تصنيفات مسرحية

الثلاثاء، 11 يونيو 2024

الاحتفال في الدائرة والدائرة في الاحتفالية (95)/ د.عبد الكريم برشيد

مجلة الفنون المسرحية 


الاحتفال في الدائرة  والدائرة في الاحتفالية (95)

                        فاتحة الكلام

عن الدائرة احكي اليوم بشكل عام، وعن هذه الدائرة، في الرؤية الاحتفالية وفي الفكر الاحتفالي وفي الإبداع  الاحتفالي احكي ايضأ، ولكن  بشكل خاص وبشكل حميمي
وكل شيء في الاحتفالية يبدأ ولا ينتهي، وكل شيء يذهب ثم يعود، وهو حين يعود يكون أكثر جدة، ويكون اكثر جمالا، ويكون أكثر قوة، وعليه فإن هذا الذي نسميه الماضي لا يمضى، وهو حين ياتي من الآتي يكون جديدا دائما، وقد نعتقد كثيرا من الأشياء ومن الأفكار جديدة، وما هي فعلا كذلك، لأنه لا وجود في هذا العالم القديم إلا القديم وحده، ودور الإنسان العاقل والمفكر والمبتكر والمكتشف في الحياة هو أن يجدد كل شيء في حياته وفي حياة هذا العالم
والأصل في الدائرة انها محيط ومركز. وانه في هذ الاحتفالية تتغير الحركة وتتغير وتتجدد، وذلك في هذا المحيط المتحرك، ولكن المركز يظل واحدا وثابتا. وفي هذا المعنى يقول الاحتفالي عند تقديم احتفالية ( عبد السميع يعود غدا)  والذي يؤكد فيها بأنه ليس بعد اختفاء عبد السميع إلا الظهور من جديد، وليس بعد غيابه إلا الحضور، وانه ليس ذهابه إلا العودة، وفي هذه الدائرة تستعيد الأجساد و الأرواح حياتها وحيويتها، وتستعيد بداياتها المؤسسة الأولى 
ولقد عاش معي عبد السميع وعشت معه، وذلك على امتداد عقود طويلة جدا، وفي العمر الأول خرج من بيت ليس بيتا، ولم يعد إليه، وفي العمر الثاني من عمره المسرحي ظهر في احتفالية ( النمرود في هوليود) وكان في دور حارس عمارة مهددة بالإفراغ وبالسقوط، وفي العمر الثالث وجدناه يستعيد عشقه لوطنه ولبيته ولزوجته الخامسة، ويقرر العودة إلى تقطة البدء المتجدد، وعن هذا العبد السميع العائد يقول الكاتب (وعندما أعود اليوم لعبد السميع، فإن ذلك لا يعني أن هذا العبد السميع كان غائبا عني او كنت غائبا عنه، وذلك بحكم ان الغياب في الشريعة الاحتفالية غير مسموح به، وبحكم أن الحضور وحده يشكل القانون الاحتفالي، ويشكل ناموسه الأسمى، ويشكل قانونه، وهو الذي يؤثث عوالمه وقاراته، وهو الذي يؤثث جزره وخلجانه الغريبة والعجيبة والمدهشة)
ونحن في الاحتفالية نؤمن بالدأئرة، ونؤمن بفعل التدوير، في الطبيعة وفي الثقافة معا، ونؤمن بان ماء الأمطار لا يأتي من السمأء، ولكن كن الأرض، وتحديدا من مياه البحر المالحة، وهو في عودته إلى مصدره  يكون حلوا دائما، ويكون صافيا، وبهذا تكون الطبيعة هي اكبر المصانع لتحلية مياه البحر، وفي عملية التدوير يسعى الاحتفالي من اجل إخراج الجمر من الرماد، واخرج الجديد من القديم، ونحن نسعى في هذه الاحتفالية المجددة والمتجدة  الى أخراج الحي من الميت، وان يتم بقوة الفكر والشعر والسحر، وما قد نظنه جسدا ميتا، فانه ليس مبتا بالضرورة، ولمسة الإنسان السحرية يمكن أن تحول كل شيء، وأن تغير كل شيء، وبهذا المنطق أسس الاحتفالي احتفاليته، وذلك عندما فكر في الأفكار (الفديمة) ومنعها من أن تكون قديمة،  وأعطاها من ر وح الساعات الجديدة اعمارا اخرىجديدة، واعطاها من روحه ومن روح اللحظة الحية حالات انسانية جديدة 

                    الاحتفالية اعمار متعددة في حياة واحدة 

هذه الحياة، حياتنا، ماذا يمكن ان تكون سوى انها اعمار متتابعة، عمر بعد عمر بعد عمر، وتنقضي الأعمار ولا تنتهي الحياة، وهذا المشي الذي نمشيه في دروب الدنيا ماذا يمكن ان يكون سوى انه خطوات متسارعة، خطوة بعد خطوة بعد خطوة، ولذلك فقد رددنا تلك المقولة القديمة الجديدة والتي هي (رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة ) وقد يظهر بأن هذه الخطوة الواحدة يمكن أن تكون بلا قيمة، ولكنها غير ذلك، لأنها الخطوة المؤسسة لما بعدهأ، وهي بداية الخطوات التي سوف تاتي بعدهأ، والتي قد تقطع بنا أكبر المسافات، وتصل بنا إلى ابعد الغايات، وكذلك كانت هذه الاحتفالية التي ملأت الدنيا وشغلت الناس مجرة خطوة صغيرة في عالم كبير جدا، وفي أواسط ذلك الربيع السبعيني، من ذلك القرن الماضي، من تلك الألفية خرج إلى الوجود بيان صغير بطموح كبير سميناه (بيان المسرح الاحتفالي) والذي نشر في الملحق الثقافي لجريدة ( العلم) المغربية، ولم يكن ضروريا ابدا أن نكون على علم بهذا الذي سميناه المسرح الاحتفالي،  والذي تمثلناه نحن حلما جميلا، وأصر الآخرون على ان يقولوا هو وهم واهمين وهو سراب في صحراء لا ظل فيها ولا ماء 
وفي حياتنا اليومية تتواتر الاحتفالات وتتجدد، يوما بعد يوم، وسنة بعد سنة، وعقدا بعد عقد، ولكن هذه الاحتفالية تظل دأئما واحدة. وهي في سيرها تدور حول نفسها، لأن محورها الفكري والجمالي والاخلاقي واحد، وهي تدور حول الشمس ايضأ. لانها ذرة من ذرات هذه المجموعة الشمسية
وفي كتاب ( فلسفة التعييد الاحتفالي في اليومي وفي ما وراء اليومي) يقول الاحتفالي:
(الدائرة في الاحتفالية اكمل الأشكال، وهي ايضا اقدسها، وأكثرها قربا من الطبيعة ومن الثقافة، ومن الإنسان, ومن السماء ومن الكون)  
ونعرف ان فعل الاحتفال هو ذلك المثلث الذي يمثله الانسان والمكان والزمأن، وذلك لأنه لا معنى للاحتفال بدون وجود الإنسان المحتفل، ولا يمكن تصور احتفال حقيقي ليس له مكان محدد، وليس له فضاء خاص، وليس له مناخ، وليس له موعد محدد في الزمن، ولعل أجمل كل الاحتفالات هي تلك التي يقيمها الإنسان الجميل والنبيل في المكان الجميل وفي الزمن الجميل وفي الفضاء الجميل، وماذا يمكن ان تكون هذه الاحتفالية سوى انها البحث المتجدد عن إنسانية الإنسان وعن حيوية الحياة وعن مدنية المدينة وعن جماليات الوجود
وفعل الاحتفال هو كتابة في دفتر الأيام والليالي، وهو كتابة صادقة وحية بالأجساد وبالأرواح وبالأشياء وبالرموز وبالعلامات وبالإشارات بالأصوات وبالحركات الناطقة والمتكلمة
 وفعل هذا الاحتفال يتم دائما في فضاء فارغ،  تماما كما تتم الكتابة السوداء على الورقة بيضأء، وهذا الفضاء المسرحي الفارغ يحتاج للأجساد الحية من اجل أن تملأه بالحركة وبالسكون وبالكلمات ويالعبارات وبالإشارات وبالعلامات التي تقول شيئا. والتي تحكي شيئا من الأشياء، والتي تترجم المعنوي والرمزي إلى لغات الأجساد، اي لغات الأجساد الإنسانية الحية ولغات الأشياء والاقنعة والأزياء
وبالنسبة للاحتفالي،  فإن اخطر شيء من الأشياء، وفي اي فعل كان، او اي كلام او أية كتابة، هي  بدايته التي تشكله خطوته الاولى، وتشكله منطلقه المؤسس (ودائما يكون البدء في الاحتفالية من الفراغ، ثم من بعد يتاسس الامتلاء، ويكون الغياب وحده، ولا شيء معه، ثم ياتي الحضور، وفي بطن كل حضور شيء كثير من الغياب ومن التغييب ومن الغأئبين والمغيبين، ومن طبيعة هذه الدائرة هو انها تدور وتدور.. ولا تتوقف)

                           الدائرة في الحياة وفي المسرح

هي دأئرة غير مغلقة إذن، ولو كانت مغلقة فإن أقصى ما يمكن أن تبلغه هو ان تكون سجنا، وفعل الاحتفال المفتوح لا علاقة له بما هو ثابت وساكن ومغلق ومحدود، وهو اساسا حياة وحيوية، وهو حرية وتحرر، وهو انفلات وهذيان، وهو فوضى منظمة، وهو سفر أفقي في المكان والزمان، وهو سفر عمودي خارج المكان والزمان، وذلك باتجاه الباطن النفسي والوجداني وباتجاه السماء
وفي كتاب ( فلسفة التعييد الاحتفالي في اليومي وفي ما وراء اليومي) والذي صدر عن منشورات توبقال بمدينة الدار البيضاء يقول الاحتفالي:
(الدائرة في الاحتفالية اكمل الأشكال، وهي ايضا اقدسها،^وأكثرها قربا من الطبيعة ومن الثقافة، ومن الانسان,وومن السماء ومن الكون)  
وفي التسعينات من القرن الماضي وفي جريدة (مغرب اليوم) وفي ركنه الأسبوعي.وفي مقالة بعنوان ( الدورة الاحتفالية) يقول الاحتفالي ما يلي:
(نعم, في البدء كنت عاريا إلا من ورق التوت ومن رحمة الله،
ولدت ولا شيء معي إلا هذياني وجنوني
وكل ما أصبح لدي بعد ذلك اكتشفته، واكتسبته، وانتزعته وربحته وتعلمته وادركته ووصلت اليه)
ولأن هذه الاحتفالية تعشق الدائرة المفتوحة، والتي يمكن ان تتعدد، وان تصبح دوائر بعضها أكبر من بعض،  فقد اختارت  المسرح، لأن المسرح هو الدأئرة وهو مركز الدائرة، وهو مركز المدينة، وهو مركز العالم ومركز التاريخ ومركز الحياة ومركز الوجود، وهو يمثل في هذه الدائرة نقطة التلاقي والتقاطع والتماس، بين اليقظة والمنام، وبين الصحو والسكر، وبين العقل والجنون، وبين الطبيعة والثقافة، وبين الوجود والعدم، وبين الحضور والغياب، وبين الممكن والمحال، وبين الأصل والصورة، وبين الجسد والظل) وهذا الكلام هو بعض ما جاء في كتاب ( فلسفة التعييد الاحتفالي )
وبحسب الاحتفالي دائما، فان (أن من يختار المسرح، او يختاره المسرح، فإنه لا يمكن أن  يشكو الجنون، لماذا؟ لأن المسرح شكل من أشكال الجنون ) ومن يمكن ان يفهم حقيقة هذا العالم المجنون سوى مجانين الفكر ومجانين الفن ومجانين الإبداع؟
 
               الجديد في الدائرة قديم والقديم فيها متجدد

ويسالني سائل من الإنس ويقول لي:
أي جديد يمكن أن يكون في الدائرة، والتي هي عود على بدء، وهي تكرار واجترار؟
 وفي الجواب يقول الاحتفالي بأن التكرار لا وجود له إلا في عيوننا واسماعنا وفي فهمنا المحدود، لأنه لا يمكن أن تنزل إلى نفس النهر مرتين. فلا النهر ثابت، ولا انت هو انت في لحظتين مختلفتين، وعليه، فإنه لا يمكنك ان تعيش نفس الحالة مرتين. ولا يمكنك أفي الكتابة الاحتفالية يحضر الكاتب الذي يكتب، ويحضر الحكواتي الذي يحكي 
ويحضر الشاعر الذي يتغنى
ويحضر المصور الذي يصور
ويحضر المهرج الذي يتلاعب بالكلمات وبالحركاتن تقول نفس الكلمة مرتين
وفي الموال العربي لازمة غنائية أبدية  (تتكرر) منذ مئات السنين، وهي في كل دورة تشبه ثابتها، وتخالف متغيرها، وهذه اللازمةالغنائية هي (يا ليل يا عين) وهي مختلفة ومخالفة في كل لحظة غناء
وفي فن الحلقة الشعبية توجد علاقة إنسانية أساسها الفعل والتفاعل، بين مركز الدائرة ومحيط الدائرة، وفي المحيط يوجد الجمهور، وفي المركز يوجد الحكواتي الشعبي، اما في الحلقات العلمية، في القرويين والقيروان والزيتونة، فإنه في المحيط يوجد الطلبة، اما في المركز فيوجد المعلم الفقيه، اما في البيت العربي القديم فقد كانت المائدة المستديرة هي المركز الذي يتحلق حوله الجميع، وفي المسرح دعت الاحتفالية إلى إيجاد فضاء مسرحي مفتوح من جميع الجهات. فضاء لا يمكن اعتقاله في علبة شبه مغلقة. ولا يجعل للعين اتجاها واحدا وذلك نحو هذه العلبة السحرية التي تسمى الخشبة، وهذا هو ما اوضحته في دراسات كثيرة جدا سبقت ظهور البيانات الاحتفالية، وفيها طالبت بتحرير الفضاء المسرحي وبتحرير الاحتفال المسرحي، وبتحرير المتلقي المسرحي من هذا المسرح الغربي الاحادي البعد والأحادي العين والأحاديث العلاقة..
ولقد اختارت الاحتفالية المسرح، لا لشيء سوى لأن هذا المسرح هو مركز الدائرة، وهو في هذه الدائرة نقطة التلاقي والتقاطع والتماس،زبين اليقظة والمنام، وبين الصحو والسكر، وبين العقل والجنون، وبين الطبيعة والثقافة، وبين الوجود والعدم، وبين الحضور والغياب، وبين الممكن والمحال، وبين الأصل والصورة، وبين الجسد والظل) هكذا كتب الاحتفالي في كتاب (فلسفة التعييد الاحتفالي في اليومي وفي ما وراء اليومي)
ونعرف ان المسرح التجريبي الحديث والمعاصر. قد حاول أن يحرب كل شيء، إلا اخطر شيء في هذا المسرح، والذي هو المسرح البناية والمسرح الفضاء وهو المسرح العلاقة،  وبقي التحريبيون يقدمون المسرحيات الجديدة في المسارح القديمة، حتى مسارح الجيب الصغيرة، فقد كان التغيير الوحيد الذي أتت يه يتعلق بعدد المقاعد. وليس بأي شيء آخر 

                      نحن نصنع الأفكار او نحن تصنعنا الافكار؟

وبالتاكيد فنحن في هذه الاحتفالية لا نصنع الأفكار الجديدة. ولا نأتي بها من العدم. ولا نقوم بانزالها من السماء إلى الأرض، فهي موجودة. واذا كانت قديمة فإننا فقط نجددها، وذا كانت غائبة او مغيبة فإننا نعمل على ان نحضرها وان نستحضرها، واذا كانت غامضة فاننا نجتهد من اجل ان نوضحها، واذا كانت بعيدة فان اخطر ما نقوم به هو ان نقربها إلى عقول الناس. وفي هذا المعنى يقول الاحتفالي عندما ( اتهم) بأنه يلجأ إلى التاريخ وإلى التراث هروبا من الواقع، وان الشخصيات التاريخية والتراثية في مسرحه هي مجرد أقنعة او هي مجرد  تقية، وفي هذا المعنى يقول الاحتفالي في رده ( إنني أكتب لأوضح أشياء وأشياء، وليس لأخفيها عن أعين الناس، وتلك هي مهمة كل كاتب، ولو كنت أسعى إلى الغموض والالتباس ما كتبت، ولو كان يخجلني هذا الذي أعلنه امام كل الناس ما اعلنته، ولما بينت حالاتي وارائي في البيانات وفي المسرحيات، إنني واضح تمام الوضوح. وكذلك هي رؤيتي الفكرية والجمالبة والأخلاقية، والتي هي عنواني في عالم الناس والأفكار، وفي دنيا الكلمات والعبارات، ولأنني أشبه احتفاليتي،  ولأنني أسعى لأن تشبهني هذه الاحتفالية الممكنة، ولأنني احاول ان تكون شفافة وصادقة وحقيقية دائما) فقد كتبت كل هذا الذي كتبت. في الفكر والفن وفي النقد والتاريخ
وفي كتاب ( فلسفة التعييد الاختفالي..) يتساءل الكاتب الاحتفالي عن جوهر الاحتفال ماذا يمكن ان  يكون، وفي الإجابة يقول؛
( هل هو الفعل- الحدث الذي "يؤديه" الممثل او يحياه، ويحييه الممثل المحتفل؟
هل هو طبيعة هذا الفعل - الحدث وطبيعة مساره وطبيعة انفتاحه وانغلاقه؟
هل هو التص الذي كتبه كاتب غائب؟
وإذا كان الأمر كذلك، فما هي علاقة الحفل المسرحي، والذي هو حضور في الآن هنا، وذلك بالمؤلف الغأئب هناك؟
وماذا يكون النص المسرحي؟ هل هو الكلمة التي ينقلها الممثل؟
وهل هو الفعل الذي يفعله وينفعل به؟
وهل هو الحدث الذي يخبئه فيه، ويخرجه في الوقت المعلوم؟
وهل هي الرؤية التي يجسدها المخرج ويشخصها، ويترجمها إلى حركة ايضا، وإلى علاقة بين الممثلين، بعضهم ببعض، أو بعلاقتهم بالنص وبالمكان وبالفضاء، وبالأشياء وباللحظة وبالآخرين المختفلين معه، والذين تعودنا أن نسميهم الجمهور؟)
وترى الاحتفالية،في كتاب ( المؤذنون في مالطة) أن الأساس ليس هو فعل الاحتفال البراني، وذلك باعتباره فعلا سطحيا وافقيا وعابرا،  ولكنه (روح الاحتفال، وأن هذا الروح هو بالأساس طاقة، وأن هذه الطاقة هي التي تحقق في الاحتفال احساسا داخليا وتعبيرا حسيا عنه، وأن الطاقة الكامنة في العرض المسرحي هي التي تهز الناس هزا عنيفا، وهي وثيقة الصلة بشواغلهم وهمومهم)
وما نسميه النص المسرحي هو عند الاحتفالي حياة بعمرين متكاملين، الأول يمثله الاحتفال الآني الحي، الآن هنا، والثاني يمثله النص المكتوب، والمتوجه اساسا للقارئ المفترض،، والذي يمكن ان يكون له وجود هنا أو هناك، وفي اي زمن من الأزمان، وبهذا فإن ما يميز النص المسرحي هو انه حياة بمسارين اثتين، المسار الأول هو مسار الاحتفال الجماعي في الفضاء المسرحي وفي الموعد الاحتفالي العام، والمسار الثاني هو مسار القراءة الفردية، والتي يمكن ان تتم في ازمان متعددة وفي امكنة متعددة

                                     عنوان مرقت

ويبقى السؤال، احتفاليتنا اليوم ماذا تمثل، في دورة الاحتفال مسار  ؟
ونقول فقط، هي حلقة جديدة من حلقات الاحتفالية الأم، والتي هي مسافات ومحطات ومنعطفات وحالات كثيرة جدا، والتي رافقت الإنسان عبر التاريخ، والتي ازدهرت مرة، وانتكست مرات اخرى كثيرة جدا، والتي حضرت مع الرؤية الاحتفالية والعيدية، وغابت مع وجود الرؤية الماتمية والعدمية في الحروب وفي الأمراض الحسية والمعنوية ومع تفشي التسلط والقمع والاستبداد وغياب الحرية والتحرر وغيابةالمدينة والتمدن وغياب الحياة والحيوية وغياب الإنسان الإنسان وغياب الحيوية
وفي كتاب (التيار الاحتفالي في المسرح العربي الحديث) يقول الاحتفالي بأن الاحتفاليين الجدد لم يكتشوا هذه الاحتفالية، ولكنهم فقط اعادو اكتشفها من جديد، والأمر الأكبر والأخطر يتعلق بروح الاحتفالية والذي هو اصل ومصدر كل الاحتفاليات في التاريخ وفي الجغرافيا و( التي قد يصيبها العطب في مرحلة مرحلة معينة من التاريخ، وقد يصيبها شيء من العياء او من الالتباس، وقد يلحقها شيء من الغموض،ةأو من عدم الفهم، أو من النوم او من النسيان او من التناسي او من عدم التكريم، أو من الموت المؤقت، الشيء الذي قد يستوجب ظهور حركة فكرية وجمالية واخلاقية جدبدة في التاريخ والجغرافيا معا، حركة تعمل على إعادة الوعي أو إعادة الذاكرة أو إعادة الضوء أو اعادة الحياة والحيوية لهذه الرؤية المنسية أو المقصية  من الحياة، والتي هي في الأصل رؤية عيدية واحتفالية توارت إلى الخلف،ةوذلك بحكم عوامل ذاتية وأخرى موضوعية كثيرة، وذلك في زمن الحروب وفي زمن التحالفات وفي زمن طغيان الرؤية الماتمية والظلامية والعبثية والفوضوية على المشهد الثقافي والجمالي العام)
 وهذا هو حال الاحتفالية اليوم، في عمرها الجديد والمجدد والمتجدد، فهي شروق بعد غروب، وهي عودة بعد ذهاب، وهي جمر ملتهب ينبع من بين الرماد،  وابتداء من اول بياناتها اكدت هذه الاحتفالية على فعل التحدي الوجودي، والذي هو الإصرار على مقاومة كل عوامل الموت والعدم، وهذه الاحتفالية اليوم، والتي حافظت على قوتها وعلى عنفوانها وعلى جدتها، لم يزدها فعل التغييب إلا اصرارا على الحضور، ولم يزدها الحصار إلا قوة، ولم تزدها الأيام إلا حكمة وجمالا ..
وقد يظهر للبعض أن هذه الاحتفالية الجديدة والمتجددة هي خروج عن المسرح العالمي والكوني. ولكنها في الحقيقة ليست كذلك، لأنها تمثل عودة الإبن الضال إلى بيته وإلى وطنه وإلى دأئرة كونه وإلى مركز هذه الدائرة تحديدا
ولأن  هذه الاحتفالية اليوم - احتفاليتنا العالم ثالثية - هي مجرد نقطة في الدائرة الاحتفالية الإنسانية والكونية الكبرى،فقد كان ضروريا ان يقول الاحتفالي بأن الأمر ( لا يتعلق بإيجاد شيء من العدم،ولكن فقط بعودة الوعي وبمحاولة القبض على الأساسي والجوهري والحيوي في حياة الإنسان، والذي هو الرؤية العيدية الغنية بالصور وبالحالات الإنسانية الجميلة والنبيلة، وقد تمت هذه العودة في المسرح العالمي بشكل عام، وفي المسرح العربي بشكل خاص)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق