تصنيفات مسرحية

الثلاثاء، 16 يناير 2024

المسرح العربي الحديث في القرن التاسع عشر إشكالات وقضايا

مجلة الفنون المسرحية


المسرح العربي الحديث في القرن التاسع عشر
إشكالات وقضايا

د. مصطفى عطية جمعة 

بدأت البواكير الأولى للمسرح العربي في العصر في بلاد الشام ، بيروت ثم دمشق ، بالنظر إلى الانفتاح المبكر لهذه البلدان على الثقافة الأوروبية، وسفر العديد من أبنائها إلى أوروبا ، كما كان هناك نشاط مسرحي، ظهر مبكرا في الدولة العثمانية، خل أراضي الدولة العثمانية مع عمليات الإصلاحات الاقتباسية الغربية التي بدأت في عصر السلطان سليم الثالث (1761 ـ 1808) وتطورت في عصر السلطان محمود الثاني ( 1785ـ 1839 ) ، الذي وسع عملية الإصلاحات في الدولة العثمانية واقتبس المزيد من الفنون والآداب الغربية من شعر ونثر وغيرهما. بعد تطور العلاقات الغربية العثمانية في عصر السلطانين سليم الثالث ومحمود الثاني أصبحت إسطنبول العنوان الأنسب لإقامة الكثير من الأجانب ومن بينهم عدد كبير من الفنانين والأدباء، وفي السنوات الأخيرة لحكم السلطان سليم الثالث بدأت الفنون وأشكال التمتع الغربية تظهر بشكل غزير وسّعَ الفن المسرحي في السنوات الأخيرة للسلطان محمود الثاني ما بين 1826 و1839 وبدأت الكثير من المسرحيات الغربية، وخاصة الفرنسية منها، تُترجم وتعرض باللغة التركية، وكان تتم هذه المسرحيات وسط دعم إعلامي ودبلوماسي غربي واسع حتى يتم تقبله من قبل الدولة العثمانية ومن ثم الشعب العثماني. وفي تلك السنوات قام الفنان الإيطالي غريستينيان بإنشاء أول مسرح مُجهز بكافة العناصر الفنية المسرحية من خشبة مسرح ومكان لجلوس الجمهور وستائر لإغلاق المسرح والتنقل من مشهد لأخر واستطاع غريستينيان إنشاء هذا المسرح بعد الحصول على إذن خاص من السلطان محمود الثاني. ()، ومنذ العام 1839هـ ، من خلال التراجم والاقتباس من المسرح العالمي، وقد أنشئت مسارح في مدن : يلدز واسطنبول ودولمة باغجة وأزمير وبوصا وأضنة وأنقرة، ومع بداية القرن العشرين أقيمت " دار البدائع العثمانية " وهي معهد للفنون المسرحية عام 1914هـ ، تتويجا للجهود المسرحية السابقة ، وهو عنصر تغفله الدراسات التأريخية للمسرح العربي، التي تمد بصرها إلى التأثيرات الأوروبية مباشرة سواء من خلال السفر لأوروبا ، أو من الفرق الأوروبية التي قدمت العروض في مدن الشرق ()، وفي الواقع فإن الجمهور العربي تعرف على المسرح من الفرق التركية التي كانت تزور الشام ومصر وغيرها، بجانب سفر كثير من المثقفين والعرب والتجار والسياسيين إلى تركيا في زيارات سنوية ، ومشاهداتهم هذه العروض، وتأثرهم بها ، وبالتالي لم يكن المسرح الغربي غريبا عليهم ، بل هو مقبول وموافق عليه من قبل الباب العالي ، بما يعنيه من سلطة دينية وسياسية عليا . 
  على جانب آخر ، فإن الدلائل لم تشر إلى استفادة أبي خليل القباني من مارون نقاش ، وأن كلا منهما كان يعمل بمعزل عن الآخر ، أو لم يكن هناك تنسيق بينهما أو استكمال لجهود بعضهما ، وتلك من سمات البدايات الأولى، كلٌ يجتهد في ضوء تكوينه ورغبته في إيجاد مسرح يجذب به الجمهور . 
   على العكس من الرائد الثالث للمسرح العربي ومؤسسه في مصر ، وهو يعقوب صنوع  (1839 – 1912م)، فقد تلقى مرانه المسرحي من خلال عمله مع فرقتين أوروبيتين ( فرنسية وإيطالية ) ، زارتا مصر العام 1870م ، وقدمتا مسرحيات الكوميديا والأوبريت،وتعرف من خلالهما على النصوص في لغتها الأصلية مثل موليير وشيريدان ، ثم كون فرقته الخاصة وألّف لها مسرحا غنائيا ، مع بعض الأغاني الشعبية ، ومن ثم راح يضع المسرحيات ويدرب عليها الممثلين ويقوم بإخراجها وإدارتها على المسرح، حتى وصل عددها إلى اثنتين وثلاثين مسرحية، أغلبها تصوير للواقع الاجتماعي الذي كانت تعيشه مصر أيامه ، مع انتقاد مظاهر التخلف والمظالم الاجتماعية ، وقد اجتذب جمهورا كبيرا ، لاعتماده الضحك المتصل مع مناقشة الهموم والمشكلات الاجتماعية ، وبراعته في تقديم شخصية الفلاح المصري، واندماجه في أدائها ، فهو متميز في أداء الشخصيات المهمشة والباهتة والضعيفة والمظلومة ، وإن كان يعاب عليه استخدامه النكات الجنسية واللفظية الفجة، فاختلط معه التهريج والأفكار ، وامتزج امتزاجا عضويا بفن المسرح() .
   وإن كان هناك من الباحثين من يشكك في كون " صنوع " رائدا للمسرح المصري، مستدلا على ذلك بعشرات الوثائق والأدلة التي عاد إليها في الصحف والمجلات والنشرات الصادرة في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، فلا توجد أية إشارة له من العام 1870 إلى العام 1911م ، وأن رائد المسرح المصري هو محمد عثمان جلال الذي كتب مسرحيات بالعربية والعامية عامي 1870 ، 1871م، وتبعه سليم خليل النقاش اللبناني ، الذي كون فرقة مسرحية قدمت أعمالها منذ العام 1876م ، وتحدثت الصحف عن ريادة النقاش للمسرح في مصر، ولم تشر إلى دور صنوع ، الذي ينتمي إلى أسرة يهودية ، وكان صحافيا شهيرا في مصر، حمل لقب "أبو نظارة " ، وأصدر العديد من الصحف الفكاهية، وأن كل ما قيل عن مسرح صنوع كان مصدره مذكراته الشخصية ، التي تم التلاعب بها لاحقا بالحذف والزيادة، وكذلك مجاملات أصدقائه من الصحفيين الأجانب والمصريين له. أما ما ينسب إلى صنوع من مسرحيات ولعبات تياترية فهي ليست من تأليفه ، ويحيط بها شك كبير، وأن كل ما نشبه صنوع لنفسه مسرحيا، كان مبالغا فيه ، وتم بعد هجرته إلى فرنسا، ورغبته في المفاخرة بأنه رائد المسرح في مصر، مع الجزم بأنه كان كاتبا صحافيا بامتياز، وله صداقات مع أمراء من الأسرة الحاكمة، والثابت أن له علاقة وثيقة بالمحافل الماسونية التي انتشرت في مصر، ودعمت هجرة اليهود إلى فلسطين، وإقامة وطن قومي لهم، والتعاطف معهم إنسانيا، وفي سبيل ذلك أراد المفاخرة بأنه كيهودي رائد للتحديث والفنون والتقدم في مصر، وأن من كتب عن يعقوب صنوع كان بالاتفاق مع ابنته ، وسافر لباريس للحصول على هذه الوثائق منها() . 
   وبغض النظر عما أثير عن صنوع رغم أهميته التاريخية، إلا أنه من الثابت أن البدايات الأولى لنشأة المسرح العربي، تشير إلى جملة أمور في منظور التحيز فهي: 
- بدأت في المدن والعواصم ذات الاتصال المباشر بالغرب، بحكم وجود الأجانب من جهة ، ووجود فرق مسرحية أجنبية من جهة أخرى ، ومع ذلك ، نشأ المسرح العربي بشكله الأوروبي ، ساعيا إلى ترسيخ ذاته ثقافيا وفي الذائقة العربية، وهو ما جذب الكثير من الجمهور إليه . وقد عملوا على  " تحقيق نوع من المواءمة بين هذا الفن الدخيل، وبين ما اعتبر مميزات الذوق العربي، وذلك من خلال إدخال تعديلات على هذا الفن تبعده، في كثير من الأحيان، عن نتاجاته التي ستتلاءم، مع ميول الجماهير العربية وأذواقها " ().
- حملت معها سلبيات البدايات ، حيث الاقتباس بدون توثيق، وفوضى الكتابة النصية، والرغبة في تسلية الجمهور بالغناء والموسيقى ، على حساب النص.
- مالت إلى تقديم هموم الجمهور وقضاياه الاجتماعية، مع الضحك والتسلية ، فجذبت شريحة واسعة من الطبقة المتوسطة والفقيرة والمهمشة . 
- لم تؤثر في أشكال السامر الشعبي ، التي استمرت في القرى والمدن وحتى العواصم العربية ، بما يعني وجود تيارين للفرجة المسرحية : الأول المسرح بشكله الأوروبي مع تغيير مضمونه ليتناسب مع الثقافة المحلية ، والثاني : السامر الشعبي مثل خيال الظل والحاوي والقرداتي والمحبظية والحلقة ، التي استمرت وإلى عهد قريب ، تمتع العامة والخاصة في المواسم المختلفة ، متخذة من الشوارع والساحات وأفنية البيوت مكانا لعروضها، فاستمرارها دليل على تعلق الناس بها . 
-سافرت الفرق المسرحية إلى بلدان عربية في بلدان المشرق العربي ومغربه ؛ لتقديم عروضها، مما ساهم في تكوين قبول جماهيري عربي لها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق