تصنيفات مسرحية

الثلاثاء، 5 سبتمبر 2023

أثر المسرح الشرق على الثقافة الغربية

مجلة الفنون المسرحية

أثر المسرح الشرق على الثقافة الغربية 

الباحث : مجيد عبد الواحد النجار


كان الشرق مصدر ألهام للعديد من الثقافات الغربية لما يحمله من ارث اجتماعي وفكري وطقوس دينية وحضارة قديمة تمتد الى مئات السنين ، وقد تأثر الغرب بهذه الثقافة في مجال الادب والسينما وكان للمسرح التأثير الكبير لما يحتوي عليه من طقوس دينية وأفكار تراثية استخدمت على شكل فرجة داخل المسرح. 
هذا ما جعل الكثير من المسرحيين الغرب ينظرون الى المسرح الشرقي نظرة احترام لما يحمله من ارث كبير، والغربيون لا يخفوا عشقهم لجمال ما رأوه ، ومن هؤلاء المخرجين الكبار (برتولد برشت) الذي عشق المسرح الصيني وكان الهامه الذي استقى منه المسرح الملحمي ، وزميله المخرج ( انتونان ارتو ، وايوجينو باربا)، اللذين كان لهما الاهتمام الأكبر بالثقافات الأسطورية والروحانية وذلك اهتموا كثيرا بالانثروبولوجيا المسرحية.
ومن الاشكال المهمة في المسرح الشرقي الذي اخذت على عاتقها ابراز الطقوسية والروحانية وبشكل جمالي هي (مسرح النو، والكابوكي الياباني ، وفن الكاطا كالي الهندي) . 
مسرح النو 
امتاز هذا المسرح من بداية ظهوره (بالعسكرة) ومقاربته لأخلاقيات السوموراي الصارم ، وأمتاز أيضا بجماليات الحركة والاشارة والايماءة التي تتواصل مع الوعي الجمالي الياباني، كما انه مرتبط بمرجع ديني عشائري، فهو يقوم على أساس الموروث الشاماني – نسبة الى الشامانية – وهذه المرجعية جعلت منه مسرح طقوسيا شعائريا، ويعود الفضل في تأسيس هذا المسرح الى الممثل الياباني( كان ايمي) والذي اكمل فيما بعد مسيرة هذا المسرح ابنه (زيامي).
ويقدم هذا المسرح عدد من المسرحيات منها ما تظهر أرواح المحاربين الموتى، ومسرحيات نسائية، وأخرى متخصصة بالجنون، ومسرحيات للعفاريت والجن ..... الخ.
كما ويمتاز مسرح (النو) بثلاث ادوار أساسية تشكل التركيبة الأساسية في المسرحية، والمتمثلة بالدور الأساس للبطل والذي يكون على محورين، الأول ظهور البطل كشخصية غير مؤذية (مسالم) وفي المرحلة الثانية ظهور كبطل يرمز الى القوة، اما الشخصية الأساسية الثانية فهي الكاهن الذي يكون حلقة وصل بين البشر والارواح، وهنا يكون التركيز في هذا الجانب المهم لكونه تراث ديني كان موجود في القرن الثالث عشر، حيث كان اعتقاد بوذي بان هناك اتصال في عالم الموتى عن طريق الرقص والغناء، ولذلك استمر اليابانيون بان يجعلوا منه تقليدا؛ وذلك بزيارة اعداد كبيرة الى مقابر المحاربين للصلاة على ارواحهم، وتستحضر روح البطل ليحكي لهم سلوك اللذين سقطوا في المعركة. اما الشخصية المهمة الثالثة فهي التي تلعب دور الوسيط الذي يقوم بتفسير الأسطورة، اما الفضاء المسرحي فهو بسيط، عبارة عن قطعة قماش تعتبر الستار الخلفية وفي الوسط صورة (لصنوبرة) كبيرة تمثل شجرة كبيرة .
مسرح الكابوكي 
مسرح الكابوكي جزء من المسرح الشرقي وهو مسرح غنائي لأنه يحتوي على الغناء والرقص، وهو مسرح شعبي يختلف عن(النو) كثيرا فهو يمثل طبقة التجار. استمد أفكاره من اشكال مسرحية قديمة مثل ( الساروغاكو) وهو نوع من العروض الشعبية البدائية، ومن(النو) ومن مسرح(الكيونمن) وهو نوع من الفواصل المضحكة، ومن عروض الدمى ومنها (البونراكو) الذي استعار منه مسرح الكابوكي وجود راوي وموسيقيين يرافقون العرض، كذلك استعاروا اشكال الاداء من الدمى ويسمى( اراغوتو) ويعني الحسن الفج. 
عالج هذا المسرح في نصوصه مواضيع تاريخية تتعلق بالحرب، واجتماعية تطرح قضايا المجتمع، وتحتوي النصوص عادة على حبكة عاطفية مشوقة مملوءة بالعنف، وتجمع بين المأساة والكوميديا، وبهذا تكون اكثر المسرحيات واقعية، وفي نفس الوقت عناصرها مرمزة بشكل كير، ويكون هناك اهتمام بالديكور، والمكياج، والزي المسرحي، والألوان، والموسيقى فهي ترافق العرض وتوحي بالجو الدرامي، وكانت العروض تقوم في مناطق مكشوفة، ثم انتقلت الى صالات واسعة يحيط الجمهور بها – بخشبة المسرح – كما انها تحتوي على فتحة بأسفل الخشبة للحيل والابخرة، كذلك وجود ممرين احداهما ضيق والأخر عريض يمتدان الى الجمهور يسميان ممر (الزهور) وهذان الممران مخصصان لمرور البطل، وتطورت الخشبة بعد ذلك لتكون مسرحا دوارا. 
تطورت تقنيات مسرح الكابوكي في القرن التاسع عشر المتمثلة بالحيل والاضاءة والصوتيات والمكياج، الذي اصبح مرمزاً، ومؤسلب للألوان، وكان هذا تعويضاً عن القناع الذي يرتديه الممثل في مسرح النو، كما ان الألوان دلالة عن الشخصية السلبية والايجابية، وعروض مسرح الكابوكي توحي بالواقع كما انها تجمع بين الثنائيات المتعارضة، كذلك التجاور والتوازن بين زمن الضياء وزمن العتمة وبين فضاء الاحتفال وفضاء الحياة اليومية، وبين الأداء الحركي الخارجي والأداء الداخلي، والممثل في المسرح الكابوكي مؤسلب لا يترك حيز للارتجال وكل مهارته تكمن في قدراته على تقديم الدور بدقة واتقان- ويذكر ان الممثل في مسرح الكابوكي يتم اعداده من الطفولة، ومن ضمن التمارين التي يتلقاها في حياته كيفية استعماله للمكياج، لأنه هو الذي ينفذه اثناء العرض المسرحي، كما انه يتدرب على شخصية واحدة ليكتسب خبرة ومهارة في تنفيذها فمنهم من يتدرب على شخصية نسائية او شخصية البطل او ... الخ-. 
ومتفرج هذا المسرح عليه ان يكون ملما بتاريخ اليابان، وله معرفة بالأساطير، والتقاليد المسرحية، وذلك ليستطيع من فك الرموز التي تظهر في العرض المسرحي، واذا لم يعرف المتفرج بهذا فهو بالتالي لا يستطيع ان يستمتع بالعرض. 
فن الكاتاكالي 
يعد مسرح الكاتاكالي الهندي مسرح طقسي بامتياز، لاعتقاد المشتغلين فيه انه هبة من الهندوسي ( الابراهاما ، الفيشي ، الشيفا) ومن ثم يعتبر العرض المسرحي بمثابة قربان بصري، والعروض المسرحية هي سلسلة من التحديات والمواجهات والمعارك الضارية بين الاله التي تمثل الخير وبين الشيطان الذي يمثل الشر، كذلك يعتبر الكاتاكالي نوع من المسرح الراقص فهو يجمع بين الرقص الديني والرقص الشعبي. 
كذلك امتاز هذا المسرح بعد انفصاله من المسرح الديني شكله الجمالي والرموز الخاصة به، 
والتي تتعلق بالوان المستخدمة والمكياج، وبوعي الشخصيات النمطية أيضا المأخوذة من الاساطير والملاحم. 
اما بالنسبة للمثل فانه مأسلب، فالنص يعهد الى منشدين وبالتالي يجعله متحرر، تاركا قدراته في التعبير الدرامي بالاعتماد على التعبير الجسدي والحركات اليدوية والمكياج والملابس، وعلى الممثل أيضا ان يكون علاقة بين النص والمشخص وذلك من خلال الترويض البصري المتمثل في تعلم رموز الحركات اليدوية وحركات العين والحاجبين والاجفان ومن هذه تتشكل اربعة وعشرون حركة يستطيع الممثل من خلال التعبير عن النص، مع وجود هامش بسيط للارتجال. 
يخضع الممثل في مسرح الكاتاكالي الى تدريب طويل يبدا من الطفولة وعلى ايدي معلمين بارعين وبهذا يشابه لعداد الممثل في المسرح الكابوكي الياباني ، وطبعا التدريب يشمل الايدي والعيون والحواجب وعضلات الوجه، كما ان الأداء يجمع بين (التمثل) و(التغريب) في ان واحد، لأنه يرمي الى المحاكات، وللألوان دلالات رمزية كل لون يرمز الى شيء محدد، كما ان العروض تقدم في المناسبات ومن الممكن ام يقدم العرض داخل المعابد او امكنة مغلقة او بالقرب من المعبد او في الهواء الطلق .
وقد اطلقت تسمية مسرح الشرق في الغرب على مجمل الاشكال المسرحية، واشكال العروض في منطقة الشرق الأقصى( الصين، واليابان، والهند، وفيتنام، وكمبوديا، واندنوسيا، وكوريا، وتايلد ..... ألخ) واهمها اوبرى بكين، ومسرح النو، والكابوكي، واليوتراكو، والكيوغن، والكاتاكالي وغيرها . 
وقد امتاز هذا المسرح الذي تأثر به الكثير من مخرجي القرن العشرين، والذين اعدوه ملهمهم في تجديد المسرح، في مجال التأليف والاخراج والتمثيل، وفي مستوى التقنيات أيضا، ومن هذه الامتيازات
مسرح طقسي انبثق من الاحتفالات الدينية 
له أصول شعبية 
الهند المنبع الأساسي للمسرح الشرقي 
دخول شخصية الراوي في العرض ، ومحاورة الجمهور لياخذ رايه فيما يحصل 
الغناء والرقص والسرد تحقق من حدة التوتر 
ليس هناك تصاعدا دراميا 
يعد المسرح الشرقي مسرحا شاملا 
لا يوجد فصل بين الأنواع المسرحية 
الأداء فيه مؤسلب وتجريدي يقوم على الرمز 
أداء الممثل يبتعد عن الايهام ويقوم على الحركة المنمطة والالقاء المنغم 
بساطة الديكور واهتمام بالأزياء والمكياج والاقنعة التي تشكل رموز يعرفها المتفرج 
كل هذا جعل المؤلفين، والمخرجين الاوربيين يتأثرون بهذه المسارح من اجل تقديم كل ما هو جديد من افكار تحاكي الجمهور، ومحاولتهم الجادة في تغير ثقافة المجتمعات، لذلك عملوا على التجريب في كل ما طرحه المسرح الهندي، والياباني، ولذلك اخذ الكثير من المخرجين العمل على ما انتجته هذه المسارح في تلك البلدان، مثل:(التغريب، والاسلبة، والعمل على الايهام، وتدريب الممثلين بشكل مكثف، والعودة الى التاريخ في كتابة افكارهم) كما اقتبسوا من مسارح هذه البلدان الاقتصاد في الديكور والاضاءة والازياء، والاعتماد بشكل كامل على الممثل حتى في المؤثرات الصوتية، ومن ثم امتد هذا التأثير ليصل الى المسارح العربية التي تأثرت هي الاخرى بمسارح الشرق ولكن من خلال المسارح الغربية، فراح الكثير يتبع خطى المجددين الاوربيين في مجال الكتابة والاخراج والتمثيل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق