مجلة الفنون المسرحية
زكرياء قسي لحلو
انتهت الدورة 23 من المهرجان الوطني للمسرح الاحترافي، واتفق المشاركون على أنها دورة متميزة من حيث التنظيم، فاز الفائزون بالجوائز وهللوا وفرحوا، التقى المسرحيون مع بعضهم البعض وككل دورة تكلموا، ناقشوا وتحاوروا. فماذا بعد؟
اسمحوا لي أن أشارككم استنتاجا هو حصيلة سنوات من العمل في الميدان ومن مواقع مختلفة.
اليوم لدينا كتاب مسرحيون وممثلون ومخرجون وسينوغراف وتقنيون ومتابعون ونقاد ولدينا وزارة وأطر وموظفون ومصالح وأقسام ولدينا ميزانيات وأموال لدعم الإنتاج والترويج والمهرجانات. كل هؤلاء المتدخلون أكاد أجزم أنه لا تنقصهم لا الموهبة ولا الكفاءة ولا الرغبة الملحة ولا الإرادة القوية في النهوض بهذا المجال كل من موقعه.
مع ذلك للأسف ليس لدينا مسرح احترافي ومؤسسات مسرحية مستقلة ماليا ومعنويا، ذلك لأن النموذج الاقتصادي الذي نشتغل به نموذج متجاوز وأصبح عقيما ولا يمكن أن ينتج قيمة مضافة لصناعة مسرحية ناجحة. نموذج غير قادر على خلق سوق حقيقية وصناعة احترافية وجمهور حقيقي يخصص يوما في الأسبوع أو حتى في الشهر مع ميزانية بسيطة يشتري بها تذكرة الدخول لمشاهدة مسرحية.
يجب على الحكومة من خلال وزارة الثقافة أن تعيد النظر في هذا النموذج الاقتصادي القائم على دعم تجارب واشخاص وجمعيات في شكل فرق، وتحوله الى دعم مسارح ببنيتها التحتية الجيدة وفرقها الفنية والإدارية القادرة على انتاج صناعة مسرحية قوية وقابلة للبيع والترويج. ولتكتمل هذه الصناعة لابد من تكوين وتشجيع منتجين ومسؤولين عن الترويج والبرمجة ومتخصصين في الماركوتينغ المسرحي قادرين على جلب جمهور واسع وأموال القطاع الخاص بخلق شراكات مربحة للمسرح وللذين يشتغلون به.
من رأيي حان الوقت للاعتماد على الطاقات والمواهب التي أثبتت ذاتها والرهان على فرق احترافية حقيقية قادرة على جلب جمهور واسع طيلة موسم أو موسمين أو أكثر بنفس العمل المسرحي الناجح سواء حصل على جوائز أو لم يحصل، فالجوائز نفسها تبقى شكلا من أشكال الترويج والاشهار لعمل معين حتى يقنع جمهوره بدفع ثمن التذكرة. أما أن يحصل في كل سنة عمل جديد على جوائز فقط لصنع لحظة فرحة عابرة فذلك غير كاف.
أين هي الأعمال التي حصلت على جوائز في المواسم السابقة سواء بالمغرب أو خارجه؟ كم عرضت من مرة؟ وكم شاهدها من متفرج؟؟؟
حان الوقت في بلادنا أن يصبح للمسرح مؤسسات متكاملة الأركان قائمة بذاتها، ببناية تتوفر فيها الشروط اللوجيستيكية، التقنية والفنية، بمرافق متنوعة تساعد في جاذبية الفضاء تسيرها إدارة محترفة، بقسم للإنتاج، وقسم تجاري مكلف بالبيع والترويج، بفنانين محترفين همهم الأول والأخير هو الابداع الفني القادر على جلب جمهور واسع. كلها مكونات يجب ان تسمح لهذه المسارح (العمومية، شبه العمومية أو الخاصة) الى جانب دعم الدولة أن تطور مداخيلها حتى تستمر، تستثمر وتتطور، وكأي شركة أو مؤسسة عمومية محترمة، إذا غابت النتائج الايجابية يجب تغيير الطاقم المسير، بطاقم جديد يحاسب على نتائجه نهاية الموسم.
غير ذلك هي ممارسة هاوية، مناسباتية تعتمد على صرف دعم سنوي والالتقاء بنفس الجمهور والمشاركة في نفس المهرجانات والاحتفاء بتجارب محدودة والتطبيل لأشخاص بعينهم ولكن من أجل نفس النتيجة وانتاج نفس الظاهرة العقيمة ولو بعناوين مختلفة. اننا فقط نمني أنفسنا ونحاول اقناع نرجسيتنا الفنية أننا ننتج مسرحا محترفا ولدينا جمهور. هو في الواقع نفس الجمهور في أغلب العروض، يجتهد كل واحد في جلبه لعرض أو عرضين، حتى يقنع نفسه والآخرين أن القاعة مملوءة عن آخرها لكي يبرر الدعم الذي حصل عليه سواء من الوزارة أو من مسرح محمد الخامس او من أي جهة عمومية أخرى.
حان الوقت أن نصارح أنفسنا ونشتغل جميعا، كوزارة وصية، ومسرحيين راكمنا من التجربة ما يجعلنا قادرين على هدم هذا النموذج الاقتصادي الفاشل والاشتغال على نموذج جديد، بتشغيل مسارح حقيقية بعيدا عن النفاق الثقافي، والتفلسف الزائد، بعيدا عن السياسة والمصالح، عن كل اشكال الدعم الاجتماعي والريع.
أعتقد أننا كمسرحيين، كمسؤولين عن القطاع ومسيرين ثقافيين في المغرب راكمنا من الخبرة ما يجعلنا قادرين على خلق نموذج تنموي اقتصادي جديد للصناعة المسرحية، نموذج يتماشى مع التحديات الاقتصادية والتنموية الكبرى التي تراهن عليها بلادنا في أفق 2030.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق