تصنيفات مسرحية

الأربعاء، 8 فبراير 2023

مسرحية للفتيان " الإعصار " تأليف طلال حسن

مجلة الفنون المسرحية

الكاتب طلال حسن 



   مسرحية للفتيان " الإعصار " تأليف طلال حسن





     شخصيات المسرحية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ سنحاريب

2 ـ نادين

3 ـ اسرحدون

4 ـ نقيا

5 ـ الوصيفة 

6 ـ المستشار

7 ـ الإله آشور

8 ـ مردوخ بلادان 

9 ـ الأميرة





    المشهد الأول



                           معبد الملك ، يدخل 

                       سنحاريب ، يتبعه الحارس


سنحاريب : " يتوقف " يا للعتمة ، أكاد لا أرى
شيئاً .

الحارس : لعل الكاهن لم يتوقع قدومكم ، يا
مولاي ، فأشعل مشعلاً واحداً ، سأشعل
مشعلاً آخر ، إذا أمرت ، يا مولاي .

سنحاريب : لا ، لا داعي للأمر ، لن أبقى طويلاً
في المعبد " يرتجف " أشعر بالبرد . 

الحارس : الجو هنا بارد ، يا مولاي ، ولابد
لجلالتك من معطف يدفئك .

سنحاريب : لن يدفئني شيء بعد الآن " يرتجف
ثانية " يبدو أنني شخت .

الحارس : " يبقى صامتً " ....

سنحاريب : إنها بابل ، لقد أشاختني " آه بابل "
يرتجف مرة أخرى " آ .. ه .

الحارس : مولاي ، أرجوك ، اسمح لي أن أذهب
، وآتي بالمعطف .

سنحاريب : أيها الحارس ..

الحارس : " متوجساً " مولاي .

سنحاريب : دلني عليه .

الحارس : مولاي ؟

سنحاريب : أنت تعرف أين هو .

الحارس : " يلوذ بالصمت " ....

سنحاريب : مهما يكن هو ابني ، ابني الوحيد ،
وأريد أن أعرف أين هو .

الحارس : " يبقى صامتاً " ....

سنحاريب : " يحدق فيه " أهو في كليكية ؟ أم نابال
؟ أم بابل ؟ أم .. آه بابل " يطرق برأسه "
إنني بحاجة إلى اسرحدون ، بحاجة إليه ،
رغم كل شيء " يرتجف مرة أخرى " ما
أشدّ هذا البرد .

الحارس : مولاي ..

سنحاريب : اذهب ، وأتني بالمعطف .

الحارس : أمر مولاي " يخرج " .


             

                            سنحاريب يقف أمام 

                             تمثال الإله لآشور


سنحاريب : أيها الإله العظيم آشور ، لقد غضبت
من بابل ، لأنها خرجت عليك ، وعصتك
، ولك الآن أن تغضب لها ، فقد صارت
خراباً ، أنا أيضاً غاضب لبابل مع أني
غضبت منها ، حين شقت عصا الطاعة ،
فأرسلت نادين على رأس جيش جرار
لمعاقبتها ، وإعادتها إلى سيادة آشور .

نادين : " يدخل خلسة متمنطقاً سيفه " ....

سنحاريب : فهاجمها كالإعصار ، وكالإعصار
أطاح بها ، لم يترك من شيبها أو شبابها
أيّ فرد ، فملأ طرقها بجثثهم وأشلائهم ،
أما بابل نفسها ، بابل الجميلة ، المقدسة ،
وثاق السماء والأرض ، فقد حطمها
وخربها ، ودمرها بالنيران من أسسها
حتى سقوفها ، ثم سلط عليها مياه الفرات
، فحولها إلى أرض خراب ..

نادين : " يمسك بيده مقبض سيفه " ....

سنحاريب : لو كان اسرحدون إلى جانبي في نينوى
، لما دُمرت بابل ..

نادين : " يقترب من سنحاريب ، ويده فوق
مقبض سيفه  " ....

سنحاريب : أيها الإله العادل ، أنزل عقابك بقاتل
رباط السماء .. بابل ..

الحارس : " يدخل حاملاً المعطف " ....

سنحاريب : فالقاتل ، وفق شريعتك العادلة ، يجب
أن ينال جزاءه ..


                          نادين يطعن سنحاريب ،                   الحارس يلوذ بالفرار


سنحاريب : " يصيح متوجعاً " آي .

نادين : " يسحب سيفه " ....

سنحاريب : أيها الغدار .. قتلتني .

نادين : " يبتعد قليلاً " ....

سنحاريب : " يلتفت إليه " من ؟ نادين! 

نادين : نعم نادين .

سنحاريب : هذه فعلة .. لا تصدر إلا من غدّار ..
مثلك .

 نادين : لن أفيك حقك ، مهما فعلت .

سنحاريب : إن من يقتل بابل ، تلك القتلة البشعة ،
لا يتورع .. عن قتل .. أيّ كان .

نادين : خذ " يطعنه ثانية " هذا بعض حصاد
ما زرعته يداك .

سنحاريب : " يصرخ " آي " يتراجع منهاراً " بئس
الزرع أنت " يتهاوى على الأرض "
اسرحدون .. اسرحدون .. اسرحدون .

نادين : لا تتعجل " يرفع سيفه المخضب
بالدماء " إن سيفي هذا ، سيلحق
اسرحدون بك قريباً ، إلى العالم الأسفل .

سنحاريب : أيها الغادر " يخفت صوته " الإله آشور
.. يراك .. ولن .. يمهلك .

نادين : مات ؟ " يحدق فيه " نعم مات ، مات "
يدور رافعاً سيفه " ليعلم الجميع ، أنني
آشور نادين ـ شاومي ، ملك آشور ، ملك
الجهات الأربع ، ملك ..


                             الباب يغلق بقوة ،

                          فيتوقف نادين متوجساً


نادين : من هناك ؟ " يتجه إلى الباب الثاني ،
فيغلق بقوة أيضاً " يا إلهي ، ماذا يجري؟       

آشور : نادين .

نادين : " يلتفت مصعوقاً " من ؟

آشور : اسمع ، يا نادين .

نادين : " يدور حول نفسه " من ؟ من ؟

آشور : هذا صوتي ، وهذه نبوءتي .

نادين : " يتوقف مذهولاً " ....

آشور : بالسيف الذي قتلت به سنحاريب ..
ستقتل .

نادين : " يلتفت مذعوراً " يا ويلي ، من !

آشور : أيها القاتل ، ارم ِ سيفك الملطخ بالدماء.

نادين : الإله آشور .

آشور : صه ، لا تنطق اسمي بلسانك الخائن "
يصيح بحزم " ارم ِ سيفك .

نادين : " يرفع سيفه " بهذا السيف حميت
اسمك وشريعتك .

آشور : تكذب .

نادين : دمرت بابل ،لأنها كفرت بك ، وخرجت عن إرادتك .

آشور : تكذب .

نادين : وقتلت الملك لأنه خرج على شريعتك .

آشور : الملك هو أبوك .

نادين : أنت إلهي ، وشريعتك فوق الجميع .

آشور : ارم سيفك .

نادين : أيها الإله العظيم ، أنت تعرف الحقيقة " يرمي سيفه المُلطخ بالدماء" إن أبي ، الملك سنحاريب ، لم يكن عادلاً معي .

آشور : لقد جعلك ملكاً على بابل .

نادين : وجعل اسرحدون وريثاً لعرش آشور كلها ، مع أنه أصغر مني "صمت" لقد أحب أسرحدون دائماً، أحبه أكثر مني ، وحتى عندما غضب عليه وفر بعيداً عن نينوى، ظل على حبه له "صمت" لقد حاولت ، منذ صغري ،  أن أجعله يحبني ، مثلما أحب أسرحدون ، ولكن دون جدوى " إظلام تدريجي" لم يكن في حياته سوى اسرحدون.. آه من اسرحدون.


       
  تخفت الأضواء ، ويتلاشى

          صوت نادين ، صمت


          إظلام



   المشهد الثاني

 


      ظلام ، صوت سنحاريب ،

        نادين يتحدث كراو ٍ 


سنحاريب : " من بعيد" اسرحدون .. اسرحدون .. اسرحدون .

نادين : اسرحدون ، هذا الاسم ، كان يتردد دوماً على لسان أبي ، كأنما لا يوجد في العالم سوى .. اسرحدون .

سنحاريب : " من مكان أقرب " اسرحدون .. اسرحدون .

نادين : إنه يوم من الماضي البعيد ، لم أنسه ، ولن أنساه ، كان عمري وقتها لا يتجاوز الرابعة عشر ، وكان اسرحدون في حوالي التاسعة من عمره ...

سنحاريب : " من مكان أكثر قرباً " اسرحدون .

نادين : اسرحدون .. آه اسرحدون.


        غرفة في القصر

                   الملك ، الملكة ووصيفتها


سنحاريب : " من الخارج " اسرحدون .

نقيا : " ترفع رأسها مصغية " ....

سنحاريب : " من الخارج " اسرحدون .

نقيا :  أيتها الوصيفة ، أصغي .

سنحاريب : " من الخارج " اسرحدون .

الوصيفة : مولاي الملك ، يا مولاتي .

نقيا : عجباً ، كل ظني أن الملك مع رسول ملك بابل ، في قاعة العرش .

سنحاريب : " من الخارج " اسرحدون ، اسرحدون اسرحدزن .

الوصيفة :يبدو أن مولاي الملك ، يبحث عن مولاي .. اسرحدون .

نقيا : إن اسرحدون ، على ما أظن ، خارج القصر ، مع أخيه نادين .

الوصيفة : نعم يا مولاتي ، وهذا ما أخشاه .

نقيا : اسرحدون لم يعد صغيراً ، ثم إن نادين ....


        يدخل سنحاريب مسرعاً

        فتلوذ الملكة بالصمت


سنحاريب : " متلفتاً " اسرحدون .

الوصيفة : " للملكة " مولاتي .

نقيا : اذهبي الآن .

الوصيفة : أمر مولاتي " تسير ثم تنحني للملك " عمت صباحاً يا مولاي .

سنحاريب : " لا يلتفت إليها " اسرحدون .

الوصيفة : " تخرج مسرعة " ...

سنحاريب : يا للآلهة ، اسرحدون ليس هنا أيضاً .

نقيا : أخبرتُ أنك في قاعة العرش ، يا مولاي ، تجتمع إلى رسول ملك بابل .

سنحاريب : لا تقولي ملك بابل ، قولي خائن بابل ، إن مروداخ بلادان ليس أكثر من خائن " يلتفت حوله" لم أجد لأسرحدون أثراً في أي مكان .

نقيا : يبدو أن الاجتماع انتهى سريعاً.

سنحاريب : الاجتماع لم ينتهِ ، أين اسرحدون؟ 

نقيا : لندع اسرحدون الآن يا مولاي ، ما الذي جاء من أجله ؟

سنحاريب : من ؟ آه .. الرسول ، فليذهب هو وسيده، عبد عيلام ، إلى العالم الأسفل .

نقيا : لا بد من حل يا مولاي ، فمروداخ بلادان شوكة سامة مزمنة ، في جسد آشور .

سنحاريب : سأنزع هذه الشوكة ، وأحطمها ، وأذروها مع الريح " يلتفت حوله" ترى أين عساه قد مضى؟ اسرحدون .

 

                        يدخل المستشار العجوز ،

                        وينحني للملك والملكة


المستشار : مولاي .

نقيا : " تومئ برأسها " المستشار .

سنحاريب : " يلتفت " نعم .

المستشار : الرسول ينتظر ، يا مولاي .

سنحاريب : لينتظر ، إن هذا اللعين يثير أعصابي "يلتفت غلى الملكة " كان عليك أن تعرفي أين هو .

نقيا : " تنظر إلى المستشار محرجة "...

المستشار : يمكننا أن نؤجل الاجتماع إلى الغد ، إذا أردت يا مولاي .

سنحاريب : كلا ،  سأبلغه رسالتي ، حالما أجد اسرحدون ، وأطمئن عليه .

نقيا : اطمئن ، اسرحدون يلعب مع نادين ، وسأرسل من يأتي به .

سنحاريب : أرسلي الآن ، بسرعة " يلتفت إلى المستشار " اذهب أنت وانتظرني في قاعة العرش .

المستشار : "ينحني" أمرك يا مولاي .


                     المستشار يخرج ، سنحاريب 

                          يلتفت إلى الملكة


سنحاريب : مع من قلت أن اسرحدون يلعب ؟ مع نادين !

نقيا : نعم مع نادين .

سنحاريب : يا للآلهة .

نقيا : لا داعي للخوف ، إن نادين أخوه . 

سنحاريب : إذا كنت خائفاً عليه فمن ... نادين .

نقيا : كلا ، أرجوك لا تقل هذا .

سنحاريب : إنه ابني ، وأنا أعرفه .

نقيا : نادين ابني أيضاً ، إنه ما يزال صغيراً. 

سنحاريب : الأفعوان أفعوان مهما كان عمره "يصيح" أيها الحارس " للملكة " أين هما؟ سأرسل الحارس ليأتي ... "يصيح ثانية" أيها الحارس .

الحارس : " يدخل مسرعاً " مولاي .

سنحاريب : اذهب إلى ... " يلتفت إلى الملكة" لم تخبريني أين يلعبان .

نقيا : "حائرة " إنهما ... إنهما ...

الوصيفة : " تدخل مسرعة " مولاي .

سنحاريب : إياك أن تحدثيني عن رسول الخائن مروداخ بلادان .

الوصيفة  : عفواً مولاي ، إنه اسرحدون .

سنحاريب : اسرحدون ؟ ماذا به ؟

الوصيفة : جاء مع نادين .

الحارس : " حائراً " مولاي .


                      الحارس يخرج ، يدخل 

                      اسرحدون وخلفه نادين

  

اسرحدون : " يسرع نحو أبيه " أبي ، أبي .

سنحاريب : اسرحدون " يفتح يديه له " بني.

نقيا : " هامسة للوصيفة " اذهبي .

الوصيفة : " بصوت خافت " أمر مولاتي "تنسل مسرعة إلى الخارج ".

سنحاريب : آه منك ، لقد قلقت عليك .

نقيا : لك أن تطمئن الآن ، ها قد جاء ولداك اسرحدون ونادين .

سنحاريب : " يرمقها بنظرة خاطفة" ...

اسرحدون : أبي لو تعرف ماذا حدث .

نادين : "يتململ قلقاً " ...

سنحاريب : ماذا حدث ؟ أخبرني .

اسرحدون : هاجمني ذئب .

نادين : " يشير إلى اسرحدون محذراً " ....

سنحاريب : ذئب ؟ لعلك تقصد كلباً يشبه ... 

اسرحدون : لا ، لا ، ذئب .

نادين : "بصوت خافت " اسرحدون .

نقيا : أنت واهم ، يا بني ، فلا يوجد ذئب في حديقة القصر .

اسرحدون : الذئب لم يهاجمني في حديقة القصر ، يا أمي ، بل في الغابة .

سنحاريب : " يرمق نادين بنظرة خاطفة " الغابة .

اسرحدون : تلك التي قرب النهر .

سنحاريب : آه لا بد أن نادين ، هو الذي أخذك إلى تلك الغابة .

اسرحدون : لا يا أبي ، لا ، أنا أردت الذهاب ، وجاء نادين معي .

نادين : لقد حاولت منعه ، لكنه أخذ يبكي ، فذهبت معه .

سنحاريب : أحقاً هاجمك الذئب ؟!

اسرحدون : نعم ، وكاد أن ...

سنحاريب : "يحدج نادين بغضب " الويل لك .

اسرحدون : وتصدى له نادين ، وضربه بهراوته على رأسه وصرعه .

نادين : لم أكن لأدع الذئب يمسه بأذى ، مهما كلفني الأمر .

سنحاريب : أيها الغادر ....

نادين : أبي .

سنحاريب : كنت تريد التخلص منه لأمر في نفسك.

نادين : " ينظر صامتاً إلى امه " ....

سنحاريب : " لاسرحدون " بني إياك والذهاب ثانية مع نادين ، إلى أي مكان .

أسرحدون : لا خوف عليّ يا أبي ما دمت معه ، لو تعرف كم هو قوي .

سنحاريب : أنتَ القوي .

أسرحدون : لقد صرع الذئب بضربة واحدة . 

سنحاريب : سأجعل أفضل الأبطال في نينوى ، يدربونك على شتى فنون القتال " يرمق نادين بنظرة خاطفة " حتى تتصدى لمن يريد الشر بك ، الآن وفي المستقبل . 

أسرحدون : " ينظر فرحاً إلى أمه ونادين " ...

سنحاريب : سأذهب الآن إلى قاعة العرش " يمسك يد أسرحدون " تعال معي .

أسرحدون : " ينظر إلى نادين " ....

سنحاريب : " يسحب أسرحدون " هيا يا بني ،هيا . 


                     يخرج سنحاريب وأسرحدون ،

                        ويبقى نادين مع الملكة


نقيا : " تقترب من نادين " بني .

نادين : " يتجه إلى الخارج " دعيني .

نقيا : مهلاً ، يا نادين .

نادين : لا أريد ان أسمع أي شيء .

نقيا : " تلحق به " أسرحدون طفل ، وأبوك....

نادين : أبي ! إن لديه اسرحدون ، فقط  "يخرج ممروراً غاضباً ".


                         الملكة تقف وحيدة ،

                      الأضواء تخفت بالتدريج 


                               إظلام 

  




















المشهد الثالث 


          

                              معبد الملك ، 

                         نادين يقف أمام الإله 


نادين : منذ البداية ، عرفت أن أبي يميز بيني وبين أسرحدون .

الإله آشور : هذا ما تصورته .

نادين : وهو الحقيقة ، كان أسرحدون كل عالمه.

الإله آشور : لقد حاول أن يجعلك ساعده الأيمن .

نادين : وجعل أسرحدون وريثه .

الإله آشور : لكنك أنت وليس أسرحدون ، من ولاه بابل ، وجعله ملكاً عليها .

نادين : بابل ...

الإله آشور : بابل الجميلة ، المقدسة ، وثاق السماء والأرض ، وضعها بين يديك أنت .

نادين : بابل كانت الشرك ، لقد كنت في اوج شبابي ، وقوتي ، واندفاعي ، فلم أشعر بحبال الشرك ، تلتف شيئاً فشيئاً حول عنقي "إظلام تدريجي " حتى كادت تخنقني ... آه ... بابل .


                          نادين يطرق برأسه ،

                       صمت ، الأضواء تتلاشى 


                               إظلام 








 




 

 

    

المشهد الرابع 


                        قاعة العرش ، سنحاريب ،

                        ومعه أسرحدون والمستشار


المستشار : أنت محق يا مولاي ، الوضع خطير فعلاً والاضطرابات بدأت تقترب من بابل.

سنحاريب : لم يعد بعل ابني ، الذي نصبته ملكاً على بابل ، قبل ثلاث سنوات ، بقادر على لجم هذه الاضطرابات .

المستشار : خاصة بعد عودة مروداخ بلادان من الأهوار ، التي فر إليها ، عندما دحرتموه تحت أسوار كيش ، وظهوره في موطنه الأصلي بيت - ياكين .

اسرحدون : ومن يدري ، فقد يحاول السيطرة على بابل ، كما سيطر عليها في السابق ، بمساعدة ظباط عيلاميين ، ونصب نفسه ملكاً عليها .

سنحاريب : ما أحوج بابل إلى قبضة قوية ، تصد مروداخ بلادان ، وتسحقه في الوقت المناسب .

أسرحدون : هذا حق ، يا مولاي .

سنحاريب : ولا يصلح لهذه المهمة غير ملك .. مني.

المستشار : " ينظر إليه حائراً " ....

سنحاريب : نادين .

المستشار : " يهم بالكلام لكنه يصمت " ....

أسرحدون : " يتمتم مبتسماً " نادين .

سنحاريب : " للمستشار " ما رأيك ؟

المستشار : ما تراه يا مولاي .

سنحاريب : لا ، أريد رأيك .

المستشار : مولاي ، نادين قوي ، وحازم ، وصلب، وشجاع ، لكنه ... ما زال شاباً .

سنحاريب : نادين ابني ، وهيبته من هيبتي ، أنا سنحاريب .

المستشار : أنا معك يا مولاي ، ويمكن دعمه بمستشارين ، وقادة أكفاء ، وموظفين متمرسين .

سنحاريب : هذا ما فكرت فيه ، وسأترك لك اختيار المستشارين والقادة والموظفين .

المستشار : "ينحني" أمر مولاي .

سنحاريب : امض على بركة الآلهة .


                    المستشار يخرج بخطواته البطيئة ،

                      سنحاريب وأسرحدون وحدهما


سنحاريب : لم يأت نادين .

أسرحدون : لقد أرسلت في طلبه ، كما أمر أبي ، وسيأتي في الحال .

سنحاريب : نادين سيذهب قريباً إلى بابل ، وستبقى أنت إلى جانبي ، في نينوى .

أسرحدون : إنني لم أر بابل حتى الآن ، يقال أنها جميلة جداً " يبتسم " سأزورها ونادين ملكاً عليها ، إذا سمحت .

سنحاريب : ليكن ، لكن ليستتب الأمن أولاً ، فبابل مضطربة الآن .

الحارس : " يدخل " مولاي .

أسرحدون : نادين ؟ 

الحارس : نعم مولاي .

سنحاريب : ليدخل .

الحارس : أمر مولاي . " يخرج " 


                         يدخل نادين ، أسرحدون

                            يقترب منه باسماً


أسرحدون : "هامساً " عمت صباحاً ، مولاي ، ملك بابل .

سنحاريب : أسرحدون .

نادين : " يقلب نظره بينهما " ....

سنحاريب : نادين ، تعال .

أسرحدون : " هامساً " ستدخل قريباً بوابة عشتار ، على عربة ملكية تقودها أربعة جياد .

نادين : عمّ يتحدث أسرحدون ، يا أبي ؟

سنحاريب : تعال ، وستعرف .

نادين : " يقترب منه " أبي .

سنحاريب : نادين ، لقد أوكلت إليك أكثر من مهمة، وأنجزتها بنجاح .

نادين : " يرمق أسرحدون بنظرة سريعة " ....

سنحاريب : وسأوكل إليك ، هذه المرة ، مهمة كبيرة ، وأريدك أن تنجزها بنجاح أيضاً .

نادين : بعون الإله آشور ، يا أبي .

سنحاريب : بابل .

نادين : بابل !

سنحاريب : ساجعلك ملكاً عليها .

نادين : " يحدق فيه صامتاً " ....

سنحاريب : أنت جدير بهذه المهمة .

نادين : لكن بعل ابني ملك بابل .

سنحاريب : سابعده ، لم يعد بعل ابني صالحاً لمهمة كهذه ، إن بابل بحاجة إلى ملك مني ، وأنت مني ، يا نادين .

نادين : " ينظر إلى أسرحدون " ....

أسرحدون : " يبتسم " المجد لملك بابل الجديد ، آشور ، نادين – شومي .

نادين : أبي ، ليأت أسرحدون معي .

سنحاريب : ليس الآن ، سيزورك حين يستتب الأمن ، وتبتعد الأخطار عن بابل .

نادين : " يلوذ بالصمت مفكراً " ...

سنحاريب : نادين .

نادين : حسن ، كما تشاء .

سنحاريب : لتستعد إذن ، ستسافر إلى بابل ، في القريب العاجل.

نادين : سمعاً وطاعة ، يا أبي .


                        أسرحدون يشد بفرح

                          على ذراع نادين 

                               إظلام 



المشهد الخامس



                              معبد الملك ، نادين 

                                يقف أمام الإله


نادين : وذهبتُ إلى بابل ، وحققت ما أراده.

الإله آشور : وحققت أيضاً ما أردته ، لقد عاث مروداخ بلادان في الأرض فساداً .

نادين : أنت إلهي العظيم ولم تشأ لي إلا الخير.

الإله آشور : وكذلك سنحاريب ، فقد جعلك ملكاً على بابل ، ومنحك فرصة مقارعة مروداخ بلادان ، وقهره .

نادين : مروداخ بلادان ، آه لو وقع هذا الجبان في يدي لمزقته ، وشفيت غليل جدي العظيم سرجون منه ، لقد أزمن هذا اللعين في جسد آشور ، واستفحل خطره، رغم أن أبي قهره تحت أسوار كيش ، إن الجبان فر من مواجهتي ، فجمع أرباب موطنه كلهم وولى هرباً كالطير المذعور، إلى هور نجايد .

الإله آشور : مهما يكن ، فقد حققت نصراً كبيراً عليه، وطردته بعيداً عن بابل المقدسة ، وهذا ما أردته ، وغبطتك من أجله .

نادين : على العكس من أبي ، فهو لم يرد هذا فقط بل أراد أيضاً شيئاً آخر ، غاب وقتها عن تفكيري .

الإله آشور : عيبك القاتل يا نادين ، أنك كثير الشكوك .

نادين : هذه ليس شكوكاً ، إنها حقائق واضحة، لقد أراد أبي ، أن يبعدني عن نينوى ، ويشغلني بمعارك لا تنتهي ، لينصرف إلى أسرحدون ، ويمهد له الطريق ليرث العرش بعده ، إن أسرحدون كان كل شيء في حياته .

الإله آشور : هذه واحدة من شكوكك ، لقد أرسل إليك أسرحدون مهنئاً ، وأنت في أوج انتصارك .

نادين : أرسله إلى بابل بعد أن استتب الأمن ، وزال الخطر ، وهرب مروداخ بلادان إلى هور نجايد " صمت " ليته لم يرسله، فقد كان مجيء أسرحدون طعنة في الصميم .

الإله آشور : الأميرة .

نادين : " منفعلاً " كلا ، الأميرة لا تهمني ، ولم تهمني " إظلام تدريجي " لقد جاء أسرحدون إلى بابل في قمة فرحي "صمت " آه ليته لم يجيء .


                            نادين يطرق رأسه ،

                         صمت ، الأضواء تتلاشى 

        

                                 إظلام













المشهد السادس



                            حديقة القصر ، تدخل

                              الأميرة والوصيفة


الأميرة : تعالي ، المكان هادئ .

الوصيفة : " تتلفت إلى الداخل " مولاتي .

الأميرة : والقمر بدر الليلة " تتأمل القمر " آه ما أجمل هذا القمر !

الوصيفة : الشباب والشابات يتمتعون في الداخل ، بالرقص والغناء والأحاديث الدافئة .

الأميرة : أنت تعرفين أن ما ذكرته لا يمتعني .

الوصيفة : سيمتعك هذا يا مولاتي عاجلاً أو آجلاً .

الأميرة : كفى ، أصغي ، أصغي إلى هذا الصمت .

الوصيفة :  الصمت !

الأميرة : يا للروعة ، أصغي .

الوصيفة : عفواً مولاتي لست شاعرة لأصغي إلى مثل هذه الروعة .

الأميرة : أصغي ، أصغي . 

الوصيفة : أصغي أنت يا مولاتي " أصوات ضحك ومرح " إنهم يصغون جميعاً إلى الأمير ... أسرحدون  .

الأميرة : " تنظر إليها صامتة " ...

الوصيفة : لمحته يرمقك بنظرة .

الأميرة : " تنظر إليها متسائلة " ....

الوصيفة : " تبتسم " أسرحدون .

الأميرة : " تفر بعينيها منها " ....

الوصيفة : شتان ما بين عينيه وعيني زوجي ، ومع ذلك ، فعندما ، رمقني لأول مرة ، ورغم عينيه الحولاء ، أصابتني قشعريرة من البرد .

الأميرة : " تغالب ابتسامتها " ....

الوصيفة : يقال إنه صياد أسود ماهر .

الأميرة : " تنظر إليها متسائلة " .... 

الوصيفة : أسرحدون .

الأميرة : آه .

الوصيفة : من يدري ، لعله يصيد غزالة هذه المرة ، فالغزلان كثيرة في بابل .

الأميرة : لكن الغزلان في نينوى أكثر ، وربما...

الوصيفة : " هامسة " مولاتي ، الملك نادين .

الأميرة : " هامسة " رأيته " محذرة " إياك أن تبتعدي عني .

الوصيفة : يفترض ، يا مولاتي ، أن أترككما ، وأمضي ، إلا إذا أراد الملك أن ....

الأميرة : صه ، صه .


                         يدخل نادين متلفتاً ،

                        ويقترب من الأميرة


نادين : أنت وحدك هنا .

الأميرة : لا يا مولاي ، إن وصيفتي معي .

نادين : نعم ، نعم " يرمق الوصيفة بنظرة سريعة " إنني أبحث عن أسرحدون .

الوصيفة : مولاي ، أسرحدون كان في الداخل ، عندما جئنا إلى الحديقة .

نادين : لقد اختفى منذ قليل وفكرت أنه قد يكون هنا " يبتسم للأميرة " وإن كان عادة لا يحب غير الضجيج .

الوصيفة : سأبحث عنه في الداخل ، يا مولاي .

الأميرة : " ترمقها محذرة " .... 

الوصيفة : إذا أردت .

نادين : لندعه حيثما يكون ، وسيأتي بسرعة ، عندما يشم رائحة الحملان المشوية .

الوصيفة : الأمر لك ، يا مولاي . 

نادين : " للأميرة " تمنيت لو جئت اليوم مبكرة ، لكنك كالعادة تأخرت .

الأميرة : عفواً مولاي كنت في المعبد .

نادين : هذا ما خمنته .

الأميرة : منذ فترة طويلة لم أزر الكاهنة .

نادين : سنزورها معاً في وقت قريب ، فأنا أيضاً أريد أن أراها .

الأميرة : " تنظر إليه صامتة " ....

نادين : عليّ أن أعود إلى ضيوفي " يتجه إلى الداخل " لا تتأخري ، الجو يبرد .


                           نادين يخرج مسرعاً ،

                        الوصيفة ترتجف مبتسمة 


الوصيفة : حقاً يا مولاتي ، إن الجو يبرد سأذهب وآتيك بشال يدفئك .

الأميرة : لا داعي لأن تذهبي ، وتأتيني بشال ، إنني لا أشعر بأي برد .

الوصيفة : مولاتي ، إن من يهتم بها سيد بابل ، كل هذا الاهتمام ، عليها أن تشعر بالبرد. 

الأميرة : أيتها الماكرة ، أعرفك ، وأعرف هدفك.              

الوصيفة : " تتجه إلى الداخل " لن يسامحني الملك ، إذا أصبت بالزكام " تخرج " .

الأميرة : الماكرة ، إنها تريد أن تمضي إلى الداخل ، وستتأخر بالتأكيد ، فهي ستبحث طويلاً عن الشال ، رغم أنها تعرف جيداً أين هو " تصمت ناظرة إلى القمر " .


                            يبرز أسرحدون 

                           من وراء الأشجار 


أسرحدون : قمر بابل .

الأميرة : " تنتبه " عفواً مولاي .

أسرحدون : " يحدق فيها " يا للعجب .

الأميرة : "حائرة " مولاي .

أسرحدون : كل ظني ، أن في بابل ، كما في نينوى ، لا يوجد سوى قمر واحد . 

الأميرة : تجول يا مولاي ، فقد ترى قمراً آخر .

أسرحدون : مستحيل ، إن من يرى القمر ، لن يرى قمراً آخر ، مهما تجول .

الأميرة : " تبتسم محرجة " ...

أسرحدون : ما أروع الجو هنا ، يبدو أن بابل ستنسيني نينوى .

الأميرة : " تطرق رأسها صامتة " .

أسرحدون : " يقترب منها" أيتها الأميرة ، لقد حدثني نادين عنك ، ولم أصدق ما قاله إلا الآن .

الأميرة : ترفع عينيها إليه صامتة" .

أسرحدون : إن أخي ، ملك بابل ، رجل قتال ، لا يعرف غير المعارك "يصمت محدقاً فيها" أنت معركة ، محظوظ من يحرز النصر فيها .


      تدخل الوصيفة مسرعة ،

        وهي تحمل الشال


الوصيفة : مولاتي .. ترى أسرحدون فتتوقف" .

الأميرة : " تلتفت إليها " هاتي الشال .

الوصيفة : "تقترب مترددة" عفواً مولاتي .

الأميرة : يبدو أن الجو يبرد فعلاً .

أسرحدون : " يأخذ الشال من الوصيفة " دعيني إذن أضع الشال فوق كتفيك .

الأميرة : " محرجة" لا ، لا يا مولاي .

أسرحدون : " يضع الشال فوق كتفيها ، ويتأملها "  مأجمله ! 


      يدخل نادين ، ويرى

                       ما يفعله أسرحدون


نادين : " يتوقف" ....

الوصيفة : " ترى نادين " مولاي الملك .

أسرحدون : نادين ؟ لابد أنك تبحث عني " يبتسم " إنني هنا ، أتأمل القمر .

نادين : دعك من القمر الآن ، الجميع ينتظرون في الداخل ، فلنمض ِ .

الأميرة : "تتجه إلى الداخل " ....

أسرحدون : " يسير متشمماً بنشوة " يا للآلهة إنني أشم رائحة حملان مشوية .

نادين : "يسير صامتاً "....

   

     الأميرة وأسرحدون ونادين

    يخرجون والأضواء تتلاشى 

الوصيفة : " تتوقف متمتمة " .. أيتها الآلهة عشتار ، رحمتك .


     
        إظلام




















المشهد السابع



           غرفة في قصر الأمير ،

        س الأميرة وحدها


الأميرة : رأسي يكاد ينفجر " تقف عند النافذة " يا للصداع " ترتد خائفة " إنه الرجل نفسه ، الذي لمحته البارحة خلف الشجرة  " تختلس نظرة عبر النافذة " لعلي واهمة ، لقد اختفى ، من يدري ، إن الأرق والقلق ، على ما يبدو ، يجعلاني أرى ما قد لا يراه أحد غيري .


      تدخل الوصيفة ، حاملة

         صينية فيها طعام

 

الوصيفة : جئتك بطعام تحبينه .

الأميرة : " تشيح عنها " ......

الوصيفة : " تضع الصينية على المائدة" أرجوك ، لا تقولي هذه المرة لن آكل .

الأميرة : قلت لك ، لا أشتهي شيئاً .

الوصيفة : مولاتي ...  .

الأميرة : : تقاطعها " دعيني ، إني متعبة وأريد أن أنام .

الوصيفة : كلي ، واشبعي ، وستنامين فوراً .

الأميرة : ليتني أنام ، ولو قليلاً ، فأنا لم أنم طول الليل .

الوصيفة : آه عشتار .

الأميرة : " تنظر إليها " ....

الوصيفة : وآه اسرحدون أيضاً .

الأميرة : أيتها الوصيفة .

الوصيفة : لولاهما لأكلت ونمت مرتاحة .

الأميرة : " تزم شفتيها" .....

الوصيفة : لقد طلبت الرحمة من الألهة عشتار ، عندما  التقينا اسرحدون لأول مرة في حديقة القصر ، والقمر بدر في السماء .

الأميرة : يخيل إلي أنك مخطئة ، فالإله أدد هو من كان عليك أن تطلبي منه الرحمة .

الوصيفة : الرحمة يا أدد " تنظر إليها " مولاتي ، مهما كانت العواصف شديدة ومتواصلة ، لابد أن تهدأ يوماً ، وتنتهي .

الأميرة : ربما ، ولكن بعد أن تدمر كل شيء .

الوصيفة : يا للآلهة ، مولاتي ...

الأميرة : ما العمل ؟ سأجن .

الوصيفة : تمالكي نفسك ِ ، لا مشكلة بدون حل .

الأميرة : إن الخلاف يتصاعد يوماً بعد يوم ، بين أسرحدون والملك .

الوصيفة : إنهما أخوان يا مولاتي ، و سيتفقا إن عاجلاً أو أجلاً .

الأميرة : وأنّى لهما أن يتفقا ، وهما مختلفان حولي ؟

الوصيفة : مولاتي ، دعي هذا الأمر للآلهة ، كلي الآن ، وسترين الأمر ...

الأميرة :كلا لن آكل ، خذي الطعام ، و اذهبي ، أريد أن أرتاح قليلاً .

الوصيفة : مولاتي ...

الأميرة : قلت ، خذي الطعام .

الوصيفة : " تحمل الصينية" أمر مولاتي " تنظر إلى الأميرة " إذا احتجتِ شيئاً ، ناديني .

الأميرة : حسن ، إذهبي .

الوصيفة : " تخرج حاملة الصينية " ....

الأميرة : أيها الإله أدد ، الرحمة ، إن العواصف تحاصرني من كل جانب " تحين منها نظرة إلى الشرفة ، فتتسع عيناها " أسرحدون .


      أسرحدون يدخل  من

      الشرفة ، متلفتاً حوله


أسرحدون : هذه المرة ، أردت أن آتي من الشرفة ، كما كان يفعل الفرسان الأوائل .

الأميرة : لكن الشرفة عالية ، وتسلقها هكذا أمر فيه خطورة .

أسرحدون : ما دمت سأراك يا أميرتي ، فلن يثنيني أمر ، مهما كانت الخطورة .

الأميرة : أرجوك ، حاول أن لا تأتي من هنا ثانية ، إنني أخاف عليك .

أسرحدون : ما أجمل هذا الخوف !

الأميرة : " تبتسم محرجة" ....

أسرحدون : الحقيقة ، إنني جئت من الشرفة لأنني رأيت رجلين من رجال نادين ، يتربصان بالقرب من البوابة .

 الأميرة : " تنظر من النافذة " ....

أسرحدون : تعالي ، لن تريهما من هنا .

الأميرة : " تتراجع قليلاً " خيل لي ، قبل قليل ، أن رجلاً يترصدني من خلف تلك الشجرة.

أسرحدون : لا أستبعد هذا ، إن نادين يراقبنا .

الأميرة : " تبتعد  عن النافذة " مولاي ...

أسرحدون : أميرتي .

الأميرة : مولاي أسرحدون ...

أسرحدون : أميرتي ، إياك أن تقولي لي ، مرة أخرى ، عد إلى نينوى .

الأميرة : ليتك تصغي إليّ ، فهذا هو الحل الوحيد.

أسرحدون : كلا ، مكاني هنا ، إلى جانبك .

الأميرة : إنني لا أريد ، أن يشتد الخلاف بينك وبين أخيك الملك .. نادين .

أسرحدون : دعيك من هذا الأمر ، إن الخلاف بيني وبينه  ليس جديداً .

الأميرة : مهما يكن ، فعودتك إلى نينوى ، في هذه الظروف ، قد تخفف من حدة الخلاف بينكما .

أسرحدون : أريدك أن تعرفي ، أنني إذا قررت العودة يوماً إلى نينوى ، فلن أعود إليها إلا وأنت معي .

الأميرة : هذا مستحيل ، فنادين سيجن غضباً ، ويشعلها علينا حرباً شعواء .

أسرحدون : لا يهمني غضبه ، أو حربه ، ما دمنا معاً .

الأميرة : أرجوك عد إلى نينوى ، وستجد هناك من ...

أسرحدون : لن أعود مطلقاً إلا إذا ....

الأميرة : أسرحدون .

أسرحدون : قولي أنك لا تريدينني ..

الأميرة : يا للألهة .

أسرحدون : قوليها ، وسأعود .

الأميرة : " تنظر إليه صامتة " ..

أسرحدون : أرأيت ؟ إنك لا تستطيعين قولها ، فكيف يمكن أن أعود ؟

الأميرة : لكن ...

أسرحدون : " يقاطعها" إنك لا تستطيعين قولها ، فكيف يمكن أن أعود ؟

الأميرة : لكن ...

أسرحدون : "يقاطعها" كفى ، إنني باق هنا ما بقيت.

الأميرة : " تلتفت خائفة " أسرحدون ، أصغ ، أسمع وقع أقدام .

أسرحدون : لا تخافي ، لعلها الوصيفة ، أو إحدى خادمات القصر .

الأميرة : مهما يكن ، ليتك تذهب ، فمن الأفضل أن لا يراك أحد هنا الآن .

أسرحدون : حسن ، سأخرج من حيث أتيت " يتجه إلى الشرفة " أراك قريباً ، إلى اللقاء .

الأميرة : " تلتفت قلقة " اذهب أرجوك اذهب .


        أسرحدون يخرج من

    الشرفة ، تدخل الوصيفة


الوصيفة : مولاتي ...

الأميرة : " مرتبكة " نعم .

الوصيفة : " تتطلع إلى الشرفة " ....

الأميرة : ما الأمر ؟ تكلمي .

الوصيفة : عفواً مولاتي ، جاء رسول من الملك .

الأميرة : نادين !

الوصيفة : إنه ينتظر في الأسفل .

الأميرة : اذهبي ، وحاولي أن تصرفيه .

الوصيفة : مولاتي ، يريد أن يراك ، إن لديه رسالة لك من الملك .

الأميرة : لا أريد أن أتسلم أية رسالة ، اذهبي ، وقولي للرسول ، إنني لست هنا .

الوصيفة : مولاتي ...

الأميرة : لن نكون في القصر بعد قليل ، سنذهب أنا وأنت إلى المعبد .

الوصيفة : " تحدق فيها حائرة " ...

الأميرة : هيا ، اذهبي بسرعة .

الوصيفة : أمر مولاتي " تخرج بسرعة " .

الأميرة : لعل هذا هو الحل " إظلام تدريجي " نعم ، إنه هو الحل ، ولا حل سواه .


      الأميرة تنظر بحذر

      عبر نافذة الغرفة


            إظلام








المشهد الثامن



          غرفة في المعبد ،

      الأميرة والوصيفة وحدهما


الوصيفة : مولاتي ، أنت شابة في مقتبل العمر ، ومن الأفضل ألا تستعجلي .

الأميرة : لقد فكرت طويلاً ، ولن أتراجع .

الوصيفة : أنت تعرفين مولاي الملك ، ولا شك أنه لن يرتاح لقرار كهذا .

الأميرة : إنه الحل الوحيد ، وإلا فإن الأمر قد يتفاقم بين أسرحدون ونادين إلى ما لا تحمد عقباه .

الوصيفة : مولاتي ...

الأميرة : لا خيار ، سأدخل المعبد .

الوصيفة : " تلوذ بالصمت " ....

الأميرة : ها هي الكاهنة قادمة .

الوصيفة : عن إذنك ، سأنتظر في الخارج .

الأميرة : هذا أفضل ، اذهبي .

الوصيفة : أمر مولاتي .

              تدخل الكاهنة ، الوصيفة 

         تحييها، ثم تخرج


الكاهنة : " تفتح ذراعيها " بنيتي .

الأميرة : سيدتي العزيزة " ترتمي بين ذراعيها " إنني متعبة جداً .

الكاهنة : لا بأس يا بنيتي ، فالحياة لا تخلو أبداً من التعب .

الأميرة : لقد اتخذت قراراً ، قراراً صعباً ، لكني ما زلت حائرة .

الكاهنة : أمر طبيعي أن تحتاري ، فأنت تقفين ، بربيع عمرك ، في مفترق طريقين ، لا ثالث لهما .

الأميرة : أخبريني يا سيدتي ، ماذا أفعل ؟ ...

الكاهنة : إنها حياتك يا بنيتي ، وعليك أن تقرري مصيرك بنفسك .

الأميرة : سيدتي ....

الكاهنة : كنت في عمرك تقريباً ، عندما واجهتني أولى خيارات الحياة ، ولأنني كنت غريرة ، وخائفة ، اخترت الهرب .

الأميرة : لا أستطيع أن أتصور يا سيدتي ، أنك يمكن أن تكوني نادمة .

الكاهنة : إنني نادمة لأني لم أواجه قضيتي بشجاعة ، لقد منحتنا الآلهة الحياة ، ومعها منحتنا الحرية ، فعلينا أن نختار ، لا أن نهرب .

الأميرة : ما أواجهه الآن فوق طاقتي ، ولا أظن أنني قادرة على تحمله .

الكاهنة : الإنسان لا يعرف حدود طاقته ، إذا لم يتصد للمحنة التي تواجهه ، لا تهربي يا بنيتي ، وسترين أن طاقتك أكبر مما تتصورين .

الأميرة :" تحضن الكاهنة وتضع رأسها فوق صدرها " ....

الكاهنة : بنيتي العزيزة ، إني واثقة أنك ستختارين ما يوافقك بنفسك ، وعندها لن تندمي .

الوصيفة : " تدخل مسرعة " مولاتي .

الأميرة : " تبتعد قليلاً عن الكاهنة " نعم .

الوصيفة : مولاي أسرحدون قادم .

الأميرة : أسرحدون .

الكاهنة : أهلاً به ، فليتفضل .

الأميرة : يا للآلهة ، ما الذي جاء به إلى هنا .

الكاهنة : " تبتسم " لا أظنه جاء من أجلي .

الأميرة : سيدتي .

الكاهنة : بنيتي ، سأتركك معه .

الأميرة : لا يا سيدتي ، أرجوك .

الكاهنة : كوني شجاعة ، واختاري .

الأميرة : " تكاد تتشبث بها " سيدتي .

الكاهنة : ها هو أسرحدون قادم .

الوصيفة : مولاتي .

الأميرة : اذهبي أنت ، اذهبي .

الوصيفة : أمر مولاتي " تخرج " .

الأميرة : " تتمتم" عشتار .

الكاهنة : " تبتسم " ....


      يدخل أسرحدون ، ويقف

    بمواجهة الكاهنة والأميرة


الكاهنة : أهلاً ومرحباً ، يا مولاي .

أسرحدون : أهلاً بك سيدتي ، عمتما مساء .

الأميرة : " مضطربة " عمت مساء .

الكاهنة : شرف لنا يا مولاي ، أن تزور معبدنا .

أسرحدون : علمت أن الأميرة هنا ، فأردت أن أنتهز الفرصة  ، ونزور المعبد معاً ، قبل أن أعود إلى نينوى .

الأميرة : "تتمتم بصوت خافت " نينوى !

الكاهنة : أهلاً بك دائماً ، وبعون الآلهة تعود سالماً إلى نينوى " تنحني قليلاً " عن إذنك .

أسرحدون : تفضلي يا سيدتي .


    الكاهنة تخرج ، أسرحدون 

         ينظر عبر النافذة 


أسرحدون : ذهبت إلى القصر ، فأخبرتني إحدى الخادمات ، بأنك هنا .

الأميرة : نعم ، جئت مع وصيفتي ، لأقابل الكاهنة ، و ....

أسرحدون : " يقاطعها " عبثاً تحاولين يا أميرتي ، لقد قلت لك مراراً ، إن قدرك ِ هو قدري.

الأميرة : مولاي .

أسرحدون : " معترضاً " أميرتي .

الأميرة : أرجوك ، إنني لا أحتمل أن تسوء العلاقة بينك وبين أخيك الملك بسببي .

أسرحدون : دعيك من هذا ، أنت لي يا أميرتي ، وليفعل نادين ما يشاء .

الأميرة :  لكنك تعرف نادين ، وأخشى أن ....

أسرحدون : نادين أخي ، وأنا أعرفه حق المعرفة ، ليأخذ آشور كلها ، أما أنت فلا .

الأميرة : أسرحدون 

أسرحدون : "يلتفت وينظر عبر النافذة " صه ، لا ترفعي صوتك .

الأميرة : " قلقة" ما الأمر ؟

أسرحدون : نادين أرسل رجالاً مسلحين ، يتأثرون خطاي ، ويتربصون بي .

الأميرة : "تشهق خائفة " يا ويلي .

أسرحدون : لا تخافي .

الأميرة : لست خائفة على نفسي .

أسرحدون : اطمئني يا أميرتي ، إنني أسرحدون ، لن يجرؤ أحد على الاقتراب مني " يتأهب للخروج " سأذهب الآن .

الأميرة : " تنظر عبر النافذة " أسرحدون .

أسرحدون : " ينظر إليها " ....

الأميرة : أرجوك ، كن حذراً .

أسرحدون : ابقي هنا مع وصيفتك ، وسآتيك بعد المساء ، لنخرج سراً إلى نينوى .

الأميرة : " تعترض مترددة " لا أرجوك ، لا . 

أسرحدون : هذا أمر مفروغ منه ، تهيئي أنت ووصيفتك " يمضي إلى الخارج " لا بد أن نسافر الليلة غلى نينوى ، إن أبي ينتظرني بفارغ الصبر.


                    اسرحدون يخرج ، الأميرة  

                      قلقة ، تدخل الوصيفة 


الوصيفة : مولاتي .

الأميرة : تعالي .

الوصيفة : " تقترب منها " أمر مولاتي .

الأميرة : اخبريني ، ما العمل؟

الوصيفة : عفواً مولاتي ، لقد سمعت ، عن غير قصد ، ما قالته الكاهنة .

الأميرة : فهمت .

الوصيفة : لتلهمك الآلهة الخيار الصواب .

الأميرة : إنني وحيدة أمام قدري ، وعلى أن أختار " إظلام تدريجي " يا للآلهة ، ما أصعب أن أختار .

                  الأميرة تصمت ، الوصيفة 

                     تطرق رأسها حزينة  

                

                           إظلام 





















المشهد التاسع

 


                            معبد الملك ، نادين

                              يقف أمام الإله


نادين : في تلك الليلة ، ورغم الحراسة المشددة ، فرّت الأميرة من بابل ..

الإله آشور : نعم .

نادين : فرت إلى نينوى .

الإله آشور : وغضبت لفرارها أشد الغضب .

نادين : لا ، فالأميرة ما كانت لتهمني ، ولكن أن يخطفها مني..

الإله آشور : أسرحدون .

نادين : نعم ، أسرحدون .

الإله آشور : " يهمهم " هم م م م .

نادين : لقد استغل هذا اللعين انشغالي بمطاردة مروداخ بلادان ، وضرب ضربته .

الإله آشور : أنت أيضاً ضربت ضربتك في هور نجايد .

نادين : إن مروداخ بلادان نبتة سامة مزمنة في أرض آشور ، وكان لابد من اجتثاثها .

الإله آشور : فأغريت إحدى جواريه ، فدست له السم في طعامه .

نادين : وتخلصت أرض آشور منه .

الإله آشور : وبالسم الذي تخلصت منه من مروداخ بلادان تخلصت من الجارية .

نادين : كانت أداة قذرة ، ومن الضروري التخلص من مثل هذه الأداة ، بعد انتفاء الحاجة إليها .

الإله آشور : وبعد ، يا نادين .

نادين : " بصوت كالفحيح " أسرحدون ، اسرحدون ، لقد أطلق أسرحدون إعصاري ولن يخمد هذا الإعصار إلا بإخماد أسرحدون .


                        تتلاشى الأضواء بالتدريج ، 

                            بينما يستمر الفحيح

 

                                 إظلام



المشهد العاشر

 


                          قاعة العرش ، الملك

                    سنحاريب ، ومعه المستشار 


سنحاريب : " ينصت قلقاً " أصغ .

المستشار : هذه عاصفة ، يا مولاي .

سنحاريب : يا لها من عاصفة ، يخيل إلي أن نينوى تهتز من أسسها .

المستشار : نينوى راسخة الأسس بكم ، يا مولاي ، وهذه عاصفة عابرة سرعان ما تزول ، مثلما زالت غيرها من العواصف .

سنحاريب : يبدو لي ، أن هناك عواصف لا تزول بهذه السهولة .

المستشار : لن تصمد عاصفة ، مهما كانت شديدة ، في وجه آشور ، لقد زال مروداخ بلادان، وهو أشد عاصفة عصفت ببابل وما جاورها ، منذ الملك العظيم سرجون .

سنحاريب : وها هي عاصفة جديدة ، تنفجر هذه المرة في عقر داري ، الآلهة وحدها تعرف مقدار خطرها .

المستشار : ليطمئن مولاي ، هذه ريح هينة ، لن نعدم وسيلة لتهدئتها .

سنحاريب : سيأتي أسرحدون ، بعد قليل ، ولنر ماذا يمكن أن نفعل .

الحارس : " يدخل " مولاي .

سنحاريب : إن كان القادم الأمير أسرحدون ، دعه يدخل بسرعة .

الحارس : عفواً مولاي ، إنها مولاتي الملكة .

سنحاريب : الملكة ؟ يا للآلهة .


                       الملكة نقيا تندفع 

                      منفعلة إلى الداخل


المستشار : عمت صباحاً ، مولاتي .

نقيا : عمت صباحاً .

سنحاريب : " للحارس " اخرج .

الحارس : " ينحني " أمر مولاي .

نقيا : أريد أن أتحدث إلى الملك ، من فضلك اتركنا بعض الوقت .

سنحاريب : لا داعي لن تخرج ، ابقَ .

المستشار : " يتوقف حائراً ...

سنحاريب : " للملكة " نحن نناقش أمراً هاماً .

نقيا : أنا أيضاً أريد أن أناقش معك ، هذا الأمر الهام .

سنحاريب : لا تتعجلي ، سنناقشه فيما بعد .

نقيا : اسرحدون يهمني كما يهمك ، إنه ابني أيضاً .

سنحاريب : دعي الخوف على أسرحدون ، إنني – كما تعلمين – متهم بالانحياز له .

نقيا : إنني أخاف ، في المقام الأول ، على الأميرة فهي فتاة بريئة .

سنحاريب : اطمئني ، لن يمسها أحد بأذى ، مادامت بريئة .

نقيا : لا أخاف عليها من أحد ، قدر خوفي عليها من نادين .

سنحاريب : عجباً لكن نادين ليس هنا ، وإنما في بابل .

نقيا : نادين في كل مكان ، وهذا ما يخيفني منه .

سنحاريب : لكن نادين نادينك .

نقيا : ما زال ناديني ، مثله في ذلك مثل أخيه .. أسرحدون .

سنحاريب : مهما يكن ، اتركي الأمر لي ، واذهبي إلى جناحك ، واخلدي إلى الراحة .

نقيا : لم أرتح يوماً إلى ما يجري بين أسرحدون ونادين . " تتجه إلى الخارج " ولن أرتاح .


        الملكة تخرج منفعلة ، 

                  سنحاريب يهز رأسه


سنحاريب : يا للآلهة ، لا أدري ما الحكمة من خلق النساء .

المستشار : " يبتسم بمكر " لإدامة الحياة ، يا مولاي .

سنحاريب : آه إن الحياة جحيم معهن .

المستشار : وجحيم من دونهن ، يا مولاي .

سنحاريب : " يبتسم " هذه حكمة لم أتصور أن يقولها رجل في عمرك .

المستشار : إنها ليست حكمتي يا مولاي ، وإنما حكمة الآلهة عشتار .

سنحاريب : الويل لنا من عشتار .

الحارس : " يدخل " مولاي .

سنحاريب : نعم .

الحارس : مولاي أسرحدون قادم .

سنحاريب : ليدخل في الحال .

الحارسذ : أمر مولاي .

      الحارس يخرج ، ويدخل

         أسرحدون بعد قليل


أسرحدون : "منفعلاً " أبي .

سنحاريب : أسرحدون ، تعال يا بني ، تعال .

أسرحدون : لقد حاول أحدهم ، قبل قليل ، قتل الأميرة .

سنحاريب : سأعاقب الجاني ، بل سأقتله ، إن الأميرة ضيفتنا ، ولابد أن نعيدها سالمة إلى بابل .

أسرحدون : كلا ..

سنحاريب : أسرحدون ، أنت وريثي .

أسرحدون : لن أسمح لأحد أن يمس الأميرة .

سنحاريب : أسمع يا بني ، آشور فوق الجميع ، ومن يقف في وجهها يزال ، لقد أقام أجدادنا العظام هذه الإمبراطورية ، وحكمها أكثر من مئة ملك منهم واحداً بعد الآخر ، وسنبقى نحكمها ما شاءت الآلهة .

أسرحدون : لا شأن للأميرة بهذا الأمر .

سنحاريب :هذا كل ما أريده ، وعليه سأعيدها معززة مكرمة إلى بابل .

أسرحدون : أبي ، لقد وعدت الأميرة أن تبقى إلى جانبي ، ولن أحنث بهذا الوعد .

سنحاريب : لقد توقعت هذا منك ...

المستشار : مولاي .

سنحاريب : " بحزم دون أن يلتفت إلى المستشار " ستبقى في القصر ، حتى أعيد الأمور إلى نصابها .

أسرحدون : أبي .

سنحاريب : "يصيح " أيها الحارس .

الحارس : " يدخل مسرعاً " مولاي .

سنحاريب : أدعهم ، بسرعة .

الحارس : أمر مولاي .


      الحارس يخرج ، فيدخل

          فوراً ثلاثة حراس


أسرحدون : أبي .

سنحاريب : سيأخذونك إلى غرفة في القصر ،
وستبقى فيها حتى الغد .

أسرحدون : " يتراجع " كلا .

سنحاريب : أطعني ، وأعدك ، لن يمس الأميرة أحد
بسوء .

أسلارحدون : كلا ، كلا .

سنحاريب : " للحراس الثلاثة " خذوه .

الحارس الأول :  أمر مولاي " للحارسين " هيا .

أسرحدون : " يلكمه بقوة " ....

الحارس الأول : " يتهاوى على الحارسين ، ويسقطون معاً " .....

سنحاريب : " يصيح بهم " أنهضوا ، وامسكوه .

الحراس الثلاثة: " ينهضون متدافعين " أمر مولاي .

الحارس الأول : " يتقدم الحارسين " مولاي ، أرجوك .

أسرحدون : " يرفع قبضته مهدداً " سأحطم رأسك .

الحارس الأول : " يتراجع ويتراجع معه الحارسان الآخران " ... لا يا مولاي ، لا ، لا .

سنحاريب : هيا ، امسكوه ، امسكوه .

الحارس الأول : " يشير للحارسين" فلنهجم معاً ، هيا .


                    الحراس يهجمون ، أسرحدون

      يهرب عبر النافذة


سنحاريب : أيها الجبناء ، الحقوا به ، ولا تدعوه يفلت من أيديكم .

الحراس الثلاثة: " يلحقون بأسرحدون عبر النافذة " ...

سنحاريب : " يتجه إلى الخارج منفعلاً " سأبقيه في القصر ، حتى لو اضطررت إلى قتله .

المستشار : مهلاً يا مولاي " يلحق بالملك " لا داعي للغضب " إظلام تدريجي " أسرحدون شاب ، وهذه فورة وستنتهي .


سنحاريب يخرج غاضباً ،

ويخرج المستشار خلفه


إظلام










المشهد الحادي عشر



    معبد الملك ، نادين

      يقف أمام الإله

 

الإله آشور : هذه هي الحياة ، يوم لك ويوم عليك ، وعلى الإنسان أن يرضى بذلك .

نادين : معظم الأيام كانت عليّ ، لكني ما كنت لأرضى ، أو أكتفي بالأنين والشكوى ، فأنا نادين .

الإله آشور : نعم ، أنت نادين .

نادين : خلال تلك الأيام ، تجمع الغمام حولي ، حتى غطى على غمامة أسرحدون و الأميرة ، صحيح أنني ارتحت لما جرى بين أسرحدون وبين أبي ، وارتحت أكثر لهربه مع الأميرة إلى جهة مجهولة ، فقد دق ذلك  إسفيناً عميقاً بينهما ، لكن الأوضاع تدهورت في بابل ، وعبر ملك العيلاميين هالوشو الحدود ، وأحتل أسبار ، وكاد بمساعدة خونة من بابل أن يلقي القبض عليّ ، فيقتلني ، أو يأخذني أسيراً إلى عيلام " إظلام تدريجي " وهربت متخفياً إلى نينوى ، وطوال الطريق ، كنت أتساءل ، ترى كيف سيستقبلني أبي ؟ آه من أبي ، أنه لم يتغير ، ولن يتغير .


نادين يطرق رأسه ،

      صمت الأضواء تتلاشى


إظلام













المشهد الثاني عشر



    غرفة بقصر الملك سنحاريب ،

        يدخل سنحاريب والملكة


نقيا : اليوم أيضاً لم تكد تأكل شيئاً أو تنام .

سنحاريب : لا عليك ، إنني آكل وأنام كفايتي .

نقيا : أنت بادي الإرهاق ، يجب أن ترتاح .

سنحاريب : لن يريحني الطعام والنوم .

نقيا : الأمور لن تبقى هكذا ، لقد مرت آشور بأيام أشد صعوبة .

سنحاريب : أنا لا يهمني العيلاميون ، ولا ملكهم هالوشو ، ولا غيرهم .

نقيا : أعرف ، أعرف .

سنحاريب : إن ما همني ويهمني شيء آخر ، أنت أدرى به .

نقيات : " تتوقف " عزيزي .

سنحاريب : " يتوقف وينظر إليها " ....

نقيا : نادين هنا ، منذ أكثر من أسبوع ، ولم تدعه للقائك .

سنحاريب : لا تتعجلي ، سأدعوه في الوقت المناسب .

نقيا : الأفضل أن تدعوه قريباً ، إن هذا الأمر يحز في نفسه .

سنحاريب : دعي هذا الأمر الآن .

نقيا : إن ما جرى مؤخراً في سبار وبابل و ...

سنحاريب : قلت دعي هذا الأمر .

نقيا : إنه يشعر بأنك تحمله مسؤولية كل ما حدث .

سنحاريب : " بشيء من الانفعال " كفى ، كفى ، إن ما حدث حدث ، وانتهى الأمر .

نقيا : ليته انتهى حقاً ، فنحن نغرق وسط هذه الدوامات ، أنت ونادين من جهة ، و أسرحدون ...

سنحاريب : " يقاطعها منفعلاً " قلت لك مراراً ، ألا تنطقي بهذا الاسم أمامي مطلقاً .

نقيا : اهدأ ، اهدأ ، " تصمت لحظة " أنت متعب جداً ، ليتك تبقى اليوم ...

سنحاريب : " مازال منفعلاً " لدي ولدان ، رجلان ، وبدل أن يكونا عوناً لي ، في هذه الظروف الصعبة ، صارا قيداً يشل قواي.

الوصيفة : " تدخل وتتوقف محرجة " ...

سنحاريب : " يصيح بها " ما الأمر ؟ تكلمي .

الوصيفة : عفواً مولاي " تنظر مستنجدة إلى الملكة " مولاتي ..

نقيا : حسن ، اذهبي .

الوصيفة : أمر مولاتي " تخرج مسرعة " .

سنحاريب : ماذا وراء هذه الحمقاء ؟

نقيا : نادين بالباب ، ويريد أن يراك .

سنحاريب : " يحدجها بنظرة غاضبة " ...

نقيا : لقد جاءني صباح اليوم ، وطلب مني ... 

سنحاريب : " يهز رأسه متذمراً " ....

نقيا : ناده ، واسمح له بمقابلتك ، أرجوك .

سنحاريب : قلت لك ....


                         يفتح الباب ، ويدخل

                         نادين ، ويقف جامداً


نقيا : " تتجه إلى نادين " نادين ، تعال يا بني، تعال .

نادين : "لا يلتفت إليها"  أبي .

سنحاريب : " ينظر إليه صامتاً " ... 

نقيا : من الأفضل أن أذهب ، وأترككما معاً .

سنحاريب : كلا ، لا تذهبي ، ابقي .

نادين : منذ أكثر من أسبوع ، وأنا هنا في نينوى .

سنحاريب : " يشيح بوجهه عنه " ...

نادين : أريد أن تسمعني .

سنحاريب : ليس الآن .

نادين : لا بد أن أوضح لك ما جرى في بابل .

سنحاريب : فيما بعد ، إن قادة الجيش والمستشارين ينتظرونني في قاعة العرش "يهم بالمسير" ..

نادين : " يعترضه " أبي .

سنحاريب : ابتعد عن طريقي ، لا أريد أن أتأخر عن الاجتماع .

نادين : لن أؤخرك .

سنحاريب : " ينظر إليه صامتاً " ....

نادين : علمت أنكم تعدون جيشاً لطرد العيلاميين من بابل .

سنحاريب : ليس هذا فقط ، لقد شقت بابل عصا الطاعة ، وخرجت عن آشور ، ولابد من معاقبتها .

نادين : أعطني هذه الفرصة .

سنحاريب : كلا ، سأقود الجيش بنفسي هذه المرة .

نادين : أرجوك يا أبي ، بابل انتزعت مني ، بابل خانتني أنا ، وغدرت بي ، دع أمر معاقبتها لي ، وسترى نادين .

سنحاريب : علي أن أذهب الآن " يبتعد نادين عن طريقه ، ويتجه إلى الخارج " إنهم ينتظرونني في قاعة العرش .

نادين : أبي .


                        سنحاريب يخرج ، نادين 

                         يقف جامداً كالصخر 


نقيا : بني .

نادين : لا بد أن أقود هذا الجيش ، وسأقوده مهما كلفني الأمر .

نقيا : نادين ..

 نادين : لقد صارت بابل مأوى للجرذان والخونة ، وسأغرق هذه الجرذان ...

نقيا : " تنظر إليه خائفة " ...

نادين : بلغني أن أسرحدون والأميرة في بابل .

نقيا : في بابل ! لا ، لا يمكن ، إن العيلاميين يحتلون بابل الآن .

نادين : من يدري ، لعل أسرحدون صار رجلهم ، بعد أن هرب من نينوى .

نقيا : مستحيل هذا يا نادين ، مستحيل .

نادين : " بصوت كالفحيح " بابل ، إني قادم ، قادم "إظلام تدريجي "  سأجعلك عبرة بين المدن ، وسأغرق كل الجرذان والخونة . 

       

                          نادين يخرج مسرعاً ،

                            نقيا تقف جامدة


                               إظلام










المشهد الثالث عشر 



                            معبد الملك ، نادين

                              يقف أمام الإله 


نادين : وكما أردت ، وصممت ، قدت جيش آشور ، وتقدمته نحو بابل .

الإله آشور : وأشفيت غليلك .

نادين : وانتصرت " بصوت منكسر " انتصرت .

الإله آشور : ويا له من نصر .

نادين : وعدت إلى نينوى مزهواً ، وكلي ثقة ، بأن أبي سنحاريب ، ملك آشور سيستقبلني استقبال الأبطال .

الإله آشور : لقد تجرأت على الإتيان بفعلة لم يقدم عليها أحد من قبل .

نادين : الخائن .. الغادر .. العاصي .. يعاقب ، وبابل .. خائنة .. غادرة.. عاصية .. وقد استحقت العقاب ، فأنزلت بها ما تستحقه من عقاب .

الإله آشور : هاجمتها كالإعصار ، ودمرتها بالنيران ، ولم تكتف بكل هذا ، فأغرقتها بمياه الفرات .

نادين : ذلك كان نصري " بصوت منكسر " هذا ما تصورته ، وعرفت فيما بعد أنه لم يكن نصراً على الإطلاق " صمت " حين أغرقت بابل بمياه الفرات ، شعرت بأن تلك المياه ، أطفأت النار في داخلي ، وحالما وصلت إلى نينوى ، أدركت بأني كنت مخطئاً ، فقد تأكد لي ، أن أسرحدون والأميرة لم يكونا في بابل ، بل كانا ، طوال الوقت ، مختبئان في تابال ، والأنكى من ذلك ، أن أبي رفض استقبالي ، وعاملني كما يعامل المجرمون " صمت " ولكي أطفئ ناري التي ازداد سعيرها ، تقلدت سيفي ، وجئت إلى هنا و ... 

الإله آشور : لكن نارك القاتلة لم تنطفئ .

نادين : ستنطفئ ، ستنطفئ تماماً ، حين أطفئ أسرحدون " إظلام تدريجي " أسرحدون " يتجه إلى الخارج " أسرحدون ... أسرحدون ... أسرحدون .


                         نادين يخرج حاملاً 

                      سيفه ، الأضواء تتلاشى 


                              إظلام




المشهد الرابع عشر



                          الأميرة والوصيفة في 

                           إحدى غرف القصر 


 الوصيفة : مولاتي .

الأميرة : نعم .

الوصيفة : أخشى أن مولاي أسرحدون سيتأخر أكثر .

الأميرة : لا أستبعد هذا ، فهو يجتمع إلى قادة الجيش والمستشارين .

الوصيفة : إنك جائعة الآن ، ولابد والحالة هذه أن تأكلي شيئاً ، ريثما ...

الأميرة : " تتجه إلى النافذة " انظري ، تلك الأشجار بدأت تزهر .

الوصيفة : " تقترب وتنظر عبر النافذة " نعم ، يا مولاتي ، إنها أشجار التفاح .

الأميرة : ما أجملها !

الوصيفة : لكنها أجمل عن قرب ، يا مولاتي .

الأميرة : " تنظر إليها صامتة " ...

الوصيفة : مولاتي ، منذ فترة طويلة ، وأنت حبيسة بين جدران القصر .

الأميرة : ربما هذا أفضل " تبتعد عن النافذة " لم يعد لدي رغبة في الخروج . 

الوصيفة : حقول تابال وبساتينها رائعة هذه الأيام ، والجو مناسب للنزهة .

الأميرة : لن تحلو لي حقول أو بساتين مهما كانت ، بعد حقول وبساتين بابل .

الوصيفة : " تبتسم " كل ظني يا مولاتي ، بابل تكون حيث يكون مولاي اسرحدون .

الأميرة : نعم ، إذا كان أسرحدون يراني .

الوصيفة : " تبتسم ثانية " مولاتي ، إن مولاي أسرحدون يكاد لا يفترق عنك .

الأميرة : بجسده فقط .

الوصيفة : مولاتي ...

الأميرة : أما أفكاره وروحه فبعيدتان عني كل البعد .

الوصيفة : هذه ظروف طارئة ، وستنتهي في القريب العاجل ، بعون الإله آشور .

الأميرة : ما تقولينه مجرد أمنيات ، يبدو أنها لن تتحقق ، فالأنباء الواردة من نينوى لا تدعو مطلقاً إلى التفاؤل .

الوصيفة : الأنباء كثيرة ومتضاربة ، فمن يصدق يا مولاتي ، أن مولاي نادين قد .. ؟

الأميرة : لا أريد أن أصدق هذا ، وآمل أن يكون كل ما سمعناه مجرد أكاذيب .

الوصيفة : فليرحمنا الإله العظيم آشور ، ويزيل عنا هذه الغمة " تنظر إلى الخارج " مولاتي .

الأميرة : نعم .

الوصيفة : مولاي أسرحدون .

الأميرة : " تنظر إلى الخارج " حمداً للآلهة ، ها هو أخيراً قادم .

الوصيفة : لابد أن مولاي جائع ، سأعد المائدة .

الأميرة : مهلاً ، فقد يكون لديه ضيوف .

الوصيفة : أمرك مولاتي .


       يدخل الأمير أسرحدون

        ويبدو مقطباً مهموماً


الأميرة : ماذا يجري ؟ لقد تأخرتم اليوم كثيراً .

أسرحدون : أنت ترين ، إن الأحداث تتسارع ، وعلينا أن نتابعها ، ونستعد لكل طارئ .

الأميرة : مهما يكن ، سآمر بإعداد المائدة لنا ، إن لم يكن لديك ضيوف .

أسرحدون : ليس لدي ضيوف .

الأميرة : أيتها الوصيفة .

أسرحدون : مهلاً .

الأميرة : " تنظر إليه " ....

أسرحدون : إنني متعب جداً ، ولا أشتهي أن آكل أي شيء .

الأميرة : لا يمكن ، أنت لم تأكل شيئاً منذ الصباح.

أسرحدون : سآكل فيما بعد ، تفضلي أنت ، وتناولي طعامك .

الأميرة : " تهز رأسها " ....

الوصيفة : مولاتي ...

الأميرة : يمكنك أن تذهبي .

الوصيفة : والطعام ؟

الأميرة : فيما بعد ، اذهبي .

الوصيفة : سمعاً وطاعة ، يا مولاتي .



      الوصيفة تخرج ، أسرحدون

            يقف عند النافذة


الأميرة : أسرحدون .

أسرحدون : نادين ... نادين .

الأميرة : لننتظر يا عزيزي ، سيتضح الأمر ، إن لم يكن اليوم فغداً أو ....

أسرحدون : لا داعي للانتظار ، الأمر واضح ، إن نادين يمكن أن يقدم على أي أمر .

الأميرة : لا أستطيع تصديق هذا ، لا أستطيع .

أسرحدون : صدقيه مادام نادين وراءه .

الأميرة : هذه كارثة ما بعدها كارثة ، إن صح الأمر .

أسرحدون : إنه إعصار ، ولن تهدأ آشور ، إن لم يخمد هذا الإعصار .

الأميرة : لعلك على حق ، فما فعله ببابل ليس بالأمر الهين .

أسرحدون : وهذا ما يمكن أن يفعله بالعالم كله ، حتى يصل إلى ما يريد .

الأميرة : الرحمة أيها الإله آشور .

أسرحدون : وأنا ما يريده .

الأميرة : يا ويلي ، أسرحدون .

أسرحدون : " ينظر إلى الباب " أسمع صوت القائد.

الأميرة : القائد !

أسرحدون : نعم ، أصغي .

الحارس : " يدخل " مولاي .

أسرحدون : ما الأمر ؟

الحارس : القائد بالباب ، ومعه ...

أسرحدون : فليدخل .

الحارس : أمر مولاي " يتجه إلى الخارج " .

الأميرة : عجباً ، لقد كان معك قبل قليل .

أسرحدون : أنت تعرفين الظروف ، لابد أن هناك أمراً عاجلاً .

الأميرة : قال الحارس ، القائد ومعه ... " تنظر إلى أسرحدون " ترى من معه ؟

الحارس : " يخرج " ...

أسرحدون : " يحدق فيها ، ثم ينظر إلى الباب " سنعرف الآن .


        القائد يدخل ، وبصحبته

        حارس الملك سنحاريب


القائد : عفواً مولاي ، لعل الوقت غير مناسب ، لكن الأمر هام للغاية .

أسرحدون : لا بأس " يحدق في الحارس" .

القائد : " ينحني قليلاً " ....

أسرحدون : أظنه الحارس الشخصي لأبي .

القائد : نعم يا مولاي ، إنه هو .

أسرحدون : وضح الأمر " للحارس " تقدم .

الحارس : " يتقدم " مولاي .

أسرحدون : يبدو لي ، من أساريرك القاتمة ، أن ما تناهى إلينا كان أكيداً .

الحارس : فعلاً يا مولاي ، إذا كان ما تناهى إليكم هو أبشع فعلة يمكن تصورها .

أسرحدون : نادين ؟

الحارس : بعيني هاتين ، وتحت أنظار الإله العظيم آشور ، في معبد الملك ، رأيته يطعن أباه الملك بسيفه .

الأميرة : " تشهق " يا إلهي .

أسرحدون : " يلتفت إليها " أميرتي .

الأميرة : عفواً ، لم أستطع تمالك نفسي .

أسرحدون : يمكنك أن تذهبي إلى جناحك إذا أردت.

الأميرة : لا ، أفضل أن أبقى ، إنني بخير .

أسرحدون : " يلتفت إلى الحارس" ابق في القصر ، أريد أن أراك فيما بعد .

الحارس : سمعاً وطاعة ، يا مولاي .

أسرحدون : اذهب الآن .

الحارس : " ينحني " أمر مولاي .


      الحارس يخرج ، ويبقى

      أسرحدون والقائد والأميرة

  


أسرحدون : أيها القائد .

القائد : مولاي .

أسرحدون : علينا أن جمع ، وفي أسرع وقت ، أكبر عدد ممكن من الجند .

القائد : أمر مولاي .

أسرحدون : لابد أن نزحف على نينوى ، خلال الأيام القليلة القادمة .

القائد :مولاي : أنتم تعرفون أن ما لدينا من جند ، يفوقون جند نادين عدداً وعدة ، بل إن عيوننا يؤكدون ، أن جند نادين ، ينتظرون الفرصة للالتحاق بنا .

أسرحدون : " ينظر إليه " .....

القائد : أنتم تعرفون يا مولاي ، أن الجند عامة ، لا يميلون إلى ... نادين .

الأميرة : عسى أن تضع الآلهة حداً لهذه الأحداث ، دون إراقة دماء .

أسرحدون : هذا إذا لم تتحقق نبوءة الإله آشور .

الأميرة : مولاي !

أسرحدون : " يتجه إلى الخارج " اتبعني .

القائد : أمر مولاي .

أسرحدون : يوم الحسم قريب ، ولابد أن أشرف بنفسي على كل شيء .


    أسرحدون والقائد يخرجان ،

        الأميرة تبقى وحدها


    إظلام







المشهد الخامس عشر



                ظلام ، قرع طبول 

        مستمر ، أصوات متداخلة


أصوات :  المجد لآشور ، المجد لآشور ، الموت لنادين ، المجد لآشور ، أسرحدون ، أسرحدون ، أسرحدون .


      الأصوات تتلاشى ، المعبد،

      يدخل أسرحدون والقائد


القائد : مولاي .

أسرحدون : هذا المعبد لم أدخله منذ سنين .

القائد : المعبد يكاد يكون مظلماً .

أسرحدون : لقد اشتقت لدخوله ، وأبي العظيم سنحاريب ، فوق عرشه .

القائد : لا يوجد سوى مشعل واحد .

أسرحدون : آه نادين !

القائد : من الأفضل أن نضيء مشعلاً أخر .

أسرحدون : لا .

القائد : مولاي .

أسرحدون : هكذا كان ، وسيبقى هكذا .

القائد : الأمر لك ، يا مولاي .

أسرحدون : هنا قتل أبي ، ملك آشور العظيم ، سنحاريب .

القائد : " يلتفت حوله متوجساً " ....

أسرحدون : " يتقدم من تمثال الإله " أيها الإله العظيم آشور ، تحت أنظارك وعلى ضوء هذا المشعل ، قتل أبي
، قتل سنحاريب .

القائد : " يتراجع متلفتاً حوله " ...

أسرحدون : بين هذه الجدران الباردة ، كان يقف أمامك وحيداً ، خاشعاً ، والقاتل يختفي وراء إحدى الستائر ، متربصاً به ، والسيف في يده .

القائد : " يبعد ستارة بشكل مفاجئ " ....

أسرحدون : " يلتفت إليه " ....

القائد : مولاي .

أسرحدون : ليتك تتركني وحدي قليلاً .

القائد : أخشى أن يكون المعبد غير آمن .

أسرحدون : أتركني وحدي .

القائد : لقد رأى أحدهم نادين ، يتسلل متنكراً ، بعد المعركة ، إلى داخل نينوى .

أسرحدون : اتركني .

القائد : " يتراجع " عفواً مولاي .

أسرحدون : أغلق الباب ، ولا تدع أحداً يدخل عليّ.

القائد : أمر مولاي .


        القائد يخرج ، ثم 

        يغلق الباب وراءه


أسرحدون : أيها الإله العظيم آشور ، ما أشد شعوري بالذنب ، لأن أبي العظيم مات ، وهو غاضب مني .

نادين : " يبرز من وراء الستارة " ....

أسرحدون :لم أكن أريد أن أغضبه ، وما فعلته لم يكن يبرر غضبه ، وكنت مستعداً لإرضائه بأي ثمن ، عدا الأميرة .

نادين : " يمسك بمقبض سيفه " ....

أسرحدون : أيها الإله العظيم ، إن أبي الآن في العالم الأسفل ، لكنه يراني ويسمعني ، فأرجو أن يغفر لي ، ويرضى عني .

نادين : اطمئن .

أسرحدون : " يجمد في مكانه " ....

نادين : اطمئن ، يا أسرحدون .

أسرحدون : " يتمتم " نادين !

نادين : إنه يغفر لك كل ما فعلته ، وكل ما يمكن أن تفعله ، فأنت أسرحدون .

أسرحدون : " يلتفت نحوه " نادين ؟

نادين : نعم ، نادين .

أسرحدون : عرفت أننا سنتاقبل عاجلاً أو أجلاً .

نادين : وها نحن نتقابل عاجلاً .

أسرحدون : أنا أعرف أنك تريدني .

نادين : ولا أريد أحداً غيرك .

أسرحدون : يا لجنونك .

نادين : ما كنت لأرتاح ، حتى في جنة عدن ، لو لم أحظ بك " يتقدم منه " أنت الآن أمامي ، وبين يدي ، فأين الخلاص ؟

أسرحدون : أيها المجنون القاتل .

نادين : أنت القاتل ..

أسرحدون : قتلت آلاف الجند ..

نادين : قتلتني طفلاً ..

أسرحدون : وآلاف المدنيين الأبرياء ..

نادين : قتلتني شاباً ..

أسرحدون : ومئات المدن والقرى ..

نادين : وقتلتني رجلاً ..

أسرحدون : وبابل العظيمة ..

نادين : قتلتني .. قتلتني .. قتلتني .

أسرحدون : وفوق ذلك .. قتلت أباك .. أبي .. سنحاريب .

نادين : كلا ، لم أقتله تماماً بعد .

أسرحدون : نادين .

نادين : ولن أقتله " يستل سيفه " إن لم أقتلك .

أسرحدون : " يتراجع " القصر مليء بالحرس ، ويستحيل أن تفلت ، حتى لو قتلتني .

نادين : هذا لا يهمني ، المهم أن أقتلك .

أسرحدون : كفاك إجراماً ، كفاك سفكاً للدماء .

نادين : " يلوح بسيفه " بهذا السيف قتلته ..

أسرحدون : الأجدر بكم أن تندم ، وتطلب الرحمة .

نادين : " يرفع سيفه " وبالسيف نفسه سأقتلك .

أسرحدون : " يتعثر ويسقط " نادين .

نادين : سأقتلك " يهم أن يهوى بسيفه على أسرحدون " سأقتلك .


        يدخل القائد ، ويندفع 

        مسرعاً نحو نادين


القائد : " شاهراً سيفه " توقف وإلا ...

أسرحدون : " للقائد " لا ، لا تقتله .

نادين : " يتوقف مضطرباً " ....

القائد : " يضرب نادين على رأسه بمقبض سيفه " حذار ، يا مولاي .

نادين : " يتداعى متوجعاً ، وقد سقط السيف من يده  " آ آ آ ه.

أسرحدون : " يرفع سيف نادين عن الأرض " دعه.

القائد : مولاي ، دعني أجهز عليه .

أسرحدون : كلا ، ابتعد أنت .

القائد : " يتوقف " لكن ، يا مولاي ...

أسرحدون : قلت لك ، ابتعد .

القائد : " يتراجع قليلاً على مضض " ....

نادين : " يشهر خنجره " لن تفلت مني ، سأقتلك .

أسرحدون : " يرفع السيف قليلاً بشكل عفوي " توقف ، يا نادين ، أنت تنزف .

نادين : " يندفع هائجاً نحو أسرحدون " سنحاريب ما زال حياً ، وسيبقى حياً  ، إن لم أقتلك ، وسأقتلك " ينغرز السيف في صدره " آ آ آ ه " يتهاوى على الأرض " .

أسرحدون : " ينحني على نادين " نادين .

نادين : " بصوت متحشرج " نبوءة قالها .. الإله آشور .

أسرحدون : لا تتكلم ، يا نادين .

نادين : بالسيف .. الذي قتلت به أباك .. سنحاريب .. ستقتل .. آ ..ه .

أسرحدون : " يمسك يده " .....

نادين : وها أنا ... بالسيف نفسه .. أقتل .

أسرحدون : " يشد على يده " ....

نادين : أسرحدون .

أسرحدون : نعم .

نادين : حياتي .. كما قلت .. أكثر من مرة .. كانت إعصاراً .

أسرحدون : " ينظر إليه صامتاً " ....

نادين : وها هو .. الإعصار .. يخمد .

أسرحدون : نادين .

نادين : " لا يرد " ...

أسرحدون :  نادين .

نادين : " لا يرد " ..

القائد : " يحدق في نادين " مولاي ، نادين لن يرد ..

أسرحدون : " يجمد صامتاً " ...

القائد : لقد مات .

أسرحدون : " يترك يد نادين وينهض " ...

القائد : " يخلع عباءته ، ويغطي بها نادين " ...

أسرحدون : أيها القائد .

القائد : مولاي .

أسرحدون : ليبق هذا الأمر سراً بيني وبينك .

القائد :  سمعاً وطاعة ، يا مولاي .

أسرحدون : لا أريد أن يعرف أحد ، أن نادين قد انتهى هنا .

القائد : اطمئن يا مولاي ، فالجميع يقولون ، إن نادين قد هرب إلى جهة مجهولة .

أسرحدون : ليبق هارباً .

القائد : أمر مولاي .

أسرحدون : " يرمق جثة نادين بنظرة سريعة " وهذا السر ، أريدك أن تدفنه .

القائد : " ينظر إليه صامتاً " ....

أسرحدون : ادفنه الليلة ، خارج أسوار نينوى ، دون أن يعلم أحد بذلك .

القائد : سمعاً وطاعة ، يا مولاي .

أسرحدون : " يتجه نحو الخارج " لنخرج الآن .

القائد : " يتبعه صامتاً " ....

أسرحدون : " يتوقف عند الباب ، يلتفت إلى نادين " لقد آن  أن تهدأ آشور ، فقد خمد أخيراً ... الإعصار .


                     أسرحدون والقائد ، يخرجان ، 

صمت ، إظلام تدريجي


            ستار

                  

 







 

                   



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق