عبد العليم البناء
عن مؤسسة دار الصادق الثقافية للطبع والنشر والتوزيع صدر للدكتورمحمد فضيل شناوة كتابه (شعرية النص المسرحي المستقبلي) الذي جاء في 289صفحة من القطع الكبير، وكتب مقدمة هذا الكتاب الذي يتوقف عند قضية مسرحية مفصلية تمثلت بشعرية النص المسرحي المستقبلي، الأستاذ الدكتورعلي محمد هادي الربيعي، وجاءت تحت (عنوان المستقبلية.. حلم اليقظة) أكد فيها أن (المستقبلية) قد برزت "كحركة عنيفة وانطلقت كقوة ثورية وكاتجاه مؤثر في مجموعات من الشباب تمردوا على الواقع السيء، وعبروا عن اعجابهم بالتطور الصناعي ودعوا الى أن يكون العمل الفني والأدبي والمسرحي معبرًا عن روح العصر، وكقوة تستند على الديناميكية الحركية كقانون أساس في نهجهم، ومن خلال سرعة الحركة التي تجتاز الواقع، وبثوريتها تفسح لهم المجال في رؤية البعد الرابع بالتصور الذهني، وكذلك فإنهم يعبرون عن حركة العصر بديناميكية التكرار من خلال ممارساتهم وأعمالهم ونتاجاتهم".
مشيراً الى أن "هذه الحركة راجت بين الشباب، وعلى أساس أن سن الشباب يتمثل بالجسارة والاقدام والاندفاع باتجاه المخاطر وسرعة الحركة، وقد تحمَّست مجموعة منهم واندفعت ببث أفكارهم التحريضية وتحقيق أهدافهم ومبادئهم وبأساليبهم المعروفة في الشوارع والساحات العامة والحدائق والمسارح. وامتد تأثير هذه الحركة الى عقول مجموعات أُخر من الشباب في اوربا وخاصة في فرنسا وبلجيكا وروسيا والمانيا، وقد قال – آنذاك – مايكوفسكي وهو أحد روادها المشهورين :"ستكون الشوارع من الآن فرشاتنا وستتحول الساحات الى لوحات أصباغ".
وأكد الربيعي " وفي مجال المسرح، جرب قسم من مريدي (المستقبلية) حظهم في هذا الفضاء، ومارسوه كتابةً واشتغالاً صورياً، وحققوا حضوراً بييناً في الساحة الفنية وإن كان هذا الحضور قد أختِّلِّف عليه، لأن الجمهور الشاهدين لمسرحياتهم والقارئين لنصوصهم قد انقسموا على أنفسهم بين مؤيد ومتحمس من جنبة، وقسم آخر رافض لهذا الاتجاه الذي عدوه تخريباً لهذا الفن من جنبة أخرى. فما تحصَّل عليه النص السرحي أو العرض المستقبلي من خواص فنية تموجز بالتلغرافية والسرعة والإيجاز والتكثيف والتدفّق والغموض والفوضى والتأويل، صيّرهما -النص والعرض- بعيدين عن النصية الأرسطية أو النصية البنائية المعتادة التي اعتاد عليها الجمهور السرحي، وأفقدهما التواصلية مع الجمهور."
ونتفق مع الربيعي في أن القارئ لهذا الكتاب "سيلحظ أن النصوص المستقبلية بما تضمره من شاعرية الكلمة والوقف والحضور والتدفّق الصوري، لا يمكن أن تفصح عن الغايات والمرامي التي تصوّر اللحظة المنبثقة من فضاءات الواقع العاش الآن في فضاء انتشرت فيه رؤى التجريب المسرحي القائمة على تعددية الأداءات ووسائل الميديا. غير أن المؤلف ألبس النصوص التي كتبها العديد من الكاتبين، قراءته الخاصة المتأتية من مسارين: أولهما القراءة الراكزة لهذه النصوص ومرجعياتها الفنية والفكرية التحصلة من حرث واع للفكروالفن المستقبلي. وثانيهما، شرع فيها من مرجعياته الفنية بوصفه ممثلاً ومخرجاً مسرحياً خاض فضاءهما و خبر حيثياتهما. ولذلك عندما قرأ النص المسرحي المستقبلي تجرأ على أن يحاكمه على وفق المعطيات التي قرأ وفقهما النص، ووضع تصوراته في هذا الكتاب. فزاد النصوص المستقبلية نصوعاً، ووضح مقاصدها، وفسر متونها.
المؤلف توقف عند المستقبلية التي تعد "بشعريتها إحدى الحركات الفنية والأدبية التي اشتغلت في بعض تمفصلاتها في المسرح، والتي شغل اهتمامها في التوجه المستقبلي وترسيخ ثقافة فنية جديدة بعيدة عن التجارب القديمة والاضية، وخلع الرداء الواقعي الطبيعي، لفشلها وزيفها وفق وصفها، فضلاَ عن اهتمامها بالذات الإنسانية كبنية أساسية وقيمة عليا لقياس الوجود والكينونة والهوية، فضلً عن اختزالها لزمكانية الوجود والحياة والذات، لتعبّر عن العوالم الروحية والادية بتجريد وتجريب، ممعبِّرةً عن حالات الذات والإنسان وعلًاقته مع الأنا والآخر، وعلاقته مع الوجود والحياة."
وتتضح أهمية الكتاب - كما يؤكد- من خلال تسليط الضوء على الحركة المستقبلية واشتغالها في الحقل السرحي كشعرية لها نظريتها الداخلية في المبنى والمعنى. إذ تم تقديم مبسط عن مفهوم الشعرية ورؤيتها الجمالية في المبنى والمعنى ومراحل تطورها والمفاهيم التي أنتجتها عبر مراحلها ومدارسها وحلقاتها وروادها، فضلاً عن تقديم منظورات غربية وعربية إزاءها من خلال طروحات بعض الفلًاسفة والباحثين والنقّاد العرب والمسلمين والأجانب. كذلك تقديم مبسط عن المستقبلية من حيث المفاهيم والرؤى والميادين، فضلاً عن تقديم وطرح المجسّات الشعرية والجمالية والدلالية الغنائية للنصوص السرحية المستقبلية. ومن ثم تحليل النصوص المسرحية المستقبلية وإفرازاتها الجمالية والدلالية المستقبلية. ومن ثم تحليل النصوص المسرحية المستقبلية وإفرازاتها الجمالية والدلالية على مستوى شعرية المعالجة الدرامية والفكرية والأسلوبية.
وفي هذا السياق توقف المؤلف في الفصل الأول عند (الشعرية... المفاهيم والرؤى والمراحل)، وفي الفصل الثاني عند (المستقبلية ... المفاهيم والرؤى والميادين)، وفي الفصل الثالث عند (المجسات الشعرية للنص المسرحي المستقبلي)، وفي الفصل الرابع اتجه الى (دراسة وتحليل شعرية النص المسرحي المستقبلي)، وفي الفصل الخامس الذي خصصه للخاتمة أكد المؤلف:" أخذت النصوص المسرحية المستقبلية سمتاً شعرياً جمالياً خاصاً بها، لارتسامها طريقاً في بنيتها المسرحية، والموسومة بلحظات وسيناريوهات ومحطات ممكثفة تتجه سريعاً نحو النهاية والحل. في الوقت الذي حملت فيه النصوص المستقبلية أيضاً تلك البؤر الداخلية التي اتسمت بعمق فكرتها وجدلها الدلالي، فضلاً عن المحاباة الغرائبية تارةً ومناكفتها تارةً أخرى، بحيث تقترب بشكل أو بآخر من الحياة الواقعية وبشكل فني جمالي، لتفجير حزمة من الشعور والإحاطة الاجتماعية والنفسية لمكامن النص وشخصياته، محققاً ذلك الشكل والوظيفة والوسيلة التي أناطت للمستقبلية وشعريتها الخوض في تمفصلاتها البنائية والعنائية. لتحقق منظوراتها على مستوى الخطاب (الرؤيا الجمالية) وعلى مستوى الجمال والشاعرية، والانزياح، ومسافة التوتر، ومقدرة القارئ." مقدماً نتائج واستنتاجات تحليلة لطبيعة النصوص التي توقف عندها بدراية ومكنة نابعة من خلفيته المسرحية الرصينة، الأمر الذي يجعل من هذا الكتاب رافداً مهماً وجديداً – لا غنى عنه – للمعنيين بالمسرح وللمكتبة المسرحية العراقية والعربية على حد سواء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق