تصنيفات مسرحية

الخميس، 20 أبريل 2023

جيرار أفيديسيان : عَنِ الفَقْدِ توّاً / *الحسام محيي الدين

مجلة الفنون المسرحية


جيرار أفيديسيان : عَنِ الفَقْدِ توّاً  


يخسر المسرح اللبناني  جيرار أفيديسيان (1944 – 2023 ) عن عمر 79 سنة بعد معاناة مع المرض لأشهر قليلة لكنها حاسمة بمشيئة الله تعالى وتقديره . يكبر فَقْدُ هذا الرجل فلا يكاد يستقر توّاً في خزانة الذاكرة علَمَاً متعدد المواهب والثقافات ، هو المؤلف والممثل والمخرج المسرحي الذي صنع مسرحه بكافة تفاصيله من النص إلى السينوغرافيا والموسيقى والرقصات والانارة ولوازم الديكور وحتى أبحاث وتصاميم الملابس والازياء ، إلى كونه دراماتورجياً  فذّا من الترجمة إلى إعداد النصوص عن كتّابها الأصليين وموهبته الحاضرة في تطويرها وتعميق أفكارها بما يناسب المجتمع اللبناني من إضافة الأمثال والحكايات فالموسيقى والرقصات الفولكلورية الشعبية  ، مع ما تتميز به عروضه من قوة وترابط التابلوهات فيما بينها ، وعدم التراخي في الانتقال بين المَشاهد . يحمل أفيديسيان دكتوراه في علم المسرح من " موسكو آرت ثياتر " أو مسرح ستانيسلافيكس نفسه ، من الاتحاد السوفييتي السابق ، ويمكن عَدُّهُ طليعةَ الجيل الثاني من رواد المسرح اللبناني  الذي خاض تجارب مسرحية مهمة جدا أكسبته خبرة متسعة في أسرار صنعة " أبو الفنون " متنوعة الأشكال  والرؤى والتوجهات العقدية والفكرية على خشبات كثيرة  ، لينطلق بنشاطه عام 1970 ممثلا رئيسيا في مسرحية " ذكرى علاء الدين  " لغبريال البستاني باللغة الفرنسية على خشبة مسرح بيروت عين المريسة ، ثم في " جمهورية الحيوانات " مع شكيب خوري (1971 ) على " مسرح بعلبك " في بيروت  وأتبعها بعرض " يحيا الملك " باللغة الأرمنية ( 1972 ) في الهواء الطلق  وما رافقها من رقص وغناء وإيماء  ،  ثم "حكاية خرابيا وملكها أويو (1972  ) ، و " حياة وآلام شفيقة القبطية " (1973)  ،  و" سوق الفعالة " لجلال خوري على خشبة مهرجانات بعلبك ، و " أخت الرجال " بدور الأبله  لجان ماري مشاقة ، كما أخرج " أخوت لبنان " ( 1987 ) مع نبيه أبو الحسن ،  و " سفرة الأحلام " ( 1993)  لمادونا تأليف وألحان الياس الرحباني  ، وأعدّ وأخرج "صخرة طانيوس " لرفعت طربيه  بإدارة نضال الأشقر لمناسبة افتتاح مسرح المدينة عام 1994 ، وقدّم  " أسرار الست بديعة " عام 2015 مع ندى أبو فرحات ، كما اشتغل الرجُل أيضاً على إعداد ونجاح مهرجانات بعلبك عام 2017  . مُمثلاً ، لعب أفيديسيان عدة أدوار سينمائية  بدءًا بدوره في فيلم " المثلّث " الذي حاز على لقب أفضل فيلم في مهرجان برلين عام 1976   ، إلى دوره في الكوميديا الموسيقية " كارينيه " الذي نال عنه جائزة أفضل ممثل مبتدىء في مهرجان لينينغراد عام 1996 ، كما قدّم للتلفزيون غير عمل ، منها  في مسلسل " طالبين القرب " لمروان نجار الذي تعاون معه في مسلسلات عديدة أيضا ومنها " مريانا " ، وألّف وأخرَجَ 21 فيلما قصيرا لبرنامج " الشاطر يحكي " ، وعمل على سيناريو فيلم سينمائي طويل بإنتاج فرنسي ، ثم إعداده برنامج " قناديل بيروت " عام 2003 لمناسبة شهر رمضان الكريم من تقديم نيشان على تلفزيون الجديد . كفنان تشكيلي ، عرض أفيديسيان في عواصم عربية ودولية  لا سيما في متحف سرسق في بيروت وفي الكويت ولندن ، وتميزت لوحاته التشكيلية بالمزج بين تواريخ  وقصص الشرق من الفراعنة إلى فارس والشام ودولة المماليك وأرمينيا  إلى سحر المغرب العربي  في وجه آخر من وجوه الجمال لهذا الفنان الموهوب  وقد ارتسمت  تحت ظلال ريشته صور وتلاوين رؤى ساحرة من مزيج كل تلك الثقافات لطالما تطلعت بلمسة التفاؤل إلى مستقبل مشرق لهذا الوطن ولو تأخرت الأمنيات على المُتمني .  أفيديسيان رجل اعلانات ناجح أيضا ، عمل لصالح العديد من الشركات العربية والأميركية في الشرق الاوسط  ، حيث كان مديرا للابداع ثم مدير للفروع فيها ،  وذلك حتى العام 2009  . يرحل هذا الرجل الهادىء المثقف ، ذو الفرادة والتنوع والأناقة الفنية ، الذي كدّ بصمت وعمل بجمالية المثابر النوعي في تفانٍ وإخلاص ، فلم يفاخر بإنجازاته الكثيرة والمُقْنِعة جدا ، وهذا وللمناسبة ، لطالما شكل مشكلة لمتابعي ودارسي المسرح في ابتعاد إنجازات المبدعين المسرحيين من الأضواء إلى غياهب النسيان مما يحتاج معه النقد إلى تفعيله بإعادته مجددا إلى دائرة الضوء .   

*ناقد مسرحي
بيروت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق