مجلة الفنون المسرحية
عبد العليم البناء
من البديهي أن الفن المسرحي لا يعيش إلا في إطار الحوار الفني والتلاقح والتناسج الثقافي بين الشعوب، وفي ظل ما تشهده العولمة بتأثيراتها وتدفقاتها وصراعاتها؛ هناك ضرورة قصوى لتكريس رؤى النظرية الجمالية في الكشف عن المهمة الأصيلة للوعي في محاربة ونقد كل أشكال الإستلاب والإغتراب التي تنتج في عالمنا المعاصر هنا وهناك، والعمل على الإرتقاء بالوعي الجمالي عبر التناسج الثقافي في المسرح الذي يتأرجح بين الأنا والآخر والهوية والاختلاف الذي يفضي الى إنتاج فضاءات ثالثة لمسرحنا اليوم..
في هذا السياق صدر كتاب (تناسج الثقافات المسرحية المعاصرة) لمجموعة من المؤلفين ، وبتقديم مهم للأستاذ الدكتور عبد الكريم عبود عودة، عن (دار الفنون والآداب للنشر) لصاحبها الدكتور حسن النخيلة، في مائة وسبعين صفحة من القطع المتوسط، ليستعرض رؤى عدد من الباحثين من النقاد والأكاديميين المسرحيين العراقيين والعرب الذين توقفوا عند مفهوم التناسج في الثقافات المسرحية المعاصرة بالدارسة والتحليل والبحث.
يؤكد أ. د. عبد الكريم عبود في تقديم الكتاب" إنّ قراءة المشهد الثقافي المسرحي العربي اليوم تتطلب فك الاشتباك لمجموعة من العلاقات الاجتماعية بين الإنسان وأخيه الإنسان في ظل المركب البيئي إذ لابد من الكشف عن تلك المجتمعات وثقافاتها المختلفة لنستحضر التمازج والتداخل بين المجاميع الثقافية والظواهر المنعكسة لطبيعة تشكل هذه البنى الاجتماعية والسياسية واظهار مركب العلاقة بينها ليتداخل التقليدي بالحديث والنخبوي بالشعبي من أجل خلق علاقة تقبل الآخر في صناعة أشكالاً مختلفة من التعبير الفني المسرحي عبر ممارسات مسرحية تعبر مفهوم المثاقفة وتتصدى الى مفهوم التناسج. "
مواصلاً التعريف بمفهوم التناسج وتفريقه عن المثاقفة " إنّ التداخل الحاصل بين مصطلحات الهجنة والمثاقفة والتناسج هو تفاعل وانصهار الغاية وولادة آخر جديد أو فضاء ثالث مختلف نتيجة تلك المعطيات المفاهيمية لإنتاج مفاهيم جديدة وبتجاوزنا مفهوم الهجنة لعدم توافقه مع طروحات الديمومة والاستمرارية فان تركيزنا سوف ينصب على عملية تحول الانتاج المسرحي من المثاقفة الى التناسج."
ويتابع، إن التصادم الثقافي بين المثاقفة والتناسج هو بديل مفاهيمي لمصطلحين امتزجت فيهما الثقافات بوصف أن " التناسج مفهوم منايء للهويات الصلبة التي تصنف نفسها نقيضاً للأخر، وتقيم الحواجز بينها وبين العوالم خاصة وأن ليس بينهما ثقافة منفردة ونقية محض، بل كلها مهجنة مولدة متخالطـة متمايزة الى درجـة فائقة وغير واحديـه" وأحيانا تنحرف المثقافة عن مسارها الاعتيادي نحو تلاقح الثقافات بين الفرق من كل البلدان في العالم ذات الثقافات المختلفة وعند حصول هذا التلاقي ينتج رموزاً جديدة وتعابير مختلفة وصـور وإيماءات وطقوس من شعوب مختلفة وهذا ما أسماه يوجينا باربا بالمقايضة" وهو إقامة مؤدين من مجتمعات مختلفة بتبادل الرقصات والأغاني وفقاً للاحتياج المتبادل في ظل التبادل الثقافي ليصبح التبادل قائماً بين ما يقدمه المؤدون للمتلقين وبالعكس مبتعداً عن كينونته الأصلية في الثقافات، وهذا تصادم وصراع بين الثقافات نحو الجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل وصولاً لخلق مسرح جديد بديلاً للمثاقفة مقترناً بالتناسج وتداخل وانصهار الثقافات في بوتقة نابعة عن إنتاج لفضاءات ثالثة لمسرحنا اليوم.. التناسج يسعى لرفض الفضاءات المغلقة لخلق حالة اجتماعية تجمع الكل ضمن سياقات ثقافية مشتركة بغية التواصل والتفاعل وصياغة شكل جديد للمسرح الذي يستعمل وسائل مختلفة وتقاليد مشتركة تجعل المسرح لامتناهي في الانصهار والحفاظ على الهوية المحلية.
أخيراً..يرى أ.د.عبد الكريم عبود أن "التناسج يسعى لرفض الفضاءات المغلقة لخلق حالة اجتماعية تجمع الكل ضمن سياقات ثقافية مشتركة بغية التواصل والتفاعل وصياغة شكل جديد للمسرح الذي يستعمل وسائل مختلفة وتقاليد مشتركة تجعل المسرح لامتناهي في الانصهار والحفاظ على الهوية المحلية."
انطوى الكتاب على مجموعة دراسات وبحوث وقراءات رصينة وبأسس علمية ومهني كتبها عدد من الباحثين والدارسين والنقاد المسرحيين الأكاديميين العراقيين والعرب، فكتبت أ.د. سافرة ناجي من كلية الفنون الجميلة في جامعة بغداد عن (تبديّات التناسج الثقافي للجـسد في الخطاب المسرحي المعـــاصـر)، في حين توقف أ.م.د. حسن عبود النخيلة من كلية الفنون الجميلة في جامعة البصرة عند (الاطراس الجمالية لتناسج الثــقافات في المسرح)، واستعرض د.د. سعد عزيز عبد الصاحب من دائرة السينما والمسرح (التناسج الثقافي والاستشراق في القراءة التراجيدية لـ (الليالي)العربـية)، وبحث د. فراس الريموني من الأردن في (تجليات تناسج ثقافة الطقوس وتوظيف الاسطورة في عروض فرقــــــــة طقــــــــــوس المسرحـــية / الاردن، وتناول الباحث حمه سوار عزيز من نقابة الفنانين في أربيل (التناسج الثقافي في المسرح الكردي بين ثنائية الــــمركز والـــــهامش)، أما أ.د. عبد الكريم عبود و د. عبد الزهرة سامي من جامعة البصرة فقدما بحثهما المشترك عن (درامية الايقاعات الشعبـــية وتناسج الثقافات فــي العرض المسرحـي).
الكتاب لا غنى عنه للدارسين والمتخصصين والمعنيين بالمسرح ويرفد المكتبة المسرحية العراقية والعربية بما اكتنزه من رؤى جمالية في تناسخ الثقافة المسرحية المعاصرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق