الكاتب طلال حسن |
مسرحية للفتيان " السر " تأليف طلال حسن
شخصيات المسرحية
1ـ جحا
2 ـ زوجة جحا
3 ـ جحيح
4 ـ النخاس
5 ـ سعد
6 ـ زهرة
7 ـ حمدان
8 ـ الرجل الأول
9 ـ الرجل الثاني
10 ـ ثلاثة شرطة
المشهد الأول
بيت جحا ، الفناء
أم جحيح وحدها
الأم : الفطور جاهز منذ ساعة ، وأنا أنتظر
عبثاً ، جحيح مازال يغط في النوم ، وجحا
.. ، ترى ماذا يفعل جحا ؟ لقد استيقظ
اليوم مبكراً ، وهذه ظاهرة جديدة ، لعل
وراءها ما وراءها " تصمت " مهما يكن
، فلأنادهما مرة أخرى " تصيح " جحا ،
جحيح .
جحيح : " من الداخل " نعم ، أمي .
الأم : نادِ أباك ، وتعالا ، الفطور جاهز .
جحيح : " يدخل متثائباً " أبي في الحمام ، يستحم
ويغني .
الأم : لا دخان بدون نار ، لابد أن أسأله عن
سر جنونه بالاستحمام والغناء هذه الأيام .
جحيح : سألته قبلك ، فقال لي ، إن النظافة من
الإيمان .
الأم : يا للعجب ، لقد نزل عليه الإيمان فجأة ،
كان لا يستحم إلا في الأعياد والمناسبات .
جحيح : اسمعيه يغني .
جحا : " يغني من الداخل " قل للمليحة في
الخمار الأخضر
الأم : الأخضر ! إن ذوق أبيك حشيشي هذه
الأيام
جحيح : حشيشي ! " يمد يده ضاحكاً إلى الطعام
" ها ها ها .
الأم : " تضربه على يده " انتظر أباك "
تصغي مفكرة " الخمار الأخضر .
جحيح : أمي .
الأم : دعني أسمع ، لعلي أفهم هذا .. الخمار
الأخضر .
جحيح : إنني لم أرَ حتى الآن ، امرأة في خمار
أخضر .
الأم : " تصغي إلى الغناء " أسكت أنت الآن .
جحيح : لعل أبي لا يغني عن امرأة مليحة ..
الأم : " تنظر إليه " ....
جحيح : من يدري ، ربما عن .. عنزة مليحة .
الأم : اسكت ، هاهو زرياب قادم .
يدخل جحا ، وهو
يتمايل ويدندن ويغني
جحا : قل للمليحة في الخمار الأخضر
الأم : " تهمهم " هم م م م م .
جحا : ماذا فعلت بزاهد ..أحمر .
جحيح : الله .. الله .
الأم : النظافة عرفنا سرها ..
جحيح : الإيمان .
الأم : لكننا لم نعرف بعد سرّ هذا الغناء .
جحا : إذا طابت النفوس غنت ، هذا أمر
معروف .
الأم : عجباً ، لم أسمع نفسك تغني ، منذ أن
تزوجنا إلا الآن .
جحا : يا أم جحيح ، لا تستكثري عليّ أن
تطيب نفسي ، فالرزق وفير ، والصحة
على ما يرام ، و ..
جحيح : أبي ..
جحا : " ينظر إلى الطعام " ما أشهى طعامك ،
يا أم جحيح " يجلس إلى الخوان "
فلنفطر.
جحيح : أبي .. أبي ..
جحا : أجلس يا بنيّ ، وكل .
جحيح : " يجلس قبالة أمه " إنني لا أفهم شيئاً
في الشعر ، ولا في الغناء ..
جحا : ولا في أي شيء ، عدا ..
الأم : دعه يكمل كلامه .
جحا : " يأكل " فليأكل ، هذا ما يفهمه .
جحيح : الأغنية لا تقول ، في الخمار الأخضر ..
الأم : " تهمهم " هم م م م .
جحيح : بل في الخمار الأسود .
جحا : " يتوقف عن مضغ الطعام " الأسود !
الأم : أنت يا جحيح ، ل تعرف فعلاً أي شيء
، فاللحية المخضلة باللون الأحمر ،
تتطلب أن يكون خمار المرأة أخضر .
جحا : صح " لجحيح " أرأيت يا جحيح ، إن
أمك لا تنطق ، حين تنطق ، إلا حكماً .
الأم : لكن من يدري ، قد يكون العكس هو
الصحيح .
جحيح : " مذهولاً " العكس هو .. ، إنني أكاد لا
أفهم أي شيء .
جحا : هذا أفضل " للأم " أنصحك ، يا أم
جحيح ، أن تبقي على الرأي الأول .
الأم : مهلاً ، مهلاً ، لعل الخمار الأخضر لا
تليق به إلا لحية حمراء اللون .
جحا : إنها مودة العصر .
الأم : وضع الخمار الأخضر ؟
جحا : اللحى ، إن الجميع يخضبوها ، وحشر
مع الناس عيد .
الأم : جحيح " تجلس إلى جانبه " لنأكل الآن
،ولن يبقى سر طيّ الكتمان مدى الدهر .
جحيح : " يأكل " قال أحد الحكماء ، إذا جلست
إلى الطعام ، قل .. " يصمت مفكراً " ..
جحا : " يهز رأسه " حسبي الله .
جحيح : ربما " يفكر " ، لا ..
الأم : كل ، يا بنيّ .
جحيح : أنت محقة ، يا أمي " وهو يأكل " قد
أتذكر ما قاله الحكيم فيما بعد .
الجميع ينشغلون في
تناول طعام الفطور
جحيح : " فمه ممتلىء بالطعام " أمي .
جحا : كل ، يا جحيح .
جحيح : لو تعرف ، يا أبي ، ماذا رأيت الليلة في
المنام .
الأم : ماذا رأيت ؟ " ترمق جحا بنظرة
خاطفة " ذات الخمار الأخضر ؟
جحا : " يهز رأسه " ....
جحيح : لا يا أمي ، رأيت حمارنا .
جحا : جحيح ، دعنا نأكل .
جحيح : قال لي ـ يا جحيح ..
جحا : " يحدق فيه " الحمار .
جحيح : لم أرَ في حياتي ، ناكري جميل مثلكم .
جحا : يا للكذب ، لم أسمع في حياتي ، بحمار
يتكلم .
جحيح : لكن الحمير ، وغير الحمير ، تتكلم في
الأحلام .
جحا : قد تتكلم إلى بعضها ، وليس إلى . .
جحيح : أبي ، أنت لم تكن معي في الحلم .
جحا : هذا من حسن حظي .
جحيح : قال لي ..
الأم : " وهي تأكل " من ؟
جحيح : حمارنا .
الأم : آه ، حمارنا ، أكمل .
جحيح : لقد خدمتكم بصبر وإخلاص ، سنين
طويلة ، والآن لا تسألون حتى .. أين أنا .
الأم : هذا صحيح يا جحيح ، وليتك سألته عن
مكانه ، فأبوك لن يخبرنا عن ذلك .
جحا : بل أخبرتك ، يا أم جحيح ، وقلت لك
مراراً ، إنه ضاع .
جحيح : حمداً لله ، يا أبي ، إنك لم تكن تمتطيه ..
جحا : جحيح ..
جحيح : وإلا كنت ضعت أنت الآخر .
جحا : " منفعلاً " كفى أيها ال .. " ينهض
غاضباً " لو اكتفيت بما تعرفه ، لما فعلت
شيئاً غير تناول الطعام .
جحيح : " يفغر فاه " ليتني أفهم ما .. قلت .
جحا : " يتمالك نفسه " كفى ، يا جحيح .
جحيح : الأفضل أن آكل " يملأ فمه بالطعام "
الطعام لذيذ .
الأم : " تنهض " لم تأكل شيئاً يذكر مما
أعددته لك .
جحا : لقد شبعت .
الأم : سبحان الله ، لقد تغيرت الكثير من
عاداتك ، هذه الأيام .
جحا : " يطبطب على بطنه " كرشي قبيح "
يبتسم " وقيل لي ، إن شكلي سيكون
أجمل ، بدون كرش .
الأم : لا أعتقد ، أنني أنا من قال هذا الكلام
الرقيق .
جحا : " محرجاً " ها ، نعم ، ربما .. " مبتسماً
مدارياً حرجه " المهم أن أتخلص من
كرشي .
الأم : " تحدق فيه مفكرة " ....
جحا : " يتململ قلقاً " حان الوقت ، عليّ أن
أذهب الآن .
جحيح : " وفمه ممتليء بالطعام " أبي ..
جحا : كل أنت ، كل ، كل .
جحيح : اليوم هو .. الخميس ..
الأم : جحيح ، ستختنق ، لا تتكلم ، وفمك
ممتلىء .
جحيح : ملا جاسم ..
جحا : " يتوقف مذهولاً " ملا جاسم !
جحيح : سيأتي عصراً .. إلى بيت جارنا .. أبي
سلمى .
جحا : وما شأني أنا وهذا ؟
جحيح : أبو سلمى .. يريدك شاهداً .. على
زواجه .
الأم : الويل له ، هذه المرة الرابعة ، فليأخذه
عزرائيل .
جحا : رجل ، ونِعم الرجل .
الأم : لو أني زوجته لخنقته ، وخنقت معه ملا
جاسم ، وكذلك الشاهدين .
جحا : " يتجه مسرعاً نحو الباب " لا
تنتظريني ، قد أتأخر .
الأم : أنت تتأخر كل ليلة .
جحا : " يمسك لحيته " ماذا أفعل ؟ الأشغال
كثيرة .
جحا يخرج مسرعاً ،
الأم تقف مفكرة
الأم : هناك سر ، وعليّ أن أعرفه ، قبل فوات
الأوان " تلتفت إلى جحيح " جحيح .
جحيح : " فمه ممتلىء بالطعام " نعم ، أمي .
الأم : أريدك في أمر .
جحيح : مُري يا أمي " يبتسم " لكن الدفع أولا .
الأم : سأدفع لك ديناراً .
جحيح : " يغص بلقمته " ماذا ! ديناراً ؟
الأم : نعم ، يا جحيح ، ديناراً .
جحيح : مري بما تشائين " ينهض وعيناه على
الطعام " هيا ، يا أمي ، مريني .
الأم : جحيح ، أنظر إليّ .
جحيح : ها ، نعم " ينظر إليها " ها إني أنظر ،
مري .
الأم : أريدك فقط ، أن تتبع أباك ، وتعرف أين
..
جحيح : أتبع .. ! آه .. ضاع الدينار .
الأم : لا تخف ، يا جحيح ، الأمر ليس
بصعب .
جحيح : ليس بصعب ، يا أمي ، بل مستحيل ..
الأم : جحيح ..
جحيح : أبي يذهب إلى أماكن بعيدة ، وغريبة ،
وغاصة بالناس .
الأم : أنت الآن رجل .
جحيح : لا ، أخاف أن أضيع .
الأم : لن تضيع .
جحيح : حمارنا نفسه ضاع .
جحيح : " تغالب انفعالها " صحيح ، أنا مخطئة
، لقد عرف جحا ماذا يخلف .
جحيح : " ينظر إلى الباب " أمي .
الأم : أجلس ، وكل .
جحيح : أسمع حركة وراء الباب .
الأم : في الليل ، تسمع حركة فوق السطح ،
والآن حركة وراء الباب ، هذه أوهام ،
أوهام ورثتها عن أبيك .
جحيح : اسمعي " يشير نحو الباب " اسمعي .
الأم : " تنصت " نعم ، ربما أنت محق "
تنصت ثانية " لعله طفل ، يلعب قرب
الباب .
جحيح : لا " يشم " هذا حمارنا .
الأم : حمارنا !
جحيح : شمي " يتشمم " الله ، إنها رائحته .
الأم : " ترمقه مشمئزة " ....
جحيح : إنني أميز رائحته من بين رائحة ألف
حمار .
الأم : أنت مخطىء ، حمارنا ضاع ، ومن
يدري ، لعل أباك باعه واشترى بثمنه
حماراً أخضر .
جحيح : كلا ، إنه حمارنا " يتجه نحو الباب "
سأفتح الباب ، وسترين .
جحيح يفتح الباب ،
ثم يصيح فرحاً
جحيح : أمي ، إنه حمارنا .
الأم : حقاً ؟ " تسرع نحو الباب " يا للعجب
،إنه هو فعلاً .
جحيح : سيفرح أبي بعودته ، سيفرح جداً .
الأم : جحيح .
الأم : نعم ، أمي .
الأم : " تشير بيدها "أنظر إلى ذينك الرجلين .
جحيح : " ينظر حيث تشير أمه " يا إلهي ، كم
هما متشابهان ، كأنهما توأمان " يتراجع
خائفاً " إنهما ينظران إلينا .
جحيح : يبدو أنهما غريبان عن محلتنا ، لم يسبق
لي أن رأيتهما من قبل .
الأم : لعلهما عثرا على الحمار ، في مكان ما
، وجاءا به .
جحيح : لكن كيف عرفا أنه حمارنا ؟
الأم : حقاً ، كيف عرفا ذلك ؟ هذا إذا كانا هما
اللذان جاءا به .
جحيح : أنظري يا أمي ، لقد اختفيا ، كأنهما ذرتا
ملح وذابا .
الأم : دعك منهما " تبتعد عنه " خذ الحمار
إلى السرداب ، وضع أمامه بعض الطعام
، يبدو أن المسكين جائع جداً .
جحيح : حسن يا أمي ، اذهبي أنت ، وارتاحي .
الأم : " تدخل غرفتها " ....
جحيح : " مخاطباً الحمار " تعال ، يا عزيزي ،
تعال ، لا تظن أننا لم نفكر فيك كثيراً ، أنا
شخصياً فكرت فيك ، كما قلقت لغيبتك ،
تعال ، وعد إلى سردابك ، وارتح .
خلال حديث جحيح ،
تخفت الإضاءة بالتدريج
إظلام
المشهد الثاني
سوق بيع العبيد ،
منصة ، نخاس ، عبد
النخاس : يا للنحس ، لم يقربنا أحد اليوم .
سعد : ولن يقربنا أحد ..
النخاس : أغلق فمك .
سعد : بعون الله .
النخاس : أخذك الله ، وأراحني منك .
سعد : لن أفقد عندئذ إلا قيودي .
النخاس : سأبيعك اليوم ، سأبيعك بأي ثمن .
سعد : المال مالك ، أهدره كما تشاء .
النخاس : لقد خدعت بك ، حسبتك ثروة .
سعد : إنني فعلاً ثروة ، لكنها مُجوعة ، مُعفرة
، مهلهلة الثياب .
النخاس : " يحدق فيه مغتاظاً " سعد ، لو أعرف
فقط من أسماك سعد .
سعد : " يبتسم " جدتي .
تدخل زهرة ، تضع
خماراً يميل للخضرة
النخاس : عبد للبيع ، عبد ، عبد .
سعد : " يحاكيه ساخراً " عبد للبيع ، عبد ،
عبد .
النخاس : " يرمقه مغتاظاً " ....
سعد : كأنك تنادي على كومة من البطيخ .
النخاس : " يقترب من زهرة " عبد للبيع .
زهرة : " تتوقف " ....
النخاس : عبد أقوى من دب .
زهرة : " ترمق سعد بنظرة خاطفة " ....
النخاس : وأسرع من ..
سعد : سلحفاة .
النخاس : غزال ، أسرع من غزال .
سعد : " يهمس لزهرة " اشتريني .
زهرة : لا أريد عبداً .
سعد :اشتريني حراً ، وتزوجيني .
زهرة " " تضربه برفق على صدره " أصوم ..
أصوم .. وأفطر على عبد .
زهرة تخرج ، يدخل
جحا ، ويسير متلفتاً
النخاس : عبد للبيع ، عبد ، عبد .
جحا : " يتوقف متلفتاً حوله " ....
النخاس : هذا جحا ، سبحان مغير الأحوال ، إنه
يختال كالطاووس ، في ثيابه الجديدة
الزاهية ، ولحيته المخضبة .
سعد : إنه رجل طيب ، بعني له .
النخاس : كان معدماً أكثر مني ، وفجأة أثرى .
سعد : لعله عثر على كنز .
النخاس : المهم عندي أن يشتريك ، بأي ثمن "
يقترب من جحا " عبد للبيع ، عبد ..
جحا : " لا يلتفت إليه " دعني ، دعني .
النخاس : عبد نادر ، أقوى من دب ، وأسرع من
..
جحا : " يتلفت حوله " إنني مشغول الآن ،
ابتعد عني .
النخاس : أنصحك أن تشتريه ، قبل أن يخطفه
منك تاجر غني .
جحا : " يسير مبتعداً عنه " دعني ، دعني "
يخرج " .
سعد : أرأيت ؟ لا أحد يريد شرائي .
النخاس : سأبيعك ، اليوم ، مهما كلف الأمر .
سعد : النهار يكاد ينتصف ، ولا أحد اقترب
مني ، أو عاينني .
النخاس : أعرف ما تريد ، هذا مستحيل ، لن
أعتقك .
سعد : لست مجنوناً ، إنني ملك معك ، آكل ..
وأشرب .. وأنام .. على حسابك .
النخاس : لن تدوم ملكيتك هذه طويلاً ، سأبيعك
بأي ثمن ، سأبيعك اليوم .
تدخل زهرة ثانية ،
وتقف متلفتة حولها
النخاس : تفضلي ، يا سيدتي ، تفضلي .
زهرة : ابتعد ، لا أريد عبداً .
النخاس : أنظري إليه ، وسترين مزاياه " يميل
إليها " إن والده من أفريقيا .
زهرة : " تنظر إلى سعد " ....
سعد : صدقيه ، إنني كما ترين ، زنجي أبيض.
زهرة : " تشيح عنه بوجهها " العبد عبد .
سعد : " متمتماً " إنها حقاً مثل جدتي .
النخاس : " يرمق زهرة مفكراً " ....
زهرة : " تتلفت متمتمة " لقد تأخر .
النخاس : من ؟ لعلي ؟؟
زهرة : أرجوك ..
سعد : هذا ليس شأنك .
زهرة : " تلتفت إلى سعد " ....
سعد : أنت نخاس ، احترم أسرار الفتاة .
زهرة : أسرار ! من قال لك ، أن لدي أسراراً ؟
سعد : قالت جدتي ، رحمها الله ، إن وراء كل
فتاة جميلة سرّاً .
زهرة : " ساخرة " جدتك !
سعد : نعم " يحدق فيها " كانت حكيمة ..
جميلة .. مثلك .
زهرة : " تشيح عنه " ....
النخاس : سأبيعه لك ب ..
زهرة : " تبتعد " لن أشتريه بدينار واحد .
النخاس : " يتبعها " مهلاً ، عاينيه ، وسترين
مزاياه .
زهرة : رأيتها " ساخرة " مزاياه " تخرج " .
سعد : " مناكفاً النخاس " يا للخسارة ، مضت
دون أن تنظر إلى وجهي .
النخاس : أغلق فنك " يقف مفكراً " دعني لحظة .
سعد : إنني أحاول مساعدتك .
النخاس : أسكت الآن .
سعد : حسن ، سكت ، لكن لا تفكر كثيراً ،
فالتفكير يضر صحتك ؟
النخاس : " كمن يحدث نفسه " هذه الفتاة ، أظن
أنني رأيتها من قبل .
سعد : أنا أيضاً رأيتها .
النخاس : " يلتفت إليه " رأيتها ؟
سعد : في الحلم .
النخاس : كلا ، في مكان يشبه هذا المكان .
سعد : لا عجب ، أنت نخاس .
النخاس : أبداً ، إنها هي ، رغم خمارها الأخضر.
جحا : " يدخل متلفتاً " لا أثر لها ، ترى أين
مضت ؟
النخاس : ها هو جحا ثانية .
سعد : دعك منه ، إنه مشغول الآن بشيء أهم .
يدخل رجلان متشابهان ،
ويتطلعان إلى جحا
الأول : أنظر ، ها هو جحا .
الثاني : نعم ، إنه هو .
الأول : يا لسخرية القدر ، جحا !
الثاني : صه وإلا انتبه إلينا .
الأول : لنراقبه جيداً .
الثاني : لن يغيب عنا ، منذ الآن ، لحظة واحدة .
النخاس : " يقترب من جحا " أبا جحيح .
جحا : مرة أخرى ؟
النخاس : اشتره ، وسترتاح ، إنه يعمل مثل ..
جحا : افهمني ، يا رجل ، إنني لا أريد عبداً ،
بل أريد جارية .
النخاس : أنت رجل متزوج ، وأنا أعرف زوجتك
أم جحيح ، إنها لن ترتاح لوجود جارية
شابة في بيتكم .
جحا : " يتلفت نافد الصبر " ....
النخاس : خذ هذا العبد أفضل ، فهو خادم ،
وحارس ، و .. عندما تغضب من زوجتك
، تستطيع ضربه بدون عواقب .
جحا : " يشيح عنه بوجهه " ....
النخاس : ثم إن الجارية مرتفعة الثمن ، أما هذا
العبد ، فلن يكلفك أكثر من ..
زهرة : " تدخل متلفتة " ....
جحا : " يراها فيتمتم متهلل الأسارير " زهرة.
النخاس : مائة دينار .
جحا : " يتجه نحو زهرة " عشرين .
النخاس : مبروك .
جحا : " يتوقف ملتفتاً إليه " ....
النخاس : هذا ثمن خاص لك " يحاول مصافحته " ألف مبروك .
جحا : " يدفعه " الآن ابتعد .
النخاس : " يرمق زهرة وهو يبتعد " إنها هي ،
نعم ، هي نفسها .
سعد : " يرمق زهرة " صدقت جدتي ، وراء
كل فتاة جميلة سرّ .
النخاس : هذا لا يعنيني ، مادمت قد بعتك ،
وتخلصت منك .
سعد : اشتراني !
النخاس : " منتصراً " نعم .
سعد : " يرمق زهرة " سأكون إذن قريباً من
.. السرّ .
زهرة : جحا .
جحا : هش " يبتعد بها قليلاً " تعالي .
زهرة : لقد تأخرت .
جحا : إنني أبحث عنك ، منذ ساعة ، وقد
خشيت أن لا تأتي .
زهرة : أن لا آتي ! آه منك ، تعال الآن نشتري
جارية ..
جحا : مهلاً ، اشتريت ..
زهرة : كلا أ أريد أن أنتقيها بنفسي ، فأنا لا
أريدها شابة ، جميلة ، بيضاء ..
جحا : " يضحك " اشتريته مثلما تريدين ..
اسمر .. مصفراً.. مهلهل الثياب ..
زهرة : " تصيح " ماذا !
جحا : أعرفك غيورة ، فاشتريت لك عبداً .
زهرة : عبداً !
جحا : وأي عبد .
زهرة : " منفعلة " أردت جارية وليس عبداً .
جحا : لا ترفعي صوتك ، الناس حولنا كثيرون
" يتلفت حوله " وينتبهون إلينا .
زهرة : إنني زوجتك .
جحا : زهرة .
زهرة : اليوم .. سنتزوج .
جحا : طبعاً ، طبعاً " يتلفت حوله " زهرة .
زهرة : نعم .
جحا : اسبقيني إلى البيت ، سألحق بك بعد قليل
ونتغدى معاً .
زهرة : نتغدى ؟ آه ، النهار يكاد ينتصف ، وأنا
لم أطبخ أي شيء بعد .
جحا : لا عليك ، سأحضر سمكاً مقلياً ، اذهبي.
زهرة : " تتجه إلى الخارج " لا تتأخر ، يا جحا
إنني جائعة .
جحا : حسن ، حسن ، اذهبي .
زهرة : " ترمق سعد بنظرة خاطفة " الويل له
لو اشترى هذا العبد اللعين .
الأول : ترى من تكون هذه الفتاة ؟
الثاني : لا أظنها زوجته .
الأول : تتحدث إليه وكأنها زوجته .
الثاني : من يدري ، لعله جن ، وتزوجها مما
حصل عليه .
الأول : صه ، صه .
النخاس : " يسرع نحو جحا " أبا جحيح .
جحا : مهلاً ، سأعطيك حقك ، لن أهرب .
النخاس : عفواً ، أنا أعرفك ، أنت صاحب حق "
يفرك يديه " مبروك عليك .
جحا : " يخرج كيس النقود " لقد اشتريته منك
، دون أن أعرف حتى اسمه .
النخاس : اطمئن ، يا أبا جحيح ، إنني بعتك
بضاعة قلّ نظيرها ، أما اسمه فهو أجمل
اسم ، سعد .
جحا : سعد " يحصي المبلغ " سبعة .. ثمانية ..
تسعة ..
النخاس : " يحملق في المال " وسيكون سعداً
عليك ، وعلى حياتك الجديدة .
جحا : " يتوقف عن العد ويحدق فيه " ....
النخاس : " يبتسم " لكل جديد لذة .
جحا : " يستأنف عد المبلغ " ستة عشر ..
سبعة عشر .. ثمانية عشر " يتلفت حوله
" عشرون .
النخاس : جحا .
جحا : " يدفع المبلغ للنخاس " خذ ، هذا حقك .
النخاس : " لا يأخذ المبلغ " نسيت .. تسعة عشر .
جحا : نسيت ! لا يمكن " يدفع له المبلغ "
حسن ، عدها أنت .
النخاس : هات " يأخذ المبلغ " سأعدها " يعد
متمتماً بسرعة " واحد .. اثنان .. ثلاثة ..
أربعة ..
جحا : لا تستعجل .
النخاس : أحد عشر .. اثنا عشر .. ثلاثة عشر ..
جحا : إنها دنانير جديدة .
النخاس : ستة عشر .. سبعة عشر .. ثمانية عشر
.. تسعة عشر " ينظر إلى جحا " أرأيت ؟
تسعة عشر فقط .
جحا : سبحان الذي لا يخطىء " يدفع له ديناراً
" خذ .
النخاس : " يأخذ الدينار " أشكرك ، يا أبا جحيح
" يشير لسعد " تعال .
سعد : " يتقدم منهما " بكم بعتني ؟
النخاس : هذا لا يعنيك .
سعد : " ينظر إلى جحا " ....
جحا : " يعيد كيس النقود إلى جيبه " أنت
سعد؟
سعد : لا أعتقد .
جحا : يقول النخاس أنك ستكون سعداً "
يضحك " اشتريتك بعشرين ديناراً .
سعد : لقد غشك .
النخاس : أيها اللعين .
جحا : غشني ! أنت واهم ، جحا لا يُغش ،
تعال .
النخاس : " لجحا " رافقتك السلامة " يبتعد
والنقود في يده " قلت له سأبيعك اليوم ،
وها قد بعته ، حمداً لله ، لقد تخلصت منه .
جحا : " يسير وسعد إلى جانبه " اسمعني ، يا
سعد .
سعد : نعم .
جحا : " يتوقف " لقد دفعت فيك عشرين ديناراً
لتقول لي نعم !
سعد : ماذا تريدني أن أقول لك إذن ؟
جحا : قل ، نعم ، يا مولاي .
سعد : حسن " يحاكيه " نعم ، يا مولاي .
جحا : اسمع .
سعد : نعم .
جحا : " يحدق فيه " ....
سعد : نعم ، يا مولاي .
جحا : " يخرج كيس نقوده " خذ هذه النقود .
سعد : " يأخذ الكيس " نعم ، يا مولاي .
جحا : اشتر ِ لنا سمكاً وخبزاً وزيتوناً و ..
سعد : وحلويات .
جحا : وحلويات ؟ ليكن ، وحلويات .
سعد : " يهم بالذهاب " ....
جحا : مهلاً .
سعد : نعم ، نعم يا مولاي .
جحا : وأريدك أن تذهب إلى أبي يحيى ، بائع
الملابس ، أتعرفه ؟
سعد : نعم يا مولاي ، فقد عشت معظم حياتي
هنا ، في بغداد .
جحا : حسن ، اذهب إليه ، لقد ابتعت منه عدة
ثياب ، ادفع ثمنها من هذه النقود، وجئني
بها إلى البيت .
سعد : نعم ، يا مولاي " يهم بالخروج " .
جحا : مهلاً .
سعد : " يتوقف " نعم " يستدير " نعم ، يا
مولاي .
جحا : يبدو أن النخاس اللعين قد غشني فعلاً .
سعد : هذا ما قلته لك ، لكنك لم تصدقني .
جحا : أيها اللعين ، كيف تمضي ، وأنت لا
تعرف بيتي ؟
سعد : ماذا ؟ لا أعرف بيتك ! ليس في بغداد
كلها أحمق لا يعرف بيت جحا .
جحا : الويل لك ، إنني لا أعني ذلك البيت ، بل
بيتي الجديد .
سعد : آه .
جحا : بلا " يحاكيه منفعلاً " آه .
سعد : حسن ، صفه لي ، بيتك الجديد .
جحا : تعال " يتجه به إلى الخارج " ولكن إياك
أن تنسى ، وتذهب إلى بيتي القديم .
سعد : اطمئن ، يا مولاي ، لن أنسى .
جحا : اسمعني جيداً ..
الثاني : " يدفع الأول " تعال ، يجب أن لا يغيب
جحا عنا لحظة واحدة .
الأول : هيهات ، إن مستقبلنا بين يديه .
جحا وسعد يخرجان ،
يتبعهما الرجلان المتشابهان
إظلام
المشهد الثالث
فناء البيت الجديد ،
زهرة تذرع المكان
زهرة : " تتوقف " تأخر جحا ، تأخر كثيراً ،
أخشى أن لا يأتي ، كلا ، سيأتي ، إنه
مجنون بي " تمشي " لن يجد في العالم
كله فتاة مثلي ، صغيرة .. وجميلة ..
وعقلها .. " تتوقف " لو كانت أمي حية ،
لقالت لي ، أنت مجنونة ، ماذا أعجبك
بجحا لتوافقي على الزواج منه ؟ إن لحيته
أشبه بلحية .. " تمشي منفعلة " أمي ، لا
تنظري إلى لحيته ، إنني معك ، إن لحيته
أشبه .. ، لكن الرجل لا تعيبه لحيته ، بل
جيبه ، وجيب جحا عامر بالذهب "
تتوقف ، ليتني أعرف كيف امتلأ جيبه ؟
إن الجميع يعرفون ، أن جيبه كان على
الدوام فارغاً " تمشي " مهما يكن ، هذا
ليس شأني ، والمهم عندي أن جيبه عامر
، وداعاً أيها الفقر " تدور راقصة حول
نفسها " سأشتري ما أريد من ملابس ..
وذهب .. وأحجار كريمة ..ورياش .. و ..
و .. سأعيش .. سأعيش " تتوقف " آه يا
ويلي ، كم أخشى أن تكون زوجته العقرب
قد عرفت بالأمر ، و .. " تمشي " لا .. لا
.. لن أدعه يفلت مني ، يكفي ما عانيته هنا
وهناك ، نعم يكفي ، سأحسم الموقف اليوم
، وأقبر الماضي إلى الأبد " حالمة "
سيأتي ملا جاسم ، ومعه شاهدان ، عند
العصر ، وسيتم عقد القران " تحاكي
الملا " زوجتك على مهر .. زوجتك .. آه
.. " الباب يُطرق " ها هو الجيب العامر
بالذهب قادم " الباب يُطرق ثانية " نعم ،
إنه هو ، إنني أعرف طرقته الذهب "
تتجه مسرعة نحو الباب " مهلاً ، إنني
قادمة .
زهرة تفتح الباب ،
يدخل جحا متلفتاً
زهرة : جحا ! آه منك ، لقد أقلقتني بتأخرك
هذا .
جحا : لا عليك ، ذهبت إلى ملا جاسم ،
وسيأتي بعد قليل ، ومعه شاهدا العمر .
زهرة : " تتغنى فرحة " زوجتك على مهر .. ،
آه ما أجمل .. زوجتك على ..
جحا : زوجتك على جحا .
زهرة : وداعاً أيها ..
جحا : النكد .
زهرة : ومرحباً ..
جحا : بالسعادة .
زهرة : " تدور راقصة " سنعيش يا جحا ،
سنعيش ..
جحا : بعيداً عن حماري .. وجحيح ..
وسجانتي أم ححيح .
زهرة : " تتوقف " أرجوك ، لا تذكرها أمامي ،
يقال أنها شرسة مثل ..
جحا : يا ليت ، قولي مثل الذئبة ، مثل الضبعة
، مثل النمرة ، مثل ..
زهرة : أعوذ بالله ، كفى أرجوك ، إن ذكرها
يمرضني ، ويسد شهيتي ، جحا ..
جحا : نعم ، يا حمامتي .
زهرة : أين الطعام ؟
جحا : " يحملق فيها " الطعام .
زهرة : نعم ، السمك المقلي ، إنني جائعة .
جحا : " يتقدم منها " وأنا جائع جداً ..جداً ..
جداً .
زهرة : " تتراجع " أريد طعاماً .
جحا : : يتقدم منها " وأنا أريد .. " الباب
يُطرق "
زهرة : " مشيرة إلى الباب " الباب .
جحا : " فرحاً " ملا جاسم والشاهدان .
زهرة : " فرحة " زوجتك على .. " تتجه نحو
الباب " سأفتح لهم .
جحا : افتحيه ، بسرعة ، وداعاً أم جحيح ،
وداعاً جحيح ، وداعاً ..حماري .
زهرة : " وهي تفتح الباب " أهلاً ، أهلاً ..
سعد : " بالباب " لست ملا جاسم .
زهرة : " تبتعد " آه .. أنت !
سعد : عبدك .. سعد .
جحا : سعد ، أدخل وأغلق الباب .
يدخل سعد حاملاً رزمتين ،
مرتدياً حلة جديدة
سعد : السلام عليكم .
جحا : تعال " يحدق فيه " ما هذا !
سعد : " يدفع له رزمة " ملابسك .
جحا : " يأخذ الرزمة " لا أعني هذا ، بل .. "
يشير إلى حلته " ملابسك الجديدة .
سعد : آه ملابسي ، إنها من أبي يحيى " لزهرة
" جميلة ؟
زهرة : " تشيح عنه " ....
سعد : رأتني امرأة عجوز ، عند الناصية ،
فوقفت مبهورة ، وقالت ، الله .. أمير .
زهرة : أمير عبد .
سعد : بل أمير .. أمير .
زهرة : أضغاث أحلام .
جحا : أجبني ، هذه الملابس ..
سعد : قلت لك ، يا مولاي ، إنها من أبي يحيى.
جحا : لابد أنك سرقتها من الرجل ، أو سرقت
ثمنها من أحد المغفلين ..
سعد : لا ، لا ، لا يمكن أن أسرق وأنت
موجود .
جحا : " تجحظ عيناه " أتعني .. !
سعد : طبعاً ، أخذتها من أبي يحيى ، وقلت له
، سجلها على مولاي ..
زهرة : ماذا !
جحا : عليّ !
سعد : مولاي ، أنت ستتزوج ، وكل ما حولك
جديد ، البيت ، الأثاث ال .. " ينظر إلى
زهرة " إلا ثيابي ، فهي أطمار بالية ،
ولهذا ..
جحا : الويل لك ، إن هذه الملابس أفضل من
ملابسي ، ولابد أن ..
سعد : لا عليك ، يا مولاي ، فأنا .. وملابسي ..
وحذائي الجديد ..
جحا : حذاء جديد أيضاً !
سعد : ملك لك .
جحا : آه .
سعد : فكر ، يا مولاي ، في ما قد يقوله الملا
جاسم .. والشاهدان .. حين يروني ..
جحا : ملا جاسم !
سعد : سيقولون ، هذا هو الكرم ، وإلا فلا ،
ستكون في نظرهم ، حاتم .. الجديد .
جحا : اسمع أيها العبد ..
سعد : العبد ، كما تقول جدتي ، صورة من
سيده .
جحا : " منفعلاً " سحقاً لجدتك ، أخبرني..
سعد : مولاي .
جحا : ملا جاسم ..
سعد : الخياطون مثل الحلاقين .. ثرثارون .
جحا : آه .
زهرة : هات الطعام .
سعد : آه " يرفع الرزمة الثانية " الطعام .
جحا : دعنا الآن من الطعام .
سعد : لا يا مولاي ، الطعام أولاً ، تقول جدتي
، إن عقد القران ، على بطن فارغة ،
يورث ..
زهرة : كفى ثرثرة ، أعطني هذه الرزمة .
سعد : " يقدم الرزمة لزهرة " تفضلي .
زهرة : " تأخذ الرزمة " هاتها .
سعد : " يقترب منها " سمك مقلي .. خبز ..زيتون .. فواكه..وكذلك لوزينة وبقلاوة " يميل على زهرة " فالحلا يحب الحلا .
زهرة : " تشيح مبتعدة عنه " ....
جحا : " يشير لسعد " تعال .
سعد : " يقترب منه " نعم ، يا مولاي .
جحا : هات ما بقي من المبلغ ، الذي أعطيتك إياه .
سعد : " يرفع الكيس الفارغ " ....
جحا : أيها اللعين .
سعد : بل إن بائع الحلويات الحاج .. الحاج " يحاول عبثاً تذكر اسمه "سجل ثمن اللوزينة والبقلاوة على حسابك .
جحا : يا ويلي ، سيصيبني هذا العبد بالإفلاس.
سعد : " يميل على زهرة " تذوقي البقلاوة ، إنها لذيذة جداً .
جحا : " يأخذ بتلابيب سعد " أيها اللعين ، ستفقرني .
سعد : لن تفتقر والكنز موجود .
جحا : الكنز !
سعد : جحا .
جحا : صه .
زهرة : " تلتفت " كنز !
جحا : لا تصغي إليه ، إنه يهذي .
سعد : الجوع ، آه إنه يصيب المرء بالهذيان .
جحا : أرأيت ! " يدفعها جانباً " هيا نتغدى .
زهرة : حسن ، لنتغدَّ هنا في الفناء " تتجه إلى الغرفة " سآتي بطاولة من الداخل " تدخل الغرفة " .
جحا : " لسعد " أيها اللعين ..
سعد : " يبتعد عنه " حذار ، زهرتك .
جحا : " يتراجع " لعنك الله .
سعد : " متباهياً بملابسه " اعترف ، يا جحا ، بأني أنيق ، وكأني أنا من سيتزوج زهرة.
جحا : " يتلفت حوله " اسكت .. اسكت .
سعد : سكت .
زهرة : " تقبل حاملة الطاولة " ما أثقلها ، جحا ، تعال ، واحملها عني .
جحا : " يضحك " أنت رقيقة ، هاتيها " يحمل الطاولة بصعوبة " آه .
سعد : " يقترب من جحا " دعني أحملها عنك .
جحا : " يزجره " ابتعد .
سعد : هذا يضرك ، أنت ستتزوج اليوم .
جحا : قلت لك ، ابتعد .
سعد : " يبتعد عنها " أنت وشأنك .
جحا : " يضع الطاولة وسط الفناء " الجو رائق جداً هذا اليوم .
زهرة : " ترتب الطعام فوق الطاولة " ستكون أيامنا رائعة طول العمر .
جحا : وداعاً يا .. " يرمق سعداً بنظرة خاطفة " آه لا داعي .
زهرة : " تهمس لجحا " أبعده .
جحا : ماذا ؟
زهرة : أبعد هذا العبد الطاووس كي نتمتع بغدائنا .
جحا : أنت محقة " لسعد " تعال .
سعد : " يسرع إليه " مولاي .
جحا : سيأتي ، بعد قليل ، ملا جاسم .
سعد : أعرفه .
جحا : ومعه رجلان ، و .. " يحدق فيه " تعرفه !
سعد : طبعاً ، فلا يوجد كهل خرف ، يريد أن يتزوج في بغداد إلا ولجأ إلى ملا جاسم .
جحا : ماذا ؟ " يضربه " أيها اللعين ، أنا لست كهلاً .
سعد : هذا صحيح ، لكني عبد ، وقد عملت عند أكثر من كهل ..
جحا : " يصيح " كفى .. كفى .
سعد : لا تصرخ ، يا مولاي ، أنت ستتزوج اليوم ، إن شاء الله ، وينبغي أن تكون فرحاً . . مرتاحاً .
جحا : قلت .. كفى .
سعد : حسن ، يا مولاي ، حسن .
جحا : اذهب وانتظر ملا جاسم والشاهدين ، عند الناصية ، فهم لا يعرفون البيت بالضبط .
سعد : لكني ، يا مولاي ، جائع .
جحا : اذهب الآن ، سنأكل ونبقي لك بعض الطعام .
سعد : إنني لا أرى جيداً ، عندما أكون جائعاً ، أخشى أن يمر ملا جاسم والشاهدان ، فلا أراهما ، وعندئذ لن تتزوجا اليوم .
جحا : أسكت ، أسكت .
زهرة : يا للشؤم .
جحا : فلنعطه بعض الطعام ، ونسد فمه .
زهرة : " تعد لفة طعام " هذا خبز وسمك " تقدمها له " خذ ، لعلك ترى جيداً .
سعد : أشكرك " يمد يده ويخطف تفاحة "
جحا : " يحاول عبثاً منعه " أيها الشره .
سعد : " يتجه إلى الخارج " يقال أن التفاح يقوي النظر .
زهرة : " تغالب ابتسامتها " ....
سعد يخرج ، زهرة
وجحا يبدآن الأكل
زهرة : " يتذوق قطعة من السمك " آه ما ألذ هذا السمك المقلي .
جحا : طبعاً ، فهو أغلى أنواع السمك " يمضغ مستاء " هذا العبد اللعين .
زهرة : مهما يكن ، فلنعترف أن له ذوقاً في اختيار الطعام والفواكه والحلويات .
جحا : ذوقه لم يكلفه شيئاً ، فأنا من دفع ثمن هذا كله .
زهرة : لا تفكر كثيراً في المال ، فالمال لم يوجد إلا لنتمتع به " تأكل بتلذذ " العبد اللعين ، سعد ، كم يبدو وسيماً في ملابسه الجديدة ، إنه حقاً ..
جحا : " يكف عن تناول الطعام ، ويحدق فيها " ....
زهرة : " تستدرك " لو تعرف ، يا جحا ، كم أكرهه ، لكن يبقى الخطأ خطأك ، فأنا لم أرده ، وإنما أردت جارية .
جحا : " كمن يحدث نفسه " هذا النخاس اللعين ، يبدو أن غشني حقاً .
زهرة : دعك منه ، هذا الطاووس ، لابد أنك كنت أكثر منه وسامة ، في شبابك .
جحا : " متضايقاً " فلنأكل ، فلنأكل .
جحا : " يتمتم محدثاً نفسه " عليّ أن أتخلص منه ، قبل فوات الأوان .
جحا : لا عليك ، كلي .
زهرة : لن أشبع مهما أكلت " تأكل " الطعام لذيذ جداً ، هذا العبد " الباب يطرق " جحا ، الباب .
جحا : " يكف عن تناول الطعام " ....
زهرة : ها هو قد عاد " تتجه نحو الباب " سأفتح الباب .
جحا : " يهب واقفاً " مهلاً .
زهرة : " تتوقف " لعل معه ملا جاسم والشاهدين .
جحا : " يتجه نحو الباب " أنا سأفتحه .
زهرة : " تعود إلى طاولة الطعام " هذا أفضل .
جحا يفتح الباب ،
يدخل سعد مسرعاً
جحا : " يغلق الباب " خيراً .
سعد : أرجو أن تكونا قد فرغتما من تناول الطعام .
جحا : اطمئن ، أبقينا ما يشبعك ، ويشبع عشرة من أمثالك .
سعد : صدقني لم أفكر في نفسي " يأخذ قطعة من البقلاوة " بقلاوة لذيذة ، هل أخذت قطعة منها ؟
جحا : كلا .
سعد : يا للأسف " يضع قطعة بقلاوة في فمه " تمنيت لو حليت فمك بقطعة منها ، قبل أن أسمعك خبراً مراً .
جحا : جنت زوجتي ؟
زهرة : " تفتح يديها بالدعاء " ....
سعد : كلا ، أمر كهذا ليس مراً عندك .
جحا : أيها اللعين ..
سعد : ملا جاسم .
زهرة : مات !
جحا : " يتمتم " لن يعقد قراننا ؟
سعد : " يهز رأسه " ....
جحا : آملاً " سيعقد قراننا .
سعد " " يهز رأسه " ....
جحا : ماذا إذن ؟
سعد : رفسه الحمار .
جحا : الحمار ؟
سعد : حمار أحد الحمالين .
جحا : " يحملق فيه " يا ويلي .
سعد : حمار بحجم البغل ، والله لو رفسك أنت ، يا جحا ، لأرسلك فوراً إلى الآخرة .
جحا : سعد ، أصدقني .
سعد : ملا جاسم لم يمت .
زهرة : الحمد لله .
سعد : لكنه لن يعقد قرانكما .
جحا : لماذا ؟ أنت قلت إنه لم يمت .
سعد : لقد شلت الرفسة لسانه ، فكيف يعقد قرانكما ؟
زهرة : يا ويلي ، إنه دعاء زوجتك ، أم جحيح .
جحا : أم جحيح ! إنها لا تعرف بهذا الأمر .
زهرة : كلا ، إنه دعاؤها .
جحا : لا عليك ، سأعقد قراننا اليوم ، مهما كلف الأمر " يتجه نحو الباب " سأذهب إلى ملا زهران ، وآتي به .
زهرة : لا تنس الشاهدين .
جحا : " عند الباب " لن أنسى .
سعد : مهلاً ، يا مولاي .
جحا : أسكت أنت ، أسكت .
سعد : عند الناصية ، رأيت رجلين ، أحدهما يشبه الآخر .
جحا : " يتوقف " ....
زهرة : لعلهما الشاهدان اللذان جاءا مع ملا جاسم .
سعد : لا ، ليس هما ، إنني أعرف الشاهدين .
جحا : " يعود إلى الطاولة " سأتناول بعض الفاكهة .
سعد : لم أرتح لسحنتهما .
زهرة : " تقترب من جحا " لا أعرف عمن يتكلم .
جحا : دعك منه ، تعالي كلي .
زهرة : لقد شبعت .
سعد : " يأخذ قطعة بقلاوة " بقلاوة لذيذة " يقدمها لجحا " إنها محلاة بالعسل " يدسها في فم جحا " كلها لعلها تزيل مرارتك .
جحا : " يبتعد عنه غاضباً " سحقاً لك .
سعد : مولاي ، الحلويات كثيرة .
جحا : كل أنت ، حتى تتخم ، وتموت " يدخل الغرفة " .
سعد : " لزهرة " لو أعرف فقط لمَ هو غاضب.
زهرة : " مغتاظة " ربما لأنه اشتراك .
سعد : فليعتقني ، ويرتح .
زهرة : " تمضي منزعجة " حلم لن تراه حتى في منامك .
تدخل زهرة الغرفة ،
سعد يأكل مبتسماً
إظلام
المشهد الرابع
فناء البيت ، جحا ،
أم جحيح وحدها
الأم : كلا ، لابد أن في الأمر سراً ، كان لا يخرج ليلاً على الإطلاق ، وإذا به هذه الأيام ، يتأخر حتى منتصف الليل ، وكلما سألته ، أين كنت ؟ أجابني ، مع أصدقائي ، وكأن له أصدقاء يسهر معهم .. " تصمت " أيعقل أنه .. ، لا ، لا يمكن ، لكن من يدري ، فجده لأبيه كانت له أربع نساء دوماً ، وما إن يخطف عزرائيل واحدة منهن ، حتى يعوضها الجد بامرأة جديدة " مهددة " الويل له لو ..
جحيح يقبل من
إحدى الغرف متثائباً
جحيح : آآآ أمي .
الأم : " تنتفض فزعة " آآآ " تستغيث " جحا .
جحيح : لا تخافي ، يا أمي ، أنا جحيح .
الأم : " تحاول تمالك نفسها " يا إلهي ، كدت أموت " لجحيح " ستقتلني يوماً بأفعالك الخرقاء هذه " ساخرة " يا لحظي ، كأني أستغيث بعنزة .
جحيح : " يقترب من أمه متثائباً " آآآآ .
الأم : إياك أن تقول , إنني جائع ، لقد أكلت على العشاء أضعاف ما يأكله إنسان .
جحيح : اطمئني ، يا أمي ، لست جائعاً ، إنني عطشان .
الأم : لا بأس ، الإبريق هناك ، اذهب واشرب.
جحيح : آه العطش يكاد يقتلني " يتوقف وينظر إلى أمه " لو تعرفين فقط ، لماذا أعطش هكذا .
الأم : الأمر واضح ، لكثرة ما تلتهم من طعام.
جحيح : كلا يا أمي ، لم تصيبي هذه المرة .
الأم : ستقول لي ، إنك تفكر ليل نهار .
جحيح : أبداً " ليس التفكير من عادتي ، فأبي يقول ، وأقواله حكم ..
الأم : " ساخرة " اسألني أنا عن أقواله .. الحكم .
جحيح : " يحاكي أباه " لا تفكر ، يا بنيّ جحيح ، فالتفكير يورث الصداع .
الأم : أشهد أنها حكمة ، فأبوك لم يصب بالصداع ، مرة واحدة حتى الآن .
جحيح : حكمة لا تصدر إلا عن حكيم مثل أبي .. جحا .
الأم : اذهب واشرب ، لقد شبعت من هذه الحكم .
جحيح : لم تسأليني عن سبب عطشي ، وخاصة في الليل .
الأم : ولن أسألك ، فأنا لا أتحمل مزيداً من الصداع .
جحيح : ستضحكين ، يا أمي ، عندما تعرفين ، أنني أعطش من جراء الركض .
الأم : الركض ! عجباً ، إنني لم أرك تركض ، لا في الليل ، ولا في النهار .
جحيح : إنني أركض في .. الحلم .
الأم : ماذا !
جحيح : نعم ، يا أمي ، في الحلم .
الأم : لا عجب ، فأنت ابن أبيك .. جحا .
جحيح : " يشرب ماء من الإبريق " الله ، ما أعذب هذا الماء ، يقول أبي ، إن من يشرب ماء دجلة .. " يتوقف " أمي .
الأم : اشرب ، وعد إلى فراشك .
جحيح : أراك وحدك ، في هذه الساعة من الليل ، يبدو أن أبي لم يعد بعد .
الأم : قلت لك ، اشرب .
جحيح : هذا أمر محير ، لابد أن في الأمر سراً .
الأم " " تلتفت إليه " ويلك ، أتتجسس عليّ ؟
جحيح : قتلني هذا الحمار " يشرب ثانية " قتلني.
الأم : يا للجنون .
جحيح : ركضت الليلة وراءه ، من السور حتى البيت " يشرب مرة أخرى " يا إلهي ، لن أرتوي ، مهما شربت .
الأم : " تتمتم مع نفسها " ها هو الليل يكاد ينتصف .
جحيح : إنني أرى هذا الحلم ، منذ ثلاثة ، أو أربعة أيام ، أي منذ أن عاد حمارنا من .. " يحدق في أمه " ترى أين كان ؟
الأم : من ؟
جحيح : حمارنا .
الأم : من يدري ، ربما كان يسهر مع أصدقائه ، في مكان ما .
جحيح : عرفته ، عرفت أنه هو ، حمارنا ، حالما شممت رائحته .
الأم : " تهز رأسها " ....
جحيح : وما إن فتحت الباب ، حتى رأيته ، نعم ، كان هو ، حمارنا نفسه .
الأم : جحيح .
جحيح : ورأيت رجلين ، أحدهما يشبه الآخر ، مبتعدين ، كأنهما ..
الأم : " تصيح " كفى .
جحيح : أمي !
الأم : لقد كنا معاً ، أنا وأنت ، في هذا الفناء ، عندما حدث كل هذا .
جحيح : حقاً ، يا لذاكرتي ، كأني رجل عجوز خرف ، لقد كنا معاً ، هنا " يصمت " لكن الرجلين اللذين يشبهان .. من كانا ؟
الأم : " ساخرة " لعلهما من أصدقاء أبيك .
جحيح : لا ..
الأم : جحيح ..
الأم : هناك سرّ .
جحيح : هناك سرّ .
الأم : لا تصدع رأسي ، اذهب ونم .
جحيح : أنت محقة ، يا أمي ، ليكونا من يكونا ، هذا ليس شأني " يتجه نحو الغرفة " حقاً ، إن التفكير يورث .. الصداع " يتوقف عند باب الغرفة " أدخلي ونامي أنت أيضاً .
الأم : اذهب أنت أ سأدخل أنا بعد قليل .
جحيح : لا تفكري كثيراً ، يا أمي ، فالتفكير الكثير .. " يدخل وهو يتثاءب " يورث .. الجنون .
الأم : " تنهض " بدل أن أجن ، سأسبب الجنون لجحا ، إن لم يكن قد جن حتى الآن " تتجه نحو الغرفة " فلأذهب وأنم ، وحسابه عندي ، إن عاجلاً أو آجلاً " تدخل الغرفة "
تمر فترة ، جحا
يدفع الباب ، ويدخل
جحا :حمداً لله ، ليس لأم جحيح أثر ، لابد أنها نامت ، فليأخذها عزرائيل ، لا أدري من أية طينة صنعت ، مهما يكن ، فإنها لم تصنع من طينة زهرة ، يا لحظي الأسود ، لو لم يرفس الحمار ملا جاسم ، لكنت الآن أرتع في النعيم .
الأم : " تطل ساخرة " أهلاً .. أهلاً .
جحا :" يتمتم منقبض النفس " يا للجحيم .
الأم : أهلاً ومرحباً .
جحا : أم جحيح !
الأم : " ساخرة " عينا أم جحيح .
جحا : قلت لك مراراً ، لا تجشمي نفسك عناء السهر في انتظاري ، يكفيك العمل في البيت طول النهار ، كان عليك أن تأوي إلى فراشك ، وتنامي .
الأم : " بحزم " دعك من هذا ، نحن الآن في منتصف الليل .
جحا : حسن ، تعالي ننم ، تعالي .
الأم : لن أسألك ، أين كنت حتى الآن ؟ فجوابك معروف .
جحا : حمداً لله .
الأم : ماذا تظنني ؟ بلهاء ؟
جحا : أم جحيح .
الأم : اختفى حمارك ، وحين سألتك عنه ، قلت ضاع .
جحا : هذه هي الحقيقة .
الأم : بل وحمدت الله ، لأنك لم تكن فوقه ..
جحا : لا ، جحيح هو الذي حمد ..
الأم : وإلا لضعت أنت أيضاً .
جحا : أم جحيح .
الأم : وبعد أيام عاد الحمار .
جحا : " يتمتم " ليته لم يعد .
الأم : فكيف يمكن أن يعود حمار ضاع " تنصت " اسمع ..
جحا : " يقترب منها خائفاً " ماذا ؟
الأم : سمعت دبة ..
جحا : لم أسمع شيئاً .
الأم : أصغ ِ .
جحا : " يصغي " لا يوجد صوت " يلتفت إليها " أخشى أنك واهمة .
الأم : سمعت دبة أقدام ، ربما أقدام رجلين ، فوق السطح .
جحا : " خائفاً " دبة أقدام ، لعله .. حمارنا .
الأم : ماذا جرى لك ؟ حمارنا يشخر الآن في السرداب .
جحا : عندما يتحرك حمارنا في نومه ، يخيل لمن يسمعه ، أنه فوق السطح .
الأم : أهذا كلام يقوله عاقل ؟
جحا : مهما يكن ، ادخلي الغرفة ، ونامي .
الأم : وأنت ماذا ستفعل ؟ هل ستصعد إلى السطح ؟
جحا : كلا ، لست مجنوناً لأصعد إلى .. " يدفعها برفق " ادخلي ، سأغتسل ، وألحق بك .
الأم : " تتجه نحو الغرفة " إنني أنتظرك ، لدي ما أتحدث به معك .
جحا : لكني متعب الآن ، لنؤجل ذلك إلى الغد .
الأم : " تتوقف " كلا ، الليلة .
جحا : حسن ، اذهبي وانتظريني .
الأم : لا تتأخر ، أعرف حيلتك ، ستبقى هنا حتى يغلبني النوم ، ويرتفع شخيري .
جحا : اطمئني ، سآتي حالاً ، هيا ، اذهبي .
الأم : " تواصل سيرها نحو الغرفة متثائبة " آآآ سأنتظرك .. حتى الفجر " تدخل الغرفة " .
جحا : الأمور تتسارع ، لابد من حسم الموقف ، قبل أن تعرف أم جحيح بأمر زهرة " يصمت " سأذهب غداً بالملا زهران والشاهدين إلى زهرتي ، ونعقد قراننا ، ونعيش أخيراً في .. " يصمت خائفاً " ما هذا ؟ أسمع حركة فوق السطح " يصمت ثانية " لا بل قرب الباب ، فوق .. لا .. لا .. قرب " يصمت " يا إلهي .. إن الصوت فوق .. وقريب.. فلأنظر قرب .. أما فوق .. فهذا يمكن إرجاءه .
جحا يفتح الباب ،
فيفاجأ بوجود حمدان
جحا : " يتراجع خائفاً " من أنت ؟ من.. من ؟
حمدان : لا تخف ، يا جحا " يدخل ويغلق الباب " لا تخف .
جحا : " يحاول أن يتمالك نفسه " من .. من أنت ؟
حمدان : أنا جارك .. حمدان .
جحا : جاري !
حمدان : نعم ، يا جحا ، حمدان .
جحا : لا أعتقد أنني رأيتك ، في هذه المحلة من قبل .
حمدان : أنت محق ، يا أبا جحيح ، فأنا لا أعيش في هذه المحلة ، وإنما في محلة قريبة .
جحا : " يحملق فيه " آه .
حمدان : لكني رأيتك ، على ما أعتقد ، أكثر من مرة ، خارج هذه المحلة .
جحا : " يحدق فيه متردداً " ربما .
حمدان : ليس ربما ، يا جحا .
جحا : نعم ، مرة في السوق ، ومرة عند السور ، ومرة وسط ..
حمدان : صدفة .
جحا : نعم " متردداً " صدفة .
حمدان : وصدفة لاحظت ، أن رجلين كانا يتبعانك .
جحا : رجلين !
حمدان : كأنهما توأمان .
جحا : ولماذا يتبعاني ؟
حمدان : أنت أدرى .
جحا : كلا ، هذا وهم ، ولا أحد يتبعني ، وليس هناك سبب ليتبعني هذان الرجلان ، أو غيرهما .
حمدان : أظنهما يبحثان عن شيء ثمين .. فقداه .
جحا : وما شأني أنا ؟
حمدان : ويقال ، والله أعلم ، أن مبلغاً كبيراً من المال ، قد سرق من أحد التجار .
جحا : هذا لا يعنيني .
حمدان : ويشاع أن من سرق هذا المبلغ رجلين ، كأنهما توأمان .
جحا : مادام الأمر كذلك ، لماذا لا تقبض الشرطة عليهما ، وينتهي الأمر ؟
حمدان : المال ، يا جاري جحا ، ليس في حوزة الرجلين الآن .
جحا : " يحدق فيه " ....
حمدان : هذا ما يشاع .
جحا : من فضلك ..
حمدان : ويقال أن رجلاً عابراً ، أخذ المال .
جحا : أنا لا يهمني ، هذا الموضوع .
حمدان : صدقني ، لو رأيته ، لنصحته أن يذهب إلى الشرطة ، ويسلم لها المال ، وبذلك يسلم ويرتاح .
جحا : أرجوك ، الوقت متأخر ، وأنا متعب جداً ، وأريد أن أرتاح .
حمدان : عفواً ، يبدو أنني أطلت " يتجه إلى الخارج " نحن ، يا جحا ، جيران ، والجار للجار ، وخاصة عند المحن " عند الباب " تصبح على خير ، يا جاري .
حمدان يخرج ، جحا
يسرع بإغلاق الباب
جحا : ترى من يكون حمدان هذا ؟ يقول إنه جاري ، يا له من جار ، إنني لم أره من قبل ، لا في هذا الحي ، ولا في أي حي مجاور " يصمت " لعله لص هو الآخر ، ويطمح في .. ، ما أكثر اللصوص في هذه الأيام " يصمت خائفاً "ما هذا ؟ دبيب أقدام ، ليس أما الباب ، بل فوق السطح " يتراجع خائفاً " جحا ، اسمع ، لا أعز من الحياة ، وخاصة أن فيها .. زهرة " يتجه نحو الغرفة " هيا ، فلأسرع ، وألذ بغولتي ، أم جحيح .
جحا يدخل مسرعاً ،
الرجلان ينزلان السلم
الثاني : هش .
الأول : هش .
الثاني : ذلك الرجل ، الذي ظهر فجأة ، لا أدري من هو ، يبدو مريباً .
الأول : لعله لص .
الثاني : من يدري ، ربما .
الأول : لم أره من قبل ، رغم أنني لص منذ ..
الثاني : هش .
الأول : هش .
الثاني : أنت لا ترى جيداً ، لقد رأيته مرة ، يراقب جحا .
الأول : يراقبه ؟
الثاني : علينا أن نسرع ، وإلا سبقنا إلى المال .
الأول : فلنسرع ، ماذا ننتظر ؟
الثاني : فكر معي ، فكر ، أين يمكن أن يكون جحا قد خبأ المال ؟
الأول : ربما في السرداب " يتجه إلى السرداب " لننزل إلى ..
الثاني : مهلاً .
الأول : " يتوقف " ماذا ؟
الثاني : ليس في السرداب سوى الحمار .
الأول : من أدراك ؟ لننزل ونفتش .
الثاني : كلا ، أنت تعرف حماره ، إنه أرعن ، وقد يرفس أحدنا ، ويقتله في الحال " يتلفت " لو كنت مكانه ، لما خبأت المال في هذا البيت .
الأول : لنهدده حتى يعترف ، أين وضع المال .
الثاني : نهدده !
الأول : نعم ، بل ونقتل زوجته ، أو ابنه جحيح.
الثاني : يبدو أنك لا تعرف جحا جيداً ، إنه لا يهتم بزوجته ، ولا بابنه جحيح .
الأول : لنقتل حماره إذن .
الثاني : حماره !
الأول : ننزل إلى السرداب معاً ، ونخنقه .
الثاني : كلا ، لا داعي للخنق ، لنفكر في خطة أكثر جدوى .
الأول : لنفكر ، لكن علينا أن نسرع ، كما قلت أنت .
الثاني : أظنه خبأ المال في بيته الثاني .
الأول : بيته الثاني ! آه تلك الفتاة الجميلة .. زهرة .
الثاني : دعك الآن من جمالها ، نحن نريد المال " يصمت " ، لنراقبه مجدداً ، ونتبعه حيثما يذهب ، ونفاجئه " ينصت " اسمع ، هناك صوت .
الأول : " ينصت هو الآخر : قد يكون جحا .
الثاني : كلا ، جحا أجبن من أن يخرج الآن .
الأول : ابنه جحيح إذن .
الثاني : هذا ليس جحيح .
الأول : لعله .. الحمار .
الثاني : " يتراجع نحو السلم " لا ، لا ، أخشى أن تكون زوجته .
الأول : أم جحيح ، ! " يتراجع هو الآخر " يا ويلي .
الثاني :لا " عند السلم " لنهرب ، لنهرب بسرعة ، فلو وقع أحدنا بين يديها ..
الرجلان يصعدان السلم ،
تقبل أم جحيح
الأم : عجباً ، منذ أيام ، وأنا أسمع أصوات ، في الفناء ، وخلف الباب ، وفوق السطح ، ماذا يجري ؟ هناك سرّ ، نعم ، هناك سرّ ، وسأعرفه .
أم جحيح تتلفت ،
ثم تدخل الغرفة
إظلام
المشهد الخامس
فناء البيت ، ليل ،
زهرة وسعد وحدهما
زهرة : يا لله ، ما أسرع مرور الوقت .
سعد : لا عجب ، فالعمر نفسه يمر كالحلم .
زهرة : أظن أن الليل يكاد ينتصف .
سعد : أخشى أن تكوني متعبة ونعسانة .
زهرة : لا .. لا .
سعد : الجو رائع الليلة .
زهرة : إنه الربيع .
سعد : لو رأيت ربيع البصرة .
زهرة : الربيع جميل في كل مكان .
سعد : نعم جميل لولا ..
زهرة : الله " تتطلع إلى السماء " أنظر يا سعد ، القمر بدر .
سعد " يتطلع بدوره إلى السماء " آه ما أجمل البدر .
زهرة : كنت لا أملّ من النظر إليه في طفولتي " تنهنه " طفولتي .
سعد : تصوري هذا البدر ، يشع فوق شط العرب ، وغابات النخيل ، والسفن والقوارب .
زهرة : " تنظر إلى سعد " كم تحب البصرة .
سعد : إنها حلمي ، وحريتي .
زهرة : لعل مثل هذه الأحلام وقف علينا ، أعني .. عليك أنت .
سعد : " يتطلع إليها صامتاً " ....
زهرة : " تنهض " يبدو أن جحا لن يأتي اليوم أيضاً .
سعد : صبراً ، سيأتي .
زهرة : لقد مرت ثلاثة أيام ، أخشى أن يكون قد أصابه مكروه .
سعد : اخشي إذا كان المكروه زوجته ، فأنت لم تريها ، أم جحيح .
زهرة : ولا أريد أن أراها .
سعد : أما لو رأتك هي ، وعرفت أنك ..
زهرة : لا تحاول إخافتي ، فأنا لا أخاف بسهولة.
سعد : ستجن ، ومن حقها أن تجن ، وتفعل ما تشاء .
زهرة : ومن حقي أن أستقر ، وأعيش .
سعد : لقد تحملت فقره ، وخيانته ، فترة طويلة ، وعندما يغتني ، وتهبط عليه ثروة ، لا يعلم مصدرها إلا الله ، والراسخون في العلم ، تأتي فتاة شابة ، وجميلة ، و ..
زهرة : وأنا أيضاً عانيت من الفقر والمهانة ، و .. " ترمق سعد وتصمت " .
سعد : و ..
زهرة : هذا ليس شأنك .
سعد : إننا معاً ، منذ ثلاثة أيام ، نتحدث ونتحدث ..
زهرة : أعرف ما تريد .
سعد : زهرة .
زهرة : دعني .
زهرة تشيح عنه ،
تمر فترة صمت
سعد : إنني أفكر أحياناً في جحا .
زهرة : " تنظر إليه " ....
سعد : لا شك أنه إنسان طيب ، لكن هناك سؤال ..
زهرة : " متوجسة " ....
سعد : لي أن أسأله ، وعليك أن تسأليه ، من أين هبطت عليه هذه الثروة فجأة ؟
زهرة : أنت تحسده ..
سعد : أبداً .
زهرة : وتغار منه ..
سعد : أنت مخطئة .
زهرة : و ..
سعد : إنني أخاف عليك .
زهرة : " تحملق فيه " ....
سعد : فأنت عانيت مثلما عانيت .
زهرة : " مترددة " دعك مني ، لا تقارن حياتك بحياتي ، فأنت ..
سعد : مسكين جحا ، أظنه لا ينام الليل هذه الأيام ..
زهرة : نعم فهو يفكر في ..
سعد : من يدري .
زهرة : سيأتي جحا عاجلاً آو آجلاً ، وسنتزوج .
سعد : لا تتعجلي ، فقد لا تتزوجي مطلقاً .
زهرة : هذا ما تريده ، لكن هيهات ، سيتم زواجنا ، وسترى .
سعد : وليتم ، هذا ليس شأني .
زهرة : سيأتي بالملا زهران والشاهدين ، ربما غداً ، وسيتم زواجنا .
سعد : لا عليك ، فالكهل كهل ، سواء هنا في بغداد ، أو في القاهرة ..
زهرة : " تنظر إليه متأثرة " ....
سعد : أو القيروان ..
زهرة : " تطرق حزينة " إنه النخاس ، أعرف .
سعد : زهرة ..
زهرة : " تبقى مطرقة " ....
سعد : لو كنت كهلاً ثرياً لاشتريتك .
زهرة : لست كهلاً ثرياً .
سعد : وأنت تساوين كل ما أملك .
زهرة : وماذا تملك ؟
سعد : إنني إنسان .
زهرة : تباع وتشترى .
سعد : في أعماقي أشياء خاصة بي ، لا تباع ، ولا تشترى .
زهرة : مهما يكن ، أنت عبد .
سعد : سيعتقني جحا ، فهو في أعماقه إنسان .
زهرة : هذا حلم .
سعد : زهرة ..
زهرة : " تنظر إليه " ....
سعد : تعالي نهرب .
زهرة : نهرب ! دعك من هذا المزاح .
سعد : إنني لا أمزح .
زهرة : الهروب جحيم ، لا أريده لك ، أو .. أو لغيرك .
سعد : جحيم ، نعم ، إذا كان الهروب .. جحا .
زهرة : كلا .
سعد : تعالي نهرب إلى الصرة ، ونعيش في غابات نخيلها ، نعيش معاً ، حرين .. سعيدين .. مطمئنين .
زهرة : " تغالب عواطفها " إنني هنا حرة ، وسأعيش سعيدة ، مطمئنة مع .. " تنصت خائفة " اسمع ..
سعد : ما الأمر ؟
زهرة : سمعت حركة .
سعد : لا تخافي .
زهرة : ربما هناك أحد وراء الباب .
سعد : سأتأكد .
زهرة : " تتشبث به " سعد .
سعد : " يربت على يدها " إنني معك .
زهرة : " تبتعد قليلاً " ....
سعد : " يفتح الباب ويطل على الخارج " أرأيت ؟ لا أحد .
زهرة : " تتنفس الصعداء " الحمد لله .
سعد : " يغلق الباب " لك الآن أن تطمئني .
زهرة : لعلها قطة فوق السطح .
سعد : " يبتسم " لم أكن أعرف أنك تخافين من قطة .
زهرة : بالعكس ، إنني لا أخاف أي شيء .
سعد : " يبتسم " ....
زهرة : ومهما يكن سيأتي جحا ، و.. ونتزوج .
سعد : الزواج قسمة ونصيب ، وهذا ما قالته جدتي ، ومن يدري قسمة من ستكونين .
زهرة : " تحدق فيه " ....
سعد : ربما من قسمتي .
زهرة : " تهز رأسها " ....
سعد : إنه النصيب .
زهرة : لم أرَ إنساناً يحلم مثلك .
سعد : هذا حق ، فأنت لم تري قبلي إنساناً .
زهرة : آه منك " تنصت خائفة " الدبة مرة أخرى .
سعد : " يبتسم " إنها القطة .
زهرة : " تقترب منه خائفة " القطة ؟
سعد : ليتها تدب دائماً .
زهرة : " تبتعد عنه " يخيل إليّ أن جحا سيأتي بعد قليل .
سعد : لن يأتي .
زهرة : هذا ما تتمناه .
سعد : نحن في منتصف الليل .
فترة صمت ، زهرة
تنظر إلى سعد
زهرة : عندما رأيتك أول مرة في السوق ، لم أرتح لك .
سعد : وأنا ، على العكس منك ، يا زهرة ، ارتحت إليك جداً .
زهرة : لعل من الخطأ أن يحكم المرء على أحد من النظرة الأولى .
سعد : أنت فتاة ، ولابد أنك واجهت في حياتك ، صعوبات جمة ، ومن حقك أن لا تطمئني إلى أحد بسهولة .
زهرة : هذا هو الواقع .
سعد : لكن مهما كانت الصعوبات ، فإن المرء بحاجة إلى من يطمئن إليه .
زهرة : أنا معك .
سعد : تقول جدتي ، إن الإنسان صندوق مقفل.
زهرة : دعه مقفلاً ، يا سعد .
سعد : زهرة .
زهرة : نعم .
سعد : لقد حدثتك بالتفصيل عن حياتي ..
زهرة : " تبتعد عنه قليلاً " لم أطلب منك ذلك .
سعد : وأنت أيضاً ، حدثتني عن حياتك ، دون قصد منك .
زهرة : كلا ، حياتي ملك لي ، ولا أحب أن أشارك أحداً فيها .
سعد : عندما تتكلمين ، تنطقين بكلمات قاهرية.
زهرة : قاهرية !
سعد : لقد خالطت بعض التجار القاهريين .
زهرة : وأنا عرفت بعض القاهريات .
سعد : لكني لم أنطق مثلك ببعض كلماتهم .
زهرة : " تحملق فيه حانقة " ....
سعد : أما القيروان ..
زهره : القيروان !
سعد : سمعت مراراً تتحدثين عنها ، وأنت
نائمة .
زهرة : لكني أنام وحدي في غرفتي ، والباب مغلق .
سعد : أسمعك أحياناً ، تصيحين في نومك ، فأسرع إليك ، وأقف عند الباب .
زهرة : ليس من اللائق أن تتجسس عليّ .
سعد : إنني لا أقف بالباب لأتجسس عليك ، بل لأكون قريباً منك ، عند الحاجة .
زهرة : حياتي لم تكن سهلة ، وقد عانيت الكثير مما عانيته أنت " تصمت لحظة " خُطفت وأنا طفلة ، وعشت في القاهرة ودمشق والقيروان و .. وهربت في ثياب فتى ، حتى وصلت بغداد ، و .. والتقيت بجحا و .. و .. " تنهار باكية وتكاد ترتمي على صدره " .
سعد : " يمد يديه ويحضنها مواسياً " ....
زهرة : " تتملص منه " سعد .
سعد : نعم .
زهرة : " تتطلع إليه " ملا جاسم ..
سعد : " يبتسم " المسكين .
زهرة : لا أعتقد أن الحمار قد رفسه .
سعد : أنا صرفته .
زهرة : هذا ما خمنته منذ البداية .
سعد : لم أحب الملا جاسم .
زهرة : ربما ستحب الملا زهران .
سعد : " يهز رأسه " ....
زهرة : " تقترب منه خائفة " سعد .
سعد : شكراً للقطة .
زهرة : اصعد إلى السطح ، وانظر من هناك .
سعد : إنها مجرد قطة " الباب يُطرق " .
زهرة : " تشير إلى الباب " الباب .
سعد : نعم ، إنه الباب " يتجه نحو الباب "
امسحي دموعك ، فقد يكون جحا .
زهرة : لحظة ، لا تفتحه الآن " تمسح دموعها"
" لا فائدة ، الأفضل أن أغسل وجهي .
سعد : لا داعي ، أدخلي غرفتك ، وإذا كان
القادم جحا ، أخرجي بعد قليل .
زهرة : حسن " تسرع نحو الغرفة " سأدخل
الغرفة " تدخل الغرفة " .
سعد يفتح الباب ،
جحا يدخل غاضباً
جحا : منذ ساعة ، وأنا أطرق الباب " يتلفت حوله " أين زهرة ؟
سعد : في غرفتها ، تنتظر .
جحا : وأنت " يحملق فيه " ماذا تفعل ؟
سعد : إنني أعد النجوم .
جحا : أيها اللعين المخادع " يصيح " زهرة ، زهرة .
زهرة : " من الداخل " جحا ؟
جحا : نعم ، يا عزيزتي ، جحا .
زهرة : مهلاً ، أنا قادمة " تخرج من الغرفة "
جحا : " يحدق فيها " عيناك دامعتان ، يبدو أنك كنت تبكين .
زهرة : ولماذا أبكي ؟ " تمسح عينيها " لقد غبت كل هذه المدة ، دون أن تفكر ، أحية أنا أم ميتة .
جحا : لي ظروفي ، وقد أعطيتك مالاً ، يكفيك أسابيع .
زهرة : الحياة ليست كلها مالاً
جحا : ثم إن هذا العبد إلى جانبك ، يخدمك ، ويحميك ، و .. " يحملق فيه " أنظري كم سمن بمالي .
سعد : مالك !
جحا : " يصرخ فيه " أسكت .
سعد : سكت .
جحا : سحقاً لك .
سعد : رغم خدماتي الكثيرة لك ، فأنت لا ترتاح لي .
جحا : هذا صحيح ، إنني لا أحتملك ، وسأبيعك ، سأبيعك بأي ثمن .
سعد : بعني لنفسي .
جحا : ماذا !
سعد : أعتقني .
جحا : لست مجنوناً لأعتقك ، لقد دفعت فيك عشرين ديناراً .
سعد : لا بأس ، سأدفع لك هذه الدنانير العشرين .
جحا : تدفع لي ! إذا كان عندك مثل هذا المبلغ ، فلابد أنك سرقتنه مني .
سعد : كلا ، يا جحا ، إنني لا أسرق مالاً مسروقاً .
زهرة : " مصدومة " مسروقاً ؟
جحا : " يطبق على عنقه " صه .
سعد : أخنقني ، أخنقني إذا كان هذا يريح ضميرك .
جحا : " يتركه " أيها اللعين ، سأتخلص منك ، مهما كان الثمن .
زهرة : أعتقه .
جحا : ماذا ؟
زهرة : أعتقه لعلك ترتاح .
جحا : أعتقه ؟ لقد دفعت فيه عشرين .. يصمت " لتذهب الدنانير العشرين إلى جهنم ، سأعتقه ، نعم ، سأعتقه .
سعد : لن ترى وجهي ثانية إذا أعتقتني " ينظر إلى زهرة " فأنا ذاهب إلى البصرة .
زهرة : " تتطلع إليه " ....
سعد : هناك سفينة تنطلق غداً من " شريعة البصرة " آمل أن أستقلها .
زهرة : " تتطلع إليه صامتة " ....
سعد : البصرة جنة ، غابة من نخيل ، سأبني بيتاً صغيراً يطل على شط العرب ، وأعيش فيه حراً ، سعيداً ، مطمئناً .
جحا : أحلام ، كلها أحلام .
سعد : أعتقني ، وسأعيش هذه الأحلام .
جحا : اذهب إلى جهنم ، أنت حر .
سعد : أشكرك يا جحا ، أشكرك .
جحا : " يشيح عنه " ....
زهرة : ها قد تحقق ما حلمت به طويلاً ، أنت حر .
سعد : " ينظر إليها صامتاً " ....
زهرة : السفينة تنتظرك ، اذهب إلى حلمك ، اذهب إلى البصرة .
سعد : البصرة لن تكون جميلة ، وحريتي نفسها ستبقى ناقصة ، إذا بقيت وحدي .
زهرة : " تدمع عيناها " ....
جحا : " دون أن يلتفت " اذهب ، هيا اذهب .
جحا : " ينظر إلى زهرة " لن أقول وداعاً ، لدي حلم ، آمل أن يتحقق " يصمت " سأبني البيت على شط العرب ، وأنتظر ، حتى يتحقق حلمي .
سعد يخرج ، زهرة
تتابعه بعينين دامعتين
جحا : حمداً لله ، تخلصنا منه .
زهرة : لقد ذهب ، سعد .
جحا : لم أعرف " طول حياتي ، عبداً ألعن منه .
زهرة : أنت لم تعرفه .
جحا : " يحدق فيها " ....
زهرة : أنا عرفته ، إنه إنسان ، ولم أعرف إنساناً غيره ، حتى الآن .
جحا : دعك منه ، لقد ولى .
زهرة : سيذهب إلى البصرة ، هل رأيت البصرة؟
جحا : لا ، لم أرها ، ولا أريد أن أراها .
زهرة : أنا أريد أن أراها ..
جحا : " يحدق فيها " ...
زهرة : وسأراها .
جحا : ماذا دهاك ؟
زهرة : بغداد ستكون كئيبة منذ الآن .
جحا : ماذا تقولين ؟ بغداد عاصمة الدنيا .
زهرة : نعم ، لكن عاصمتي على شط العرب ، وبين أشجار النخيل .
جحا : هذا جنون .
زهرة : الجنون أن أبقى " تسرع نحو الباب " سحقاً للجنون ، سحقاً للجنون .
زهرة تخرج مسرعة ،
وتصفق الباب وراءها
جحا : لقد جنت ، جنت زهرة ، والسبب هذا العبد اللعين ، سعد .. " يحاكي النخاس " سيكون سعداً عليك " يا لسعدي ، ذلك الدجال ، لقد ذهب بعقلها ، بحديثه المعسول .. وشط العرب .. وغابات النخيل .. النخاس المخادع ، لقد غشني ، وباعني بلوى ، وهذا الأحمق ، ملا جاسم .. والحمار .. وأم جحيح و .. و .. يا ويلي .. لقد ذهبت زهرتي .. الجميلة .. " يصمت " كلا ، أنا جحا .. والسوق مليئة بالزهرات .. الجميلات .. مادام جيبي ممتلىء بالذهب " منتشياً " ذهب .. ذهب .. ذهب .
الرجلان ينزلان من
السطح ، جحا يجفل
الثاني : جحا .
جحا : من أنتما ؟ من .. من . ؟
الأول : آه جحا .
الثاني : لقد عانينا الكثير حتى اهتدينا إليك .
الأول : والفضل يعود إلى حمارك .
جحا : حماري !
الثاني : لقد حرن قرب النخيل ، فتركته وهربت بالمال .
الأول : يبدو أنك كنت تراقبنا خفية ، ربما من فوق النخيل ، فعرفت أين خبأنا المال .
الثاني : جئنا بحمارك إلى بغداد ، وأطلقناه .
الأول : فسار وسرنا وراءه ، حتى أوصلنا إلى بيتك .
جحا : " يتمتم " الخائن ، سأخنقه .
الثاني : وتبعناك في كل مكان ، وعرفنا مشاريعك ونواياك ، وجنونك .
الأول : وهذا كله لا يهمنا " يستل خنجره " نريد أمانتنا .
الثاني : " يستل خنجره هو الآخر " هذا ما نريه فقط .
الأول : " يرفع يده بالخنجر " المال أو حياتك .
جحا : مهلاً ، مهلاً ، لا داعي للخناجر ، أمانتكما في مكان آمن .
الأول : هذا عين الصواب .
الثاني : وما أخذته ، وبعثرته على جنونك ، حلال عليك .
الأول : الآن تعال معنا ، وخذنا إلى هذا المكان الآمن .
جحا : لكن .. نحن في منتصف الليل .
الثاني : لا أفضل من منتصف الليل لمثل هذه الأعمال .
جحا : إنني متعب ، ونعسان ، لنؤجل ذلك إلى الغد .
الثاني : " يرفع يده بالخنجر " الآن .
جحا : " خائفاً " لا ، أبعد الخنجر " مستسلماً " الآن ، تعالا معي .
الأول : هيا .
يُفتح الباب ، ويدخل
حمدان ، يقفون مذهولين
حمدان : السلام عليكم .
جحا : أنت !
حمدان : نعم ، يا جحا ، جارك حمدان ، والجار للجار .
الثاني : " يرفع يده بالخنجر " ابتعد .
الأول : " مهدداً بالخنجر " ابتعد وإلا ..
حمدان : هذا رد غير مناسب على السلام .
الثاني : " ملوحاً بالخنجر " لم ترَ الرد بعد .
الأول : " يتقدم منه مهدداً بالخنجر " سنمزقك .
حمدان : لا تستعجلا " يشير إلى الأعلى " أنظرا أولاً إلى السطح .
الأول : ينظر إلى الأعلى خائفاً " يا ويلنا .
الثاني : " ينظر إلى الأعلى مذهولاً " الشرطة !
حمدان : وسهامهم ، كما ترون ، موجهة إلى صدوركم ..
الرجلان : " يتبادلان النظر مترددين " ....
حمدان : وفي الخارج عشرات الشرطة ، مدججون بالخناجر والسيوف والرماح والقيود و .. والآن ارميا خنجريكما .
الرجلان : " يرميان خنجريهما " ....
حمدان : هذا حسن .
جحا : أخ حمدان ..
حمدان : " لا ينظر إليه " مهلاً ، يا جحا .
حمدان يشير لمن في
السطح ، فينزل ثلاثة شرطة
حمدان : قيداهما .
الشرطة : " يقيدون الرجلين " ....
حمدان : خذوهما إلى السجن ، وسنقدمهما غداً إلى العدالة .
الشرطة : " يأخذون الرجلين إلى الخارج " ....
حمدان : " ينظر صامتاً إلى جحا " ....
جحا : أشكرك يا جاري ، حقاً إن الجار للجار .
حمدان : هذا حق ، لكني رجل عدالة يا جحا .
جحا : " يحملق فيه حائراً " ....
حمدان : خذني إلى المكان الذي خبأت فيه المال .
جحا : أي مال ؟
حمدان : " بحزم " جحا .
جحا : آه ، المال .
حمدان : " يأخذ بيده " هيا ، لابد أن نعيد المال إلى صاحبه ، ثم نقدمك أنت أيضاً إلى العدالة .
جحا : " مستسلماً " يا ويلك ، يا جحا ، هيا يا سيدي .
حمدان يفتح الباب ،
ويخرج هو وجحا
إظلام
ستار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق