الاشتباك بين مسرح الشارع والمسرح في الشارع
أ. د. عامر صباح المرزوك - الصباح
صدر مؤخراً عن مؤسسة س للثقافة والفنون ودار حابي للنشر والتوزيع في مصر كتاب (مسرح الشارع بين الخلط الشائع. مقاربة مفاهيميّة) للناقد حسام الدين مسعد بواقع (94) من القطع المتوسط، وهو ضمن إصدارات المهرجان المسرحي الدولي لشباب الجنوب في مصر.
عُرف عن المؤلف اهتمامه الكبير في دراسة مسرح الشارع في الوطن العربي، وكتابته المستمرة عن المنجزات المسرحيّة التي تهتمُّ بالفضاءات المفتوحة، وحضوره غالبية النشاطات التي تُقام هنا وهناك، وتقديم عروض مسرحيّة تهتمُّ بالفضاءات المفتوحة ومسرح الشارع، وجاءهذا الكتاب القيم ليُكمل مسيرته في ذلك المسار الذي تفتقده المكتبة المسرحية العربية.
جاء في مُقدمة الكتاب التي كتبها الأستاذ الدكتور مدحت الكاشف العميد الأسبق للمعهد العالي للفنون المسرحية في أكاديمية الفنون بالقاهرة: (تأتي أهمية هذا الكتاب الذي يقدمه بتحليل بارع الأستاذ حسام الدين مسعد، مركّزاً فيه على تجربة مسرح الشارع التي يغوص في وصفها وتفسيرها عبر العصور، ليؤكد من جديد جوهر الفن المسرحي بوصفه بمثابة عملية مقايضة بين المؤدّين والمتلقين، وكأن المسرح بشكل عام ومسرح الشارع بشكل خاص الذي يعتمد على هذه اللحمة الحية هو مكان يتم فيه تبادل الأدوار بين المؤدّين والمتلقين، ويصبح الفن المسرحي عندئذ مرآة تعكس بشكل متكسّر العلاقات المرسلة إليه عن قصد، أو بوصفه مرسلاً مضاداً يعكس علامات ذات طبيعة مختلفة، وهو ما يفرض على) المتفرّج) وظيفة جديدة تُعرف بالتلقي.
يرى المؤلف أن سلوك العزوف أو نبذ المسرح من قبل المتلقين وعدم ارتيادهم للعروض المسرحيّة التي تقدم داخل قاعات العرض المسرحي، أدى إلى خروج العرض المسرحي باحثاً عنهم في الفضاءات التي يتواجدون فيها، ليكتمل ثالوث العرض في علاقة جديدة، يتم خلقها مع المتلقي في فضائه الخاص، لكن هذه التجارب التي خرجت من العلبة الإيطالية مستهدفة المتلقي أينما وجد، قد شابها الخلط الشائع بين كونها شكلاً مسرحياً جاهزاً يُقدم في الشارع، وبين كونها شكلاً مسرحياً مصمماً بشكل خاص للشارع، فنتج السؤال الجدلي: مسرح الشارع؟، أم مسرح في الشارع؟ .. مكرساً سلوك العزوف لدى النقاد، وندرة الدراسات النقديّة والبحثيّة والتنظيريّة التي تتناول مسرح الشارع، وعروضه عربيّاً. يتخذ هذا الكتاب من إشكالية الخلط الشائع بين الأشكال الفُرجويّة المسرحيّة التي تقدم في الشارع وبين عروض مسرح الشارع التي تعرض في المهرجانات المتخصصة، ذريعة له في عقد المقاربة المفاهيميّة لمصطلح (مسرح الشارع) عربياً من خلال قراءة الظاهرة التي رصدها الباحثون والنقاد العرب، وتجلى الوجود الذهني وفقاً لما يستقر في الذهن من مفهوم بلغة الفلسفة، والوجود اللفظي والكتابي لهم والذي أفضى إلى الوجود العياني لعروض مسرح الشارع.
إنَّ الخلط غير المبرّر في مسرح الشارع، والذي يقودنا إلى السعي لإزالته، للتأكيد على هوية مسرح الشارع كقالب، أو كشكل مسرحي يهدف إلى جعل المشاهدين متلقين يعون ويفهمون ويشاركون صناع العرض في بلوغ الدلالة من العرض، استوجب علينا تفسير السينوغرافيا بين مسرح الشارع الذي ينتقل إلى فضاء المتلقي، ويحاول تشكيل هذا الفراغ بأجساد مؤدية، وبين السينوغرافيا في المسرح الملحمي الذي ينقل المنصة إلى صالة المتفرجين.
ويستخلص المؤلف من ذلك: أن كل فرجة لا تُعد مسرحاً، وليس كل شكل فرجوي درامي يُقدم في الشارع هو قُبيل مسرح الشارع، وإنما يُمكن اعتباره مسرحاً في الشارع.
ترجع أسباب الخلط الشائع التي تعتري عروض مسرح الشارع في عالمنا العربي إلى الفهم الخاطئ للوظيفة الأساسية لمسرح الشارع، هذا فضلاً عن الميل الجارف لدى بعض صناع مسرح الشارع لكسر القواعد العلميّة تحت المفهوم الخاطئ والتبسيطيّة المبتذلة لمصطلح التجريب، فتتحول العروض من مسرح شارع إلى عروض مسرح في الشارع، ويمكنها أن تُقدم داخل العمارة المسرحية، ولن نلحظ أي تغيير في التفاعل أو الأداء، مما يؤكد على غياب التلقي النقدي لمفهوم مصطلح مسرح الشارع.
الخلط غير المبرّر بالمزج بين المدارس المسرحية والمناهج الخاصة بالأداء التمثيلي أو الخلط بين القوالب المسرحية التراثية من حيث الشكل التي تُقدم به، أحدث خلطاً شائعاً، أثر بالسلب على عروض مسرح الشارع، وساعد على طمث هويته العربيّة، وأصبح الخلط الشائع، هو الوجود العياني لعروض مسرح الشارع في وطننا العربي. لذا وجب علينا البحث في طبيعة المكان المنتخب لعروض (مسرح الشارع) حتى لا يختلط الحابل بالنابل، وللتأكيد على أن صناعة عرض مسرح الشارع تنطلق من الفضاء المادي الطارئ الذي هو المُحفّز الرئيس لصناع العرض، ويفرض خصوصيّة في إنتاجه على المستويين الجمالي والاجتماعي.
أخيراً أبارك للناقد حسام الدين مسعد على منجزه الثر، وهو يُكرّس جهده في الكتابة عن مفهوم مسرح الشارع عربياً، وننتظر منه المزيد من العطاء والبحث والجهد العلمي والمعرفي ليرفد المكتبة المسرحيّة العربيّة بالجديد النافع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق