تصنيفات مسرحية

السبت، 24 يونيو 2023

بنية الصراع في المونودراما الحديثة : ''دنيا'' نموذجا لطه عدنان

مجلة الفنون المسرحية


بنية الصراع في المونودراما الحديثة : ''دنيا'' نموذجا لطه عدنان
إبراهيم الكراوي- المغرب 

 تستهدف هذه الورقة تشريح صورة الغربة والاغتراب انطلاقا من نص مونودرامي : ''دنيا'' لطه عدنان باعتباره شكلا مسرحيا ينزع نحو مسرحة الواقع وتمثل قضاياه.
رمزية بنية الصراع وانهيار القيم:

  يكشف مسار قراءة هذا النص المونودرامي الواقع الحديث، بوصفه بنية درامية غنية بالعلامات تتمثل رمزية بنية الصراع بين الفرد والعالم الراهن. ومن ثم، فالواقع الراهن بنية تتحول إلى صورة ممسرحة .
   إن اللوحتين الأولى والأخيرة من المونوداما تمثلان بنية رمزية غنية بالعلامات الدالة والأنساق الكاشفة، لعلاقة الذوات بنسق القيم الإنسانية. ولعل موقعهما في جسد النص  ينبع من رمزيتها التي تحيل على شخصية الذات الانثوية ''دنيا'' والتي  تعيش لحظة انفجار نفسي بفعل اصطدامها بالنسق الذكوري بين الأنا (المجتمع العربي، كما يجسده فضاء البيت  ) و الآخر (المجتمع الغربي  كما يجسده فضاء الاغتراب في أوروبا) 
    هكذا ينزع النص إلى تصوير الصراع الضاري بين ''دنيا'' وعالم الغربة،والاغتراب بكل تجلياته التي تكشف النسق الذكوري الغربي، وعلاقة المركز بالهامش، والآخر بالأنا، الأنوثة بالذكورة. فهي كلها ثنائيات تجسد مشهد  الصراع على الركح بين شخوص تحاكي أفعالا، وترصد تحوّلات الواقع. 
 إن البطل الحقيقي لهذا النص هو التحوّلات التراجيدية التي يعرفها الواقع المعاصر، والتي أدّت إلى تشكّل الحدث نفسه قبل أن تكون ''دنيا'' الشخصية التي اختارها المؤلف لتجسد الفعل المونودرامي. ولعل الحافز على ولادة الحدث ونموه وتطوره في نسق مونودرامي، يرتبط أساسا بمأساة دنيا  وهي تجد نفسها بين أنساق الصراع متمثلة في : المركز/الهامش، الغرب/الشرق. ومن ثمّ، حاولت هذه الشخصية سبر أغوار ذاتها الجريحة بوصفها مركز الفعل على الركح. 
     يتحوّل النص إلى سلسلة من الحالات والتحولات  الدرامية، والتي  تعكس نمو الأحداث وتشكل الحبكة وبنية التوتر، عبر مجموعة من اللوحات الكاشفة لواقع فضاء الهجرة والاغتراب في أوروبا، ولوضعية الذات الأنثوية في ظل الاستلاب الذكوري. فيحاول النص من خلال هذه الشخصية ''دنيا'' الكشف عن أن المبادئ في العصر الحديث مجرد غطاء يخفي مجموعة من الصراعات الثقافية، الكاشفة بدورها عن تناقضات ومفارقات المجتمع، على صعيد تمثل وانهيار القيم .
  ولعل انهيار القيم الاجتماعية يكشف في الحقيقة،  جوهر الصراع بين الذات العلامة ''دنيا'' كما يكشف ذلك دلالة اسمها الذي يتقاطع فيه الهاجس الأنثوي والنسوي، والمواجهة مع النسق الذكوري، لينتجا في الأخير درامية الوجود الإنساني النسوي. فتظهر ''دنيا'' بوصفها علامة تشتغل على تضعيف المدلول من حيث وضعها كذات أنثوية في فضاء الهجرة.

    يحضر نسق الحالة والتحول بوصفه شكلا جماليا كاشفا للصراع والتطور الدرامي لعلاقة دنيا/عبديل بالعالم الحديث، وأوروبا بالخصوص. فـ''دنيا '' ليست سوى علامة تشتغل على تضعيف المدلول؛ وإنتاج مجموعة الثنائيات التي تمثل صورة الصراع بين الخير والشر؛ الجمال والقبح؛ الإخلاص والخيانة؛ الذكورة والأنوثة كما يظهر من خلال علاقتها بشخوص تنتمي إلى فضاء الغربة/المركز، أو من خلال علاقتها بشخوص تنتمي إلى الذاكرة/المجتمع (الأب، الأم، الأخ، عبديل، المهاجر السوري) مما يكشف أن نسق العلامات المركز، الهامش عامل مولّد لبنية التوتر والصراع.
 إن قيم الخير كما يتجسد من خلال قيمة النسوية/الأنثوية ''دنيا'' حين تنتظر خروج زوجها من السجن، ومساندتها له، وقيم الجمال كما تتمثّل من خلال رغبتها في إدخال السعادة إلى قلبه ومفاجأته بخبر حملها. فهي كلها قيم تدخل في صراع مع الراهن المعقد وهو انسياق عبديل مع تيارات الإرهاب، مما دفع به إلى الانخراط في الحركات الجهادية في سوريا، وتأزم العلاقة بينه وبين العالم ومن جهة، وبين دنيا من جهة أخرى بل سينتهي به المطاف بتفجير نفسه داخل محطة الميترو في الوقت الذي جاءت دنيا لتلتقيه فيه لكي تنقل له خبر حملها الذي يمكن أن يغير مجرى حياته من التعاسة إلى السعادة.

2 بنية المونودراما والأنساق الرمزية:
 
   إن الالتباس على صعيد تقديم الحدث بين اللوحتين الأولى والثانية،  إنما يرجع إلى الغموض الذي يسم الواقع بوصفه عالما رمزيا قابلا للمسرحة.
    ولعل من مظاهر العبث والتناقض الذي يعكسه بناء المونودراما في هذا النص، في علاقته بالصراع بين الذوات، هو ما تصوره اللوحة الثانية بخصوص مأساة الذات الأنثوية في فضاء الغربة. وهو فضاء من المفترض أنه يحتفي بالمرأة والقيم الإنسانية؛ فعلى العكس من ذلك تجد ''دنيا'' نفسها في مواجهة الأنساق الذكورية المترسبة في الذاكرة، كما يظهر من خلال ذكورية أخيها الذي دفعها للانتحار، فيتحول فضاء الغرب إلى فضاء ذكوري ورمزا لانهيار القيم الإنسانية. 
   إن تطور الحبكة لا يعكس فقط ذكورية الذاكرة والمجتمع الذي تنتمي إليه ''دنيا''، بل تتجاوزها إلى فضاءات الغربة/الغرب كما نستشف من خلال ذكورية المركز، وكما تمثلها أمكنة الهامش. فيكشف الوصف صورة المهاجر بوصفه الهامش كما نستشف من خلال الأحياء التي يقطن بها، ومدارسه التي يتابع فيها أبناء المهاجرين الدراسة، مما يضطر المهاجر إلى التمرد على هويته، وتغيير اسمه لكي يحصل على عمل:
«المدارس المزابل حيث يقطن أغلب أبناء المهاجرين» ص:65
«خلال الفسحة يتمّ الفرز بشكل عفوي. مثل البهائم وهي تتفرق في المزرعة. السود مع السود، العرب مع العرب..» ص :63 
«إنهم يكرهوننا ولا يريدون سوى تدميرنا» ص: 113
 وبذلك فتوزيع لوحات النص يفتقد لكل منطق تسلسلي في توزيع الأحداث الفرعية، مما يحيلنا على أحد خواص النص المونودرامي، والتي تعكس في حقيقة الأمر حالة اللامنطقي والعبث والتناقض التي تميز الواقع المعاصر. ففي الوقت الذي نجد فيه فئة من العرب هاجرت إلى أوروبا بحثا عن الحرية والانفتاح والتحرر من شظف العيش، تجد نفسها في وضعية أشد وطئا تحت سلطة أنساق المركز. 

 3 -الموندراما : من الواحدية إلى التعدد:

 لقد تبين أن الحالة التي ينبني عليها الفعل المونودرامي تتمثل بوصفها بنية رمزية تنتقل بنا من الواحد إلى المتعدد،. وهو ما نستشفه من خلال الحوار بين عبديل و دنيا ؛ فتنتقل الذات الأنثوية من تجسد مأساة وجودها و مسرحته من خلال سبر أغوار ذاتها المستلبة إلى تعرية صدمة الواقع الذي تعيشه بين سلطة المركز و معاناة الهامش الاجتماعي، مما ولد صراعا داخليا و خارجيا تعكسه أفعال الشخوص. 
   إن رمزية الصراع تكتسي بعدين:
 الصراع الداخلي النفسي: إذ تعاني ''دنيا'' من تمزقات داخلية، سواء بوصفها مغتربة أو بوصفها ذات أنثوية داخل مجتمع ذكوري. ولذا، تختار الشكل المونودرامي الذي يتيح لها سبر أغوار الذات والتعبير عن مأساتها بصورة مركزية. و العناصر التي تجسد هذه المسرحة كالتعبير الجسدي بين القوسين، والإشارة إلى الإضاءة والحركات والتنقل بين أفضية الركح، كلها علامات نسقية على المعاناة، والتمزقات التي تعيشها الذات الأنثوية ''دنيا'':
«(بأسى)
مرة أخرى أحسست بأني كائن غير مرغوب فيه» ص: 54
    يشكل الصراع النفسي انعكاسا للصراع الخارجي التي تعاني منه شخصية ''دنيا''. ومن ثم، تخوض صراعا دراميا مع الأنساق الذكورية المرتبطة بالمجتمع والفضاء/المركز. فيتحول الفضاء إلى صورة للاستلاب واغتيال الحياة، والحرية، بدل أن يكرس القيم الإنسانية. 
    هكذا نستنتج أن  المونودراما نص يجسد مأساة الفرد في الراهن، وتمثيلا لجيل الضياع الذي وجد نفسه بين سلطة الأنساق الاجتماعية، وفضاء اغتيال الأحلام الفردية في الغرب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق