تصنيفات مسرحية

الاثنين، 27 فبراير 2023

وداعاً آزادوهي ساموئيل قديسة المسرح العراقي

مجلة الفنون المسرحية


وداعاً آزادوهي ساموئيل  قديسة المسرح العراقي

عبد العليم البناء

متوالية الخسارات لمبدعي العراق الذهبيين مازالت تتواصل فتخطف بين الحين والآخر العديد منهم، وكان آخرهم فنانة الشعب وقديسة المسرح العراقي الأصيلة آزادوهي ساموئيل (وليس صاموئيل كما كانت تؤكد لي) التي غيبها الموت عن عمر ناهز الـ 81 عاماً في صقيع الغربة، كما هوحال معظم مبدعي العراق الكبار الذين قضوا بعيداً عن أرض الوطن الذين كانوا يعيشون في كنفه وهم يعانون لوعة الحرمان منه.
لقد رحلت هذه الفنانة الرائدة التي فتحت الباب واسعاً بدخولها الشجاع لتسجل لنفسها الريادة في أنها أول طالبة تدرس فن التمثيل في العراق في معهد الفنون الجميلة ببغداد آنذاك أمام من انخرط بعدها لاحقاً بدراسة فن التمثيل من الفنانات العراقيات، اللائي تدفقن ببطء على المعهد في السنه الثانية من دراستها، فكانت الفنانة هناء عبد القادر ثم جاءت من بعدها سميه داوود، وبعد سنتين جاءت فوزية الشندي، ورؤيا رؤوف، وساهره أحمد، وشوبو محمد، ومنيرة عباس، وبلقيس الكرخي، وتقدم إلى المعهد في السنيين التالية وبدون حرج كبير، شيماء، وغزوة الخالدي، وسعاد عبد الله، وأحلام عرب ، ونضال عبد الكريم، وغيرهن. 
قدمت آزو أثناء دراستها وتتلمذها على أيدي عمالقة المسرح الأفذاذ في معهد الفنون الجميلة مسرحيات أبرزها : (المثري النبيل) تأليف: مولير إخراج :جعفر علي، (عطيل) لشكسبير - وإخراج : جاسم العبودي ، (أوديب ملكاً) لسوفوكلس - إخراج : جعفر السعدي، (فيما وراء الافق) ليوجين أونيل - إخراج الراحل : بهنام ميخائيل وغيرها من الأعمال المسرحية ، لتواصل هذه الفنانة الأصيلة التي كانت من أبرز رواد المسرح منذ عام 1954م مشوارها المسرحي الغزير حيث كانت من أكثر الممثلات العراقيات نشاطا وغزارة ومشاركة بمسرحيات مهمة في تاريخ المسرح العراقي. 
لقد شقت آزو طريقها بجدارة واقتدار فعملت مع العديد من الفرق المسرحية وأبرزها (فرقة المسرح الفني الحديث)، وقدمت العديد من الأعمال المسرحية المهمة شكلاً ومضموناً مابين 1954 - 1958 مسرحيات: (إيراد ومصرف)، (حرمل وحبة سوده)، (ست دراهم)، (آني أمك ياشاكر)، (أهلاً بالحياة)،(فوانيس)، ( صورة جديدة )، (مسألة شرف)، (المفتاح)، (النخلة والجيران)، (الخرابة)، وكانت تتكبد كل يوم عناء السفر الى الرمادي (حيث المدرسة التي نسبت اليها معلمة ) ثم العودة الى بغداد  التزاماً بتدريباتها وعروضها المسرحية على خشبة مسرح بغداد وسواه.
لقد عملت آزادوهي صموئيل منذ صعودها على خشبة المسرح مع العديد من المخرجين المسرحيين الكبار أمثال : جعفر السعدي، وإبراهيم جلال، وجاسم العبودي، وقاسم محمد، وبهنام ميخائيل، وبدري حسون فريد، وجعفر علي، ومحسن العزاوي، وحققت مع الفرقة القومية للتمثيل عشرات الأعمال المسرحية لكوكبة من مخرجي المسرح اللامعين من جيلي الرواد والشباب وبأدوار مميزة بينها: الليالي السومرية، المومياء، تقاسيم على نغم النوى، لغة الأمهات، الفجر الحزين، ثورة الموتى، جسر آرتا، حفلة الماس، مملكة النحل، العاصفة مريض الوهم، بين المالك والمملوك ضاع التارك والمتروك، رائحة المسك، إبن ماجد، الغائب، الامس عاد جديدا، جزيرة أفروديت، بدر البدور وحروف النور، المزيفون، حرم صاحب المعالي، كان ياما كان.
وكان لها حضورها الباذخ والثري عبر الشاشة الصغيرة حين قدمت أدواراً وشخصيات مازالت راسخة في الذاكرة كما هو الحال مع أدوار والشخصيات التي قدمتها في المسرح، في العديد من الأعمال الدرامية المميزة ومن بينها : أولاد الحجي، القضية 238، الملاذ آمن !؟، رجل فوق الشبهات، عالم الست وهيبة، يا حب ايها الوجه الغريب، حكايات المدن الثلاث، وداعا أيها الحب، رجال الظل، الضفة الأخرى، الواهمون، شيء من الحب والكبرياء، حجاية يراد لها 1000 حجاية، البلابل، أجنحة الثعالب، حكاية الصياد عاشور ، الحنان له أشرعه، نسيبة بنت كعب، الشعاع، وينك يا جسر، بيتنا وبيوت الجيران، حكايات المدن الثلاث..
 أما على صعيد السينما فمثلت عدداً من الأفلام نذكر منها :(الجزاء)، (وجهان في الصورة)، الفجر الحزين. 
وخلال هذا المشوار الإبداعي الطويل والرصين حصدت الراحلة الكبيرة جوائز فنية وتكريمية وتقديرية عديدة في العراق ومن مهرجانات مسرحية عربية عديدة شاركت فيها. 
إن رحيل هذه الفنانة الكبيرة التي كانت بالفعل قديسة في حضورها وشخصيتها الواقعية والإبداعية المجللة بالوقار والتواضع والبساطة والطيبة والنقاء - وكما قال الشاعر والروائي إبراهيم البهرزي- لا يعني رحيل ممثلة حسب، بل رحيل موجة لطيفة من النساء الشجاعات اللواتي اخترقن أسوار العزل النسائي في بواكير النهضة العراقية منذ الخمسينات وما بعدها، واللواتي أسهمن بتقديم فن راق يتواشج مع حركة التجديدوالتقدم الاجتماعي، فن تراه العائلة العراقية مجتمعة دون محاذير، ذلك الفن الذي تواصل في الذاكرة الشعبية كواحد من روافد الثقافة التقدمية في البلاد..برحيلها يوشك أن ينطوي زمن النساء المنيرات اللواتي أشرقن في أزمنة التقاليد الصارمة لينفتح الباب على أزمنة مظلمة مفعمة برموز التفاهة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق