مجلة الفنون المسرحية
مهرجان المسرح العربي ، الدورة 14 بغداد "مشاهدات عن بعد" عبدالقادر صبري - ألمانيا
مسرحية بيت ابو عبدالله - العراق للمخرج أنس عبدالصمد
كان هذا أول عمل تقع عليه عياني من أعمال مهرجان بغداد المسرحي منذ مدة. فلقد كان آخر حضور لي لمهرجان مسرحي، في بغداد، في بداية تسعينات القرن المنصرم. وكنت قد شاركت في الدورة الثانية لمهرجان بغداد قبل سنوات من انطلاق النسخة الحالية لمهرجان المسرح العربي بصيغته الجديدة تحت إشراف الهيئة العربية للمسرح.
بالنسبة للعرض كان يهمني ملاحظة مدى الاستفادة التي حققها المسرح "في الوطن العربي" من التقنيات المعاصرة بعد مرور ثلاثة عقود على تواجدي آخر مرة في بغداد..عاصمة المسرح العربي .. والحقيقة أنني لاحظت ان العجلة دارت إلى الوراء ..فلم تضف الحداثة كثيرا على العروض، ومايزال الصراخ متحكما في أداء وانفعالات الممثلين ..والمفارقة تكمن في أن العرض المسرحي الذي يفترض انه ينتمي إلى المسرح الصامت أو التعبيري الحركي بانتوميم كان مدويا وصارخا.
اما هشاشة الرؤيا فما تزال طاغية على المشهد . ولكن هذا العرض افلت، الى حد ما، من هذه الشراك. ولحسن حظي اني شاهدت العرض بشاشة كبيرة مزودة بنظام صوتي سينمائي منزلي ، مما ساعدني على الاستماع إلى كل نفَس وشهقة ووتر ونغمة في العرض. واعجبتني كثيرا الموسيقى التصويرية المصاحبة للعرض. وكذلك نجاح الهندسة الصوتية (لهذا العرض)، وهو مالم يتح، بنفس الدقة لعروض أخرى شاهدتها حتى الآن ..
مسرحية انتيجوني - الأردن اخراج: حكيم حرب
عمل جميل ومميز . التوظيف المعاصر الأسطورة ادويب وانتجون وموضوها الشائك، تم تناوله كاسقاط رمزي على واقع مشوه .. شاب العرض فقط بعض الأداء الصراخي، وهي مشكلة يعاني منها المسرح العربي بشكل عام ، لكن انفعالات الممثلين كانت معبرة مع ثقتي بأن الفنان حكيم حرب يستطيع أن يصل إلى مدى ابعد في ضبط العرض وإيصاله إلى لحظة الذروة.
مسرحية اكستازيا - المغرب من إخراج: ياسين أحجام
عمل جميل وممتع، يناقش قضية ازلية بأسلوب معاصر (صراع النفوذ بين زوجين مضطربين، غير منسجمين، بلغة زرادشتية). ولحسن حظي اني افهم اللهجة المغربية،ولكني كنت اتمنى ان تكون الهندسة الصوتية اكثر انضباطا لكي لا يطغى الجيتار الكهربائي على اصوات الفنانين في لحظات الحوار المهمة الذي انطوى على الكثير من الفلسفة والشعر .
الازياء موظفة بشكل جميل ولكن بعضه بدا غير مبرر .
مسرحية ثورة - الجزائر اخراج: عبدالقادر جربو
مسرحية جميلة استمتعت بها كثيرا وكان من السهل ملاحظة الجهد الكبير المبذول في الاعداد والإخراج والأداء... بل وحتى المخاطرة الجسدية .. وتوظيف الديكور بما يظهر عمق الرؤية.. تنويع الخطاب بين الفصحى والدارجة الجزائرية واللغة الفرنسية كان مربكا بعض الشيء . ولكن لحسن حظي اني افهم اللهجة الجزائرية .. توظيف الخطاب الادبي لكاتب ياسين كان جميلا وتمنيت أن يأخذ مساحة اكبر.
...
مسرحية كلام - المغرب المخرج : برسلهام الضغيف
شاهدت المسرحية واستمتعت بها كثيرا .. مكتوبة بلغة رصينة .. وأداء متمكن من اللغة .. ومخرج متمكن من ادواته .. يقدم لك الكثير من المفاجآت اثناء سير العرض باستخدام قطع الديكور البسيطة .. مستفيدا من الضوء واللون ..
مسرحية كلام هي من المسرحيات القليلة التي تنجو من الصراخ والعويل بالرغم من أن ثيمتها هي الموت .
الحبكة: هذا ما افتقرت إليه المسرحية، فلا توجد حبكة واضحة، ومع ذلك لم نشعر بالملل. لأن اللغة الشعرية كانت في حدّ ذاتها محبوكة بما يحقق المتعة والفائدة .
مسرحية سدرة الشيخ - عمان أخراج: عماد الشنفري
لم أكن انتظر الكثير من هذا العرض ولكن شاءت له الاقدار أن يفاجئني .. ديكورا وأداء واضاءة وموسيقى .. وحتى الازياء كانت موفقة .. الحبكة المبتورة هي التي لطمتني على خدّ الخيال .. اللهجة العمانية كانت سهلة المنال واللغة مستصاغة.. زمن المسرحية المضغوط أدى إلى أن نسمع عن الأحداث لا ان نشاهدها.. المسرحية محاولة غير مكتملة للولوج إلى عوالم المسرح الاحتفالي.
قدمت المسرحية مسحة كوميدية طريفة واستطاعت ان تحقق عنصر الفرجة .
أشد على يد طاقم العمل .
مسرحية زغنبوت- الامارات اخراج: محمد العامري
العنوان يوحي بكلمة عراقية معناها السم .. وتقال كلعنة معناها فليكن طعامك سما لك .
والمسرحية فعلا حيكت حول عنوانها .. اذا يستغل تاجر البانيال، وهي كلمة كانت طلق على التجار الهنود في الخليج واليمن، عوز اهل الديرة، ما قبل النفط، و يساومهم على جوهرتهم المكنونة ابنة النوخذة، اي الشيخ، وبدعم من ملالي الضرورة .
هذا العمل اعتبره من وجهة نظري حتى الآن اكثر عمل مكتمل دراميا .. ومدروس سينوغرافيا ومتصالح مع ادواته .. صحيح ان العمل لم يصل بي إلى درجة قشعريرة الجلد ، رغم أداء جوهرة البديع ووالدتها، ولكنه كان متماسكا، يسير بالمشاهد تدريجيا إلى اللحظة الممسرحة(ماذا بعد) .
كنت اتوقع نهاية اكثر دراماتيكية للعمل، غير الجنون، ولكنها رؤية مؤلف واحترمها .
العمل اعجبني والإمارات لديها مسرح مقنع.
مسرحية حلمت بيك البارح - تونس/ سوريا اخراج مشترك : لبنى ملكية و ابراهيم جمعة
اول ما يتبادر الى الذهن هو لماذا قمت بإضافة سوريا إلى العرض بالرغم انه لا وجود لاسم سوريا في البرنامج الرسمي. وهنا تأتي أهمية لغة العرض والجدل الجديد/ القديم حول الفصحى والعامية .. أنا شخصيا لم اكتب الا بالفصحى جميع مسرحياتي. والمسرحية الوحيدة التي كتبتها بالعامية كتبت بالفصحى اصلا ثم يمننتها.
اما هذا العرض فهو عبارة عن ديالودراما بين ممثلين اثنين، امراة ورجل .. المرأة تونسية وتتكلم باللهجة التونسية ، التي لحسن حظي افهمها، بسبب صداقاتي مع توانسة. والرجل يتكلم باللهجة السورية، المفهومة طبعا بسبب انتشار الدراما السورية .. وبما أنهما متشاركان في البطولة . فيعتبر العمل تونسي / سوري مشترك . ولو كانت اللغة المستخدمة في العرض فصحى فيمكن أن ينسب العمل إلى تونس فقط لأنها هي من تقدمت به .. هذه المقدمة بدت لي مهمة للوقوف قليلا على ما يسمى "هوية المسرح العربي أو المسارح العربية" وهذا ليس موضوع حديث هذا الهامش.
العرض: ينتمي هذا العرض إلى المسرح التجريبي .. واللافت للنظر استخدام الممثلة التونسية بشكل مكثف للتعبير الجسدي وخصوصا بالوجه واليدين.. و كعرض تجريبي لايمكن أن يحاكم ضمن سياقات و أطر المدارس المسرحية الاخرى. فكل شيء يدخل تحت عباءة التجريب ولكن ........
ما أن تشاهد العمل حتى تكتشف انه في الحقيقة لم يكن يوجد في المسرحية حوار.. فالشخصيتان لم يتحاورا إلا في سطرين تقريبا.. على شكل سؤالين .. سؤال في بداية العرض ، ودائما هي التي تسأل :هل يمكن ان نقوم بتمثل هذه القصة؟!
وسؤال في آخر العرض : هل تعلم اني حلمت بك؟! (والحديث طبعا بالدارجة التونسية ) اما باقي المسرحية فهي عبارة عن مونولوجات طويلة يحكيها كل منهما في سياق مختلف. مما أصاب العرض بشيء من الملل، رغم كل محاولات المسرحة والتجريب والتغريب.
كعمل ؛ العرض جميل واحترافي استطاع أن يلعب في مساحة ضيقة جدا مستفيدا من كل سنتيمتر مقدما فرجة لذيذة. والحقيقة شعرت أنني أشاهد مسرحيتي مونودراما في عرض واحد .
يحسب للعمل بجد أداء الممثلين الهادئ والبعيد جدا عن التهويل. احببت ذلك جدا.
البؤساء - مصر اخراج : محمود حسن حجاج
عرض خلطة من خيال الظل .. على مسرح الدمى .. على دمى بشرية .. على شخصيات كاريكاتيرية
على كلاسيك .. على ستاند شو .. على تراجيديا .. على كوميديا ..على هزل.. فصحى على عامية على وعلى وعلى ....وكأنها لعبة وليست مسرحية؟!.
المسرحية التي تثير لديك سؤالا أكيدا : اين المخرج؟! وماذا يريد؟! وماذا يفعل هؤلاء ؟!
يبدو العرض وكأن مجموعة من الهواة يقدمون رائعة فيكتور هوجو بأسلوب مدرسي .. فلا تعرف هل هذا العرض موجه للكبار ام للصغار .. ولماذا كل هذا الحشو والاطالة وكأن كل ممثل أراد أن يفعل ما يريد دون خطة.. حتى الازياء كانت مجنونة وعازف البيانو يغرد لوحده في واد .. كأنه يقود غرقى سفينة تيتانيك إلى حتفهم !
ومع ذلك لا يستطيع احد أن يقول لك انه لم يستمتع ..
خلطة سحرية لا تفعلها الا مصر ..ام الدنيا .. وصاحبة مسرح الدنيا .. مسرح الفوضى الخلاقة.
...
مسرحية تكنزا - قصة تودة - المغرب للمخرج: أمين ناسور
تكنزا كلمة امازيغية سوسية تعني الدف ..
المسرحية تناقش قضية اضطهاد المرأة ( الفتاة تودة) وقمعها بسبب وطأة التقاليد .
هذا العمل كبير، كبير بموضوعه ، كبير بتناوله، كبير بكبريائه المسرحي الملحوظ.
عمل مسرحي متكامل .. لا ينتمي إلى العروض الاخرى المقدمة في المهرجان.. فهو عمل مليء بالفنون الاخرى .. تجد فيه مسرح .. تجد فيه موسيقى.. تجد فيه رقص تعبيري .. تجد فيه فن تشكيلي وتجد فيه حتى سينما .. عمل مليء كذلك بالمفاجآت.. مشغول بدقة متناهية تعكس الجهد البحثي المعد لتقديم أسطورة امازيغية في سياق من الحلم.. عنوانه الأصالة.. يستخدم المخرج في هذا العمل الكثير من الموسيقى الأصيلة.. والالحان الامازيغية ذات الوتر الخماسي الذي يلامس شغاف القلب، رغم عدم رقي التجهيزات الصوتية إلى مستوى العمل، ولكن يصلون بك إلى لحظة الدروشة باصرار.
استطاع المخرج توظيف البعد الثالث في الديكور من خلال خلق كواليس في قلب الخشبة.. واستطاع حتى توظيف أجساد الممثلين كقطع ديكور .. وفق لوحة جدارية تتشكل باستمرار بحثا عن لحظة الفرجة الماتعة وقد فعل.
تناول الخطاب المسرحي عدة مستويات تفسر بعضها بعضا وتدعمها بالصورة .. انه مسرح صورة بامتياز ومسرح كولاج .. مزيج من الصور الثابتة والمتحركة تم فيه توظيف كل عناصر السينوغرافيا بدقة عالية وبمزيج هارموني ولكن، .....
هذه ال(لكن) التي تأتي قبل العاصفة ليتها لم تكن ، ومع ذلك نقول ولكن .. نلمح على الفور غياب النص أو تغييبه في صالح الصورة .. وهذا يحدث احيانا ، او غالبا، في المسارح العربية حين يفرض المخرج رؤيته الاخراجية على المؤلف لا ان يجسدها.. تشعر أن العمل كتب بأمر من المخرج.. وأن دور المؤلف تضاءل، ولا بأس بذلك في إطار التجريب، والامكانات المحدودة، .. ولكن، كم كان سيكون هذا العمل محلقا اكثر لو توافر على نص اكثر اكتمالا.
أما التجسيد والأداء فكان اخراجا آخر للعرض باجساد الممثلين واصواتهم.
اوصلني هذا العمل إلى لحظات الذروة اكثر من مرة ..وخصوصا ترنيمة "في الجنوب كلّ النساء بقلبين وكتاب يمشي على قدمين ".
وصدمت حين استمعت الى الاستوديو التحليلي للعمل، والذي لم يستطع مجاراته، ولم يكن بمستوى هذا العمل المسرحي المتكامل .
اكثر من ممتع اكثر من مجرد فرجة.
مسرحية الجلاد - الامارات المخرجة : الهام محمد
ابن الجلاد يصارع من أجل التخلص من إرث ابيه الثقيل
مسرحية من شخصيتين الزوج والزوجة مع مجموعة راقصين تعبيريين.
اولا ؛ لا يجب أن نمتدح عملا مسرحيا لأن مخرجته امرأة . فهذا تقليل من شأن المرأة .. ولا ان نتملق العمل لأنه من انتاج الدولة الممولة للمهرجان. فهذا تقليل من شأن أنفسنا ومن هيبة المسرح.
ولكن ، الحقيقة أن العمل فرض نفسه بقوة.
نص مكتوب بلغة عالية رصينة، ومستوى فكري عالٍ . أداء يرتقي إلى مستوى هذا النص، واخراج يرتقي بالنص والعرض معاً.
هذا العمل كأنه معمول من كاتالوج المسرح .. متوازن بعناية .. والذي يشدك اكثر .. كيف أن حركة الميزانسين متزامنة تماما مع الحوار ومنسجمة مع الظل والضوء واللون والصوت حرفيا. ..
اعجبني العمل كثيرا . وهو يؤكد على أن الامارات تخطو بخطى واثقة نحو مسرح محترف .
الشيء الوحيد الذي استوقفني سلبا هو عدم انسجام الرقص التعبيري مع روح خطاب النص .. والسؤال
ليش؟!
لماذا
نعم، جميل أن يكون هناك تعبير حركي داخل عرض مسرحي، لكسر رتابة حوار طويل مثلا، ولكن الرقص لمجرد الكسر لا معني لهه ما لم تضف الحركة التعبيرية بعدا آخر للعرض وللنص او على الاقل تكملهما.
أما الاغنية الأجنبية فكانت بكل تفاصيلها خارج السياق .. محشورة كنبتة غريبة. والمصيبة انها تكررت في الختام! لماذا؟!
مسرحية حياة سعيدة - العراق المخرج: كاظم نصار
تجلس اما عمل بدايته مهزوزة وركيكة.. مناظره فقيرة(ثلاثة قطع فقط) ديكوره مستهلك( سرير وطاولة وحائط متشقق).. فكرته مكررة(زوجة تطلب الانفصال من زوجها ليلة الزفاف لأنه يشخر) . فيقلب عليك الطاولة، وينتزع الدهشة من فمك .. حين يتحول إلى كوميديا سوداء .. الضاحك المبكي .. لزوجين بائسين تذهب بهم الفانتازيا إلى تصور مستقبل أبنائهما وبناتهما..يحلمان فقط بمجرد ميتة مشرفة (ومشوقة) اكثر دراماتيكية لأبنائهم، من الطرق التقليدية للموت في بلاد الموت. وكأن العراقي خلق ليموت .
أداء الممثلين فرجة الفرجة
الشقة في الجدار يزيد ويتسع لكما ازداد الشقاق بينهما
والمخدات تتحول الى قبور .
الشخصية الثالثة، المضيف، اربكت العمل كثيرا، وكان يمكن للزوج أن يلعب هذه الشخصية لشد إيقاع المسرحية اكثر. أما الفتاة الإضافية فشخصية لا محل لها من الإعراب.
كانت البداية مترهلة والنهاية كذلك .. وهذا حال كل الأعمال التي شاهدتها في المهرجان حتى الآن.. النهايات غير المدهشة. اذ لم يتوفر اي عمل على النهاية/ الدهشة حتى الآن .
...
مسرحية صفصاف - العراق اخراج وتأليف: علي عبدالنبي الزيدي
مجموعة من الرجال البائيسن بينهم امرأة متحولة، ينتظرون عند الإشارة لمدة اربيعن عاما، للانتقال إلى المرحلة التالية من حياتهم، ولكن الخطوة هذه لا تحدث.
تنتمي هذه المسرحية الى مسرح العبث، مدرسة صامويل بيكت صاحب في انتظار جودو.
هذا النوع من المسرح ، ذو التقاليد المسرحية القاسية، يصعب الاقتراب منه،مالم يكن لديك ممثلون مقتدرون جدا ..
أنت لاتحتاج إلى موسيقى خرافية، ولا الى مؤثرات مبهرة، ولا الى ديكور ضخم، ولا الى ازياء صارخة، ولا الى اكسسوار خيالية.. بقدر حاجتك الى نص قوي ذو رموز دلالية، يعبث بأفكار المتلقي.. وإلى مخرج يمتلك رؤيا فلسفية تستوعب هذا النص.. والى ممثلين ، كما قلنا، اولاد كار .. يعرفون كيف يمسكون بتلابيب لعبة المسرح ..
وقد توافرت المسرحية على كلّ ذلك، لتصل بك إلى مبتغاها. وتجعلك، ببساطة، تصرخ معها بصوتك المشروخ: تبا للحرب.
فعلا تبا للحرب التي ابعدت العراق العريق كل هذه السنين من حاضرة المسرح العربي وهاهو يعود بقوة ويكتسح مستعيدا مكانته الريادية.
دلالات ورموز : وكإشارة ذكية إلى أن الحرب التي التهمت العراق تحدق بكل الوطن العربي، ألبس المخرج الذكي، ابطاله الالوان التي تتشكل منها اغلب الاعلام العربية .. الأبيض والأسود والأحمر والاخضر، اما خامسهم فكان يرتدي كفنه.
هذا النوع من ألاعمال احبه جدا، واستمتعت به إلى أقصى درجة، ولكني كنت اتمنى ان يتم تكثيف العرض اكثر ، ويتم تشذيبه من الجمل المباشرة غير المنسجمة مع السياق الانيق للغة النص الشعرية . اشد على يد طاقم العمل
غدا وهناك - تونس اخراج ودراماتورجيا : نعمان حمدة
اخزر لي تعني انظر الي باللهجة التونسية ، ورأيت أن افتتح هذا الهامش كتعليق على هذا العرض بهذه الكلمة لاطرح سؤالا وجيها . ماذا لو جلست أمام عمل مسرحي طوله ثمانون دقيقة وانت تستمع إلى مثل هذه الكلمات في الحوار ؟! واحيانا تتخلله كلمات فرنسية ؟!
طبعا سيكون ذلك مرهقا،ولا نقول مستحيلا، للمتلقي العربي خارج حدود المغرب العربي الحبيب .. ولذلك لجأ المخرج الى الكثير من الرقص والإيماء والتعبير الحركي الجسدي والغناء لإيصال فكرة بسيطة جدا ولكنها معقدة في دلالاتها.. عرض بمجموعة شباب وشابات يحاولون الاحتفال بحفلة عيد ميلاد!
هل هذه القضية مهمة بالنسبة للجمهور العربي الذي لديه من مشاكل "وجع الحياة" الكثير الكثير ؟!
طبعا لا .
ولكن ، إذا تحولت الحفلة إلى مكان مرعب ، ومهجور، يجد فيه الشباب انفسهم وهم يصارعون لأجل الحياة والولادة من جديد ، هنا فسيكون عملا ذو قيمة عالية بامتياز، وهذا ما يقدمه العمل الرائع البديع .
الديكور: لا يوجد ديكور
الاكسسوار: لا يوجد
الازياء : مش مهم
الماكياج: مش مهم
اذاً، ما هو المهم في العمل؟!
الأداء.. التمثيل.. حركة الجسد.. اصوات الممثلين وانفعالاتهم، بكاء وحزن وغضب وفرح وضحك وهيستيريا ووو .فأنت جئت لتحتفل بالحياة ، ولم تجد أمامك غير الموت .
الأداء المعبر التعجيزي، هو ما ابدع فيه طاقم العمل مستفيدين من أجواء الموسيقى والإضاءة الباهرة والسينوغرافيا المسبوكة بدقة.
...
مسرحية ترنيمة الانتظار - العراق اعداد واخراج : علي حبيب
هذا النوع من المسرح الايمائي الصامت يتم التعبير عنه بالجسد لا بالكلمات .
و غالبا ما يتهيب النقاد الكتابة عن مثل هذه الأعمال، واذا كتبوا يكتبون بكلمات وجمل لوغاريثمية اكثر إيهاما من العرض.. وقد يخلطون بين التعبير الحركي الراقص وبين "البانتوماميم" الذي هو في الأساس مخصص للمسرح الكوميدي، ويركز على حركات الوجه، بينما الأول يمكن ان تحمله كل انواع المسرحيات، وكلاهما يمكن ان يحل محل النص المسرحي. بل ويكون اكثر بلاغة منه ..ولكن .. هل كانت هناك ضرورة لإلغاء النص الأصلي والاستعاضة عنه بالتعبير الحركي؟!!!
لو طبقنا هذا السؤال على عرض الليلة لمسرحية ترنيمة الانتظار فستكون النتيجة لغير صالح العرض. فالعرض المستوحى من مسرحية "في انتظار فلاديمير " للكاتب العراقي مثال غازي، والذي استوحاه اصلا من مسرحية "في انتظار غودو لصمؤيل بيكيت، لا علاقة له بما شاهدنا في هذا العرض.
هذا العرض / اللوحة يمكن ببساطة ان يجسد مذبحة سبايكر والمقتلة الكبرى التي تعرض لها، ومايزال، الشعب العراقي وخصوصا الشباب منه(ثوار تشرين انموذجا)
انه عرض مدهش وفريد يعبر فيه الشياب بأجسادهم العارية عن حلم الولادة من الركام والحطام. والتمسك بالحياة لشعب يعشق الحياة، ويقدسها، ويستحقها، وهو الشعب العراقي، الذي يعيش في بلد يعشقه الموت ويركض وراءه بعربانة مكسرة(تعبير عراقي معناه يطارده بدون وجه حق ) . ولو تعاملنا مع العرض بهذا التوصيف، ونظرنا اليه من هذا المنظور، لوجدنا، دون جدال، انه يستحق بحق ان يكون صاحب الجائزة الأولى لهذا المهرجان .
والسؤال الذي يفرض نفسه : لماذا لم تتح لهذه المسرحية فرصة التنافس على جوائز المهرحان؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق