مجلة الفنون المسرحية
فاتحة الكلام
هي فعلا فاتحة هذا الكلام، وهي فاتحة هذه السنة الجديدة ايضا، وفي تلك الكتابات (القديمة) من تفك السنة التي مضت، كنت اصغر مني بسنة واحدة، ولكنني لم اكن اصغر مني قيمة وقامة، واحمد الله انني ما ضيعت شيئا مني، ولا فقدت شيئا من افكاري ومبادئي وقناعاتي واخنياراتي، وانني مازلت ذلك السيزيف الذي يدفع صخرة الاحلام الى الاعلى وإلى الأسمى، هم قالوا عني، وسوف يقولون دائما، انت احتفالي، واقول لهم انا، ليتني اكون كذلك، لأن الاحتفالية - في ملتي واعتقادي -أوسع وارحب واعمق وابعد، من ان أصلها انا او اي احد غيري، في سياق عمر واحد، وانا احتاج في رحلتي إليها لأعمار كثيرة جدا، وأعرف أنني في هذا الكون الاحتفالي اللامحدود واللانهائي، مازلت في اول الطريق إليها، بحثا عن شيء جميل اعشقه ولا اعرفه، ولو كنت اعرفه ما انفقت كل عمري في البحث عنه، والأصل في هذه الاحتفالية هو انها حلم بأعين مفتوحة، ولعل أسوأ الحالات في عمر الحالمين هو ان تنتهي أحلامهم الجميلة بسرعة، وان يجدوا أنفسهم فجأة على هامش الواقع وعلى هامش الحياة الجميلة، وماذا يمكن أن تكون هذه الاحتفالية سوى انها عشق عاشقين، وهي بالتاكيد عشق في معناه المطلق، وقد يكون مجرد حالة، او درجة عالية في ديوان العشق والعاشقين ونحن لا ندري
يقول مولانا جلال الدين الرومي (من يعشق القمر لا يتجنب الليل
ومن يحب الورد لا يخشى اشواكه
ومن يسعى للحب لا يهرب من ذاته) لأن المحبوب هو ذات المحب، أو هو الجزء الآخر الذي لا يمكن ان تكتمل ذاته الناقصة والمحدودة إلا بوجوده
وبخصوص هذه الكتابة العاشقة، والتي هي حكي زمحاكاة، يقول د،. محمد الوادي. والذي هو أحد رفاق الطريق الاحتفالي، والذي هو طريق الحياة وطريق الأحياء فيها، يقول :
(ما أحلى وما أجمل وما أصدق هذا الحكي الذي ينتجه ويبدعه حاكي ليس كالحكائين، وهو إذ يحكي يمتعنا ويبهرنا ويزرع فينا السؤال الوجودي. دمت مبدعا خارج المألوف وخارج الأزمنة المكرورة وخارج التصنيف المدرسي.
في مستهل هذه السنة الجديدة أتمنى لك عمرا مديدا لننتشي بالمزيد من بوحك وجنونك وإبداعاتك
دمت شامخاً)
زاد المسافر في الحياة
وأنا المسافر ، في الزمان والمكان، وايصا خارج كل حدود الزمان والمكان، ماذا أفعل اليوم، سوى انني مازلت ابحث عني، وانا مازلت ذلك الضائع الذي كان، ومازلت ذلك السندباد التائه في بحار هذه العوالم الغامضة، إنني اليوم، تماما كما كنت بالأمس. وكما يمكن أن أكون غدا، مازلت ابحث عني، لعلني في يوم من الأيام اجدني، أو اجد جسدا يشبهني، او أجد اشياء كثيرة أو قليلة مني، ويحزنني ان يكون كل نعيشه اليوم ونحياه هو مجرد صور غفقط، وهل بالصور المزيفة والمصنعة والمركبة يمكن أن نحيا حياة حقيقية؟
وفي هذا الواقع اليوم، بكل وقائعه الحقيقية والوهمية، فانني اجد نفسي غنيا بأحلامي وبأوهامي وبافكاري وبفيض إحساسي وبفيض خيالي وبفيض مشاعري، ومن حقي أن أقول لكل الناس، أنا الغني لحد الفقر، والفقير لحد الغنى المطلق، لدي اليوم في بنك الحكمة والمعرفة كلمات وعبارات وإشارات وعلامات وتصورات وتخيلات، ولدي اقتراحات أيضا، ولكن ليس لدي إملاءات ولا تعليمات ولا توصيات، وهل يمكن أن تسمعوها؟
وأنا هذا الكاتب القارئ الذي تعرفون، لدي اليوم كلمات أخرى، قديمة وجديدة ومتجددة، كلمات بحجم روحي وبسعة خيالي وبلون أحلامي، وإنني أريد أن أقرأها لكم ومعكم، وأن أعيد كتابتها من جديد، وأن يتم ذلك بشكل جديد، وبأبجدية جديدة، فهل تسمحون؟
يقول سقراط" الحياة حدان، أحدهما الأمل والآخر الأجل، فبالأول بقاؤها وبالثاني فناؤها"
ونحن لم نختر حدنا الأول، فكيف يمكن أن يفرض علينا الحد الثاني؟ فشجرة التفاح تعطي التفاح، وشجرة الحياة تعطي الناس الأحياء، فهل يمكن أن نتمرد على شجرة الحياة، وأن نكون ضد فعل الخلق وضد فعل التجديد والتجدد في الحياة؟
أما يوجين يونسكو، ورغم رؤيته العبثية والعدمية للوجود، فإنه يقول:
" الحياة ليست شيئا عظيما، ولكن هل لنا غيرها؟
وأن تكون عظيمة أو غير عظيمة، فتلك وجهة نذر تحترم، وقد تكون جميلة أو غير جميلة، ولكن بالنسبة لمن؟ وفي اي زمن؟ وفي أي مكان؟ وفي أي سياق؟ أو في أية حالة من الحالات؟ ويبقى أن المشكلة هو أن لنا في هذه الحياة حياة واحدة، ولنا عمر واحد أوحد، وانت ملزم بأن تعيشه رغما عنك، وان تحرص على أن يكون لك فبه هامش من الحرية، وذلك ي تلك الرقعة الكبيرة والواسعة واللامحدودة من الجبرية، ويبقى السؤال الحقيقي هو: -- وهل لنا غير هذا الذي أعطي لنا، أو هذا الذي فرض علينا؟ والذي يمكن أن نتصرف فيه في حدود الممكن؟
وما أوسع هذه الحدود لدى العقول الكبيرة، وما اضيقها في العقول الصغيرة والضيقة
يقول الشاعر العربي زهير بن أبي سلمى
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش
ثمانين حولا لا ابا لك يسأم
فهو لم يقل سئمت الحياة، ولكنه قال فقط سئمت تكاليف هذه الحياة، خصوصا بالنسبة لمن يصل إلى ارذل العمر، وتصبح تكاليف هذه الحياة كبيرة وكثيرة جدا
ويقول الاحتفالي من كتبت له وعليه خطوات مشاها، ومن أعطي أي دور في مسرحية الوجود، فإن عليه أن يلعبه بصدق، وأن لا يقول هذا الدور أصغر مني وأنا أكبر منه، والمهم أن يؤديه بإتقان وبراعة، وأن يكون في مستوى قيمة وقامة الدور الذي أعطي له
إننا في حياتنا اليومية، نشتم الدنيا ونلعنها، وفي النهاية، نحن لا نملك سوى أن نعشقها، وأن نتشبث بها، وأن نقبل بكل محاسنها ومساوئها، لأنه ليس لنا غيرها، ومن كان مثلي، يملك عالما آخر فليرحل إليه، وليهلم أنه بالفن العالم يمكن أن نجدد القديكم، وبأن بالخيال يمكن أن نزين القبيح، وأنه بالفن الجاد يمكن أن تعيد تركيب عناصر الوجود تركيبا جديدا، وأن نعيد له سحره الضائع والمضيع
الحياة أنثى والأنثى إغراء وغوابة
أما جون بيرس فنتوقف معه عند كلمة تتعلق بالحياة وبالمرأة والرجل والفضيلة، تقول الكلمة:
" الفضيلة ألا يكون في المرأة إغراء وألا تتاح للرجل فرصة"
وهل هذا شيء ممكن؟ وفي أي كوكب يمكن أن يكون هذا ممكنا؟ وفي أي زمن من الأزمان؟
إن المرأة أنثى، مثلها مثل امها الطبيعة، وليس ممكنا لهذه الأنثى أن تتخلى عن أنوثتها، وماذا يمكن أن تكون الأنوثة ـ في معناها الحقيقي ـ سوى أنها الغواية والإغراء؟ والطبيعة هي المدرسة العليا للاغراء والغواية، والحياة ايضا انثى، ولولا غوايتها الجميلة ما عشنا
ثم إن هذا الذي نسميه الرجل، لا يمكن أن يقاوم الإغراء، خصوصا وأن جمال المرأة امتداد لجمال أمها الطبيعة، ومن يقوى على مقاومة جمال الطبيعة، سواء في تمظهراتها الحسية أو المعنوية؟
ولأن الفرص اليوم، تنبت من حولنا كالفطر، فإن القبض على تلك الفضيلة يبقى بعيدا جدا، خصوصا في زمن تغيرت فيه معاني الكلمات، ولم تعد تعني ما كانت تعنيه من قبل، وبهذا يمكن الرجوع إلى المعاجم الجديدة، لنبحث فيها عن كلمة الفضيلة
سألني مرة أحد المتحزبين المتعصبين عن انتمائي الحزبي، وكان ذلك في حمى زمن الاستحقاقات الانتخابية، وقال لي بعد أن عرفني على انتمائه الحزبي، وكان ينتظر منب ان اكشف له عن انتمائي ايضا، فقلت له:
أنا أمازيغي عربي أفريقي موريسكي من المغرب، هذا في المقام الأول، وفي المقام تلثاني. انا مواطن كوني انتمي الى كوكب الأرض، وكان رد فعل الرجل غريبا جدا، فقد ثار في وجهي، وأمطرني بغضبه النضالي، فهل أخطأت لأنني لم أضع نفسي في خندق بحجم حزب، وانني قد وضعت روحي في وطن بحجم الوجود وبحجم التاريخ وبحجم هءا الكوكب الذي يسمئ الأرض؟ وإنني بالمناسبة أتوقف عند ما كان يقوله الجنرال ديغول:
"ديغول ليس مع اليمين ولا مع اليسار ولا مع الوسط، إنه فوق"
نعم، إنه الرئيس الأب، وفي صراع الأخوة وفي خصوماتهم، فإنه لا يمكن لهذا الأب سوى أن يكون فوق الجميع، وأن يكون مع الجميع، وألا يكون ضد أي أحد، وأرى أن المبدع في المجتمع ينبغي أن يكون صوتا لكل الناس، وأن يكون مع القوى الحية والطليعية والحرة في هذا المجتمع، وألا يكون إلا ضد التخلف، وضد الأمية، وضد الفقر، وضد الاستغلال، وضد القهر، إنه ضمير الجماعة، وأن يكون صوت الحق وصوت الحقيقة وصوت الجمال والكمال، وبذلك فهو غير قابل لأن يكون فئويا، أو يكون شعوبيا، أو يكون عشائريا، أو يكون قبليا ..
أما أبو حيان التوحيدي فيقول الكلمة التالية:
" عدل السلطان خير من خصب الزمان"
نعم، فما معنى أن تمطر الغيمة التي في السماء، إذا كان مردودها الزراعي سيعود إلى هارون الرشيد وحده ؟
وماذا يفيد أن يكون الإنتاج وفيرا، ويكون التوزيع سيئا وظالما، ولم يكن اقتسام الخيرات عادلا؟
وفي المغرب سياسة لدعم المسرح، ولكن هذا الدعم انتقائي ولا يذهب إلى كل التجارب المسرحية، نفس هذه الفئوية تمارسها الهيئة العربية للمسرح، والتي لها رجالها وعلماؤها، والذين يتكررون ولا يتجددون
وفي هذا الموضوع يقول أحد الكتاب ما يلي: إن الناس في المجتمعات ينقسمون إلى فئتين: فئة تملك الشهية ولا تملك الطعام، وفئة أخرى لها طعام وفير، ولكن رصيدها في بنك الشهية صفر، وفي نفس هذا المعنى يقول المثل الشعبي ( يعطي الله الفول لمن ليست له أضراس) أما من وهبه الله الأسنان والأضراس، فليس أمامه إلا الحصى ليطحنه، وتلك هي المفارقة الغريبة والعجيبة في دنيا الناس والحجارة.
وهذا كاتب آخر قال ( ليت الإنسان يصاب بالصحة، بدلا من المرض) ويمكن أن نضيف (وليت الإنسان يصاب بالغنى بدل أن يصاب بداء الفقر) لأن الغنى ـ في معناه الحقيقي ـ صحة وعافية، وفي المغرب يقول الناس عن الغني بأنه شخص ( لا بأس عليه) أما الفقير، فهو شخص مريض وعليل، وعلى وزارات الصحة أن تنتبه إليه، وأن تعالجه من هذا الداء الخبيث..
ويقول محيي الدين بن عربي ( المعرفة إذا لم تتنوع مع الأنفاس لا يعول عليها)
وأعرف، أن هناك في الناس من لا يؤمن بالتعدد ولا بالتنوع، وهناك من يسعى نحو معرفة واحدة، والتي هي معرفته التي لا شريك لها، والتي هي معرفة مسطحة وملساء وذات بعد واحد اوحد، ويمكن أن ترى الناس والأشياء بعين واحدة فقط، ومن زاوية واحدة، وأن تكون جامدة وثابتة ومتكررة مهما تبدلت الأحوال وتغيرت، كما أنها لا تتعدد بتعدد العيون التي تراها، ولا تتشكل بأشكال الحالات التي تحل فيها، ولا تتغير مذاقاتها بحسب النفوس التي تتذوقها، ولا تتنوع مع الأنفاس المتنوعة والمتجددة والحية، وهم يريدونها معرفة صالحة لكل الناس، في كل الأمكنة والأزمنة، وفي كل العصور والدهور.
وتلك التي نسميها الحقيقة، ماذا يمكن أن تكون في معناها الحقيقي؟
هل هي نور يضئ، أم إنها نار تحرق؟
وهل هناك كبير فرق بين النور والنار، وبين الاشتعال والاحتراق؟
يقول فريد الدين العطار في ( منطق الطير):
( اشتعلت أرواحنا، واشتعلت النار، والفراشة لا تنفر من النار، إنها تعيش مع النار)
وهي لا تعشق النار، ولكنها تحب النور لحد الموت احتراقا، وما العمل إذا كان الأصل في النور أنه نار؟
وبفضل الأسئلة المستفزة، أعدت النظر في كثير من المسلمات ومن البديهيات القديمة، وقمت بتحيين الأفكار القديمة، وكل ذلك من أجل ألا يلحق القدم هذه الأفكار، وان تظل جديدة دائما
وفي كتاب ( التيار الاحتفالي في المسرح العربي الحديث) يتحدث الاحتفالي عن فقه الاحتفالية، والذي هو أعلى درجات المعرفة، لأنها تتم بالقلوب الصادقة والمؤمنة لقوله تععلى ( لهم قلوب لا يفقهون بها) وعلم بالعقل، بدون فقه بالقلب، هو بالتأكيد علم ناقص، وكثير من العلم يستخدم اليوم في غير صالح الإنسان، ويصبح في خدمة العدوان على الشعوب المستضعة، بالسلاح المادي أو بالسلاح المعنوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق