مسرحية " ثورة الكلب الواحد " تأليف منيب مختار
الشخصيات:
زبيدة: منجِّمة (ودَّاعية)
سيف: السلطان
عجاج: مساعدة زبيدة
يُونا: شقيق السلطان
باو: كلب
نورس: خادم
حام: قائد الحرس
خارش: رجلٌ من عامة الناس وعطَّار.
شخصيات أخرى:
ست أشخاص، أربعة رجال وامرأتان: هم عامة الناس، أحدهم ضارب دُّف.
مساء الثلاثاء الكبير]
_ يُفتح الستار، يجلس السلطان سيف على كرسي فخم، بعباءته المزركشة وعكازه المطلي بالذهب، يقابله نورس الخانع لسلطته ويبدأ المشهد _
سيف: مرَّة أولى، دائمًا ثمَّة مرَّة أولى لكل شيء، وأخاف أن يستمر الناس في العبث بمقتنيات الآباء وطرقهم في التكفير عن الخطايا، كانوا يلتفَّون حول الحقول ويقدِّموا القرابين من أجل المطر، انهم انقياء كالماء وشفافين كأحجار الجبال اللامعة، يهبون حيواتهم للآلهة والعرش، يتبرَّعون بالدم والدموع وفلذَّات أكبادهم وأموال حصلوا عليها بمباركة أجدادي الزعماء.
نورس: تقصد الذبائح يا مولاي، الولائم الجماعية التي تسدُّ أفواه الفقراء.
سيف: ليس من شأنك ما أقصده، المهم هو، أن الدم المسفوح والطعام السائب تُشعر السماء بالرحمة.
نورس: عفوًا سيدي، كنت أحيطُ جلالتك بطقوس استدعاء المطر، يُقال أن الماء من شأنه أن يتسربل من أجل اليافعين والعجائز، من أجل العصافير التي تتوكأ على اشجار الحراز وأغصان التِّك، ومن أجل الدود الذي يقطَّن جوف التراب.
سيف: اقترب.
نورس: عفوًا مولاي
سيف: قلت اقترب
_ يمشي خائفًا نحو المنصة الفخمة، يجلس على ركبتيه ويضع السلطان عصاه الغليظة على كتفه _
سيف: لعلَّك نسيت الأشياء التي يجب على الناس العادييَّن معرفته، انها مستويات معرفة مختلفة، وصلاحيات وصول تصاعدية تجعلني فوق الناس بقليل.
نورس: بلا شك يا مولاي.
سيف: أنا أحترمك، لأن روحك من روح أبي، كنتما تعيشان معاً لنصف قرن فلا تتخطى حدودك، نفَّذ ما يقال لك بالحرف الواحد.
نورس: كان خطأ صغير أتمنى أن تغفرهُ
_ يخرج الخادم ويدخل يُونا _
يُونا: جلالتك
سيف: استرح يا أخي، ماذا هناك، هل كل شيء بخير
يُونا: أمي؟!
سيف: ماذا بها، أخبرني
يُونا: لقد حلمتُ بها ليلة أمس، رأيتها على صهوة جواد موغل في السواد، تعلِّق على جيدها تميمتين قديمتين وقلادة فضية، وتنتعلُ حذاء من جلد الضبع الملكي، كانت تقول كلام لم أستطيع فهم معظمه، هممتُ لمعانقتها لكن!
سيف: استمر في الحديث يا أخي
يُونا: أردت عناقها، لكنها وضعت رأس الرمح على صدري وأمرتني بالتوقف.
سيف: أنت تهذى يا رجل؛ لقد ماتت أمك اثناء ولادتك، كان خروجك صعبًا لدرجة أنها لم تتحمَّل ذلك الألم العظيم، أعتقد أنك أكثرت من الشرب ليلة البارحة
يُونا: الخمر لا يتجرأ على هزِّ شعرةٍ من رأسي، انها أمي بالفعل.
سيف: ربما كنت محقًا. أعرض الأمر على زبيدة وسوف تمنحك معلومات أكثر منَّي.
يُونا: لكنك الملك
سيف: هناك قدرات أقل وغير مهمة، توزَّع على العامة والتنجيم منها، لذلك انتخبتُ زبيدة للآباء، فقاموا بتنصيبها مساء الثلاثاء الكبير.
يُونا: حسنًا، استأذنك يا مولاي
_ ينحني ثم يغادر _
_ يعود نورس _
نورس: مولاي، جاءتك رسالةٍ من الجبهة، سُلمت إليِّ خشية ارباك اجتماع جلالتك مع أخيك
سيف: مَنْ الذي أرسلها؟
نورس: من قائد الدورية الأولى
سيف: جيد، اقرأها
نورس: "يفضُ الرسالة" من قائد الدورية الأولى في الجبهة الشرقية إلى عظيم أبوذبد؛ تحيةٍ طيبة وبعد ..
إن النصر آتٍ لا محالة، وجنودك يقاتلون ببسالة وقوة ضدَّ عدو يفوقهم عددًا وعتادًا، ويقاومون المدَّ الغاشم الذي ينوي ضم اراضينا لمملكة العدو.
حُرَّر في ساعته وتاريخه، السادس من آذار _ السادسة مساءً بتوقيت الأبيض
سيف: متى بدأت هذه الحرب يا نورس؟
نورس: قبل ثلاثة أسابيع يا مولاي، وقلتم أنها سوف تنتهي خلال شهر، هذا ما صرَّحت به في مهرجان سباق الخيل.
سيف: هل شارك الرماة فيها.
نورس: لقد خذلونا يا سيدي، سافر قائدها إلى الحجاز قبل الحرب بأيام ورفض العودة، وانخرط بعض جنوده في القتال بصورة غير رسمية.
سيف: حسنًا، أرسل له رسولًا، وحذره من عواقب تقاعسه
نورس: أمرك
أحدى بيوت زبيدة]
عجاج: مرحبًا بالأمير، تفضَّل
يُونا: هل سيدتكِ هنا
عجاج: انها بالداخل
يُونا: أخبريها أن الأمير يطلب لقائها
عجاج: بالطبع هذا ما أودُّ القيام به، لكنها مشغولة بأمور مهمة، أعني هي تحارب الآن في أبوذبد
يُونا: يا لك من خادمةٍ وقحة، قلت لكِ يجب أن أقابلها الآن، هيا، أخبريها
_تمشي مثاقلة وتقف عند باب الغرفة_
عجاج: "بعد أن طرقت الباب" أنا آسفة حقُا لكن الأمير يُصرَّ على حضورك، إنه يريد رؤيتك لموضوع مهم.
زبيدة: قدَّمي له واجب الضيافة، آنا آتية.
عجاج: حسنًا
_ يجلس على الأريكة _
زبيدة: على غير العادة، أن تأتي شخصيا إلى هنا، دائمًا ما ترسل نورس أو أي شخص آخر، لا بد أنه أمر جلل دفعك للمجيء.
يُونا: لقد حلمت البارحة وأردت تفسيرك لفحوى هذا الحلم، أو ربما كابوس
زبيدة: تفضل
يُونا: أمي، رأيتها على جواد أسود داكن، رفضت أن تعانقني أو تلقي عليّ التحية وفوق ذلك كله وضعت رأس رمحها على صدري.
زبيدة: أعتقد أنها ناقمة عليك، ماذا فعلت لتُغضبها إلى هذه الدرجة، اللون الأسود في الحيوانات دليلُ قاطع على الغضب والرفض، والرمح تهديد ساخر يؤيد الموت الذي يحوم حولك كنسرٍ جائع، تعني أن هناك خطر يحدِّق بك من شخص ما، ربما اخطأت في حق قوة عظيمة ولم تطلب العفو.
يُونا: لا أتذكر، لم اخطأ في حق أحد.
زبيدة: سنرى!
يُونا: كيف؟
زبيدة: ذلك عملي ولا شأن لك به، سأكتشف الليلة سرِّك الصغير.
يُونا: جيد، سأكون بانتظاركِ
_ يخرج يُونا وتدخل عجاج _
عجاج: آسفة، كان الأمير غاضب فخشيت بطشه
زبيدة: لا تخافي، أنا زبيدة ركن مهم من أركان المملكة والكل يحترمني، أجلبي مقود الفخار وحقيبة الحصى.
عجاج: حالًا
زبيدة: خذي مستلزماتي من العطَّار.
_ تخرج _
ثورة الكلب الواحد
_ للسلطان تقديراته المُطلقة كما للآلهة، يُبيح ما يشاء ويُحرِّم ما يشاء، بيده أن يصنع منك أمير مبجَّل أو يسحقك ك حشرةٍ نجسة _
نورس: سمعتك تنادي يا مولاي
سيف: أين باو، لم أراه منذ مدَّة، أبحث عنه في الأرجاء.
نورس: باو في غرفته يا ملاوي، لا يأكل ولا يشرب ولا يخرج أبدًا، حاولت جاهدًا حل الموضوع بمعزل عن معرفتك بالأمر، لكن يبدو لي أن مشكلته أكبر
سيف: قل له أن السلطان يطلب حضورك
نورس: بالطبع
_ يخرج نورس ثم يعود بعد دقائق وهو يمسك باو من حبل الحرير الذي يزين رقبته _
سيف: تعال ايها الشقي، ماذا حل بك
باو: "يحرك زيله"
سيف: تحدَّث ولا تخشى العاقبة
باو: سيدي، أنا مُضرب عن الطعام والشراب
سيف: لماذا
باو: إنه احتجاج على بعض الأمور التي تحدث في القصر وبعض سياسات الجباية واشياء أخرى.
سيف: قل ما لديك بكل وضوح
نورس: استأذنكما.
باو: توقف، ماذا لو قطع رأسي بعد مغادرتك
سيف: وهل يمنعني وجوده من قطع رأسك واطعام جسدك للحيوانات في الحديقة.
نورس: حسنًا، يمكنني البقاء لو كان هذا يدفعك للإجابة على سؤال مولاك
باو: لدي الكثير من الأسباب في الحقيقة، الأول أن الكلاب في القصر مُمَّتعضين من قرارات سموِّكم، حيث أنهم لا يستطيعون التحرك بحرِّية أو التزاوج أو النباح إلا بأمر سلطاني صادر منك ينظِّم ذلك، وهذا ضد سجيتنا وغريزتنا الحيوانية التي نخضع لإشاراتها.
سيف: اذاً، ما هي الأسباب الأخرى.
باو: شيخ كلاب الصيد، قدَّم لي تقرير سرِّي يقول فيه؛ أن الصيادين يعاملون رعاياه بوحشية، ولا يعطوهم نسبتهم الشرعية وفق الفرمان السلطاني الذي كان واضحًا فيما يخص التقسيم الرأسي للثروة. أعتقد أن الجميع مجبولون للإذعان والخضوع لتشريعات البلاط.
سيف: أنت تعرف أن الحقوق العامة لكلاب الصيد لا تشمل الأرانب والقطط البرية.
باو: وبذلك لم تترك لنا سوى العشب يا سيدي
نورس: تأدَّب يا باو، لا يمكنك التحدث إلى السلطان بهذه الطريقة.
سيف: دعه، أخشى أن ينفجر. قل لي؛ ماذا تريد منَّا فعله ازاء ثورتك هذه.
باو: انها ليست ثورة يا مولاي السلطان، انه حق تسلبنا إيَّاه الهوام من جندك. ضع نفسك مكاني والعياذ بالله، ماذا تفعل لو أن الكلاب وثقوا فيك وأمَّروك عليهم ثم ظُلموا. ماذا تفعل لو أن الكلاب ...
سيف: "يُقاطعه" يكفيك وخزًا أيها الكلب، انصرف وسأرى ما يمكن فعله
_ يخرج باو _
نورس: آسف يا سيدي، لكن كيف تسمح لهذا الكلب صاحب اللسان الطويل بتوبيخ القادة هكذا، لقد تجاوز حدوده وغدًا سيصعد فوق رأسك
سيف: رأس مَنْ أيها الخادم، أجُننت؟
نورس: عفوك؛ هل أن أنصرف.
سيف: انصرف ولا تنسى وضع باو تحت المراقبة وأخبر باقي الخدم في الجناح أن يراقبوهُ بشكلٍ وثيق
نورس: هذا ما رغبتُ به.
_ يغادر نورس وتدخل زبيدة الودَّاعية _
زبيدة: عمت مساءً ايها السلطان
سيف: استريحي يا زبيدة.
زبيدة: جئتك لموضوع هام، لم يسعني ابتلاعه وتأجيله حتى اجتماعنا الدوري القادم
سيف: لا بأس
زبيدة: قصدني أخيك يوم أمس في منزلي، وخاض شجار مع مساعدتي عجاج، لكن هذا ليس مهم بقدر حلمه المرعب.
سيف: لقد حكى لي عنه، ونصحته بالذهاب إليكِ
زبيدة: سيدي، إنه ليس حلم عادي، بل كارثة كبرى قد تحل بك وبنا ويأتي الخراب والهلاك
سيف: كيف؟!
زبيدة: والدتك العظيمة غاضبة منك وفي ذلك الحلم كانت تحرِّض شقيقك يُونا للانقضاض عليك وتقويض سلطتك، الرمح الذي وجهته نحو صدره يمثل رفضها ليُونا الابن وعدوها على قيد الحياة، لا يمكنه الوصول إليها إلا بعد سحق روحك ونثر رماد جسدك القذر في نهر "البلوط" العميق. هذا كله طبعًا لصالح الأمير.
سيف: لماذا تفعل أمي هذا، لقد كانت تحبني أكثر من أي شيء آخر، لا زلت أضع ريش الطاؤوس الذي نزعته من قبَّعتها للذكرى، حيث كانت ترتديه منذ زواجها وحتى مغادرتها للعرش والحياة، لا زلت أقدِّم الهبات للآباء في نهر "البلوط"، هل أنتِ متأكدة؟
زبيدة: نعم، أنت تعرف قدراتي.
سيف: لماذا ترغب في قتلي إذًا؟
زبيدة: لا أعلم.
سيف: لم أتخيل ولو للحظة أن يبلغ بها الأمر مرحلة قتلي، في صغري يا زبيدة؛ كنت طفل مزعج يريد تعلُّم كل شيء، المشي على الحبل المشدود، القتال بالسيوف القديمة وحشو البارود في بنادق الصيد، تتبع آثار الناس والدواب والمجرمين، وكانت أمي تراقب هذا التطور، يومئذٍ قالت للناس: إنه ابن أبيه، رجلٌ لم تنجبه النساء ولم يُقدَّر له الرضاعة من ثدي امرأةٍ من العامة. إنه سلطان يتكوَّن لوحده في الآفاق.
زبيدة: سوف يتَّضح الأمر ويُكشف المستور.
(الزنزانة رقم تسعة)
نورس: الكلاب يا مولاي، تنفيذ لرغبتك بمراقبة تحركاتهم، اجتمعوا عند كلب البلاط "باو" ومعهم شيخ كلاب الصيد، لا أعرف ما هي الأجندة التي نُوقشت هناك، لكن وبسؤال جرو ما عرفت منه أن ثمَّة اجتماع مهم.
سيف: متى حدث ذلك؟
نورس: منتصف الليلة الماضية يا سيدي
سيف: هناك خطب ما، يبدو أن كلب البلاط ينوي خيانة السلطنة.
سيف: أين ذهب الأمير يُونا
نورس: الأمير يقضي حاجةٍ له في الجبهة، يطوف المعسكر ويتأكد بنفسه من جاهزية الجنود. لكن حام قائد الحرس وصل صباح اليوم.
سيف: قل له أن السلطان بحاجتك، أما أنت أبحث عن المزيد من المعلومات حول اجتماعات الكلاب.
_ يخرج نورس ويدخل قائد الحرس _
حام: مولاي، سمعت أنك طلبتني
سيف: ما الذي جاء بك إلى القصر، وهل يترك قائد جنده في ساحة المعركة ويُدير ظهره
حام: انها رغبة الأمير يُونا يا مولاي، إرتأى أن يكون هناك وصرفني للعودة والقيام بشؤون القصر إلى حين عودته وانتهاءه من الطواف.
سيف: حسنًا، أشتم رائحة قذرة وثورة تنضج على مهل داخل القصر، ثورة لا بد من قمعها حتى لا ينفرط العقد
حام: كيف ومتى يا مولاي، أخبرني أرجوك
سيف: باو يقود نضاله المزعوم ضدَّ قوانين السلطنة، يقول أن الصيادين والجنود لا يعطون الكلاب نصيبها المقدَّس وحقَّها الشرعي من الصيد والراحة وتصاريح التزاوج واشياء أخرى.
حام: لو سمح السلطان بإلقاء القبض عليه ومن يساعدونه، وتنفيذ حكم الإعدام عليهم لفعلت ذلك
سيف: تمهل، يمكنك القبض على باو ورميه في السجن، ثم سنرى ما يمكننا فعله لاحقًا
حام: حسنًا يا مولاي
_ يخرج قائد الحرس غاضبًا _
_ يعود نورس _
سيف: أنت ايضًا يا نورس، أخرج من هنا، احتاج للجلوس وحدي
_ يغادر نورس _
سيف: "يحدِّث نفسه" انها لعنة عابرة، لا بد أن الآباء مرُّوا بالكثير من المآسي للحفاظ على عرش العائلة، الناس لا يستطيعون هدم الأسطورة، لا يدركون حجم الفخ الذي سقطوا فيه، إنه الخوف والفزع .الكلاب بمقدورها الاستيقاظ والشعور وتسلق هذا الخوف، يمكنها النباح بحرية.
_ يدخل حام غرفة باو برفقةِ بعض الجنود _
حام: هيا يا باو، أريدك أن تذهب معي.
باو: إلى أين، ثم كيف تدخل إليَّ بجنودك وتقتحم خلوتي
حام: لدي أمر باعتقالك، ولا أرغب في جَرِّكْ واذلالك أمام الكلاب، لذلك عليك مرافقتي دون احداث جلبة.
باو: هل أصدَّر السلطان قرار باعتقالي
حام: ايها الجنود، أقبضوا عليه
باو: مهلًا
حام: قلتُ خذوه، ضعوه في الزنزانة رقم تسعة.
باو: مولاي يقترف خطأ كبير، كيف يزجُّ بي في السجن لمجرد أنني طلبت شيء يخصني في الأصل، للكلاب حقوقها ولن يتم هضمها ك حقوق العامة.
حام: لقد عصيت سيَّدك، وجلبت العار للكلاب من لدن كلب الكهف وحتى أصغر جرو يُولد الآن في المدينة، علينا محاكمتك لتكون عظةٍ وعبرة لغيرك.
_ يخرجون _
_تدخل عجاج وخارش وزبيدة تجلس في محرابها_
عجاج: ايها التاجر، أريد حاجيات السيدة زبيدة، كل طلباتها الشهرية التي اخبرتك بها
خارش: بكل سرور يا عجاج، سوف أعطيكِ حياتي لو قبلتي بي زوجًا.
عجاج: أصمت ايها التاجر العجوز، واعطني ما طلبت مولاتي، لن تهطل السماء نساء لو تماديت في مغازلة عجاج ولكن يمكنك فقدان كل شيء إذا علمت زبيدة بتصرُّفك المُشين هذا
خارش: حسنًا، لا تكوني شريرة.
عجاج: أسرع
خارش: أنا رجلٌ من العامة، دعيني وشأني
عجاج: قلت لك أسرع
خارش: خذي
يعطيها الحاجيات، تمشي مسرعة نحو منزل زبيدة، يتابع الناس حركتها بريبة، يخشون كل من يأتي من طرف الودَّاعية، سلطة الغيب ومدبِّرة الحلول للمشاكل التي تؤرِّق جلالته _
زبيدة: لماذا كل هذا التأخير
عجاج: لا شيء، كان المكان مزدحم.
زبيدة: هيا إذًا، لدينا الكثير من العمل، ضعي المزيد من خراء الصراصير على مقود الفخار وأعواد الصندل الأسود.
عجاج: بكل سرور
_ ينادي منادي السلطان في الأرجاء ويطرق الدُّف؛ ايها الناس، إن السلطان المُبجَّل أصدر أمرًا باعتقال الكلب "باو"، كلب البلاط، بتهمة الخيانة وتأليب الكلاب ضد تشريعات السلطنة، ايها الناس، لكم الحق في الحديث وللقائد حام الحق في فعل الصواب وإن كان قطع رقبتك هو الحل الأنجح لإخماد الفتنة، ايها الناس إن "باو" قابع في زنزانته الكريمة _
خارش: "يهذي" الكلاب تفعل ما يعجز عنه عامة الناس.
(السلطان والخادم سواء في الفقد)
_ يدخل السلطان سيف، يتبعهُ نورس حاملٌ فائض عباءته الفخمة، ويعبران حتى كرسي السلطان عند منتصف الخشبة _
نورس: تفضل يا سيدي
سيف: قل لي يا نورس، ما هو حلمك الذي تسعى لتحقيقه في هذه الدنيا.
نورس: حُلم!
سيف: نعم
نورس: كنت أحلم في السابق، عندما كنت طفلٌ صغير، حين كُنت أركض من التل إلى الوادي ليل نهار وأصطاد العصافير الملونة. وأشعل النار حول بعض أشجار الغابة من أجل الظفر بالعسل الصاف، هي احلام قديمة يا مولاي.
سيف: هل تحققت؟
نورس: "يبتسم بسخرية" لا، لم أفلحُ في تحقيق واحد منها، ربما مكتوب لها أن تظل مجرد احلام.
سيف: يمكنك أن تختار واحدةٍ منها وسأعمل على تحقيقها لك، أنت هنا قبل ولادتي وشقيقي يُونا، لذلك تستحق التكريم.
نورس: هل أقول الحقيقة يا مولاي.
سيف: بكل سرور، لا تقلق.
نورس: أعطني الأمان والسكينة
سيف: لك الأمان، قل ما شئت وأطلب ما شئت، وكما وعدتك سوف أحقق حلمًا واحدًا
نورس: أريدك أن تُعيد لي ذكوريَّتي، لطالما كرهت أن أكون ذلك الخادم المخصِّي.
_ عمَّ الصمت المكان، الأضواء بدأت في الخفوت، صمت طويل _
سيف: تلك اشياء لا تعود يا نورس، تذهب مرة واحدة وإلى الأبد، أعلم جيدًا حجم الألم والخوف الذي تشعر به، أعلم كم الأرق والسهر الذي يسببه لك هذا الفقد العظيم
نورس: "يبكي" أخشى أنك لا تعلم يا مولاي
سيف: بلى؛ أنا أكثر من يعلم.
نورس: هل أنت أيضًا ...
سيف: "يصمت ويطأطأ رأسه"
نورس: لطالما رغبت في سؤالك، لماذا لم تتزوج وتجلب إلينا سلطانة في هذا القصر الكبير.
سيف: قلت لك أنَّي أدرك مصابك، وهذا لا يعني تحديدًا أنني جرَّبت هذا الشعور أو عشتهُ.
نورس: عفوًا يا مولاي، كان خطأي. لا أعرف ماذا حلَّ بي.
سيف: لا بأس.
_ يدخل يُونا _
يوٌنا: تحياتي يا مولاي السلطان.
سيف: تحياتي يا أخي، منذ متى وأنت هنا
يُونا: أنا قادم للتو من الجبهة
سيف: كيف تسير الأمور هناك، هل كل شيء على ما يرام، نمى إليّ أن العدو يعود أدراجه ويمهِّد للانسحاب.
يُونا: نعم. الأحوال تتحسن ونحن نسيطر على زمام الأمور هناك
سيف: هذا جيد، يمكنك الذهاب وأخذ راحتك، لا بد وأن الطريق كان شاقَّاً.
يُونا: بالطبع يا أخي، احتاج إلى الاستلقاء لفترة طويلة. سمعت من رسولك إلى الجبهة أن كلب البلاط قوَّض منفستو السلطنة وكان على وشك صنع ثورته الصغيرة.
سيف: نعم، إنه باو مجددًا، أخاف أنه ليس الوحيد الذي يفكر بهذه الطريقة، هناك شخص آخر يُبيِّت نوايا مشابهة
يُونا: وهل يمكنكم اطلاعنا عليه، أعني هل تدعني أقوم بمهمة القبض والتحرِّي
سيف: لا، دعه إلى حين وجود أدلَّة كافية لإدانته، أما باو فقد تكفَّل قائد الحرس بأمره.
يُونا: حسنًا، استأذنك يا مولاي، سوف أحصل على بعض الراحة.
سيف: لا بأس، تفضَّل.
_ يخرج يُونا _
سيف: أغلق الباب يا نورس
نورس: حسنًا
سيف: أجلس. لدي سِر عظيم أرى أنك أحق بمعرفته، بما أنك حامي أسرار السلاطين من قبلي وحافظ كرامات الآباء المؤسسين، أنت تعرف أن لكل منا ما يُقلِق مضجعه ويؤرِّقه. للجد سيف الأول كما تعرف ذيلٌ قصير يدُسَّه أسفل جلبابه، وللجد سيف الثاني أظافر طويلة ك الجوارح والنسور المفترسة، لم يراها العامة أو الجنود أو أي شخص آخر غير ابناءه وشخصك الوفي، أنت ركن أصيل من أركان السلطنة وجزء من تراثها وتاريخها.
نورس: بالطبع يا مولاي، وهذا شرف لي، أن أعاصر كل عهود السلاطين الآباء وأعمل معهم، إنه تاريخ عظيم يجعلني فخور جدًا
سيف: أعرف؛ لذلك أعطيك هذا السِر العظيم، أنا السلطان سيف السادس ولدت بقدرات متواضعة وقوة جسدية وروحية هائلتين؛ ولدت مخصيَّاً، حيث آثر الأجداد ان تنتهي سلالتي وتنتقل إلى أخي الأصغر يُونا وابنائه من بعده، وأنا لست نادم على اختيارهم هذا، لكن ما يؤلمني حقًا، هو أن شقيقي يتعجل بأن يصبح سلطان لهذا العرش رغم التضحيات الجسيمة التي قمت بها.
نورس: عفوًا مولاي، هل خيَّرك الآباء بين السلطنة و ...
سيف: وهل خيَّروك أنت؟
نورس: لا.
سيف: ولا حتى أنا، هذه ضريبة السلطة في عرف الآلهة القديمة، قُدِّر لي أن أصبح سلطان ولك أن تصبح بئر اسرار السلاطين، لا تهرب من قدرك بل واجهه.
نورس: بالطبع، بالطبع يا سيدي
سيف: حسنًا، يمكنني أن أُنكر ما قلته لو سمعتٌ أحد يُدلي به، ثم بعدها يمكنني قتلك ونثر رماد جسدك في نهر البلوط بتهمة الخيانة العظمى والتواطؤ الشيطاني مع الأعداء
نورس: "يضحك" أفعل ما شئت يا مولاي، لو سمعت شيئًا. وهل أفصح عن مشاركتك تعاستي يا مولاي.
سيف: حسنًا، خذ هذه النقود.
نورس: وماذا أفعل بها
سيف: اشتري لنفسك ثياب جديدة وعطر فاخر، أو ربما قطعة أرض تبني عليها بيتًا تستجم فيه.
نورس: لا يا مولاي، سوف أعيش وأموت في هذا القصر ولن أخرج إلا على نعش.
سيف: شكرًا لك يا نورس، لكن هذا أمر سلطاني وعليك تنفيذه.
نورس: العفو يا مولاي، ولا استطيع عصيان أوامر السلطان.
_ يخرج نورس _
(حينما حلَّق باو بعيدًا)
_ يدخل قائد الحرس _
_ السلطان من المشهد السابق _
سيف: أين كنت، ألم تذهب إلى الجبهة طالما أن الأمير يُونا في المدينة.
حام: أجل يا سيدي، لقد عيَّنت قائد هناك، أنت تعلم جيدًا العرف السلطاني الذي يحرِّم على قائد الحرس مغادرة القصر في ظل اعلان خيانة ما.
سيف: لكنه مجرد كلب، ويمكن التعامل معه بكل حزم وسهولة.
حام: إنه كلب البلاط يا مولاي، وتبقى الخيانة خيانة، كلبٌ أو رجلٌ أو ثور.
سيف: لقد عصى باو أوامري ولا بد أن يلقى عقوبته. سوف أصدر الحكم بعد قليل.
حام: حسنًا، نحن بانتظارك
سيف: اثناء خروجك، أخبر زبيدة أن السلطان يطلبها
حام: أمرك
_ يخرج قائد الحرس وتدخل زبيدة الودَّاعية _
زبيدة: سمعت أنك بحاجتي يا مولاي.
سيف: نعم، أجلسي وقومي بإلقاء الودع، لنرى ما هو مصير باو وكيف يؤثر عصيانه على السلطنة، عليك التواصل مع الآباء المؤسسين والآلهة للحديث حوله.
زبيدة: سأفعل، لكن أريد قول شيء يا سيدي
سيف: ماذا لديكِ
زبيدة: أخاف أن يفعل شخص آخر ما فعله باو، لذلك من الضروري أن يُقتل، عظةٍ وعبرة لغيره من الكلاب والجنود وعامة الناس، نحن بحاجة ماسَّة لبثَّ الرعب في قلوب الناس.
سيف: رأيكِ محل تقدير، ألقي الودع الآن
_ تجلس زبيدة على الأرض ويقدِّم لها نورس قطعة قماش كبيرة ومقود، ثم تبدأ الطقوس _
زبيدة: "تخاطب نورس" كلما أشير بكفي يجب عليك القاء خراء الصراصير على المقود، بكميات معقولة.
نورس: أنا جاهز.
زبيدة: "تبدأ الطقوس" الليل والنهار، السماء والأرض، باسم الآباء القدامى وباسم الماء المبارك في نهر البلوط، نريد المشورة من روح السلطان الآب، من الآلهة التي تغفر وتعاقب وتزدري الخطيئة، نرغب في تواصل الروح التي تحلِّق في فضاء المدينة سرًا وجهرًا، أرجوك أشرني. تشير بيدها فيلقي نورس المزيد من خراء الصراصير.
أرجو من الآباء أن يدلوا بآرائهم التي تحفظ البلاد من شرور المقاومة والعصيان، من المعرفة التي تدفع العامة لفعل ما تخشونه.
_ تقوم من مكانها وتجلس على الأريكة _
زبيدة: انتهى الأمر ايها السلطان
سيف: هل أتى القرار النهائي
زبيدة: نعم.
سيف: وما هو؟
زبيدة: القطع من الجذور، تقول الآلهة أن الموت هو العقاب ويقول الآباء ذلك ايضًا
نورس: لكن!
سيف: انتهى الأمر، اذهب يا نورس وقل لحام أن يأتي
نورس: حسنًا يا سيدي
_يخرج نورس ويدخل حام _
سيف: "يحرك رأسه فيفهم قائد الجند".
_ ينادى المنادي في المدينة، ايها الناس، إن السلطان والآباء يشعرون بالألم جرَّاء خيانة الكلب باو، لذلك أمرت الآلهة بقتله جزاءً لما اقترفه من ذنب، وعليكم الذهاب غدًا إلى ميدان القلعة لتكونوا شهود على تنفيذ حكم الإعدام في حق المدعو باو، ايها الناس، لقد بلغكم أمر السلطان وعليكم المثول مساء اليوم _
خارش: "يهمس" خسئتم ايها الناس، سوف يذكر التاريخ أن كلبٌ خاض نضاله ضدَّ الحاكم الظالم، في الوقت الذي خشي العامة بطشه وأعانوه على دقِّ عنقه.
عجاج: ابتلع لسانك يا خارش، للسلطان أذان تسمع دبيب النمل وخرير المياه، وإلا سوف تُنصب لك مشنقةٍ بجوار باو.
خارش: كلنا مجرد عبيد، كلنا موتى، فلاحين وتجار وبحَّارة وعطَّارين وخدم، ندفع مقابل أن يتمدَّد السلطان ويقتلنا باسم الآباء والآلهة
عجاج: قلت لك أصمت، لقد بدأت أحبك وها أنت تحشر أنفك فيما لا يعني أبيك
خارش: سوف ابتلع لساني، لأنني غير مستعدًا للموت، تمامًا مثلكم، مثل عامة الناس.
عجاج: عُد إلى الحانوت قبل أن يراك المنادي أو أحد الجنود، أو اذهب إلى ميدان القلعة.
_ يخرجان _
_ يدخل السلطان وزبيدة ثم يجلسان على الشرفة، يقابلان منصَّة الاعدام، يلحق بهم الأمير يُونا، الجنود في كل مكان، شيخ كلاب الصيد يجلس في مكان ليس ببعيد، عليه أن يُعبِّر عن غضبه من السيد باو، أن يرفض المنكر الذي اقترفه وينحاز لرؤى السلطان، هنا لا تملك حرية الصمت وحرية الاحتفاظ برأيك، يجب عليك قوله ويستحسن أن يكون أكثر تطرف وانحياز لمحكمة السلطان وفلسفة الآباء. دخل الجنود ومعهم باو، يقف معصوب العينين مغلولٌ اليدين، أوقفوه أمام منصة الاعدام وتلى قائد الجُند جريرته وعظمتها وما يترتب عليها_
حام: هل لديك طلب أخير
باو: نعم
حام: قل ما شئت فإن طلبك محل تقدير
باو: أنا فخور بفعلتي، ولن أتراجع عنها لو عاد الزمن إلى الوراء، ما يحدث لي بعد قليل ليس مهم بقدر أهمية ما سيحدث لاحقًا لعامة الناس. ثم قال مقولته الشهيرة: "إن مناهضة نصب مشنقةٍ في الحي لا تبدأ أبدًا بترك رأسك في المنزل".
حام: يكفي هذا، انتهى الوقت.
نورس: يقول السلطان، ابدأ بتنفيذ الحُكم
انتهى الأمر ورفرف باو بعيدًا، نحو العدم.
(قسم الولاء )
يُونا: أريد الحديث معك يا سيدي
سيف: وأنا أصغي إليك يا آخي
يُونا: أعتقد أنني أرغب في الحديث معك لوحدك
سيف: لا بأس، أخرج يا نورس وحام، وأغلق الباب خلفك، يبدو أن لأخي أسرار.
_ يغادران _
يُونا: لطالما كنت أبغض رؤيتك وفكرة أن تصبح سلطان منذ أن عمَّدتك الآلهة والآباء، ظننت أنهم فضَّلوك عليَّ وبايعوك على أساس قربك من قلوبهم، لكن الأمر غير ذلك، ورؤيتي كانت قاصرة حول فهم القوانين ورغبات الآباء وربما حول فلسفتهم في اختيار السلطان، لقد كنت مخطئ يا أخي.
سيف: أعرف ذلك، وأعرف ما قالته زبيدة حول الحُلم الذي راودك يومها، كانت أمي تدفعك لقتلي لترضى عنك وتتواصل معك.
يُونا: أنا نادم على ذلك وأعتذر عن نوايا أمي التي تُبيح دمك في رؤياها، وأعتذر عن نيِّة أضمرها لقتلك.
سيف: أنت تعرف أن القوانين لا تعاقب الأمراء على النوايا، ذلك يخص عامة الناس
يُونا: أعلم، لذلك أقدِّم هذا الاقرار بكل شجاعة، وأطلب المغفرة. كما أتعهد برفضي القاطع لشَغل منصب السلطان بعد وفاتك أو قبله، وأدعوك إلى تمرير وصيتك وولايتك إلى أحد أبنائي.
سيف: لو فعلت ذلك، سوف يغضب الآباء، يكفي أنك عرفت مبكرًا ما عليك فعله.
يُونا: باسمك، أقطع صلتي بأمي في المنامات القادمة والأحلام والرؤى، انها امرأةٍ شريرة بطريقة أو بأخرى.
سيف: "يضع كفه على رأس يُونا" بصفتي السلطان الابن والأخ الأكبر للأمير وحاكم البلاط، أعفو عنك في سري وجهري، وأتعهَّد بالموت من أجل الدم الذي بيننا.
يُونا: بصفتي الأمير ونائب قائد الحرس، أتعهد بتنفيذ أوامر السلطان وقوانينه وآراء الآباء والآلهة، وأتعهَّد بالموت من أجل الدم الذي بيننا.
_ يغادران _
_ إظلام تدريجي، يبدأ بعده ضوء خافت، ضوء لرجلٌ واحد يتمشَّى على خشبة المسرح _
_ يدخل خارش _
خارش: مات الكلبٌ باو من أجل رأيه الواضح حول حقِّه الشرعي وترك بذرة الرفض، ترك الحبل على القارب ومضى دون أن يحمل رأسه من تحت المقصلة، الناس رأت ذلك، الكلاب التي مات من أجلها رأت ذلك. فعل الكلب باو ما فعله الغراب الأب في سياقٍ مشابه، حين حفر لأخيه قبرًا ليُخبر عامة الناس طريقة الدفن فقلَّدوه، فهل يتكفَّل الناس بالحبل الذي تركه باو على القارب.
_ إظلام تدرجي _
_ ستار _
منيب مختار _ قاص ومؤلف مسرحي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق