يوسف السياف
دائماً ما يَطرح الأداء الجسدي معانٍ متعددة ومكثفة عبر لغة وصفية ذات تقنية متفردة, يستمد ويتغذى من بيئته, ويستثمر كل ما يساعده على إنتاج المعنى وبث الإشارات لاستبعاد ضياعه وازاحة الفقر الدلالي ومحو تشويش الكينونة الإنسانية, ودائماً ما يعتمد الإداء الجسدي الجدة ويتبنا الرمز وتأكيد الهامش وتأصيل الهوية وعدم الاتفاق مع الجمود, كونه يشكل جوهر الدالة وبندول معيار الهبوط والارتقاء, وملخص لبنية اللغة السردية في الكشف عن غاية الانسان ونتاجه, واحد العوامل الرئيسة في معرفة الخطاب الاجتماعي, وكيان منتج لمختلف مكونات الثقافة رغم العولمة القصرية وولادة اشكال ثقافية مستعارة, إذْ أنَّ وجوده يكمن فيما له من قدرة على التعبير والتشكيل البصري وترسيم الثقافات, لذا يُعد الجسد وتقنياته مرجعاً تواصلياً مع الآخر, ووسيلة تشاركية قبل اكتشاف اللغة المنطوقة كأول أدوات الإنسان في علاقة تواصلية ديالكتيكية بينه وبين ذاته ومحيطه الخارجي, محاولاً إثبات وجوده وكينونته, ونتيجة لأهميته انتشرت الأبحاث والدراسات العلمية, وأصبح من المشاريع المهمة (إنتاجياً واستهلاكياً) في المجتمعات, وما تصنعه السياقات الثقافية والاجتماعية ما هو إلَّا متغير دلالي يتمثل من خلال حضور الأجساد وعلاقتها بما تفرزه البيئة التي تؤثر على طبيعة تلك الأجساد التي تتجلى في مجمل الأنشطة الإنسانية ومختلف أشكال المشاعر والطقوس والعبادات, إذْ أنَّ البحث عن صيغ أدائية جديدة تنتج معنى حقيقي ومغادرة الكلائشية والتوجه نحو الأصول البدائية والثقافة الشعبية والتقاليد الاجتماعية والروحية كان نتيجة الانهيار الثقافي وطغيان المكننة, مما اضطر اغلب مشتغلون المسرح الحديث في البحث عن تقنيات جديدة تولد المعنى من دون تعقيد, وتتبنى النسق الإيكلوجي من أجل فهم تلك العلاقة التكاملية التشاركية, وايجاد صيغ ادائية تتبنى الحركة/ التشكيل الجسدية والكتابة البصرية كرد اعتبار لمختصر تاريخ الجسد وتجديد الانتماء الإنساني, والبحث عن المضمر المشترك وعمق الانساق المضمرة وسبل التواصل وصيغ الممارسات والتجارب, كون الجسد دالة محملة بالمعاني التعبيرية الصادقة.
وبعد سنين طوال بدء المسرح العربي المعاصر يعي وبتذبذب وزئبقية أهمية الجسد والنظر إلّى ثقافة الشعوب والعودة إلى الأصول واستثمار كل ما هو ثقافي واستلهام الاشكال الطقسية والتوجه نحو تأثيث خصاب فكري جمالي يعتمد الأجساد الجمالية كعنصر حيوي منتج للعلامة وطارح رئيس لها, كرد فعل لبعض ممارسات العولمة واغتراب الجسد, إلَّا أن تلك التجارب كانت خجولة في الخوض بهذا المضمار ازاء التوظيف الجسدي والاشتغال عليه, على الرغم من أنَّ الرغبة نحو التجديد والخروج عن هيمنة الموروث المسرحي التقليدي وتطبيق مفهوم المجايلة عبر الاشتغال على الجسد والتي كانت سمة المخرجي المعاصرين, إذ نجد أنَّ تجربة المخرج العراقي (علي دعيم) تعد مثال حقيقي لإنتاج المعنى عبر سيميوزيس يترك المتلقي في دوامة القراءة والتأويل, ففي عرض مسرحية (أهريمان) انطلق (دعيم) كمخرج ومؤلف للعرض الأدائي من العنوان المستلهم من أسم (اله الشر/ أهريمان) في الفكر (الزرادشتي) أو الشيطان في الثقافة (الإسلامية) لبث المعاني اللا منتهية, لجعل مضمار التجربة تأخذ مدى اوسع في الاحالات وفك شفرات العرض, من خلال رصد (المخرج) لتقنيات الجسد في المجتمع لاسيما الاجساد البلزاكية ذات البنى الاجتماعية, إذ أنَّ إنتاج المعنى يُولد من رحم المغالاة الأدائية للثيم الحياتية, ويُعد الاشتغال السردي للجسد من قبل (دعيم) عنواناً صريحاً لمظهر منظم لسلوك الأنسان المنتج, واستثمار الضوابط الاجتماعية التي تتحكم في شكل وطبيعة الأجساد وتحدد نظرة المجتمع لها, ليكشف الجسد في العرض عن ثقافة الشعب بعد محاولته لتقنين طبيعته الفطرية, كما أنه يدل على أساليب التوظيف وأدراك قيمته على الرغم من تذبذب خاصيته الفردانية, لتكون الاجساد بليغة وفق الخصائص التقنية الوصفية لسلسلة الأنشطة والظواهر الاجتماعية والثقافية للإنسان, ومادة دسمة للمعمل الانثروبولوجي داخل العرض, ويكمن الأداء بمجمل أشكاله في وصف واستنطاق صورة الذات والجماعة, ليصبح الجسد ثقافي خالص وعينة لمجمل الأجساد الإثنوغرافية التي تشكل بعداً اساسياً في البيئة المعاشية وتشكيل المعنى المنتج, لما تنماز به تلك الأجساد من تشاركية وترويض لتلك الشواهد الثقافية.
تجري أحداث عرض (أهريمان) في بيت عراقي قديم, تسكنه عائلة أتت من العدم وضبابية الوجود حولت هوية السكن إلى مضافة للإرهابيين, يحتوي البيت على باحة تتوسط المكان وتحتل سطح المسرح جغرافياً, اثث فيها مخرج العرض مجموعة من المؤدين يمثلون عامة الشعب وتعامل معهم وكأنهم شخص واحد ليس بمفهوم الاستنساخ بل لتأكيد الوعي الجمعي التابع, بالإضافة الى وجود مؤدين أثنين منشطرين ومتشابهين في كل شيء شكلاً ومضمون, يُكونوا أداة تنفذ أوامر (أهريمان) لاسيما جهدهم في أدلجت أفكار الناس البسطاء واقناعهم في الانتماء إلى فكرهم وتنفيذ أفعال الاجرامية وفق مبنى ومضمون جديد, وأنًّ الوصف الإثنوغرافي لمكان ولادة الاشرار قد أستلهم من الثقافة الإسلامي لإغناء الجسد بالطابع البيئي الهوياتي, حيث وجوب المصافحة ودخول المساجد والوضوء والاغتسال والترجل ومسح الحجر الأسود وغيرها من الشرائع التقنية الإسلامية, على أنْ يبتدئ المرء باليد اليمنى في مجمل افعاله, وتكون اليد اليسرى خلافاً لذلك, وهنا جعل (المخرج) من الجسد وسيلة لطرح العلامة وانتاج المعنى بوعي مقصود وفرضية مغايرة, ليشكل أداء الجسد مفهوم سسيوثقافي خالص من خلال مجمل علاماته الكاشفة والمنتجة للمعنى باختزاله للبيئة ووصفه للثيم الحياتية والفوارز اليومية, وتكون الحركة والإيماءة والعلامة تقانة أدائية يمكن من خلالها قياس الأثر, ولولا خاصية الجسد البنائية والمادية والبيولوجية والظاهراتية لم يصل المخرج إلى مفهومه العام كنسق دلالي يعطي الروح للنسيج الاجتماعي ويصبغه بلون ثقافي سيمولاكري, أو يكون جسد بلزاكي شديد الأصل, ليكون الجسد متكلم بانفعالاته الوجدانية وتوليده للرموز والعلامات الدالة واستيعابه للحركة وتمثيله وسنن تفسيره وترسيمه للصورة التشكيلة للإنسان المرتبط بالطبيعة كبداية اعتباطية تارة, وتارةً أخرى بتجليه من خلال مفاهيم الشعوب وتمثله في ذاكرة الفرد والجماعة, لعدم سكونه وخاصيته الحركية وفق معطيات البيئة وانزياحات الثقافة.
بالإضافة إلى أنَّ اختيار (المخرج) لمنطقة أسفل يسار المسرح كانت فكرة ذو مرجعيات إثنوغرافية بامتياز, في حين نجد أنَّ الطابق الأول كان سكن العائلة المتواطئة مع الإرهاب, تجري فيه عملية غسل الملابس وشرها بحركات اكدت المعنى ولكن بواقعية مفرطة جعلت من الجسد سطحي غير منتج, إلا أنَّ ما ساعد في إنتاج المعنى هي القراءة السيميوزيسية لتلك الدلالات التي رمزية لذلك المشهد بعملية غسيل الملابس في تأويله إلى محاولة اعطاء معنى غسيل الدماغ أو تجريد البشر من محتواهم الإنساني أو سلب الإرادة والهيمنة على الأفكار, أما المستوى الثالث من سطح المسرح فهو موقع اله الشر (أهريمان) المتمثل بهيئة رجل ذو أقدام طويلة, يعطي الأوامر للعائلة, وكذلك يعطي الأوامر لأدواته في ذات الوقت, ومن هنا تبدء عملية الادلجة والترهيب من قبل أدواته لحين التمكن من السيطرة على بقية المجموعة وسوقهم نحو الهلاك, وتحويلهم إلى قطيع منفذ وطائع لكل الأوامر الصادرة منه دون اعتراض, إلَّا أنَّ كل ما يجري على خشبة المسرح كان تحت تصرف قوى أعلى من قوة (أهريمان), هي من تتحكم به عبر الأقمار الصناعية, رمز (المخرج) لهذه القوى العليا بالغرب كمصدر للشر من خلال ظهور شاب أشقر الشعر أخضر العينين يرتدي بدلة سوداء وقميص أبيض وفيونكا عنق, يحمل في يده حاسبة (أمريكية الصنع) من خلال دالة التفاحة, ليتجلى جسد (أهريمان) المرتكز الطارح للمنعى المنتج مرأة تهيمن على ما تنقل بقية الأجساد من معطيات اجتماعية وتمزج ثيم الواقع وتعبر عن الانفعالات الداخلية والخارجية للإنسان, وتساهم في ابراز الجوانب الروحية للنفس البشرية والخلجات كونه مرموز تكويني بين دواخل الإنسان ومظهره الخارجي, وهنا يكمن المعنى المنتج, لذلك اختلفت القراءات الجسدية من محيط إلى آخر حسب الاشتغال والتقنية الادائية, الأمر الذي جعل منه مشروعاً اختلافياً يتكون بحسب ابعاد الشخصيات, مما جعل المشتغلين في هذا العرض يعتمدوا الحركات والايماءات الزئبقية الطارحة للمعنى بالدرجة الأولى في خطابه الفكري والجمالي, وقد تم استثماره الجسد بالعودة إلى مرجعياته الإثنوغرافية وتفجير طاقته الدلالية والبحث عن عمقه الثقافي, لجعله جسد بليغ يقرأ وفق النظرية السيميوزيسية.
وقد تمكن مخرج العرض من بناء محيطاً تواصلياً بين عالمين بحيث تجري الأحداث عبر مكونات مختلفة تسهم في إعطاء واقعاً اندماجياً لأغلب الارتحالات الحاضرة من خلال الجسد لإنتاج المعنى بوصف الظواهر الحياتية وتأثيث تشكيلات بصرية لها، هذا الأمر يعطي معنى جمالي واضح عن حالة الجسد المتعالق بين البعد الإثنوغرافي الخارج من الكهوف وجسد الشيطان الحاضن لكل المتغيرات والجسد اليومي المتهيكل بتصرفات وطبائع معاشية غايته رسم صورة تواصلين بيه هذه الأجساد, فالعالم الخارجي مسيطر والعالم الداخلي مسيطر عليه, حيث يضم العالم الأخير عامة الناس البسطاء, إذ تمكن أداء جسد المؤدين المؤسلب والممزوج مع الرقصات الدرامية من أيصال الحرف البدائي الموروث بتجاوز الطراز الوقعي, وتمكن الجسد من التعامل مع المغرفة (الكرك) لوصف عملية حرث الأرض رمزياً وانتج المعنى, بالإضافة إلى نثر البذور كوصف للأنشطة والمهن البدائي الموروثة عن مهنة الفلاح, لاسيما وأن (بلاد ما بين النهرين) قد أشتهر بالزراعة والطقوس الاحتفالية لموسم الزراعة, إلا ان بعض الحركات كانت تفوح برائحة البساطة لسهولتها وفقرها الدلالي, لاسيما تلك الحركات التي تعد كالعزف التقليدي للسلم الموسيقي في حفلة سيمفونية صخبة, إلا أنَّ الإيماءة والحركة الجسدية رغم بساطتها في هذا التشكيل تمكنت من إظهار خصوصية المعنى المطروح, لما تعطيه الاجساد من اذن وموافقة وأحقية في بث الاشارات المقروءة والعلامات المشفرة السيتاغانوغرافيا وفق فعل أيقوني مصاحب لديمومة تواصيله مرتبطة بمتون مادي وحسي للجسد؛ اما في اللوحة الثانية التي وصف فيها الجسد ثقافة العائلة التي استوطنت (البيت) المكان المهيمن على باحة المنزل فقد تمكن جسد وحركة المرأة التي استوطنت البيت وطبيعة أدائها للشخصية وطريقة ارتدائها للزي وكيفية حملها للأغراض من انتاج معنى قار لاسيما بتكامل الأداء مع مكملات الشخصية (الاكسسوار), إذ نجد ان المرأة تضع فوق رأسها اشبه بالحقيبة على شكل قطعة من القماش (صره) تلف بها أغراضها, وهي تتنقل بسهولة من دون مسك تلك الحقيبة, على الرغم من مسيرها البطيء فقد احالتنا تقنية جسد المؤدية وسلوكها نحو ثقافة الشعوب العربية والاشارة إلى المرأة البدوية, في حين نجد أنَّ أداء الجسد في اللوحة الثالثة قد تمكن في التعامل مع المهن الحرفية الاخرى, إذ حاك جسد المؤدون مهنة (الحطاب) وتقنية جسده في استخدام (الفأس) و(المنشار) لتقطيع الأشجار, وكذلك مهنة الاسكافي وحرفي الكهرباء, بالإضافة الى محاكات ظاهرة التقاط الصور (السيلفي), إذ أنَّ هذه الممارسات كأفعال أدائية ساهم الجسد في تكوينها لانتاج المعنى, لاسيما تكيف أداء الجسد مع الإثنوغرافية الافتراضية التي اعتمدت على وسائل الاتصال الرقمية لدراسة المجتمعات, وهذا ما سعى اليه (المخرج) لنقل تلك الأنشطة الاجتماعية إلى الآخر عن طريق ظاهرة (السيلفي) التي تنماز بها المجتمعات المعاصرة, وأنَّ هذه الشواهد قد حقق وصفها أداء الجسد المنتج للمعنى, فقد حاول (المخرج) أن يصور طبيعة العالم الداخلي, بعد أنْ وصف ممارسات ونشاط المجتمع, إذً انبثقت أجساد مؤديه الإثنوغرافية وتفاعلهم البروكسيمي, لاسيما بعد أن أظهر مهنهم التي مثلت هوية المجتمع, والتقنية المختلفة لأداء الأجساد, إلًّا أنَّ ولادة الشر من بينهم قد حفز تفاعل البروكسيميا التي أعطت أجساد المؤدين الإثنوغرافية وصف دقيق لدراسة حياتهم وأنشطتهم, قبل أن يهيمن عليهم الشر ويحولهم إلى عبيد بيد العالم الخارجي المتمثل بالقوى العليا وأهريمان وأتباعه الذي أستحضرهم من العصور الحجرية, بتقنية أداء أجساد إثنوغرافيا الخلاص التي تحاكي طبيعة الأنسان البدائي وعلاقتها بالبيئة, ومحاكاته للحيوان , كونها قد انقرضت في مجمل الثقافات, في حين نجد أنَّ أداء جسد أهريمان الإثنوغرافي أقرب إلى تقنيات أداء جسد الممثلين الإغريقيين القدماء, من حيث قلة حركته واعتماده الكعب العالي, فقد كان حركته طيلة فترة العرض من أعلى يسار المسرح إلى أعلى يمين المسرح ببطء وحضور طاغي, يشرف على عمل الجماعات الإرهابية.
بينما نجد أن أولئك المتواجدين في البيت (مضافة الإرهابيين), والإضاءة الحمراء التي تهيمن على فضائهم الدرامي السائل, قد أكتسب أداء جسدهم صفات إثنوغرافية, إذ أنهم يمثلون الزمر الإرهابية التي انتشرت في بعض البلدان العالمية لاسيما العراق, من حيث ارتدائهم للملابس السوداء, ووضع اللثام العربي على الوجه لتغطيته, من أجل التنكر أو التخفي, بالإضافة الى طبيعة حركة أجسادهم, وتكرارهم المستمر لأداء حركة السجود كأثنوغرافيا إسلامية تارة, وتارة ثانية تقنية أدائهم الجسدي وهم يتعاملون مع الأشخاص الجدد المنتمين إلى تنظيمهم الإرهابي, إذ يقومون بوضعه في حوض ماء وتغطيس جسده بالماء, كمحاولة منهم في استعارة الطقوس (المعمودية) الموروثة في الديانات (المسيحية), لاسيما عند دخول الإنسان إلى ديانتهم برش الماء عليه أو سكبه عليه أو تغطيسه به بتقنية التكرار ثلاث مرات, أو طقوس التعميد الذهبي (للصابئة المندائيين) والاصطباغ بالماء والتعميد, واحتفالاتهم بالأعياد التي تجرى على ضفاف الأنهر أو بالقرب من المياه, أو الغسل في الثقافة (الإسلامية), لروحية الماء والاعتقاد في إزالته للذنوب, أو استخدامه الطهارة والى آخره, إلَّا أنَّ هذه الديانات بريئة من أفعال أولئك الارهابيين, فقد أستعار (المخرج) منهم تقنية الجسد, كون ممارستهم لهذه لتقنية الجسد في العرض المسرحي كانت من أجل تأكيد انضمام الاشخاص إلى ثقافتهم الاجرامية, عن طريق قصرهم بالماء بإدخالهم فيه, على الرغم من أن كل تلك الديانات تعتمد اللون الأبيض لأزيائهم في تلك الطقوس, إلا أن (المخرج) أعتمد اللون الأسود رمزية للشر, وقد كانوا المؤديين يقومون بحركات الانحناء والسجود لمرؤوسيهم, بالإضافة إلى أداء حركات توحي بأنهم يعذبون أسراهم بحركات (الجلد), والرقص عند استقبالهم لأناس أخرين ضمن زمرهم الإرهابية, أو يقومون بنحر رؤوس الأبرياء قرب المياه كما فعلوا زمر (داعش الإرهابية), فقد حاول (المخرج) تحقيق الصدق في أداء جسد المؤديين من خلال طرح اجساد جمالية قائمة اشهاره على الخشبة بتداخلات ادائية ثقافية بدافع بصري, لوصف تلك الشواهد والممارسات اليومية للخلايا الإرهابية, ومحاكات ثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم المادية والمعنوية, بتوثيق كل تفاصيلها, لاسيما بعد عملهم الإجرامي بقتل أكثر من (1700) إنسان, وهذا ما كان واضحاً من خلال تقنية أداء جسد الممثلين المجسدين لأدوار الشر الذين غرسوا الكلمات بالجسد المتلون الناطق بالحركات. بعد أن تمكن (أهريمان) واتباعه من السيطرة على الناس بالترهيب أو الترغيب, وضمهم إلى زمرته اختلطت صفات الإنسان المعاصر مع الإنسان البدائي لاكتسابه وبالتطبيع تلك الصفات والسلوك العدوانية التي يتمتع بها الإنسان الارهابي, وهذا ما بدى واضحاً على أداء جسد المؤدين الإثنوغرافي, حيث نجد ان تقنية أجسادهم اكتسب صفة البدائية الحيوانية, لا سيما بعد أنْ يتورط الإنسان بإعلانه الولاء تلك المنظمات الارهابية بالإكراه وتقديم الطاعة ودفع الجزية وتنفيذ الأوامر وعدم العصيان. وبعد هذه التقدم العلمي والتطور الحضاري, لابد وان يستغني الانسان عن الغريزة الحيوانية بداخله, وان يتغلب عليها لميزته الانسانية, اذ نجد ان بعض الناس وفي العصر الحديث يطورون من تلك الغريزة, وهذا ما ركز عليه العرض, ليمارسوا نشاطهم العدواني على الناس البسطاء ويجبرونهم على تقديم الطاعة, وفي كل الاحوال يكون مصيرهم الموت والهلاك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق