(غرفة، بها كل ما قد يحتاجه شاب أعزب من أثاث وفضاءات، بالجانب الأيمن من الخشبة: صالون للجلوس شكله بسيط جدا، بالجانب الأيسر: مطبخ صغير وفي الجزء المقابل حمام، حوض غسيل بمرآة، وفي الخلفية: شاشة ضخمة (كتقنية وسائطية) أمام الجمهور مباشرة، تنقل ما يشاهده عبر التلفاز..
استيقظ لتوه، جهز ما سيتناوله على الفطور وأخذه للصالون، شغل جهاز التلفاز ففُتح مباشرة على قناة إخبارية، تبث آخر تطورات قضية اليمن).
- أصبحنا وأصبح الملك لله، تمنيت لو أستفيق يوما على تغيير في ترتيب الكرة الأرضية، فأجدني على إحدى الأراضي الإسكندنافية مثلا، أحيا بين نوعية مغايرة من الأصناف البشرية في سلام وهناء، دون هذا الحمل وضغط التفكير في الغد الذي يفقد المرء صوابه..
اليمن لها الله كما لنا أيضا وانتهى الأمر..
ليتني أستيقظ يوما وأنا فاقد الذاكرة كلّيا.. أو على مفاجأة أن كل هذه السنين التي عِشتها ما هي إلا سويعات كابوس ثقيل قضّ على نومي حتى ظننت أني غير ناج منه.
عن أي يمن يهرطقون بعد أن شرذموها ورقصوا على أطلالها؟
متى تنتهي هذه المزحة الثقيلة ونَصْحوا يوما على خبر أن كل هذا السواد الذي ابتليت به الشعوب وماتزال تكابده ما هو إلا خدعة، واتفاق مسبق بين الحكام من أجل اختبار شعوبها..
اختبار تحملها، وتفوقها في رتق نذوبها ووقف نزيفها ذاتيا، دون الحاجة لتدخلات خارجية، قبل أن تفتح لهم أبواب السعادة والرفاهية اللامشروطة.
نَصحوا على خبر أن اللعبة انتهت بنجاح الجميع واستحقاق الحياة للجميع.
يا سلام. Game over
يمكنني أن أرى ذلك، نفتح التلفزيون ونتفاجأ بأن جميع القنوات تبث رسالة موحدة واضحة غير مشفرة، مبروك انتهت اللعبة.
(يقلب رأسه حواليه، يقوم وينظر عبر النافذة مُمنّيا نفسه بأن تصدق إحدى توقعاته، يتغير صوته كمن به مسّ، ويتحدث بنبرة مغايرة)
- عد وأكمل فطورك، عمّا تبحث؟ شللتني بغبائك وترّهاتك يا صاح.
(يلتف خلفه متوجسا يبحث عن مصدر الصوت)
- ما بك تَسمّرت؟ قلت لك تعال نُكمل فطورنا، خواء عقلي وخواء بطني أمران لا أتحملهما مجتمعين.
(يزداد توجسه)
- من يراك سيظن أنها أول مرة تسمعني فيها وأنك لم تعرفني من قبل، غريب أنت
- من يكلمني أَرني وجهك (يعود لصوته الأصلي).
- كيف تطلب مني أن أريك وجهك؟ ألم يسبق لك أن رأيته؟
- من أنت وأين أنت؟ أظهر نفسك.
- أنا أنت وأنت أنا.
- ماذا تقول يا هذا؟ يكفي سخافة.
- اذهب للمرآة وستراني أمامك مباشرة.
- المرآة؟
- تريد أن تتعرف عليّ وتراني؟ اذهب للمرآة.
(يتقدم باتجاه المرآة)
- ها أنا؟ أين أنت؟
- أنا هو أنت وأنت هو أنا
(يبحث عن مصدر الصوت)
- بداخلك، ابحث عنّي داخلك إن كنت مازلت تجهلني، أنا أنت مصطفى
- إن كنت أنت مصطفى فأنا من إذن؟ (يعود للنظر في المرآة فينقطع الصوت)
(يستدير وراءه)
- أمام المرآة ينتهي كل كلام يختفي كل شيء ما عدا الحقيقة.. تعال، ارحمي وأطعمنا (يقول الآخر).
(يستسلم دون طرح مزيد من الأسئلة، يجلس ويأخذ آلة التحكم ويبدأ بالتنقل بين القنوات – يشاهد الجمهور مباشرة عبر الشاشة، نفس ما يشاهده هو على تلفازه - برنامج منوعات صباحية يغيره، يقف للحظات عند برنامج حواري حول التدخل الروسي في سوريا يتأفف ويقفز الى قناة أخرى إلى أن يستقر على برنامج نسائي)
- أفضّلُ الاستفادة من بعض الوصفات والتقنيات المنزلية، على متابعة تلك الفرقعات التي يدعونها سياسة.
- (يتدخل الصوت مرّة أخرى) قل أنك لم تستطع مقاومة الجمال الذي أغراك بالمتابعة، بأي وصفات
توهمني!
- (يعود الى شخصيّته) و ما العيب في ذلك! من باب التغيير.
- من باب استكشاف الطبائع واستخلاص تقنيات القنص قل.
- من الضروري أن تحرجني.
- صداك في خدمتك والى جانبك دوما، على فكرة أنت فاشل وستبقى كذلك، لن يفيدك ما تفكر به في شيء..
حتّى في الحب تفشل كل مرّة فشلا ذريعا، والجميل فيك أنك تنسحب بكامل هدوءك، دون ان تترك وراءك أثرا.
- من قال لك مجرد افتراء.
- على من تَتَبجّح لا أحد بيننا هنا، خذ عندك صاحبة الشامة لم نر في براءتها ولطافتها، ولم تكن من النوع الصعب أبدا.
- صحيح لكن صعوبتها كانت بتكلّفها في قياس كل صغيرة وكبيرة بمقياس الدين والشريعة، بشكل مبالغ فيه، كانت تود أن ترى فيّ صورة الشاب المتديّن الحريص، لكن الظاهر أني لم أقنعها.
- حسنا وتلك التي كنت تميل لها أيام النضال ولا تفارقها كظلّها.
- لا أريد أن أتذكرها، خيّبت ظنّي بها كثيرا، اتقت بي الأيام العصيبة التي كنّا نعتصم فيها بالشوارع من أجل المطالبة بالتوظيف، استغلتني واحتمت بي، وفي الوقت ذاته كانت تبحث لنفسها عن رجل غني، ذو جاه ومنصب، يغنيها شر البحث عن عمل والاستيقاظ باكرا..
يليق بها الدلال حقيقة.
- وماذا عن فتاة المحطة؟
- اكتشفت تفاهتها متأخرا.
- عن ماذا كانت تبحث؟
- تبحث المسكينة عن الجمال والمظهر الرياضي، تريد وجها تركيا على جسد ايطالي بعطر فرنسي، قلت لك فتاة تافهة.
- لا تملك شيئا إذن لا دين ولا مال ولا جمال.
- ماذا تقول أ ترد العيب علي؟
- عليك أن تتقبل النتيجة وتقرّ بأنك بلا دين ولا مال ولا جمال، رصيدك فارغ تماما صديقي، وعليك أن تشتغل على ما تبقى لك من مؤهلات ممكنة (يضحك)..
(يحمل جهاز التحكم، تارة يقرّبها من وجهه ويبعدها أخرى)
- عمّا تبحث؟
- عن زرّ التوقّف
- أطفئها أفضل.
- وكيف أطفئك أنت؟
- لن تستطيع.
- بلى سأفصل ذبذباتك عن رأسي (يقرب الجهاز من رأسه ويضغط على زر التوقف) Pause pause pause
- اهدأ، تحضرك هَبّات في بعض الأحايين لا أفهم مصدرها.
- (يتجاهله و يحمل هاتفه) و لا واحدة (يقول بحنق).
- ماذا تفعل؟
- ألا ترى أتفقد بريدي الالكتروني.
- أ تتوقع أن تصلك عروض عمل من مكانك هذا؟
- وما الذي تنتظره مني بعد، طرقتُ معظم المؤسسات والوزارات، أتابع الاعلانات باستمرار، ناضلت واعتصمت بالشوارع مع الآخرين من أجل الحق في العمل حتّى كدنا نصاب بالكساح، قدمت في وظائف لم أحسب يوما أني سأضطر لشغلها...
ماذا تريدني ان أفعل أكثر؟
أنا دكتور يا هذا، اجتهدت، تعبت وقاومت أصعب الظروف وصمدت أمام أعتى العقبات، كي أقعد في النهاية هكذا، ضعيفا عاجزا محتاجا... أرضى بالأسوأ ولا أجده.
أهذا جزاؤنا في هذه البلاد ومآلنا على هذه الأرض؟
أن تدعسنا أقدام الشرطة ونسقط تحت رحمة هراواتهم.
ماذا تريد مني دعني وشأني؟
- لست وحدك من يمر بمثل هذه الظروف ع..
- (يقاطعه) اصمت.
- لماذا تصر دوما على إخراسي، استرخ واسمع مني لدي اقتراحات...
- اصمت (يصم أذنيه)
- أنا ايضا لدي الحق في الكلام، ليس من مصلحتك كتماني، انظر الى نفسك بدأت تظهر عليك علامات الاضطراب، حرّرني وإلا سنهلك معا.
انظر، بلغ منك اليأس..
- لا تريد أن تصمت!! أعرف الطريقة التي سأخرسك بها (يأخذ نفسه من عنقه ويضعها أمام المرآة)
الوحيدة التي لها القدرة على إخراسك (يقف مطولا امام المرآة في محاولة لاستعادة هدوءه).
(يبتعد عن المرآة و يحاول شغل تفكيره بشيء آخر، فجأة يبعث هاتفه إشارة وُرود رسالة جديدة، يفتحها، تنفتح أسارير وجهه و تظهر عليه علامات الغبطة)
من الأشياء التي تبهجني وسط كل هذه العتمة، أن أرى قصائدي وتدويناتي على صفحات أهم المجلات والمواقع، وأستمتع بقراءة تعليقات القراء عليها، والأروع من ذلك حينما تصلني على حسابي ايميلات إعجاب وشكر، كهذا الايميل الذي يقول فيه صاحبه (يقرأه مزهوّا):
الصديق مصطفى
أدعو الله أن تكون بخير وعافية..
قرأت بالأمس مقالا لك حول الاستمرار في طلب مودة الحياة، والسير وراء خيط الضوء حتّى نهاي النفق، لن تصدق وَقع المقال عليّ حينها، كان بمثابة رسالة خاصة، شاءت الأقدار أن تقع تحت ناظري قبل فوات الأوان، وكانت السبب في تغيير حياتي إلى الأبد..
فقررت أن أبعث لك تحيّاتي وشكري الدائمين.
دمت في سلام أيّها المنقذ
أبو كنان.
نعتني بالمنقذ! المنقذ!
لطالما تساءلت عن الصورة التي يراني بها القراء الذين يعبرون لي عن إعجابهم، وامتنانهم للطاقة الايجابية التي أمنحها لهم عبر كتاباتي، لا شك أنهم يتخيلونني بردائي المنزلي: روب أزرق، أحمل غليونا وأجلس على كرسي هزاز في شرفتي العريضة، فنجان قهوة ذهبي بجانبي وأمامي مباشرة مشهد بانورامي يجمع البحر بخضرة الطبيعة، هدوء وصفاء نفسي، وراحة مساعدة على الابداع والتفكير..
وبما أنني كاتب، فمن الضروري أن أغير هذا المشهد البانورامي كل مرة بما يناسب المحتوى الذي أعمل عليه.
وبما أنني كاتب، فمن البديهي أن تكون مهنتي المدونة على البطاقة كاتب، باعتباره العمل الذي أعيش منه، يظنون أنني أحصل على معاشي من الدولة كغيري من أصحاب المهن والأعمال!
وبما أنني كاتب، فمن الطبيعي أن يتخيّلونني أمشي على سجادة حمراء في المناسبات واللقاءات الثقافية، ويعذرون اختفائي وابتعادي عن الأنظار بسبب ملاحقات الباباراتزي المستمرة...
- (يخرج الصوت مجددا) لماذا تخفي تلك الأوراق هناك؟ دعني أرتبها لك.
(يحاول منع نفسه من الوصول إليها، فيمسك يده يمنعها من أن تمتد، يُسقط نفسه أرضا، يُدحرجها، وبعد شجار عنيف يتمكن الآخر من الإمساك بالأوراق، فتَسقط أرضا وتَتبعثر بالأرجاء)
- لا أرجوك بذلت مجهودا في جمعها (يعود لصوته الأصلي وهو يلملم أوراقه).
- (الآخر وهو يلملم أوراقه) لماذا تلومني أنت من تسبب في كل هذا؟
كندا (يتفحص واحدة)؟ ظننت أنك أعرضت عن الأمر، كيف أخفيت عنّي كلّ هذا سأبدأ بالاحتراس منك.
- وما دخلك أنت فيما أود فعله؟
- أ لم تقتنع بعد أن مصيرنا مشترك؟
- لنفترض أن الأمر كذلك، لأني لا أريد مجادلتك ثانية، اصمت ودعني أقرر ما أريد أن أكون عليه.
- نحن اثنان وتريد أن تنفرد بالقرار، ورأيي أنا؟
- أنت تخرس.
- ليس عدلا (بمسكنة).
- العدل سنعرفه هناك
- أين؟
- حينما سنرحل من هنا.
- أ تريد أن تهاجر حقّا؟
- ولم سأريد البقاء؟
- ولمن سنترك هذا الوطن؟
- لأصحابه؟
- من؟
- الذين يعيشون التصالح الحقيقي مع ذواتهم، الذين يخدّرون ضمائرهم ولا يشعرون بالخزي وهم يمشون عراة الأنفس بين الناس، لا أخلاق ولا أفعال، ولا دم يسري في عروقهم..
نتركه للخونة ومن باعوه أقساطا في جوف الليل.
- لا تجعل الغضب يَعمي عينيك؟
- عن ماذا؟ قل لي أ لست الحارس الأمين.
- عن الضوء في نهاية النفق.
- وكيف تضمن ألّا يسْتَحيل سرابا في النهاية؟
- تكفيك المحاولة.
- والموت بشرف (يقاطعه ساخر) انتهى زمن الفروسية.
ثم تعال هنا (مستدركا) أنا أستغربك فعلا، من المفروض أن تكون شريرا غاويا، يحرضني على الرحيل، على الانتهازية وحب الذات، يوسوس لي بفعل الشر الذي يعود بالخير الكثير، من أين جئت بهذه الاستكانة والطيبة المستفزة؟
لا يليق بك صوت الخير والتعقل الذي تدّعيه.
عُد الى صوابك.
لن ينجح معي خطابك..
- أنا أطلب منك التريث فقط وأن تنظر للأمور بإيجابية (يقول الآخر).
- اصمت.
- نفس الايجابية التي تبثها في الآخرين من خلال كتاباتك، وأن الحياة تتكون من مشاهد حُلوة ومُرّة، أما الورديّة التي تَتَرجّها فموجودة في خيالك المتعب فقط، يا أخي يقولون طبّاخ السم يتذوقه.
- شخصيا لم أقابل سوى سعادة المرّ باشا من 38 سنة ونحن جيران، هل تضمن لي أني سأعيش 38 سنة أخرى حتّى أقابل سيادة الحلو.
دعنا من كلامك الذي لا يزيدني سوى إحباطا وإصرارا على المغادرة، وهو استسلام بشرف على فكرة.
(يعود الى ترتيب الأوراق)
وطن قال!!
وطن انقطع طمثه ونحن على جوانبه قُعود.
عن أي وطن تَهْذي:
وطن لفظ أبناءه موتى خنقى مرضى على الطرقات.
وطن استفذ صبر أبناءه بالمماطلة وبالتَمنية والضحك على الأوجاع.
وطن يميّز بين أبنائه يقرّب من يشاء ويجزل العطاء، ويُقبِع وراء الشمس من يَرغب عنه.
أين أنت يا صوتي؟ لماذا لم تظهر بالأمس وتعلق على ما رأيناه بشوارع وطننا
(يلتف حول نفسه باحثا عنه) أين أنت أجبني؟
أم هل تود أن نخرج ثانية في جولة قصيرة عساك تفتح عينيك جيّدا على الحياة؟
يا لنظرات الناس المقهورة!
وجوههم التي تخفي تكتلات من الألم
صرخاتهم المكتومة
الغلاء والزيادات، البطالة وقلة الحيلة
أمراض اجتماعية مزمنة
خذلان وخيبات متواصلة
صحيح ما أثقل صخرتك يا سيزيف
(ينشد هذه الأسطر من قصيدة بدر شاكر السياب " رسالة من مقبرة " بتأثر):
من قاع قبري أصيح
حتّى تَئن القبور
من رجع صوتي وهو رمل وريح
من عالم في حفرتي يستريح
مركومة في جانبيه القصور
وفيه ما في سواه
إلاّ دبيب الحياة
حتّى الأغاني فيه حتّى الزهور
والشمس إلا أنها لا تدور
والدّود نخار بها في ضريح
من عالم قي قاع قبري أصيح
لا تيأسوا من مولد أو نشورا
النور من طين هنا أو زجاج
قفل على باب سور
النور في قبري دجى دون نور
النور في شباك داري زجاج
كم حدّقت بي خلفه من عيون
سوداء كالعار
يجرحن بالأهداب أسراري
فاليوم داري لم تعد داري
والنور في شبّاك داري ظنون
تمتص أغواري
وعند بابي يصرخ الجائعون
في خبزك اليومي دفء الدّماء
فاملأ لنا في كل يوم وعاء
من لحمك الحي الذي نشتهيه
فنكهة الشمس فيه
وفيه طعم الهواء
(يكرر "فاليوم داري لم تعد داري" كلازمة و هو يؤدي رقصة الدراويش إلى أن يسقط أرضا، ثم يقوم بكامل حيويته كأنه لم يكن يفعل شيئا)
أما رسالتي لك صديقي الشاعر فقد كتبتها منذ أسابيع، كنت أنتظر فقط الفرصة لأطلعك عليها (يبحث عن مذكرته، يفتحها على احدى الصفحات ويتوسط الغرفة)
عزيزي السياب:
ما يزال يصلك ولا شك رنين المِعول الحجري
كنت أود أن أزف لك بشرى الخلاص بعد 54 سنة لكن مع الأسف ما زلنا على طابور الانتظار.
تسوء غربتنا وتتوغل فينا المرارة
ويشتد حنينا إلى الرحم
تاهت عشتار في عالم اللاعودة، ضاع تمّوز ولم ينبعث الربيع
وسربروس ما زال يلهو في الدروب
لم تحترق بعد غابة الظلام
غرقنا في دمائنا الى القرار ولم نحظ بعد انتصار
عزيزي السياب:
كيف أنفك من هذا ال " غانيميد " الذي يمزق روحي؟
كيف أضع ثياب الوهم؟
متى يورق النور من جديد؟
كيف أستعيد اليوم داري؟
(يغلق المذكرة بعصبية و يَعدل عن قراءة بقيّة الرسالة، و يعود الى ترتيب أوراقه)
- آمل أنك قد ارتحت قليلا (يعود الصوت)
- كنت مرتاحا قبل أن تظهر مجددا (يقول)
- إذن تصرّ على الهروب واللجوء.
- لجوء؟ لم تخيفك هذه الكلمة؟ نحن نعيش أصلا كلاجئين ببلداننا، وأن تعيش لاجئا هناك خير من الاختباء هنا.
الناس يخرجون للشوارع فقط كي يجددوا الهواء بداخلهم، لا مال ولا راحة ولا دعم نفسي ولا ممكنات ترفيه... لا شيء، وبالمقابل أضحى كل شيء بثمن..
حتّى أننا ننتظر منهم أن يخرجوا يوما بقرار يلزمنا بتأدية ثمن الهواء الذي نتنفسه وصدّقني لن نتفاجئ حينها.
على المتضرر اللجوء إلى السـحاب (ساخرا).
- لا لا انتظر لن تكون نهاية الطريق، دعنا نرى الأمر من زاوية مغايرة، علينا أن نفكر في احتمالات أخرى..
- (مقاطعا) سأخرج الآن و ستبقى أنت هنا.
- لا يمكن سأرافقك (الآخر).
(يزرّر قميصه و يربط حذاءه، يقف ليرتب شعره غير آبه بكلام الآخر)
- إلى أين تنوي الذهاب؟ كفّ عن التشويش عليّ.. (يواصل الآخر ممسكا رأسه بشدّة)
- (يعود لصوته الأصلي) أحذرك لآخر مرّة، إيّاك أن تلحق بي، أتحّداك أن تفعل وإلّا سأضع حدّا لكل هذا وسأغير رحلتنا باتجاه اللارجعة، ولن يسمع لنا صوت بعد ذلك.
أنت تعلم فيما أفكر صحيح، تأكد أني سأفعلها دون تردّد، كن ودودا واقعد هادئا حتّى عودتي..
أحسنت فتى صالح أنت! سأعود بسرعة.
(يتأبط ملفا ويغادر)
إظلام تدريجي
ستار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق