تصنيفات مسرحية

الثلاثاء، 14 مايو 2024

45 عاماً على رحيله : عصر صقر الرشود المسرحي .

مجلة الفنون المسرحية


45 عاماً على رحيله : عصر صقر الرشود المسرحي . 

*الحسام محيي الدين

قَلَّ من يُرى في الناس حاملاً قضايا اجتماعية وهو يهجس بطرحها ومعالجتها كرُجل المسرح الذي يعبر بها إلى اللّعب على الخشبات ، لا سيما في المراحل التي تسود فيها تحديات التحوّل والمصير بين واقعٍ وآخر حيث لا مجال فيها للمساومة ولا المخادعة ، وحبّاً منه ببلوغ النهايات السعيدة التي تؤكد طليعية " أبو الفنون " ببعده الأخلاقي مُستمدّاً من منطق عصره وثقافة حواضره . في ضوء هذا التمثل الوعوي المسرحي ، لنا أن نستحضر الذكرى الخامسة والأربعين ، وإن مرّت منذ أربعة أشهر ونيّف ، لرحيل ابن الكويت صقر الرشود الذي وُلِد في 11 يونيو حزيران  1941 ، كاتباً ومخرجاً وممثلًا ومنتجاً مسرحياً ، شقّ طريق المسرح وسار فيه ، بعدما قلبته الأيام مع عائلته طفلًا ثم فتًى ورجلًا بين الكويت والهند والبحرين وباكستان والسعودية حتى عاد إلى الكويت ليكمل دراسته العامة حتى الالتحاق بجامعة الكويت / قسم العلوم السياسية فتخرج منها عام 1974 بتقدير جيد جدا ، لكنها لم تثنه عن محبة المسرح الذي لطالما شغله واستماله حتى انخرط فيه إلى أذنيه في تلك المرحلة المبكرة من تكون المسرح الكويتي والخليجي عامة . كان الرشود من أهم مؤسسي المسرح الكويتي المعاصر ، بعد حمد الرجيب ثم تلميذه محمد النشمي الذي كان يتردد الرشود لحضور عروضه ومسرحه الارتجالي ، حتى كتب مسرحيته الأولى " تقاليد " وأخرجها عام 1960 ولعب فيها النشمي نفسه  دور البطولة ، ثم حاول بعد ذلك تأسيس فرقته المسرحية الخاصة ، فنجح في إطلاق " فرقة المسرح الوطني " مفتتحاً أعمالها بمسرحية " فتحنا " عام 1962 وهو العمل اليتيم الذي فرطت الفرقة بعده ، إلا أنه تابع مسيرته المسرحية الطامحة بعد ذلك التي يمكن تناولها درساً وتأويلًا بكونها عصر صقر الرشود المسرحي ، رائد النهضة المسرحية الكويتية / الخليجية  بلا منازع ومن دون شك ، رجلاً مسرحياً مستنيرا ، حمل ثقافة المسرح دوراً رسالياً لنقد المجتمع من أجل تقويمه وتقدمه ، ودافعاً بالمسرح الخليجي إلى الحاضنة العربية المتسعة من المحيط إلى الخليج ، فاتحاً الباب واسعاً أمام الفرق الكويتية كي تعرض في أهم المدن والعواصم العربية التي كان لها تاريخ مسرحي مجيد ؛ فبعد أن أسّس عام 1963  فرقة " مسرح الخليج العربي " جنّد لأجلها كل طاقاته المسرحية كمؤلف ومخرج وممثل ومُعدّ ، وعرض مسرحية " الحاجز " في القاهرة عام 1966 ، و" نعجة في المحكمة " و " بخور أم جاسم " في البحرين عام 1970 ، وعرضت " الدرجة الرابعة " في دمشق والقاهرة عام 1971 ، ومسرحية " 1 .4.3.2.  بم " في البحرين والامارات ودمشق عام 1972 ، و " شياطين ليلة الجمعة " في مهرجان المغرب المسرحي عام 1974  ، ومسرحية " الواوي " في الامارات والبحرين وقطر عام 1976 ، و " حفلة على الخازوق " التي اشتهرت عربياً في مهرجان دمشق المسرحي عام 1977 ثم في القاهرة عام 1978 ، ومسرحية " عريس لبنت السلطان " في الجزائر وليبيا عام 1978  حتى بلغ مجموع ما أخرجه وألفه ومثله وأنتجه الرشود للمسرحين الكويتي والخليجي  23 مسرحية ، بعضها تشاركياً لناحية التأليف مع عبد العزيز السريع ، نذكر منها أيضا : أنا والأيام (1964 ) المخلب الكبير ( 1965 ) الطين (1965 ) الحاجز ( 1966 ) شياطين ليلة الجمعة ( 1973 ) بحمدون المحطة ( 1974 )  ، كما فازت مسرحيته " علي جناح التبريزي وتابعه قفة " بجائزة أفضل مُخرج مسرحي في مهرجان دمشق المسرحي عام 1970 ، ثم أفضل عرض في المهرجان نفسه ( الدورة الخامسة )  عام 1975 وهي من تأليف المسرحي المصري ألفريد فرج ، كما قدّم في الامارات العربية المتحدة التي عمل فيها خبيراً في شؤون المسرح في وزارة الاعلام مسرحيات عديدة منها  شمس النهار ، السندباد ، الأول تحوّل . حملت نصوص الرشود  قيمة فنية عالية وهي تعبر إلى العرض على الخشبات ، بلُغة المسرح الراقية والمتزنة والجريئة ، إذ تناولت واقع الحياة الكويتية من الصراع الطبقي في مسائل الغنى والفقر والحسب والنسب والزواج إلى الفساد الإداري ، ثم المشاكل الأسرية وصراع الأجيال في علاقات الأهل بالأولاد وتربيتهم وطموحاتهم  بمواجهة التقاليد والقيم الاجتماعية لا سيما بعد ظهور النفط ، كما في المخلب الكبير ، الطين ، الحاجز وغيرها من المسرحيات التي من اللافت أنها حملت رغبة نبيلة في التحذير من الغرق في حياة الثراء الفاحش بمعالجة معمقة مناسبة للفعل الدرامي ، وبحيث لا يكون هذا التحذير مناداة  بالرجعة إلى الوراء كردّ فعلٍ ارتجالي على كل جديد في المجتمع ، إنما بوعيه واستيعابه بما يوافق مبادىء الأخير ، وحيث لنا أن نتمثّل ما طرحه هذا الرائد في مسرحه توّاً بعد حوالي نصف قرن من رحيله ، نعني بذلك إعادة عرض تلك التيمات الفكرية التي تتمحور حول السقوط  في فخّ إغراءات المال والسلطة والرفاهية والحياة السهلة ، لهذا الجيل وأجيال لاحقة من أجل مجتمع أكثر تماسكاً واتحاداً بمواجهة تحديات الانفتاح على الآخر من مدنيات أخرى الذي قد لا يكون مفيداً دائماً بالضرورة  لمجتمعنا . وفي هذا السياق ، نشير أيضاً إلى أهمية الرشود كاتباً مسرحيا ، في نصوصه التي وجدت الحل لمشكلة واجهت المسارح العربية الأخرى أيضا ، نعني صعوبة الحصول على النص الجيد الأصيل الموضوع محليا ، بعيداً من الاقتباس أو الاعداد من طريق الترجمة عن الريبرتوار الغربي ، وحيث يمكن الجزم بأن هذا الرجل الريادي في مادته المسرحية التي كتبها بنفسه فتح مع آخرين باب التأليف المدوّن للمسرح الكويتي على مصراعيه بعد سنوات طويلة من الارتجال ، وهذه تحسب له في ريادة المسرح الخليجي وتأصيله على أسس متينة . وعلى نفس الخط الناظم لتجربته المسرحية ، بسط الرشود جماليات رؤيته الفنية في إخراجه شخصياً جميع ما ألّفه هو من مسرحيات ترجم فيها بشكل أو بآخر الفترات المتقطعة من حياته التي ادلهمّت أحداثها العائلية في وجدانه وشخصيته ومنها فقدانه لولديه نضال وفراس في سن مبكرة في حادث سيارة ، والتي بعثت فيه أبعادا إنسانية نقية للابداع المسرحي وجسرا بين ما عدهُ الراحل خواء العالم من حوله ، والحياة الثقافية / الفنية الضاجّة بالتجدد ، وكأنّ المسرح مكانه وزمانه القدسي الذي يبدأ بعد الدقات الثلاث وارتفاع الستارة ليقيل عثرته بعد كل كبوة عائلية ، وليكمل به مسيرته مسكونا بهموم الناس والتعبيرعنهم في ورش مسرحية دائمة بين البيت والمكتب وكواليس الخشبة ، إلى إشراقاته الأدبية في كثير من المقالات النقدية في ظواهر الثقافة والاجتماع في جريدة " أخبار الكويت " ( الأنباء اليوم ) . توفي الرشود في الخامس والعشرين من ديسمبرعام 1978 شاباً بحادث سير في الامارات العربية المتحدة كما ولديه سابقا ، وكما ولده سلمان لاحقا في يوليو من العام 2008  وهو في الثلاثين من عمره ، تاركاً إرثاً مسرحياً وثقافياً فريداً عالي الفنية والابداع رغم حياته القصيرة ، ودائماً في سياق النهضة المسرحية الكويتية التي تستحق الدرس والبحث طويلا في غير مقال ومقام . رحم الله صقر الرشود . 

*ناقد وباحث بيروت . لبنان 

     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق