قبل دخول الجمهور:
بوابة محصّنة. حراسة وتفتيش مشدّدان ينبغي أن يجتازهما الجمهور فرادى. رجال مخابرات مدنيون بنظارات معتمة. كاميرات مراقبة علنية وخفيّة. بعد اجتياز البوابة ممر طويل يوصل الجمهور إلى دهاليز يجتازونها حتى يجدوا أنفسهم في غرفة نوم!
المكان:
غرفة نوم تتسع للجمهور وللعرض في آن واحد! وهي غرفة تناقض أفكارنا عن غرف النوم، أثاثها أوربي فاخر لكنه مكتظ بطريقة توحي بأن مصمّم الغرفة كان مهموما باستعراض ثراء الأثاث: واضح أن المصمم لا يفهم شيئا في الذوق الأوربي.
تتكوّن الغرفة من أبواب بعضها مثبّتة بالسقف وبعضها ملقاة على الأرض، ومن خزانة ملابس عملاقة أبوابها كثيرة لكنها تتحرك على عجلات بخفة لا تتناسب مع حجمها. وكذلك تتكون من سرير شبيه بحلبة مصارعة، ومنصّة بيضوية يتوسطها عمود رقص إباحي stripper، وبار يعج بالمشروبات والمأكولات الباذخة.. إلى جانب كل ذلك نرى هناك محراب صلاة وتلفزيونات وشاشات عرض بأحجام مختلفة باتجاهات لا منطقية نرى من خلالها المشاهدين وأشياء أخرى.
....
الجمهور في حيرة.. أين يجلس؟ أو.. أين يقف؟
الزمان:
الآن.
المشهد الأوّل
(نرى امرأة بملابس فاخرة يعلوها وشاح رخيص مطرّز بوردة كبيرة. تتأمل "الغرفة". تقترب من باب خزانة. تتهيّب من فتحها. ترتل أو تغني مثل الـ rap music)
المرأة:
المرة الأولى التي ستهبّ فيها تلك الفضيحة ستكون أيام "بركان الـ...."
لا.. ستكون أيام "زفير الـ....".
لا، بل في أيام هدير الـ.... زوبعة الـ.... عاصفة الـ....
المهم: ما هي الفضيحة؟
....
اسمها "مثوى الـ... مثوى البراعم!"
فضيحةٌ اسمها مثوى البراعم؟
يبدو الاسم منسجما مع أحداث ذات شاعرية من نوع ما.
زئير الـ.... وسعير الـ.... وقرقعة الـ.... أسماء ذات جعجعة.
مثوى البراعم شاعري يوحي بزهور وشتلات رغم أنّه اسم مقبرة تستقبل توابيت قادمة من مستشفيات الولادة!
على الرغم من إغلاق مثوى البراعم بإحكام فهناك من ستقتحمه، من ستمرّغ بوابته بالــ.. بالـ.. بالحقيقة.. وتلك التي ستجرؤ على اقتحامه هي تلك السيدة!!
....
إبان حرب زئير الصحراء وضعت تلك السيدة صبيّا أخذوه لفحص طبي وعادوا إليها بلا صبي:
- لقد فارق الحياة!
قالوا.. وبدلا عن احتضان وليدها سلّموها ورقة موقّعة من طبيب شرعي.. شهادة وفاة:
- الوفاة المفاجئة سببها تأثيرات السلاح الكيمياوي!
قيل لها.
رمتْ السيدة شهادة الوفاة بعيدا، وهرعت خلف من جاءتها بالخبر.. لكن أخريات أوقفنها عنوة:
- تقول التعاليم إن ابنك سيُدفن في مثوى البراعم.
قلن لها، وكان ذلك يعني منعها من حضور مراسيم دفن ابنها عكس ما سيحصل مع زوجها الذي سيصطحبونه إلى المقبرة.
(لأحد المشاهدين)
ثمة شيء غير مفهوم فيما أقول أليس كذلك؟
لماذا تُمنع أُمّ من حضور مراسيم دفن ابنها ويُسمح لزوجها بذلك؟
(لمشاهد آخر)
لا. ليس التزاما بالتقاليد الإسلامية!
نظام الدولة قومي علماني!
....
السبب هو أن الأب يحتلّ في الدولة موقعا يتيح له ما لا يُتاح لغيره.
....
بعد سنين تورّط الأب المتنفّذ بموضوع خطير واختفت أخباره.
(لمشاهد آخر)
تظن أنّه قُتل كما هي عادات ذاك الزمن؟
😬!
لا..
هرب من البلد وأعلن نفسه معارضا سياسيا.
انتقاما من إعلانه معارضة النظام تسرّب لزوجته "تلك السيّدة" خبر يقول إنّ ابنها لم يمت بعد الولادة:
- لم يمت؟!
شهقتْ بوجه ناقلة الخبر الذي فجّر فيها بركان الأمومة:
- ابني حي يرزق؟!
خوفا مما يُطلق عليه "بطش النظام السابق" أطبقتْ السيدة حالا على بركان الأمومة بفكّيها.
عشرون سنة وهي تطبق على البركان الذي انفجر حال عودة زوجها رفقة القوات التي احتلّت البلد.
وعلى الرغم من تعيين زوجها عضوا في البرلمان، إلا أنّه ظلّ يتهرّب من حمم بركانها:
- جاوبني! هل ابننا "مهدي" حيّ فعلا؟ ميّت فعلا؟
تهرّبه المريب من الإجابة دفعها لتأسيس "منظمة مجتمع مدني":
- سأحطّم بوابة المقبرة.
كان ذلك شعار منظمة المجتمع المدني.
(تهيم بين الأبواب الكثيرة)
ستنجح السيدة في استصدار حكم قضائي بتطبيق شعار المنظمة "سأحطّم بوابة المقبرة."
وبعد ساعات من صدور الحكم ستقتحم مثوى البراعم رفقة حشد من الثكالى.
ستنبش قبرا مكتوبا على شاهدته اسم ابنها: مهدي الكندي...
(إلى أحد المشاهدين)
هل تتوقع ما سترى تلك السيدة؟
لا.. لن تخرّ على ركبتيها وتنخرط بالعويل!
لن تأخذ رفاة ابنها وتعانقه..
لا.
ستصرخ بالثكالى اللواتي اقتحمن المقبرة معها:
- لا شيء في قبر ابني! هل ثمة رفاة في قبور أبنائكن؟
ستصرخ الأمهات اللواتي نبشن قبورا عليها أسماء أبناءهنّ بفوضى عارمة:
- لا شيء داخل قبر ابني.
- لقد نبشتُ حتى ما تحت اللحد!
- ابني غير موجود!
....
تلك المقبرة لم تكن في الحقيقة مقبرة!
تلك الوفّيات لم تكن في الواقع وفيّات!
المقبرة كانت تمويها على عمليات اختطاف أطفال يتمّ تصديرهم إلى معسكرات صحراوية فيها مصاطب دراسة ومحاريب صلاة وبلطات قطع رؤوس.
أطفال سيظهرون بعد عقدين ويشقون طرقا مرسومة لهم سلفا في المجتمع.
ستصيب تلك السيدة ما تشبه اللوثة:
(تلعب دور تلك السيدة)
- لقد اختطفوا ابني في المهد! نعم، إنّه حيّ.. في مكان ما! هل حوّلوه إلى رجل مخابرات؟ هل خلقوا منه قاتلا مأجورا؟ هل هو أحد مرافقي زوجي ولا يعلم أنّي أمّه؟
(أصوات سيارة إسعاف بعيدة)
ستهاجم تلك السيدة زوجها، لكنه سيراوغ.. سيقسم أنّه سجّى ابنه بنفسه في اللحد ويتمتم:
(تلعب دور الزوج)
- سرقة جثث الأطفال ليست عادة غريبة في العراق.
تلك السيدة المزهوة بسعادة أمّ لم تعثر على شيء داخل قبر ابنها سيتم اختطافها من عقر الدار.. وستظهر بعد شهور هائمة في بغداد: كائنةً من ربع عقل، ومن جسدٍ لا يشبه إلا عصفا مأكولا.
....
لقد أمر زوجها مستشاره بدسّ السمّ لها في الطعام، بحشرها في صندوق سيارة، بإلقائها في مزبلة.. لكن المستشار سيرتكب خطأ ينقذها من الموت: لن يضع لها الكمية الكافية من السمّ في الطعام!
....
ستهيم السيدة في شوارع بغداد فمها محشو باسم ابنها، سوف تتشبّث بأيّ فتى تسمع أحدا يناديه "مهدي"!
- أنت ابني!
بعد انتشار قصّة اختطاف ابنها في المهد وانتشار صورتها في مواقع التواصل سيعثرون عليها قتيلة!
لا.. القاتل ليس زوجها.. ولا مستشاره!
زوجها لديه من ينفّذ هكذا مهمّات.
....
اسم تلك السيدة: عفراء الجبوري.
اسم زوجها عضو البرلمان هو....
(فجأة تقترب أصوات سيارة الإسعاف. يظهر لنا حمّاما فاخرا فيه بانيو ضخم)
المشهد الثاني
(تتجه المرأة إلى البانيو الضخم)
المرأة:
اسمعني يا إساف:
أعرف أنّ اختطاف ابنك لم يكن تجربتك الأولى في هذا الحقل.
أنت في الأصل كنت طفلا مختطفا من مستشفى توليد!
نعم!
أخبرتني حمامةٌ زاجلة أنّك مررتَ بنفس الطريق الذي مرّ به ابنك: أخذتك الممرضة وليدا من حضن أمّك ثم عادت خالية الوفاض لتقول إنّك فارقت الحياة!
....
من هي أمّك؟ وكيف تصرّفتْ إزاء خبر وفاة وليدها؟ هل ما تزال على قيد الحياة؟ هل شاركت النساء اللواتي اقتحمن مثوى البراعم وحلّت عليها هستيريا عدم العثور على شيء في القبر؟
....
اختطافك واختطاف ابنك هو جزء من استراتيجية اسمها "خذوهم صغارا!"
(تشرح لأحد المشاهدين)
"خذوهم صغارا" تعني اختطفوهم.. أنشأوهم وفق مواصفات محددة.. حوّلوا سوادهم الأعظم بلطجية.. ازرعوا النابغين منهم في أجهزة الدولة الحسّاسة.. وطريق الزراعة طويلٌ يتضمّن تأهيلا عميقا في معسكرات خفيّة.
وأنت يا إساف؟
هل تمّ إعدادك في معسكر صحراوي مع أقران لك؟
أجلسوك على مصطبة دراسة؟ أوقفوك في محراب صلاة؟ علّموك استعمال بلطة لقطع الرؤوس؟ عرضوا أمامك أفلام تقنيات تعذيب وقتل؟ أدخلوك دروسا تطبيقية على تلك التقنيات حتى بلغتَ من العمر 20 سنة؟
يوم بلوغك سن الـ 20 أدخلوك دورة "اندماج اجتماعي" مكانها قرية نائية اسمها قرية الكندي، وهي معقلٌ من معاقل الحزب الحاكم.
استصدروا لك هوية رسمية تحمل اسم إساف عبد الملك شاكر الكندي بدلا عن اسمك الذي حملته 20 سنة في المعسكر "الرقم 1955 ك.ب.ش".
وصل تكليف حزبي لأحد أبناء قرية الكندي باستضافتك باعتبارك واحدا من أبناء العمومة القاطنين في العاصمة.
زوّدوك بقصة محبكة عن "أسرتك المفترضة في بغداد"، درّبوك على تلبّس دور إساف عبد الملك شاكر الكندي تحت إشراف مخرج مسرحي موهوب:
- عليك إجادة دورك داخل القرية، فإذا انفضح أمرك مصيرك القتل، ونحن لن نتدخل لإنقاذك. قبيلة الكندي قوم لا يعاقبون أحدا إلا بالقتل!
حذّرك المخرج أثناء بروفات إعدادك للدور!
اندمجتَ مع الضيف وأسرته في القرية، ومع أمّه الأرملة بشكل خاص، ومع قطعان خرافه.. وبين فترة وأخرى كنتَ تغادر القرية.. تخبرهم بأنّك ذاهب "لزيارة الأهل في بغداد" لكنك تغادر إلى معسكر التدريب الصحراوي. وعند عودتك لا تخلو جعبتك أبدا من صور مفبركة لك مع "الأهل في بغداد" وقصص عن أحوال "الأهل في بغداد" بعضها حقيقي وبعضها مفبرك.
....
في لحظة جاء مسؤولك الحزبي وبصحبته المخرج الموهوب:
(تلعب شخصيتي المسؤول الحزبي والمخرج بينما نسمع أصوات سيارة الإسعاف تقترب)
المسؤول:
عليك الظهور في الحيّ الذي تقطنه غالبية من قبيلة الكندي في بغداد باعتبارك أحد أبناء العمومة.
المخرج:
هناك عليك القيام بما يلي:
ستراقب قهوة الحيّ حتى تكتظ ثم تركض صوبها وتطلق العنان لصوتك:
"يا أولاد عمومتي! أنا إساف عبد الملك شاكر من قرية الكندي. تعرّضت قريتنا لمذبحة ارتكبتها قرية الشخاطة! أنا الوحيد الذي نجا."
يجب أن تقنعهم صرخاتك وحركاتك وسكناتك بأن هناك مذبحة حدثت حقا وصدقا.. أيّ خطأ في تمثيلك يؤدي إلى قتلك!
المسؤول:
انتبه!
قبيلة الكندي قوم لا يعاقبون أحدا إلا بالقتل!
سأجهز لك صورك التذكارية التي التقطناها لك أثناء وجودك في القرية واحتفظنا بها في الأرشيف وعلى رأسها صورك مع شيخ قرية الكندي ومع بقية رجالها ومع الأسرة والدواب.
المخرج:
حرّضْ قبيلة الكندي على التحرّك الفوري "لإنقاذ ما يمكن إنقاذه!" أجّج حمم الانتقام في رؤوسهم، أقنعهم بالانطلاق بالسيارات إلى القرية.
عندما تنطلق السيارات لا تتوقف عن وصف صور المذبحة المروّعة.
المسؤول:
سأرسلُ كتيبة تبيد قرية الكندي وسأزودك بالصور التي يجب أن تصفها لهم. ستكون بحوزتك عشيّة سفرك. لا تنس أن تحرقها قبل وصولك إليهم!!
المخرج:
بالضبط!
وعند ذهابك معهم إلى القرية ستشير بلوعة وهستيريا إلى المناظر التي وصفتها لهم في الطريق. لحظة وصولك إلى قلب القرية اقفز واهرع إلى القتيلة العجوز.
المسؤول:
الرفيق يقصد المرأة الأرملة التي استضافك ابنها.
المخرج:
امسك وشاحها نصف المحترق، اخلعه عن رأسها واطلق صوتا مفجوعا:
"أهذا ما تبقى من أمّي؟! وشاح أمّي! أمّي!"
اجثُ عند قدميها، اهرع إلى بيتها، في الصالون سنضع ألبوم صور ولن نجعلها تحترق، احمل الألبوم إلى الخارج. اقفز داخل قبر ستحفره بنفسك لـ "أمّك". أقصد المرأة التي استضافك ابنها. بالغ في التمثيل حتى يجرجرك "أبناء العمومة" خارج القبر. تشبّث بالقبر بكل ما أوتيت من قوة. قاوم دفن "أمك". أقصد المرأة التي استضافك ابنها. لوّح بوشاحها وسط القبر وانحب. حرّض "أبناء العمومة" على الثأر، على إبادة قرية الشخاطة "الشيوعيين العملاء".
إن تمثيلك المتقن وإبلاءك في تقتيل أبناء قرية "الشخاطة" واغتصاب أجمل امرأة فيها أمام الملأ سيرسّخ في أذهان "أبناء العمومة" صورتك كبطل تراجيدي! بطلٌ يتيم! صورة الناجي الوحيد من المذبحة. فالبطل هو المبدع في الانتقام!
فهمتني جيدا؟
اعتبارا من صباح الغد نبدأ البروفات.
هكذا لقّنك الاثنان، فذهبتَ إلى بغداد وعدتَ مع "أبناء العم" إلى قرية الكندي، وعندما انتهيتم من إبادة قرية "الشخاطة" عدتم إلى العاصمة وأكرموك بتعاطف لا محدود صنع منك ابنهم "اليتيم" البطل المدلّل مضرب الأمثال في الشجاعة والإقدام.
😬😬
(لواحد من الجمهور)
هل أكتفي بهذا القدر من البشاعة؟!
انصحني وسأفعل!
تبدو القصّة وكأنّها فيلم بوليسي هوليوودي من النوع الهابط!
الحزب الحاكم يبيد قريةً موالية له وأخرى مناهضة له لأجل ظهور إساف عبد الملك شاكر "الكندي" في بغداد!
(تلتفت إليه)
- من أنت كي يفعل الحزب هذا لأجلك؟ الله؟
(أصوات سيارة الإسعاف مجددا وكأنها داخل الحجرة. تتجمد المرأة)
المشهد الثالث
المرأة:
ذلك الحدث المهول أصبح الطريق الذي عبّد دخولك العاصمة!
هل ستصبح حياتك هناك أكثر بشاعة؟
ربما تؤثر فيك المدينة العريقة؟
من يدري!!
(تذهب إلى البار، تتناول فنجان قهوة. غريب أن البخار ما زال يتصاعد منه الفنجان)
سأقرأ فنجان قهوتك فهو أدرى......
كلا.. أليس الأفضل قراءة بخار قهوتك الطالع الذي ما زال ينفثه الفنجان؟؟
طيب.. أرى في نفثات البخار رئيس تحرير جريدة الحزب يجرجرني!
يجرجرني؟!
الرجل العصامي الذي لا يحضر سهرات المجون في البستان إلا لكي يقرّع الماجنين، يجرجرني؟؟
أراه يدخل البستان بلا دروس أخلاقية يتوجّس منها الحاضرون دائما كلّما جاء.
أراه ينضمّ إليهم كواحد منهم.. يكرع الكحول بشراهة وسرعة.. يثمل.. يسحبني ويصيب لسانه الإسهال!!!
....
لحظة.. أخطأت التسلسل.. لقد صدّع رأسي كل ما يظهر في بخار قهوتك.
سأعيد:
من نفثات البخار أراه يطلب تصوير فيديو كاملا لكل من يفعل معي في السرير ما يفعل الرجل مع المرأة.. نسيتُ أن أخبرك أن اسمه شمعون هدّاد!!
😆
نعم!
شمعون هدّاد بعينه!
أراه في بخار قهوتك المدلهم يأمرهم بتسليمه الفيديوهات المصوّرة لهم معي.. يأمرهم بمغادرة البستان.. ثم أراه يسحبني إلى السرير كي يأخذ قسطه مني، أرى صوته يفحّ:
(تلعب دور شمعون هدّاد)
- سأنيك عرضه! سأنيك عرضه!
لكنه لا ينفّذ ما يقول، إنما يشرع في سرد رواية لها أوّل وليس لها آخر:
(تلعب دور شمعون هدّاد)
- بعد عامين من اندلاع الحرب جاءني مدير مكتب الديناصور بأمر رئاسي!
يقصد بـ "الديناصور" وليّ نعمته، الرئيس السابق!
(تعود لدور شمعون هدّاد)
- "تقضي أوامر السيد الرئيس حفظه الله بتعيين الرفيق إساف عبد الملك شاكر الكندي في منصب محرّر افتتاحية الجريدة." وأشار إلى كبش بعوينات غامقة.. أثار القرار فيّ رعبا لم تبدّده حتى تطمينات مدير مكتب الديناصور الذي همس لي: "الرفيق إساف لا علاقة له بالصحافة. لكنّه صاحب موهبة أمنية. وجّهْ أحد الصحافيين لتعليمه كتابة الافتتاحية!!"
....
انصعتُ للقرار، وتنازلت عن كتابة الافتتاحية اليومية للجريدة. كلّفتُ محرّرا بتعليمه تقنيات كتابة الافتتاحية، لكنّ المحرّر فشل.. خصّصتُ اثنين ففشلا.. ثم ثلاثة لاقوا نفس مصير من سبقهم!
ظلّ الديناصور يرسل يوميا مدير مكتبه للتحقيق معي عن سبب تردّي مستوى الافتتاحية!! كأنّه لا يعرف أنّ عقل الكبش لا علاقة له بالصحافة، إنما بالتمثيل وقطع الرؤوس.
كلّفتُ أذكى المحررين بمهمّة تأهيله، غريمي "صابر البدوي"، وكلّفت الكبش بكتابة التقارير عن صابر البدوي الذي تحوم شبهات حول عمق ولائه للرئيس.. فهمَ صابر البدوي ما أخطّط له ووجد الحل. فعندما عجز عن تعليم الكبش شرع يكتب الافتتاحية بنفسه ويذيّلها بتوقيع "إساف الكندي!"، بل وصار مطيّة بيد الكبش ضدّي!
الحلّ الأمثل للتخلص من الورطة هو إيقاع الكبش في مـأزق لا يُغتفر بحضور الديناصور. وإذا نجحتُ سيتصرف الديناصور معه بطريقته المعروفة!
إبان التحضيرات لمؤتمر الإعلاميين العرب أبلغني مدير مكتب الديناصور أن الديناصور سيحضر حفل الافتتاح.
كانت تلك فرصتي.. قررتُ توريط الكبش بإلقاء كلمة الترحيب بالإعلاميين، وكتبتُ كلمة عبأتها بمصطلحات معقدة ثم أبلغته بقراري.
أجفل الكبش!
كلّفت صابر البدوي بتلقينه الكلمة المكوّنة من 300 كلمة وأنا واثق من فشله.
يوم الافتتاح سلّمته 20 نسخة مطبوعة من الكلمة.
صعد المنصة فألقى الكلمة بالأخطاء التي توقّعتها فتنفّست الصعداء. بل وحدث ما هو أكثر مما تمنيت. فما أن أنهى الكبش إلقاء الكلمة حتى أعاد قراءتها من جديد!
مضت نصف ساعة والكبش يعيد إلقاء كلمة الترحيب كلّما انتهى منها.. ثم مرّت ساعة والكبش يعيد إلقاء الكلمة.. ثم ساعة ونصف.. وعندما توقف ونزل عن المنصة رأيته منقّعا بالعرق:
"لقد تدرّبتُ أسبوعا كاملا على كلمة من 300 كلمة! لماذا سلّمتني عشرين صفحة؟"
سألني باحتجاج ورعب فأجبته:
"أنا لم أسلّمك 20 صفحة! لقد سلّمتك 20 نسخة من نفس الكلمة! لكنك لم توزّع النسخ على الوفود، إنما رحتَ تقرأ النسخ ورقة بعد ورقة!"
....
لكن الديناصور لم يأبه لتلك الفضيحة!
بالعكس!!
ربّت على كتف الكبش قائلا:
"أحسنتَ الإعادة! الأمة العربية لا تفهم بعد مصطلحاتنا الصميمية! والتكرار يعلّم الحمار!"
المرأة:
حكيتُ ما لم تتوقع أني كنت أعرفه؟
😅!
(نسمع أصوات سيارة الإسعاف. المرأة تتجمد. تمدّ يدها للبانيو فنرى رغوة مصبوغة بلون أحمر. تتدلّى من البانيو يدٌ تأخذ بالنمو أو الانتفاخ ببطء! تعاود المرأة لعب دور شمعون هدّاد):
- مديح الديناصور رفع نجم الكبش، وظلّ نجمه يرتفع بمساعدة كتابة الافتتاحيات حتى قرّر الديناصور تسليمه القسم الأكثر حساسية في الجريدة: قسم شؤون أسرة الرئيس!
ذلك القسم مسؤوليتي حصريا! إبعادي عنه يعني أني في الطريق إلى القائمة السوداء وما يلي القائمة السوداء!
....
افتتح وظيفته الجديدة بتغطية موسّعة للفيلم الروائي "الأسابيع العريضة".. تعرفينه طبعا! الفيلم الذي حكى "بطولات" الديناصور في شبابه واستُقدِمَ لإنجازه أحد أكبر المخرجين ولعب بطولته مسؤول فوج حماية الرئاسة لتطابق شكله مع شكل الديناصور في شبابه.
أثناء الإعداد للتحقيق الصحافي بلغتني الأخبار بأن الكبش راح يختلي بمخرج الفيلم بهدف الإطاحة بالممثل الشبيه والاستحواذ على الدور لنفسه.
المرأة:
بحق الجحيم، لماذا يُشكّل التمثيل له متعة لا تُضاهى؟!
(تعود لتمثيل دور شمعون هدّاد)
- فشلتْ خلواتُه مع مخرج الفيلم. ففرائص المخرج لم تكن تكفّ عن الارتعاد كلّما نوّه له الكبش بفكرة تبديل مسؤول فوج حماية الرئيس بممثل آخر، على الرغم من يأسه من موهبة مسؤول فوج حماية الرئاسة ولجوئه إلى أحسن مدرّب تمثيل نزف عرقا ورعبا لتحقيق معجزة تحويل العسكري البليد إلى ممثل.
طوال مراحل إنتاج الفيلم الروائي "الأسابيع العريضة" ظلّ الكبش يصطحب صابر البدوي كسكرتير يدوّن مقالات الفطحل، ولم يفارقه هوس الخلوات بمخرج الفيلم علّه ينجح بانتزاع دور بطولة الفيلم.
يوم أخبره صابر البدوي بوجود كاميرات مراقبة خفيّة في مواقع التصوير، انقلب سلوكه 180 درجة.
كان يظنّ أنّه المسؤول الأمني الوحيد الذي زرع كاميرات خفيّة في الموقع!!
منذ تلك اللحظة انقلبت دسائسه ضد بطل الفيلم إلى تزلّف لبطل الفيلم. وعلى شرف بطل الفيلم بسط ولائم يومية!!
لم يكن الديناصور غاضبا من سلوك الكبش عند اطلاعه على كاميرات المراقبة الخفيّة.
بالعكس!
كان يرى في ذلك السلوك طموحا لشخص يريد خدمة الديناصور.
تطوّرت الولائم مع بطل الفيلم إلى بيرة، وتحوّلت إلى ويسكي صار ملاهٍ ليلية أفضت أبوابها السريّة إلى بساتين الليالي الحمراء!
هكذا انقطعت صلتي بالكبش ولم يبق منها سوى ظهور "سكرتيره" صابر البدوي حاملا ريبورتاجا جديدا عن فيلم "الأسابيع العريضة".
لم تعد الريبورتاجات تُنشر فقط في جريدة البعث، إنما غزتْ بقية الصحف والمجلات.. وبالنظر لجودتها العالية نال وسام "شيخ الصحافة".
كس أخت صابر البدوي!!
بمناسبة حصوله على الوسام أنعم عليه الديناصور بهدية: شركة استيراد وتصدير "السيفان المعقوفان"!
هل تفهمين ما أقول؟
ذلك المجهول ابن الـ 23 سنة أصبح مالكا لأكبر شركة تتحكّم بالاستيراد والتصدير في البلاد.
الريبورتاجات وشركة "السيفان المعقوفان" وطّدت صداقته مع بطل الفيلم.. تشارك الاثنان في شركات كبرى تتوّجت بشركة التصنيع العسكري.
تلك الامتيازات الأسطورية سمحت له أن يطلب الزواج من فتاة تنتمي لأسرة بغدادية عريقة.
وعندما رفضت أسرة الفتاة طلبه اعتقلوا أباها وإخوانها الأربعة وجرجروها مكبّلة إلى مخدع الزواج!
أتعرفين من هي تلك الفتاة؟
إنّها حبيبتي!! إنها عفراء الجبوري التي تزوّجها عنوة ونفخ بطنها بطفل!
هل عرفتِ الآن لماذا سجّلتُ فيديوهات للرفاق معك وهم ينكحونك ولماذا سأضاجعك؟!
أنا الذي لم أقرب عاهرة يوما سأنكحك لأنك زوجته!
لأنك عرضه!
سأنيك عرضه!
المرأة:
تلك كانت ليلة هروب شمعون هدّاد الشهيرة من العراق للأسباب التي تعرفها.. كان يريد الانتقام منك، من زواجك من عفراء الجبوري التي دسستَ لها السمّ في الطعام!
والآن.. هل أخبرك بما حدث في السرير معه؟
....
لا.. لن أفعل.. ربما أوصل لك أحدهم ذلك في شريط فيديو!!
(ضوضاء هائلة. يطفو جزء من جسد رجل. تتراجع المرأة برعب وهي تنظر له)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق