تصنيفات مسرحية

الأربعاء، 29 نوفمبر 2023

مسرحية " الحلم المعاصـــر" تأليف عبد ربه الهيثمي

مجلة الفنون المسرحية


مسرحية " الحلم المعاصـــر" تأليف عبد ربه الهيثمي 

الــراوي : بين الطلقة والطلقة وقفت جمجمة ليلى تستحضر تاريخ  
             الزمن الغابر وتفتش عن مأوى تاويهه عن عنوان يعرفها 
              لتستدل به وتفرق بين الحق والباطل.
ليلــى :    (تفتش نفسها) هذا وجهي .. نعم أنه وجهي لم يتغير ولكن 
               أسود بعض الشيء ... لا يهم ...                                                                                شعري ...شعري لا زال ولكنه متسخ ... يدي نعم لازالت ... قدمي(تحاول أن تقفز ولكنها لا تستطيع النهوض) ساقي آه ساقي لا توجد ساقي.
 قيــس : أخذته الحرب وما أخذته الحرب لا يسترد.(ضحكة سخرية)
 ليلــى : ولكني أريد أن أمشي حتى على قدم واحدة.
قيــس : لا يهم أن تمشي على قدميك يا عزيزتي أمشي على وجهك على يديك(بسخرية) أسندي مهمة السير لباقي الأعضاء / تعلمي كيف تسيرين منبطحــة بعد الآن.؟؟
ليلــى :   من أنت؟؟ أظهر لكي أرى وجهك الحقيقي ربما أستطيع أن أفتش فيه عن ماضي أستدل به على نفسي.
 قيــس : وجهي لا ينفع للاستدلال ابحثي عن شيء آخر. 
ليلـــى : لا يوجد  شيء آخر هنا... نعم لا يوجد ... حتى أسمي لم ينادني به أحداً لكي أتذكــره ...أرجوك أظهر قليلاً أو ذكرني بعناويني المهجورة.
  قيـــس : لا أستطيع . 
ليلــــى : لمـــاذا ؟
 قيــــس :لأني أخاف على لساني يا عزيزتي .
  ليلــــى : من ماذا؟؟
 الـــراوي :  لا تضع وردة في عــراء قنبلة ..
                    لا تغني إذا أشرعت حضنها المقصلة.
                    لا تســل                               
                    وأصطرع كي تكون جواباً لما قتلوا فيك من أسئلة.
  قيــس    : أسمعتي.؟ أسمعتي؟؟  
 ليلـــى   : قد تكون للبداية نهاية وقد لا تكون . المهم أن نبدأ من 
               حيث بـدأت مشاعرنا ونسير ولو فوق حطامها .فأنا لا
               أبتغي شيء غير إنني أريد أن أرى ذاتي حقيقة على 
                شاشة الوجــود .
 قيــس  : الذات أم الذوات؟.
ليلـــى : الذات يا حبيبي التي تقود العقل ويقودها فكلما دارت حول نفسها حققت وجودها وكلما ارتبطت بذوات أخرى فقدت كيانها وتسربلت بواقع الحياة المحيط .
قيـــس : أعرف ذلك لكن الذات لا تستطيع الدوران حول نفسها في هذا الوضع الكائن مثلما لا تستطيعين الحياة مع ذاتك.(سخرية)
 ليلـــى : أنت بدوني لا تساوي شيء وأنا كذلك ولكن الوجود والعدم شيئان متلازمان يقتسمان الكون لهذا سيكون وجودي مرهون بعدمك …فأخلق من عدمك وجودي لترى من خلالي وجودك. 
 قيــس : أنا لست عدم .ولكني صرت كذلك . 
ليلــى      )بسخرياء) صرنا كذلك… نعم عدمك مثل وجودي ووجودي مثل عدمك .لغز محير ولكنه أيضاً محلول … سأمكث هنا ريثما تنتهي من هروبك …فكل هروبي فراغ وكل هروبك فراق وفي الحالتين سندفع ضريبة هوان لهذا الزمان العتيق بدون مقابل .
 قيــس : صدقيني أنا أحبك ولكني أكره الحب حين يضيق بحبي إليك فأن لم تسعني مشاعرك ...يا ترى في أي مأدبة من مؤدبات النساء ترين أنها صالحة سوف أثبت حضوري بها وأنت الحضور الغياب بداية لكل نهاية وآخر حبيبة خلقها الســراب .
 ليلـــى : العمر الذي عشناه معاً كان يفترض أن يعلمك الكثير عني ...فأنا لا أضيق بحبك ولكنني لم أعد أحتمل أي شيء ...  ولا أستطيع أن أداري هواك وقد قتلوا في هوائي الهواء قبل أن تحتميني بطرفك وتردف علىّ السبل... أجل لم أعد أحتمل وهذا الدمار الذي خلفوه بنفسي يفوق دمار الحروب التي لحقت بالشعوب جميعاً... فماء طاقتي بعد هذا اذاً... فقد لا أطيق ثيابي غذاء وقد لا أجد بعد موتي كفن وقد لا يحول القدر بيننا ويتورم الجرح أكثر ويزداد فيه العفن.
 قيـــس: انتظري قليلاً يا ليلى قبل أن تدلفيني معك للجحيم وأنجر تحت شبقهم بوجه ذميم ... ثم من قال لك أنني حبيبك وأنتِ لم ترين وجهي بعد .
ليلـــى : الأذن لا تخطيء سكانها يا حبيبي.
قيـــس: أذن فأنتي على يقين بأن كلانا يعرف الآخر ولكننا لا نستطيع أن نتقابل .
 ليلـــى : لا يهم أن نتقابل وجهاً لوجه المهم أن تتقابل قلوبنا ويرى كلاً منا الآخر دون أن يراه.
 قيــس : كم اتمنى أن اراك وتريني ولكني لا أستطيع .
ليلـــى : ضعفـت.
قيـــس: نعم كيف لا أضعف ، وقد صادروا أنوثتك عني ، واعتقلوا شفتيك حتى ساقيك بتروها واحرموك من نعمة الوقوف على قدميك ... كيف لا اضعف وقد أضعفوك وعذبوك ودمروك ...كيف لا أضعف وأنا أشعر بالذنب تجاهك.
 ليلـــى : كلانا يشعر بالذنب … والذنب لا يعرف ذنوب شعورنا بعد … مثلما نحب بعضنا ونحن لم نلتقي ببعضنا بعد .
قيـــس: الهروب سبيلنا الوحيد.
 ليلـــى : الهروب ليــس حـل .
 قيـــس : والعودة ليست مجدية .
 ليلـــى :  والإنتظار مجـــدي .
 قيـــس : ربمـــــا !!!
 ليلــــى : مثل لو ( تسخـر) ربما ... لا يستوعبها الشعور لأنها
                مثقلة بالشك.
 قيــــس : وأنا مثقل بالعجز.
 ليلــــى : هل افتقدت رجولتك أيضاً ؟؟؟
قيــــس : نعم مثلما فقدتِ أنوثتك.
 ليلــــى : أنوثتي لا زالت ولكنها لم تعد ملكي بعد الآن ، ولكن
                 سأمنحك كل شيء سـراً .
 قيــــس : والناس ماذا سيقولون عنا ؟
 ليلــــى : الناس سيتهموننا بالخيانة .
 قيــــس : لا يهم الاتهام ولكني لا أستطيع الإفادة بشيء بعد أن 
                افتقدت أهم أركان الحيـاة.
 ليلــــى : تقصد رجولتك.؟
 قيــــس : نعــــم .
 ليلــــى : إرادة الله لا اعتراض عليها (يصرخ )
 قيــــس : بل إرادة الإنسان يا ليلى ... سأكون ذليلاً وخجولاً لا أستطيع النظر في عيناك .
 ليلــــى : لا تنظر بل أحلم ، وأحلم  مثلما أحلُم فيك وأستحضرك.
  قيــــس : وهل أصحو حتى آتي إليك حقيقة؟
 ليلـــــى: لا بل ائتي كما أنت .
                                 
يدخل الراوي
 الــــراوي : وآتها قيس النائم ليفتش عنها في ليلة من تلك الليالي الوردية كانت ليلى نائمة وكان قيس نائماً أيضاً فحدثها وحدثته في زمن من تلك الأزمنة المفتوحة فوق رمال الصحراء.
 قيــــس : أنتِ حقيقة؟؟
 ليلـــى : وأنت ؟؟
 قيـــس: لا أدري!!
 ليلـــى : وأنا لاأدري !!
 قيـــس : أعرف أسمك لكني لا أعرف أسمي ؟
 ليلـــى : وأنا مثــلك.
 قيـــس : ليلــى أنتِ؟
 ليلـــى : قيــس أنت ؟
 قيـــس : من سمانا؟
  ليلـــى : أحلامنا.
  قيـــس : ومن جمعنا هنا؟
 ليلــــى : أحلامنـــا .
 قيــــس: وسنعيش معاً في عالم أحلامنا أليس كذلك؟
 ليلــــى : بلـــى . يا قيــس.
 قيــــس : الوهم قاتل .
  ليلــــى : أفضل من الحقيقة.
 قيــــس : ورجولتي؟
 ليلـــــى: وهم وغداً ستصير حقيقة .
 قيـــــس : ومتى يأتي هذا الغد؟؟
  ليلــــى : عندما نصحوا الاثنين معــًا .
  قيــــس : ومتى يأتي غداً .
  ليلـــــى: لا أدري 
  قيـــــس : ومتى نصحوا؟
 ليلـــــى: عندما يكون وجودنا حقيقة .
 قيـــــس: ولما لا نصحوا الآن ؟
  ليلـــــى :  لان الآن يا حبيبي لا وجود له.
  قيـــــس: إذاً لماذا أتيتِ ولماذا التقينا ؟؟
 ليلــــــى: للتنفيس عن هوانا المقتول دون أن يعترض سبيلنا 
                   أحـــد.
 قيـــــس : هذا يعني أننا أحــــرار.
 ليلـــى:      أحرار في أحلامنا بعض الشيء لكن لا تنسى انك 
                   مشوه وأنا مبتورة الساق .
 قيــس  : يعني لسنا أحرار بمعنى الحرية ؟
 ليلـــى : الحلم مراقب أيضا حاول أن تفهم .
 قيـــس : فهمـت...والحـب ؟؟
 ليلـــى : أعمق من عمق جواسيسهم... اغسلني بعاطفتك وسندني
               إليك لأقف قليلا.
 قيـــس : لا تستطيعين السير شبرا واحدا ... كل الطرق قد أجرت
               للقاتلين... وأنا الضحية أول القتلى وآخر من يصلي وهو
              يدرك أنه عائد لرحم أمه الثكلى مكتوف اليدين...الضمير
               مات وشاخت الكلمات وانكسرت السماء على الهواء 
               وغادرت كل الطيور منازل البؤساء تندب حضها وهي 
               مهشمة الجبين...لم يبقى أماننا شيء غير الرحيل.(يقف 
               في آخر الجملة ويقولها بجدية وكأنه صحي من الحلم)
 ليلـــى :( بغضب) اتركني ورحل أن شئت... نحن نحلم وأنت تريد
             أن تعكر صفوة  أحلامنا... تغيرت كثيرا وصرت أجوف 
              من الداخل...امنحني حب أحتاج إليك ...لا أريد حزنك. 
              يكفيني حزن.
 قيـــس: ( يضحك لإرضائها) الله كم أخشى أن يعكرا صفو صباح 
             الياسمين في ورد عينيك التي تذرع الصمت وتفتح ألف 
             جرح في أعماقي .
 ليلـــى: حقيقة لا زلت تخشى أن يعكر صفو حبنا يا قيس؟
 قيـــس: إنا منذ طفولتي وأنا أحن إليك وأحبك  وكنت أمترق التراب 
              تيمناً في عشقي الأبدي إليك...كنت ولكن ليت ما كنت وما 
              كانت بي  الأحلام قاطبة (تقاطعه) .
 ليلـــى: لا تعود إلى الحزن يا حبيبي ستكون وسنكون معاً .
 قيـــس: لا أتصور ذلك يا ليلى إنا جسد بدون روح ورجل بالاسم.. 
ليلـــى : لا تكمل  النهار أقترب...أقصد الليل أقترب .
 قيـــس : لا فرق بين الاثنين.
 ليلـــى: أصبحت لا تفرق حتى بين الليل والنهار... أرحل لأن شئت 
             (يهمهم بالرحيل) أنتظر أولادك هل تريد أن تراهم ؟
 قيـــس : ( بشوق) نعم أين هما ؟
 ليلـــى : لا أعرف .
 قيـــس : كيــف ؟
 ليلــــى : مثلما أنت لا تعرف .
 قيـــس : ولكنـك .؟
 ليلــــى : ولكني لم أعد أذكر أن لي أطفال ... هل تذكر أنت 
               أسمائهم ؟
 قيــــس : ( يفكر) نعم أذكرهم واحد واحدا.
 ليلــــى : ها ... قلي عنهما واحدا واحدا ثم أبداء بأكبرهم .؟
 قيــــس : أكبرهم أنت وأصغرهم أنا .
 ليلــــى : أنت مستهتر في كل الأمور .
 قيــــس : أنا لا استهتر بل أقول الحقيقة.
 ليلــــى  : أزواج وأبناء في آن واحد ؟... أرحل لا أريد إن أعرف 
                 شيء.
 قيــــس  : ســأرحل ولكن الحلم لم ينتهي بعد .
 ليلـــــى : الحلم لم ينتهي بعد ، والظلم لم ينتهي بعد ، والحب لم 
                  يأتي بعد ... أنت ممل ياقيس..
 قيـــــس : أنا مهمــوم يا ليلــى . مهمــوم ..
 ليلــــى : وبشع جدا لا تفكر إلا بمصالحك الشخصية ...وأنا 
                وأطفالي والحب ياقيس؟
 قيــــس : أنا لم أعد أنفع لشيء .
 ليلــــى : كذاب تريد أن تهرب من الحقيقة .
 قيــــس : ولكن الحقيقة ليست هذه .
 ليلــــى : بل هـــي ..
 قيــــس : ألم نتفق أننا نحلم فقط .؟
 ليلـــى : ولكنك أوصلت الحلم إلى النفق المظلم ...قبلني ...ضمني
                إليك ... أمنحني جزءً من حنانك.
  قيـــس : لا أستــطيـع .
 ليلــــى : ( بهستيريا ) لماذا ... لماذا تقيم الحواجز بيننا ، أنا احبك وأشتاق إليك...؟ عيناك تحدثني بعشق السنين الماضية والآتية ولكنك تحاول أنت تفرغها من محتواها لماذا تقطع آواصر أحلامي.؟ لماذا كل هذا .؟
 قيـــس : لأني أشفق عليك من التعلق بالســراب... أنا حــلم ليس بمقدوره أعادة الأزمنه أو اختلاق بحراً من الحب المعاصر في سفوح جارحة...صدقيني لا أستطيع السير معك في هذا الطريق...كلما سافرت في فضاء الحلم ، أشعر أنني أهوى في الفراغ . أفرغت ما في الجيب من مرحاً ،  وأكملت الرسالة ووقفت كالشاويش في طرف الزقاق أحلم باجنحة الطيور ... وأطير في الليل البهيم على الصدور ، أداعب الحلمات في صدرك كالطفل الصغير... فإذا صحوت كيــف ؟
 ليلــــى : إذا صحيتا ستجد نفسك كهلاً  سار في شبح الحروب بلا 
               طريق وضاجعته الأمنية.
 قيــــس : وإذا حصل لكِي هذا ماذا ستكون النتيجة ؟
 ليلــــى : أنا لن أصحو من حلمي أبداً .
 قيــــس : أحلمي ما تشائين وإياكِ واستحضاري مرةً أخرى .
 ليلــــى : ومن أستحضر غيرك.؟
 قيــــس : الأطفـــال
 ليلــــى  : الم تقل أن أكبرهم إنا وأصغرهم أنت؟
 قيـــــس : بلى . ولكن لم أطق الحلم .
 ليلـــــى : عليك أن تتحمل أوزار الحقيقة .
 قيـــــس : حقيقة ماذا .؟
 ليلـــــى : حقيقة نفســـك .
 قيـــــس : لا ...لا.. لا أريد ..
 ليلـــــى : أذاً أكمل معي لعبــة الحلم .
 قيـــــس : حاضر يا ليلــى سنكمل اللعبة ولكن في مكان آخر.
 ليلـــــى : أليس البيت مناســـباً ؟؟
  قيـــــس : بلـــى .
 الـــــراوي : رافق قيس حبيبته إلى عش الزوجية في  حلم آخر من تلك الأحلام الوهمية وعلى بساط الحلم رحلوا بأجنحة فضية يستحضرون معا بقية البقية من تلك الأزمنة المشاعية .
                                   
المكــــان
 يكون المكان بمثابة بيت تهاوت أركانه من آثار القذائف وتخثره أبوابه وبقيت بعض الدلائل التي كان يحتويها البيت .
 قيــــس : ما هذا ؟ ولماذا تستحضرين هذا .؟
 ليلــــى : هذا ما استطعت ..
 قيــــس : ولكنه ليس بيتنا .
 ليلــــى : بل هو .
 قيـــــس : لا أريد الحقيقة .؟
 ليلـــــى : احلام الازمنه العصيبة يا قيس ... الا تعرف أن الاحلام مرتبطة في الحالة النفسية للبشر.؟.
 قيــــس : بلى أعرف .
 ليلــــى : أذاً لا تناقش ..
 قيــــس : وأنت لا تطالبيني بالعاطفة والحب في هذا المكان المقفر الذي اشعر فيه بالخوف كلما أقتربت منه . 
( يتصاعد  أنين ...أنين ... أنين) 
 ليلــــى : هل سمعت شيء ؟
 قيــــس : لا .
 ليلــــى : أصمت قليلا .
                               صمــت ... صمت ... صمت 
 قيــــس :ولما هذا الصمت ؟
 ليلــــى : أسمع أنين تحت هذا الطلل .
 قيــــس : أنا لا سمع شيء.
ليلــــى : لإنك أبعد من أن تسمع ذلك .
 قيـــــس : ولكني بجوارك يفترض أن اسمع .
 ليلـــــى : أنت بجواري ولكنك خيال .
 قيـــــس : انظري هذا البوم .
 ليلـــــى:  ( تصــرخ ) حاول أن تخرجه دون إن تتلفه .
 قيـــــس : ( يفتش البوم ) هذه ألصوره أظن أنني شاهدتها 
 ليلـــــى : ( تستغرب من حديثه) هذه صورتك ألا تعرفها؟
 قيـــــس : لا تبالغين يا ليلـــى .
 ليلـــــى : أنني أعرفها كما أعرفك الآن .
                                   ( انين ... أنين ... أنين ) 
 ليلـــــى : أسمعت ؟
 قيـــــس : إنه أنين ولكن ربما تكونين أنت مصدر ذلك الأنين .
  ليلـــــى : ربما ... ربما أحد أقاربنا أو أطفالنا .
                  ( عندما تنطق بكلمة أطفالنا يندفع قيس بقوة إلى المكان
                  وكأنه أصيب بهستيريا).
 قيـــــس : سأجدهم... نعم سأجدهم... أنا هنا لا تئن يا مروان 
                  سوف أنقذك... إنا أبوك...   ( يزداد الأنين) مروان 
                ، ... لا تزعجك الظلمة... أنا ابحث عنك... أين أنت ؟ 
              يا مروان (يحصل على لعبة صغيرة) هذه لعبتك...نعم أنها 
                 لعبتك أنظري يا ليلـى أليست هذه لعبة مروان ؟؟
 ليلـــــى : أكبرهم أنا وأصغرهم أنت... أليس كذلك؟؟
 قيـــــس : أنا متأكد أنه مروان الذي يئن .
 ليلــــى : ريما هو ربما أنا وربما أنت لا فرق ..
 قيــــس : أحس أحياناً بأنك لست أم .
 ليلــــى  : وهل ستنقذه إذا كان مروان أو غيره ؟
 قيــــس : نعــــم
 ليلــــى  : أنقذ نفسك أو أنقذني أنا أولاً ثم أبحث بعد ذلك عن مصدر الأنين .
 قيــــس  : أنا وأنت لا يهم المهم مـــروان .
 ليلــــى  : مــروان سراب وأنا حقيقة حبك يا قيس .
 قيــــس  : أي حب تحت دفئ هذا الأنين المخيف... سأرحل لا أطيق هذا... سأرحل بعيدا الى آخر العمر كي لا أعود الى أول العمر وكلي وعمري محاصر من الرأس للخصيتين ... كلما همَمَتُ بالموت يستوقفوني  العساكر لإدفع ضريبة جوعي وأسدد فواتير نومي على الأرصفة .... لم تعد لي طريقاً الى الموت ميسورة التكلفة ... أجل لم تعد لى طريقا الى الموت ميسورة التكلفة(يرددها 3 مرات ثم يسقط على الأرض ) 
 ليلــــى : (تساعده ليلى ) قيس قيس أنا هنا حاول أن تفهم/ المسألة حلم لا تكبر الأمور.
 قيــــس : ( يتخيل ان هناك عسكري يمد له الفواتير) لا زلت... حيا لم أمت وعندما أموت سوف أدفع... انظري يا ليلى هذه فاتورة ضريبة الجوع... وهذه فاتورة النوم على الأرصفة  يا ليلى وهذا فاتورة السير حافي في الشوارع ... قلت لك لم يعد لي طريق إلى الموت ميسورة التكلفة.
 ليلــــى : أنت تحلم يا قيس لا أحداً هنا غيرنا.
 قيــــس : ولكني شاهدتهم... أنظري أليست هذه فاتورة النوم على الأرصفة وهذه فاتورة الجوع وهذه فاتورة السير وانأ حافي في الشوارع حتى الحفاة يدفعون ضريبة السير وهم حفاة... الحذاء يصيح (يضحك) ( بأي ذنب أضرب) ؟
 ليلــــى : أنا أحبك يا قيس وأريد إن أراك بأحسن ما يمكن .
 قيــــس : وأنا كذلك لكن الأشباح تطاردني حتى وأنا أحلم ... أنا 
                مملوك يا ليلى .
 ليلــــى : أنت ملكي وأنا ملكك لا أحد يستطيع إن يملك قلبك غيري
                 ( أنين... أنين ...أنين).
 قيــــس : ( بحزن ) ومروان الذي نسمعه يئن الآن ملك من؟
 ليلــــى : ملك التراب... ملك الحطام... الموت حق..
 قيــــس : ولكنه باطل... لماذا لا أموت أنا وقد لفظتني الحياة؟
 ليلــــى  : أنت عليك ديون... الم تقل ذلك / الفواتير من سيسددها 
                غيرك يا قيس؟؟
 قيـــس : هكذا الزمان يدفع الثمن فيه الأبرياء دائما/ لهذا أخذُوا 
               مروان ( ينهض) سأبحث عنه
 ليلـــى  : أبحث عني يا قيس... نورا هي التي تئن في أحشائي وأنا أمنعها من الخروج لاني لم أجد بعد ضماناً واحداً لحياتها..
 قيــــس : كيـــف ؟؟
 ليلــــى : ليس بإرادتي يا حبيبي ، أعماقي تتقطع وأنيني يشبه أنين 
                الطفل الموعود الذي صار سرابا... لا تبحث عنه لم 
                 يأتي أحدا من تحت الأنقاض ...
 قيــــس : سأرحل لن أعود ( يختفي قليلاً ) .
 ليلــــى : قيس ... لا تهرب مني ( تضحك بحزن) حتى احلامنا تهرب منا دون ارادتنا... كنت ولا زلت حلماً لن أصحوا منه بعد ولكنه فقد رونقه مثلما أنا افتقدت جمالي وعزتي وكرامتي... الصبر جميل... سافتش عن عنوان آخر... ولكن العناوين الآخرى لا تنفع لان قيس كان ولا يزال أول العناوين وآخرها  آه .... من لي بقيس الأن من تحت الركام ( تحتضن الطلل وتبكي).
 قيــــس : ليلـــى ...
 ليلــــى : ( بفرح ) الم ترحل؟؟
 قيــــس : للحب بقايا في ذاكرتي يحملني إليك وأنا أحلم ... كلما 
                أترجل في وحل الواقع لا أستطيع أن أتحمل... فأعود 
                إليك  لأحلم وتحلمين ...
 ليلــــى : عيناك مرايا تعبق بالورد الذابل يا قيس ... كم أخشى أن  يقتل هذا الزمن الملعون عواطفنا..
 قيــــس : أهن يا ليلى... أنا أول المنفيون بهذا الزمان عندما انتميت إليك لم أفكر باني سأمنحك كل شيء،  وتمنحيني بالمقابل جواز السفر لأمارس طقوس الرحيل من منفى إلى منفى..
 ليلــــى : أذا نفاك الزمان قلبي ليس بمقدوره أن ينفيك ، لا بد أن تعود إليه... تعذبني اشتهائتي بعيداً عنك يا قيس ، وتغرقني اشتهأتي قريبا منك ... أقترب منـــى... في الحلم متسع جدا أنا لا أحلم بعقار وأرصدة بكل بنوك العالم ... أحلم بقلب يكون بمثابة بيت آويه.
 قيــــس : لا تبكي يا ليلى أنا رهن يديك، فبين الخيال والواقع خيط أدق من الشعرة. 
ليلـــــى : وبين القلب والقلب جسورا مهدومه أن عدت إليك إنا سأعود بنصف امرأة وأن عدت إلى أنت فستعود بنصف رجل ... متى ستعود النصفين الأخريين ؟؟
 قيــــس : الأعضاء المفقودة من جسدينا لا زالت مدفونة تحت
                الركام .
 ليلــــى : ولكنها غير قابلة للحياة على واحد ..
 قيــــس : الواحد يقبل الحياة على أثنين ولكن الاثنين لا يقبلون 
                الحياة على واحد .
 ليلــــى : كــيــف ؟؟؟
 قيــــس : قلبك سيقبل الحياة على اثنين الأول أنتِ والثاني أنا ،
                اليس كذلك ؟؟
 ليلــــى : بلــــى .
 قيــــس : وحينما نصير اثنين بقلوبنا ومشاعرنا وتفكيرنا فقد لا 
                تستطيع الحياة على واحد .
 ليلــــى : كلام جميل لا نهاية له ولا بداية .
 قيــــس : كلا يا ليلى بدايته أن نحفر هذا الركام .
 ليلــــى : تحفر ماذا ؟؟ ذكرياتنا .... قلوبنا ... هنا دفنت أمنياتنا وقبلاتنا ، براءة أطفالنا ... وهنا دفن ايضاً ثوب زفافنا ... فأى محاولة للبحث يعني أضافة جرح آخر لكل تلك الذكريات 
 قيــــس : لا بد أن نبحث ،  على الأقل أعرف مصدر الأنين .
 ليلــــى : قلت لك أنا مصدر الأنين وأنت وذكرياتنا ... لا تفعل 
                شيئاً دعنا نتأمل فقط .
 قيــــس : نتأمل ماذا لا أحد يجد أثراً معيناً إلا إذا بُحِثَ عنه.
 ليلــــى : الأثر الذي نريد لا يحتاج الى بحث لإنه واضح وما علينا ألأن إلا أن نغلف أحلامنا بمرايا احلامنا الزجاجية الغير قابلة للكسر حتى لا تصيبها الشظايا مرة أخرى .
 قيــــس : لكن الشظايا ستأخذ مداها، ولن نسلم منها .. الزمان أسير للذين لا يفهمون سوى ارتجال السياسة بكل فنون الخداع ، ومتطلبات المنايا على كافة الأصعدة .
 ليلــــى : وقلوبنا هل ستكون عرضة للشظايا.؟
 قيـــــس : نعــــم .
 ليلـــــى : وأنـــت ؟
 قيـــــس : (( أنا أول القتلى وآخر من يموت )) 
 ليلـــــى : وأنــا ؟
 قيـــــس : أنت الأنين الذي يهفو أصداه في أعماقي بين لحظة وأخرى . أنت ضحية مقتولا اغتيلت رجولته ... فكري بالآتي واختاري .
 ليلــــى : أنت تهذي أختار ماذا هل تظن أنني سأتزوج غيرك لأني
                فقدت الأمل برجولتك؟
 قيــــس : ولكني طللُ من تلك الإطلال الوهمية... سراباً ليلياً  تقذف بي الريحُ من شاطئ  إلى شاطئ ، قد آتيك وقد لا آتيك ، كوني واقعية في أحلامك قليلا .
 ليلـــــى : الواقع أسوء  لا تذكرني فيه مطلقا... لهذا اخترت العدم الذي أستطيع أن أراك فيه وتراني، العدم الذي لا يستطيع الإنسان أن يحتال فيه على أخيه الإنسان فلا تطلب مني أن أكون واقعية في أحلامي إذا كنت لا أمتلك حقه هيكلية وجودي.
 قيــــس : وما نحن واقفين عليه الأن أليس دليل وجود؟
 ليلــــــى  : شم رائحة هذا التراب... أنه مجموع من البارود
                  والكبريت الملتهب.
 قيــــس : نعم 
 ليلـــــى : أذاً لا يوجد هناك ضمان واحد للوجود وسيصبح السراب هو الضمان الوحيد لنا ولأمثالنا .
 قيـــــس : بين الوجود والعدم، يقفُ الحلم  وحيداً كاللحظة التي تجمعنا الآن / فليس هناك ضمان للوجود ولا للعدم أيضاً .
 ليلـــــى : كلامنا صار أجوف لا معنى له ... نحن نبحث في السراب وجودنا وعدمنا... ونحن لم نستطع اغتنام لحظتنا...
 قيــــس : هذا هو خطئُنا لأننا سافرنا بين عدمين يا حبيبتي/ وزعنا الحب بشفتين متنافرتين والتقينا ولم نلتقي وافترقنا ولم نفترق/ وها نحن واقفين الآن بمفرق طرق ،  لحظة حبنا فيها ميتة بين  الماضي والمستقبل ...
 ليلـــــى : استنهضها لتكون الحاضر لا تقتلني أكثر .
 قيـــــس : الحاضر لا أملك فيه غير عباءتي هذه . 
( يخلع العباءة ) 
 ليلـــــى : والحب الملعون الذي عشت لعنته منذ عرفتك ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍؟ .
 قيـــــس : آه لو تعرفين كم احبك / ولكني لا أستطيع ان احبك/ لهذا سيكون الرحيل هو الطريق الوحيد للخلاص.
 ليلـــــى : هذا ما أسمعه منك دائما الرحيل ... الرحيل إلى أين 
                  هذا الرحيل ؟
 قيــــــس : هذا الذي لم أقرره بعد .
 ليلــــــى : وكيف تقرره إذا كنت لا تمتلك يا حبيبي القرار .  
 قيـــــس : صحيح الحالم أنت والمحلوم أنا في هذا الحب 
                  المجنون.
 ليلـــــى : ليس الحب المجنون وأنمى الحب الميمون، الحب المتوهج تحت ترائب هذا الصدر.الذهبي...أمنحني جزا منه دعني استلقي على صدرك...روض شفتي المجدولة بشفتيك المطلوبة لعدالة السماء.
     ( يمنعه الراوي من أن يقبلها فيدخل بعربته بينهم التي تشبه المدفع )
 الـــــراوي : للحلم حدود وللصبر حدودا أيضا لا تتمادي يا ليلى ولا تطلبين المستحيل، شفتيك لم تعد لك أبا جهل يشرب سجائره بها ويغري جميع النساء ببسمتها.
 ليلـــــى : وأنا من أنا ؟
 الـــــراوي : لم نجد لوجودك دليل وانتمائك سماء.
 ليلــــــى : وقيـــس ؟
 الــــراوي    : خارج أطار الزمن ... ستشيخ المرايا قريبا وقد 
                     تتهشم.
 ليلــــــى : والحـــب ؟
 الـــــراوي : لا حب في الزمن الضائع.
 ليلــــــى : إذا قيس أراد له أن يدرك الزمن فهل الحب ينبغي له 
                   إن يدرك الحياة؟
 الــــــراوي : الإرث اكبر يا ليلى ... والحلم أصبح نملة عرجاء لا تقوى على السفر الطويل كوني عاقلة وحكمي جراحك في صناديق الغرام مع الزمن إن العذاب على العذاب قد اكتمل... وتصاعدت حمم النفوس... ومورست كل طقوس الموت في جسدك إلى إن اخجل الدم خناجرهم وانحنت النصال... لم يبقى شأ يا ليلى...
 ليلـــــى : ما هذا الكلام الذي اسمعه ياقيس فسر لي هذا الكلام.؟
 قيـــــس : هذه الحقيقة يا ليلى الضياع اقترب أكثر وأكثر.
 ليلـــــى : ولكني لم افقد الأمل بعد.
 قيـــــس : المرايا بدأت تشيخ وأنت تتلاشي إمامي شيئا فشيئا .
 ليلـــــى : ( تحاول إن تمسح المرايا) سوف أنظفها حتى لا تغيب
                   عني.
 قيـــــس : الدموع لا تزيد المرايا بريقا.
 ليلـــــى : هل ستهجرني إلى الأبد؟؟
 قيـــــس : أنا لا اريد ان اهجرك ولكن المرايا/ التي اراك من خلالها شاخت وشاخت الكلمات ايضا  وارتد بين فمي واللسان السؤال فحال الهواء بيننا واصبح كل هوانا محال.
 ليلـــــى : واصبحت انا محالة الى واقع الإنحلال...( تحاول ان تمسح المرايا ولكن بدون فائدة /قيس يكون قد اختفى)) . قيــس ... اين انت ياقيس؟؟ هل ستعود؟؟  سانتظرك فوق هذا الطلل وسارثيك حزنا وظيما ووجدا بكلمات احرفها من دموع... سأحدث الأطفال عنك عن هوانا واقول: ان الحب شاخ بعد ان شاخت مرايانا  وازداد الانين .. واقول ايضا: ان الحب اصبح في وطننا اول القتلى وشبه مستحيل ... واقول ايضا .. أننا يا قيس مذبوحين مذبوحين حتى في مشاعرنا وفي احلامنا كل العناوين الجميلة لم تعد ملكا لنا .. طوبا لنا ولحبنا يا قيس... طوبا لكل الحالمين الجائعين ولكل ام لم تلد  طفل الانين المنتظر( انين. انين) طوبا لنورا وهي تأن في احشائي الثكلى وتنتظر الخروج الى مروج النور... انا لم امت يا قيس ستكمل عدتي ونورا سوف تأتي بعد صيف ... انها الحلم الذي لطالما وسألتني عنه ... لا تحزن يا حبيبي ... ( صرخات مخاض عسير ) .
 
( ســــتــــــار ) 



( 1 ) قدمت هذه المسرحية في المهرجان الثالث للمسرح اليمني ونالت أربع جوائز في المهرجان .
(2) قدمت أيضاً في المهرجان الدولي للمسرح التجريبي في القاهرة على خشبة المسرح القومي في 1998م . 
(3) قدت في مهرجان بابل ( بغداد ) عام 1998م . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق