهي " تقدم فنجان قهوة لوعد الله "
تفضل قهوتك .

وعد الله : " يبتسم لها " أشكركِ .

الأم : " تقدم الفنجان الآخر لسالم " تفضل .

سالم : أشكرك ، يا أم سالمة .

الأم : " لعبد المنعم " أرجو أن تكونا قد
انتهيتما من أسراركما ، التي لا يبدو أنها
لا تنهي  .

عبد المنعم : " يشرب قهوته " فليحدثك سالم عنها ،
وأرجو أن تساعديه .

الأم : " تحدق في عبد المنعم " ....

عبد المنعم : " يعيد لها فنجان القهوة " عاشت يدك ،
يا أم سالمة .

الأم : بالعافية .

عبد المنعم : سالم ، أخي العزيز " يعانقه بحرارة " ،
اتصل بي عندما تصل أربيل ، حتى لو
كان ذلك بعد منتصف الليل ، لن أنام حتى
أطمئن عليك .

سالم : إنني أنتظر السيارة ، أشكرك ، أشكرك
جداً ، يا عبد المنعم .

عبد المنعم : لا شكر على واجب " يمازحه " ترجلوا
عن الدبابة الامريكية .

سالم : " يمازحه " إياكم أن تعودوا في قطار
أمريكي مرة ثانية ، فهذا القطار لا يؤتمن
، يا عبد المنعم .

عبد المنعم : " يضحك " ....


                          يخرج عبد المنعم ، 

                         الأم وسالم وحدهما


الأم : " تحدق فيه متأثرة " سالم ..

سالم : لا تقلقي ، يا أم سالمة .

الأم : هذا يقلقني أكثر .

سالم : يبدو أنني جئتُ إلى الموصل في وقتٍ
غير ملائم .

الأم : ومتى كان الوقت ملائماً في الموصل ؟
إنها الجحيم منذ عقود .

سالم : ستأتي سيارة ، هيأها لي عبد المنعم ،
وستأخذني إلى أربيل .

الأم : " بصوت دامع " سالم .. أخي .. ابن
أمي وأبي ..

سالم : جئت على أمل أن أقضي بعض الوقت
معكم ، و .. " يهز رأسه " لكن كما ترين
، إن الظروف قاتلة .

الأم : " تمدّ يديها وتعانقه " قد لا أراك ثانية ،
أنت لا تغيب عني .

سالم : أنتم دائماً معي ، أنتِ .. وسالمة ..
وخالتي و .. لنأمل خيراً ..

الأم : " تجهش باكية " سالم .. سالم .. 

سالمة : " تدخل وتقف دامعة العينين " ماما ..

سالم : " يحاول أن يتملص منها " كفى يا أم
سالمة  " لسالمة " أمي الثانية ، هكذا
كانت ، عيناها تمطران لأدنى سبب " للأم
" كفى يا عزيزتي ، كفى .

الأم : " تكفكف دموعها " سالم ..

سالم : بخصوص البيت ..

الأم : أي بيت ؟

سالم : هذا البيت .

الأم : هذا البيت ، وما فيه ، فداء لك .

سالم : سأكلف عبد المنعم ، ليحول البيت كله
                  باسمك .. 

الأم : سالم ..

سالم : وإذا احتجتِ إلى أي شيء ، مهما كان ،
اتصلي بي في بلغاريا .


                          يدق جرس التلفون ،

                           سالمة تسرع إليه


 سالمة : " ترفع السماعة " ألو ، من ؟ صباح !
" تنظر إلى سالم " ..

سالم : " يهمس لها " قولي لها غير موجود ،
وسيتصل بكِ قريباً .

الأم : " تنظر إليه متأثرة " سالم ..

سالم : " لا يردّ عليها " ....

سالمة : " في التلفون " صباح ، عزيزتي ،
خالي غير موجود الآن ، سيتصل بك
قريباً ، مع السلامة " تضع سماعة التلفون
حزينة " .


صوت منبه السيارة ، 

                          يأتي من قرب الباب


الأم : سالم ، السيارة .

سالم : نعم ، لابدّ أنها هي . 

الأم : " تعانقه باكية " سالم .. سالم ..

سالم : آه يا أم سلمى ، يا حبيبتي ، ليتكِ
تودعيني بدون دموع .

الأم : " وهي تبكي " قد لا أراك مرة ثانية ..

سالم : سأكون على اتصال بكم دائماً " يمازحها
" صورة وصوت ، وأيضاً سأرى
دموعكِ .

سالمة : " بصوت دامع " خالي ..

سالم : " يمديديه نحوها " عانقيني بدون دموع
، هيا لا دموع .

سالمة : " تعانقه " أراك سالماً على الدوام ""
يرتفع منبه السيارة ثانية " .

سالم : " يتملص من بين يدي سالمة " السيارة
، يجب أن أذهب .

الأم : مع السلامة ، يا أخي ، مع السلامة .

سالمة : رافقتك السلامة ، يا خالي ، رافقتك
السلامة .

سالم : " يتجه نحو الخارج " تحياتي لأبي
سالمة ، وداعاً " يتوقف عند الباب " أم
سالمة ..

الأم : عيون أم سالمة .

سالم : صباح ، ابنة خالتي ، ابنتك الثانية ،
أريدها أن تكوني معك دائماً ، وإذا
احتاجت إلى أي شيء ، اتصلي بي .

الأم : " تهز رأسها ، ودموعها تسيل على
خديها " ....


                         سالم يخرج ، تبقى 

                        الأم وسالمة وحدهما 

                                إظلام

                                 ستار


                                       25 / 12 / 2018




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق