تصنيفات مسرحية

الاثنين، 11 مارس 2024

الاحتفال المسرحي عيش مضاعف(78) / د.عبد الكريم برشيد

مجلة الفنون المسرحية 

الاحتفال المسرحي عيش مضاعف(78)

                      فاتحة الكلام
 
بخصوص المسرح وبخصوص فعل التمسرح، وفي فاتحة هذا الكلام، القديم الجديد معا، يتساءل المسرحي الاحتفالي عن معنى ان يكون الإنسان مسرحيا  في هذه الحياة المسرحية، وهل يجرؤ اي أحد أن يسأل مثل هذا السؤال من غير ان يكون إنسانا حيا، بشكل حقيقي، وان يكون مواطنا مدنيا بشكل حقيقي، وأن يكون عالما ومفكرا وفنانا، بشكل حقيقي، وأن يكون فاعلا ومنفعلا ومتفاعلا، في ذاته ومحيطه، بشكل حقيقي، وان يكون يكون متاملا ومفكرا وسائلا ومتسائلا، بشكل حقيقي؟ 
 ولما كان الشاعر الاحتفالي، في هذا الكون الاحتفالي، وفي هذا العالم الاحتفالي، وفي هذا الزمن الاحتفالي،   محكوما بأن يعيش حياته الواحدة، باعمار متعددة ومتنوعة، وان يحيا الوجود المضاعف، وان يعيش الزمن المضاعف، فقد حاول دائما أن يحيا هذه الحياة، وهي في صورتها الصادقة والشفافة، وإن يعبر عنها، بكل اللغات وبكل الأبجديات، الكائنة والممكنة معا، ايمانا منه بان وجود لغة واحدة يتيمة، لا تكفي، وبان وجود ابجدية واحدة، في هذا الوجود المتعدد الجهات والحيوات والهويات لا تكفي، وان وجود مسرح واحد اوحد، في هذا العالم المتنوع الجغرافيات واللغات والثقافات لا يكفي، وان وجود مسرح ثابت وجامد، في هذا العيش المتجدد بالحالات الجديدة، والمدهش في مل اللحظات بالمقامات المدهشة والعجيبة، فإنه ليس مسرحا حقيقيا ابدا، وقد يكون شيئا آخر ، وأن يكون ضروريا ان نبحث له عن تسمه الآخر 

                    لا شيء اجمل من الحياة إلا الحياة

وبحسب الا
حتفالي، العاشق للجمال في الحياة، فإنه لا شيء اجمل من الحياة إلا الحياة، ولا شيء  عند المسافر ابلغ من فعل السفر، وهل تكون هذه الحياة، في معناها الحقيقي، إلا سفرا سورياليا في قطار الحياة؟ ولعل هذا هو ما عبرت عنه احتفالية مسرحية اسمها ( يا مسافر وحدك) والتي أخرجها المخرج الاحتفالي عبد المجيد فنيش، والتي قدمتها فرقة الأوركيد من مدينة بني ملال، والتي صدرت عن منشورات ايديسوفت بالدار البيضاء
وإلى حدود هذا اليوم، ورغم ان هذا الاحتفالي الذي يسكنني، قد تكلم كثيرا جدا، وانه قد كتب كثيرا جدا، فإنه مازال في حاجة إلى الكلام،  ومازال الملام الصادق في حاجة إليه، ولقد تعود ان يقول كلمته الصادقة، وان يمضي .. إلى الأمام، لأن الحقيقة موجودة في الأمام، وليس في الخلف 
 ولقد تغيرت اشياء كثيرة في هذا الواقع، وتجددت وقائع كثيرة في خرائطه، ولكن حفيد سارق النار مازال لم يتغير، ومازال يقبض على الجمر المشعل، ومازال يسعى لأن يحول تلك النار الحارقة إلى نور يضيء الطريق إلى الحق وإلى الحقيقة
 ومازال ذلك المشاغب الاحتفالي مصرا على فعل الشغب العلمي والفكري والجمالي، ومازالت الأسئلة الاحتفالية القديمة تهرب من تلك الأجوبة المدرسية الكائنة والجاهزة، إلى هذه الأسئلة الأخرى الجديدة، والتي تعاود الظهور، مع كل يوم جديد، ومع كل ساعة جديدة في هذل الزمن المتجدد 
 
                 المسرح  والوجود وسؤال الوجود

ولقد تعددت الأسئلة في أعمار هذه الاحتفالية، ولكن يبقى أن اكبر وأخطر كل الأسئلة هو سؤال الكينونة وسؤال الوجود ( اي أن نكون او لا تكون، وحول قطب هذا السؤال المركزي تدور آلاف الأسئلة الفرعية، وهي  بهذا تنتمي كلها إلى السؤال المؤسس، والذي تدور في فلكه وملكوته كل الأسئلة) هكذا تكلم الاحتفالي في كتاب (فلسفة التعييد الاحتفالي في اليومي وفي ما وراء اليومي) والذي صدر عن منشورات توبقال بمدينة الدار البيضاء 
وهذه الاحتفالية، المغرمة باصول الأشياء، وباسس الأفكار، وبمصادر العلوم، وبمنابع الفنون، تجد نفسها دائما، سوأء في حياتها أو في حياة افكارها، منحازة إلى روح المسرح، قبل اشكاله وقبل صيغه وقبل تقنياته وقبل آلياته المتجددة، والتي قد تكون موسمية، وتكون عايدبرة، لأن الاصل في المسرح أنه البدء المؤسس لما بعده، وأنه الجذع الذي تتفرع عنه كل الفنون، القديمة والجديدة والمستجدة معا، كما أنه فن شامل ومتكامل وابدي وسرمدي وخالد، ولقد راهن الاحتفالي هذا المسرح، لأنه ( فن حيوي، ولأنه ايضا، احسن ما يمكن أن يعبر عن صوت الحياة،  وعن تدفقها وعفويتها وشفافيتها  وانسيابيتها) وبهذا فقد كان الاحتفالي مخلصا ووفيا لفلسفته الفكرية والجمالية والأخلاقية القائمة على إنسانية الإنسان  وعلى حيوية الحياة، وعلى مدنية المدينة
ولأن الأصل في هذا الاحتفالي هو انه مواطن مدني حر ومتحرر وعاقل وفاعل و ومستقل، فقد دعا لمسرح  شامل ومتكامل، مسرح يقوم عى ( التعبير الحر للإنسان الحر، في المجتمع الحر)
وهذا المسرح الاحتفالي ينطلق اياسا ( من المبدأ التالي، والذي هو (اسبقية الحياة على الفكر) وقد يكون هذا المسرح حياة اخرى، اجمل واكمل واصدق، وقد يكون تفكيرا حيا بالكلمات وبالحركات وبالمواقف وبالشخصيات وبالحالات، وعليه، فإنه جوهر هذا المسرح، وخليته الأساس، هو الاحتفال وهو العيد دائما ( وماذا يمكن أن يكون الاحتفال سوى أنه الحياة التي هي مجموع الصدف المتداخلة والتجاورة والمتشابكة.. لأن الاحنفال هو الممكن واللاممكن، وهو المعروف والمجهول، والحاضر والغائب، المتوقع والمفاجئ، والواقع والحلمي، والمحسوس والمتخيل) هكذا تحدث المسرحي الاحتفالي في كتابه ( الاحتفالية مواقف ومواقف مضادة) الكتاب الثاني..
والمسرح اساسا حياة وحيوية، وهو لحظته الحية المتحركة، وهو فعل يمشي إلى الأمام ولا يلتفت إلى الخلف، وفي معنى هذه الحيوية، والتي هي نهر الحياة، يقول الاحتفالي ( ان النهر هو الماء، وهو المجرى، وهو الزمن الذي تتحقق فيه هذه الحركة، والذي هو لحظات متغيرة ومتجددة ومنفلتة)
والماء الذي لا يتحرك يلحقه الفساد، وكل ماء لا يسير داخل خط محدد ومعلوم، لا يمكن أن يكون نهرا ابدا، وكل حركة مسرحية في التاريخ، ليس لها ذاكرة وليس لها تاريخ، وليس لها مجرى ثابت تجرى فيه، فهو مجرد هذيان وفوضى، او هو فعل لا يقول شيئا، ولا يتغيا شيئا، وهذا هو حال كثير من التجارب المسرحية المغربية و العربية اليوم، والتي تمشي وتسير، بغير بوصلة ولا خرائط، ومن غير أن تعرف إمن اين جاءت، ولا  إلى أين يمكن ان تمضي..
في هذه الأيام الأخيرة كانت لي لقاءات صحفية كثيرة جدا، ولقد حاصرتني باقة من الأسئلة الجادة والجديدة، وكانت لي رحلة ممتعة وسريعة الى مدينة طنجة، وبمدينة الدار البيضاء كنت ضيفا على موقع le 360  في ضياعة الإعلامي المثقف اشرف حساني، اما بمدينة طنجة فقد استضافتني المذيعة والمثقفة اعتماد سلام، وفي الحوار الأول كان السؤال منصبا على حاضر المسرح المغربي بشكل خاص، اما الحوار الثاني فقد كان متصبا على مساري الوجودي والفكري والإبداعي، وفي الحوار الأول، قال اشرف الحساني في تقديمه التعريفي ما يلي:
(بات المسرحي عبد الكريم برشيد، من المسرحيين المغاربة القلائل الذين تميّزت أعمالهم المسرحية ونظيرتها النقدية، بإبدالات هامّة على مُستوى طرح أفكار جديدة، تهدف إلى تحديث الفرجة المسرحية في المغرب)
وفي هذا الحوار يقول الاحتفالي بأنّ المسرح المغريي اليوم ( يبدو عبارة عن مسرح إداري همّه الأساس، يتمثّل في تقديم أوراق تُقدّم للوزارة على أساس أنها العروض التي قد جرى عرضها داخل المسارح، أكثر من كونه مسرح يُفكّر في اجتراح أفق فني جديد أكثر تجذّراً في الذاكرة المغربية وبيئتها)
هو مسرح إداري إذن، بنته الإدارة بحس اداري، وبتصور اداري، يحضر فيه الكثير من الأوراق، ويغيب فيه، أو يغيبر، كثير من المسرح ومن روح المسرح ومن اجتهادات المسرح ومن جنون المسرح ومن شطحات المسرح
ويضيف الصحفي في تقديمه ان (صاحب « احتفالية الصعلوك " بان الغرض الأساس من دخوله إلى عالم المسرح، ليس كتابة مسرحيات وعرضها، وإنّما التفكير في تأسيس تيار مسرحي مغربي. ونظراً إلى طبيعة المجتمع من حيث التركيب وغنى حضارته، كان مفهوم « الاحتفالية » يفرض نفسه في الحلقة والأسواق والحفلات  وهذا الأمر، قادني إلى التفكير براديغم الاحتفالية باعتبارها نمطاً مسرحياً قديماً وقادراً على التجدّد والتأصيل. إذْ يرى بأنّ هذه الاحتفالية « هي منظومة من القيم أولا، وأنها حدث في التاريخ الحديث ثانيا، وأنها ظاهرة من ظواهره المتعددة ثالثا، وأنها هزة من هزاته العنيفة والقوية رابعا، وإن مثل هذا الاختيار له بالتأكيد أسئلته،  وله أجوبته وله خلفياته التي يضمرها)
وبخصوص ضرب المثل، يقول لكم الاحتفالي ما يلي:
هل اتاكم حديث تلك المغنية الصاعدة، والتي كانت في أول ظهور لها امام الجمهور الواسع، والتي غنت له مطلع الأغنية أولا، ووجدت الجمهور يهتف امامها وهو يردد
--  اعد .. اعدد .. اعد ..
فداخلها شيء من الفرح ومنةالارتاح، وأعادت نفس المطلع مرة ثانية، ووجدت نفس الجمهور يهتف امامها بنفس الكل
 -- اعد.. اعد.. اعد ..
واعادت المطلع بكثير من الارتياح ومن الثقة في النفس ومن الفرح..
وبقي الحال على ما هو عليه، هي تغني نفس المطلع، والجمهور يطالبها بالاعادة، حتى خرج لها واحد من الجمهور وقال لها بصوت مرتفع:
-- لا يمكنك أن تغني شيئا آخر، قبل أن تحسني غناءالمقدمة اولا، وربما كان هذا هو حال المسرحيين العرب اليوم، انهم يعيدون نفس المطلع، لحد الإملال،ولحد السام، قبل أن ينتقلوا الى ما بعد المقدمة، والتي طال انتظار ها، الشيء الذي جعل هذا المسرح العربي حبيس مقدمته الطللية، والتي طالت أكثر مما يلزم
ونحن اليوم، تماما كما بالأمس ط، امام جمهور مسرحي يصفق لكثير من العروض المسرحية، والجمهور يقول اعد ..اعد..ويتم تقديم نفس المسرحية، بكثيرمن عدم الفهم ومن عدم الإتقان للأبجديات الأساسية للفعل المسرحي، ويبقى أن أشير أن هذا المسرح العربيريتوفر على كفاءات كبيرة، ولكنها تمثل الاستثناء، ولا تمثل القاعدة..

                       الاحتفالية بين التمثيل والتمثل

والاحتفالية في مجال المسرح، تقترح التمثل في مقابل التمثيل، لأنها ترى أن ما يقع في الواقع اليومي هو التمثيل الحق، وأن إعادة إنتاج هذا التمثيل الواقعي، بكل ما فيه من كذب وزيف ومن كرنفالية، هو ابتعاد عن الحقيقة بمسافتين او بدرجتين، وهذا ما جعل الاحتفالي في بيان ( الف باء الواقعية في المسرح) يقول ( فعندما أراك لا أرى غير القناع، اما انت، فمصادر لفترة قد تطول وقد تقصر.. ومن هنا كان (التمثيل) هو ما يحدث يوميا داخل المجتمع، وبهذا كان الاحتفال هو ذلك الحيز الزمني الذي تتوقف فيه لعبةالتمثيل)
وبالنسبة للاحتفالي والاحتفالية. فإن مسرح يمثل على الجمور، بدل ان يتمثل معه واقعا تخيلا، هو بالتاكيد مسرح كاذب ومزيف،
وفي هذا التمثل يحضر الحكي، وتحضر المحاكاة، ويصبح لهذه المحاكاة معنى التحدي ومعنى التصدي، وتكون في درجة الموقف النقدي، والذي بهتم بالصورة وبما وراءها وبما خلفها، والذي لايستعرض الواقع، كما هو هذا الواقع، ولكنه يعريه، ويكشف الحجب عنه، ويرفع الأقنعة هن وجهه، وفي فعل هذا الحكي يحضر الماضي، وتحضر الذاكرة،  ولكنه في فعل التمثل يحضر التوقع، وتحضر النبوءة، ويحضر فعل قراءة الغائب والمغيب، وفي بيان (الف باء الواقعية الاحتفالية في المسرح ) والذي نشر بمجلة (الثقافة الجديدة) سنة  1976يقول الاحتفالي بأن المحاكاة الاحتفالية (لا تعني نقل الواقع كما هو بالفعل، ولكن كما يمكن ان يكون، او كما كان من الممكن أن يكون) والأساس في المحاكاة الاحتفالية هوانها لا تتعلق بصور الأشياء، ولكن بجوهرها وبروحها، والاحتفالي ليس مصورا صحفيا، ولكنه متنبئ وعراف، وهذا ما جعل هذه المحاكاة الاحتفالية ( قائمة على التحدي والتجاوز) اي تحدي الكائن، بحثا عن الممكن، وبحثا عن الموجود لتجاوزه بالبديل المستقبلي. وليس لتكريسه واعادة إنتاجه واستنساخه
ونحن في الفعل الاحتفالي نقول بان ما نراه امامنا هو بالتأكيد  موجود، وحتى ما لا نراه، فهو موجود ايضا، وكل ما هو بعيد عنا. زمننا أو مكانيا، فهو فريب بالنسبة الينا، نحن الآن هنا، وهو في نفس الوقت بعيد بالنسبة للآخرين هناك، في الجغرافيات الأخرى وفي الأزمان الأخرى
وفي البدايات الأولى للمسرح الاحتفالي،  في اواسط السبعينات من القرن الماضي ، كانت التهمة الأبرز، والموجهة لهذا المسرح الجديد هي تهمة الغموض، وكنا نقول لهم ما يلي. هو فعلا مسرح غامض وملتبس، لأنه الحياة، ومتى كانت هذه الحياة واصخة؟  وحتى بالنسبة الينا، في جماعة المسرح الاحتفالي، فقد كانت هذه الاحتفالية غامضة، وكانت في حاة إلى البحث والاجتهاد واانجريب
وكنا نقول لمنتقدي هذه الاحتفالية الولبدة  بأن ما هو غامض هءا اليوم فد لا يكون غامضا غدا، أو بعد غد، ونحن ما تبنينا فلسفة اصدار البيانات الاحتفالبة إلا من أجل أن نبين بها وفيهت ما ينبغي تبيانه ، وأن نوضح ايضا.  وان ستوضح، ولقد كانوا ينتظرون منا.  ونحن في درجة الصفر من التحتفالية، أن نقدم لهم هذا المسرح الجديد وهو في دجة الكمال النهائي، وأن نقول لهم هذا هو المسرح الاحتفالي، وهءا هو انجيله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق