مجلة الفنون المسرحية
النوع: تراجيديا
نص :سوفوكليس
تاريخ الإنتاج: 441 ق.م
البلد المنتج: اليونان
أنتيجون تلفظ [ænˈtɪɡəni] ؛ (اليونانية :Ἀντιγόνη) هو اسم لامرأتين مختلفين في الأساطير اليونانية. وربما يكون اسمها يؤخذ على أنه يعني "لا تتزعزع"، قادمة من "anti-" (ضد، معارض) و"-gon / -gony"" (الزاوية، والانحناء، زاوية ؛ مثل : polygon)، ولكن قيل أيضا أنه يعني "تعارض الأمومة" أو "في مكان الأم" تستند من جذر كلمة gonē، "الذي يولد".[1]
منذ أواخر القرن الثامن عشر الميلادي أصبحت مسرحية " أنتيغون " واحدة من بين أكثر المسرحيات الكلاسيكية التي يقبل كثيرون علي قراءتها أو ترجمتها أو عرضها علي خشبة المسرح . و تناولتها آلاف الأقلام بالنقاش ، و تميزت بأنها لفتت أنظار المفكرين و الأدباء و المشاهير رغم اختلاف أفكارهم و اتجاهاتهم و عقائدهم ، فردريك هولديرلين ( F.Holderlin )و جان كوكتو ( J.Cocteau ) و جان أنوي ( J.Anouilh ) و برتولد بريخت ( B.Brecht) و هيجل ( G.W.F Hegel ) و كيركيجارد ( Kierkegaard ) و هيدجر ( Heidegger ) . لقد تمكنت هذه المسرحية بما تحويه من صراع متعدد الزوايا أن تضرب علي الوتر الحساس فس نفسية المشاهدين بمختلف العصور [2].
#المحتويات :
1 نبذة
2 المكان المسرحي
3 الحبكة
4 شخصيات المسرحية
4.1 ملامح الشخصيات
5 تقسيم النص الإغريقي
6 آراء حول أنتيغون
7 المصادر
#نبذة:
اقتبس سوفوكليس موضوع هذه المسرحية من التراث الأسطوري السابق عليه ، و هو تراث يزخر بقصص ذات مغزي عن آثام بني البشر ، و عن اللعنة المتوارثة التي اعتقد الإغريق أنها تحل بأفراد ينتمون إلي أسر شهيرة في الماضي الغابر ، بسبب الأوزار التي اقترفها أحد اسلافهم . [3]. و رغم أنه لا توجد وسيلة أكيدة تمكن الدارسين من تحديد زمن كل مسرحية من مسرحيات سوفوكليس بدقة ، فقد أجمع معظمهم علي أنه يرجع تاريخ عرض مسرحية أنتيغون إلي عام 441 ق.م [4] ، و تقول أحد الروايات إن سوفوكليس انتخب لمنصب " قائد عام " بعد عرض مسرحية أنتيغون كمكافأة له . [5]
#المكان المسرحي:
عرضت مسرحية أنتيغون ، مثل غيرها من المسرحيات التراجيدية الإغريقية علي مسرح ديونيسوس جنوب الأكروبوليس ، حيث جلس المشاهدين علي مدرجات من الحجر تواجه دائرة من الحجر تسمي الأوركسترا ، خلفها بناء خشبي يسمي السقيفة و كان يستخدم في هذه المسرحية و غيرها ، ليشير إلي المنزل أو القصر الملكي الذي تدور أمامه الأحداث ، و فيه تسكن معظم شخصيات المسرحية . و تعتبر السقيفة الحد الفاصل بين ما يراه الجمهور و ما لا يراه ، أي بين الظاهر و الخفي ، و بين العام و الخاص . و من ثم يمكننا أن نقول إنه يفصل بين عالمي الرجل و المرأة [6]
و كانت الشخصيات الرجالية تدخل المسرح من المداخل الجانبية و تخرج منها أيضا بعد انتهاء أدوارها ، و كان أحد المداخل يشير لخروج الشخصية لتذهب إلي شوارع المدينة و الآخر عند خروجها تجاه بوابات المدينة و إلي السهل الذي يقع خلفها . بينما كانت الشخصيات النسائية تدخل و تخرج من مكان واحد يمثل باب القصر أو المنزل ، و كانت أنتيغون هي الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة ، إذ خرجت من أحد المداخل الجانبية لكي تدفن أخاها . و كان كل ما يحدث خارج خشبة المسرح بعيدا عن عيون الجمهور ( سواء داخل المنزل أو بعيدا عنه ) يروي للمشاهدين علي لسان إحدي الشخصيات ( الرسول أو الحارس ، و غيرهم ) . [7]
و تدور أحداث المسرحية أمام قصر ملك طيبة السابق " أوديب بن لايوس " [8]
#الحبكة:
تبدأ المسرحية بعد موت الأخوين المتنازعين إتيوكليس المدافع عن المدينة و بولينيكس الذي هاجم وطنه بالتحالف مع أرجوس ، و بعد أن سقط كل منهما صريعا بيد أخيه تحقيقا للعنة التي صبها عليهما والدهما الراحل أويديبوس .
في المشهد الأول من المسرحية نري أنتيغوني و هي تتحدث مع أختها إسميني حول القرار الذي أصدره كريون " الحاكم " الذي آل إليه عرش طيبة ، و هو قرار يقضي بدفن جثة إتيوكليس الذي قضي نحبه و هو يدافع عن وطنه طيبة ضد الغزاة ، و بترك جثمان بولينيكس في العراء دون دفن أو طقوس جناز ، لأنه كان معتديا علي وطنه مهاجما له . و ترجع خطورة هذا القرار إلي أنه يفتقر إلي الاعتدال: لا بمعني أنه صورة من صور التطرف النبيل الذي يرمي إلي تحقيق الذات بطريقة لا سبيل إلي إيجادها فيإطار الحياة ، و لكن لأنه صادر من منطلق إثم و عصيان للأمر الإلهي الذي يقضي بدفن الميت و تكريمه [9] .
و كان من الطبيعي أن تفزع أنتيغون لدي علمها بهذا القرارالجائر في نظرها ، فتصمم علي معارضتها حتي و لو كان الموت هو الثمن ، إذ كانت شخصيتها علي النقيض تماما من أختها إسميني التي ما إن عرفت حتي استبد بها الخوف ، و لم تتغاض فقط عن قرار كريون ، بل أذعنت له و شرعت تحذر أختها من معارضته حتي لا تتعرض للهلاك [10].
لكن أنتيغون لا تلقي بالالتحذيرات أختها ، و تقدم علي مخالفة قرار الملك ، و من ثم يضبطها أحد الحراس و هي تهيل حفنات من الثرى علي جثة أخيها ، فيقوم بإحضارها لتمثل أمام كريون و أمام الجوقة المكونة من شيوخ طيبة .
اتخذت الجوقة صف كريون بطبيعة الحال ، كونهم شيوخ طيبة ، و بهذا وقفت أنتيغون وحدها بعنادها و تتباهي بفعلتها . و إزاء هذا التحدي السافر من جانب أنتيغون تستبد غطرسة كريون ، و يلجأ إلي التهور خوفا علي هيبته التي توشك علي الضياع بسبب العبث بقراراته . و بعد نقاش عنيف و جدل محتدم مع أنتيغون يأمر الملك كريون باقتيادها مكبلة بالأغلال إلي السجن . إلي أن تنفذ فيها عقوبة الرجم حتي الموت كما يقضي القرار [11].
و هنا تندفع إسميني صارخة ، و ملقية بالتبعة علي عاتقها وحدها ، متوسلة إلي كريون أن يبقي علي حياة أختها ، راغبة في مشاركتها العقاب علي اعتبار أنها شريكتها في الجرم ، غير أن كريون لا يري في مسلك إسميني سوى الطيش و الجنون ، فيأمر بسجنها مع أختها .
بالوقت نفسه ترفض أنتيغون بشدة أن تشاركها أختها تبعة فعلة قامت هي بها ، حيث أن ذلك لم يصدر بناء علي إيماء بالواجب الحق منذ البداية ، بل تم بدافع العطف وحده ، لذلك فهي لا تقبل حبا يأتي في غير وقته أو عطفا يأتي بعد فوات الأوان [11]
ثم يدخل هايمون خطيب أنتيغون و ابن كريون في الوقت نفسه ، و يبدأ النقاش مع أبيه في تعقل و هدوء أول الأمر ، مفندا قراره الجائر ، و محاولا إقناعه بأن الصواب قد جانبه ، و أن عليه التروي و التدبر حتي لا يعض بنان الندم . لكن هذا النقاش الهادئ بين الوالد و الابن ما يلبث أن يحتدم و يصبح ساخنا ، فيثور كريون في خاتمة المطاف و يستبد به الغضب ، و يستنكف من أن يتلقي دروسا من شاب غر في نظره ، فيهدد بقتل الخطيبة أمام ولده ، و عندئذ يخرج هايمون من القصر و الغضب يملؤه معلنا أنه يفضل الموت مع أنتيغون علي الحياة مع أبيه . [11]
و تخشى الجوقة من حدوث ما لا تحمد عقباه نتيجة لغضبة الشاب و خروجه محزونا سائسا ، أما كريون فيعدل عن قرار الرجم ، و يأمر بدلا من ذلك باقتياد أنتيغون إلي كهف منعزل ، و أن تقبر فيه حتي تلقي حتفها ، فلا يحتمل هو وزر قتلها .
ثم يفد إلي القصر العراف الكفيف تيريسياس " المتنئ عن طريق علامات السماء " و ينذر كريون بسوء المآب ، حيث أنه تحدي قوانين الأرباب السامية بتركه جثة رجل ميت دون دفن ، و بإزهاق روح فتاة بغير حق ، و أن ذلك التحدي سوف تترتب عليه عواقب وخيمة [12]
و من جديد يشتبك كريون في مشاحنة جدلية عنيفة مع العراف ، يخرج الأخير علي أثرها بعد أن يفضي إلي كريون بنبوءات مفزعة ، و بعد أن يعلن أن السماء قد غضبت عليه . و بعد انصراف تيريسياس ينتاب كريون الفزع ، و يساوره الشك لأول مرة في مدى صواب تصرفاته ، فيلجأ إلي الجوقة كي يتلمس منها النصح .
بهذه اللحظة بدأت الجوقة في التزحزح عن موقفها الموالي له بعد أن لمست بنفسها جموح إرادته ، لذلك فما إن قصدها حتي حثته علي الفور بالإسراع إلي الكهف عساه يتمكن من إنقاذ أنتيغون قبل هلاكها ، و دفن جثة القتيل تنفيذا لرغبة الآلهة [12]
غير أنه حين يصل كريون إلي الكهف -بعد فراغه من مواراة الجثة الثرى- يجد أن الفتاة التعيسة قد أزهقت روحها شنقا لتهرب من مصيرها المؤلم ، و يشاهد ابنه هايمون و قد تشبث بجسدها و هو ينتحب . و في غمرة اليأس القاتل يندفع هايمون نحو أبيه مجردا سيفه من غمده محاولا قتله ، لكنه يخطئه فيجهز بدلا من ذلك علي حياته حزنا و كمدا ، و يسقط إلي جوار جسد أنتيغون جثة هامدة .
و حينما يعود كريون إلي قصره حاملا جثة ابنه هايمون ، و هو غارق في لجة من الأسى -يجد أن زوجته يوريديكي قد انتحرت بعد سماعها نبأ هذه الفاجعة المريرة التي حرمتها من فلذة كبدها .
بعد هذه الأحداث الجسام يتزلزل كيان كريون ، و يغرق في طوفان من الأحزان ، لأن وجوده كله قد انتهي إلي دمار ، و لأن حياته فقدت مغزاها ، و صار أشبه بالموتي رغم أنه ما زال علي قيد الحياة [13]
#شخصيات المسرحية:
أنتيغون
إسميني
الكورس " مكون من شيوخ مدينة طيبة "
كريون
الحارس
هايمون
تيريسياس
الرسول
يوريديكي
#ملامح الشخصيات:
أن مسرحية أنتيغون تناقش في داخل حبكتها قضية معقدة ، ليس من السهل حسمها بوجهة نظر فردية أو من خلال تفسير أحادي ، ذلك أنها تتميز بثنائية البناء القائمة علي التقابل بين شخصيات متعارضة ، كما أنه لا سبيل إلي المصالحة في الصراع الذي قام داخلها بين أنتيغون و كريون [14].
و هذه الثنائية تقوم علي المواجهة أو التقابل بين الشخصيات ، فهناك خصمين لدودين " كريون ، أنتيغون " ، و أختين مختلفتين " أنتيغون ، إسميني " ، و أخوين عدوين " إتيوكليس ، بولينيكيس " و ينقسم هؤلاء إلي فريقين متضادين ، الأحباء في مواجهة الأعداء ، و هذا هو التضاد الذي أسس علي الإغريق كل أفكارهم الأخلاقية و السياسية . و في الوقت نفسه نجد أن الصراع بين الاحباء و الأعداء يدور علي مستوي كل من الأسرة و الدولة ، بحيث تنظر أنتيغون إلي اعتبار المحبة و العداوة إلا في نطاق الأسرة وحدها ، في حين يقصر كريون هذه الاعتبارات نفسها علي نطاق الدولة دون أن يأبه بالأسرة [15]
يركز سوفوكليس في معظم مسرحياته علي الفعل الدرامي أكثر من الشخصية و بهذا فهو يلتقي مع نظرة أرسطو و التي يري بها أن الدراما هي الفعل و ليست الشخصية و أن لو وجدت الشخصية دون فعلها لما قامت الدراما . و من ثم فإن خطة سوفوكليس و منهجه الدرامي لا يستدعيانه أن يضع علي خشبة المسرح شخصية محورية تكون بمثابة البطل ، بحيث تستولي علي الاهتمام ، و تحتل مكان الصدارة منذ بداية المسرحية حتي نهايتها ، لكنه يستخدم في الموقف الدرامي الذي يعالجه الشخصيات الكفيلة بتصعيد المشكلة حتي ذروتها بغض النظر عن وجودها الدائم علي المسرح .
ان الصراع في مسرحية أنتيغون يدور بين إرادتين حازمتين عنيدتين ، ترتكز كلاهما علي وجهة نظر مختلفة ، يعقد صاحبها اعتقادا جازما أنها الأصوب ، لكن لكل إرادة منهما تصر علي موقفها بتهور و فردية ، حتي النقطة التي تصطدم فيها مع الطرف الآخر صداما لا سبيل فيه إلي المصالحة . و كان هذا الصدام حتميا لأن كل طرف منهما يتميز بالوعي الزائد بالنفس ، و العناد المتأصل الذي يدفع صاحبه إلي تجاهل وجهة نظر المعارضة تماما ، و إلي التعامي عن مزاياها ، بل إنه يرفض أن يري فيها المزايا أو أن يناقش هذه المزايا بموضوعية لو وجدت .
و بسبب هذا الصدام -لابسبب كون الموقف صحيحا أو خاطئا- تقع الكارثة علي الطرفين ، فتلقي أنتيغون حتفها ، و يظل كريون علي قيد الحياة ليتعذب بمصارع من يحبهم ، و يقف علي المغزي بعد أن تتزاح الغشاوة عن بصره و لكن بعد فوات الأوان .
سبب المشكلة بالمسرحية هو الموت و كذلك هو أساس الصراع ، كذلك فكرة لختيار الإرادة بين البدائل ، اتفق معظم النقاد علي أن كريون هو الشخصية التي ينطبق عليها قانون الإثم الأرسطي ، فهو الذي تجاوز الحدود بانتهاكه حرمة الدفن بإرسال نفس حية إلي حتفها دون جريرة ، لذا كان حضوره علي المسرح مستمرا حتي ختام المسرحية من أجل أن تستمد المغزي مما حاق به من مصير [16].
يعلم سوفوكليس أن هناك قضايا معقدة ليس للإنسان مهما بلغ من الحكمة أن يفرد فيها برأي ، و ذلك بسبب كونها قضايا ذات طبيعة تركيبية خاصة ، تجمع بين ما يخص البشر و ما يخص الآلهة في وقت واحد. إن هدف سوفوكليس هو أن يجعلها نتأرجح في الحكم علي أفعال الشخصيات تبعا لتصرفاتها و ردود أفعالها : ففي مبدأ الأمر نصدم مع الجوقة حينما نري مسلك أنتيغون ، و خشونة طبعها . في حين نميل إلي الإعجاب بكريون بعقلانيته و منطقه المحكم ، لكننا تدريجيا نشعر بالأسي ، و نتعاطف مع الفتاة التعسة ، حتي مع تسليمنا بتجاوزها ، و نحس في الوقت بأن منطق كريون المحكمة ينطوي علي تجاهل للمشاعر الإنسانية و للقوانين الإلهية [17]
غير ان سوفوكليس بهذه المسرحية لا يدين بقدر ما يعلق ، و لا يبرر بقدر ما يقسر ، بوصفه فنانا دراميا يعرف أكثر من سواه أن مجاله هو عرض المشكلة بأمانة و واقعية و ليس مجرد إصدار الأحكام [18]
.
#تقسيم النص الإغريقي:
يسير النص الإغريقي للمسرحية عند تقسيمه إلي مشاهد تمثيلية و أناشيد جوقة علي النسق التالي:
1- المقدمة و تقع في الأبيات من 1-99
2- مدخل الجوقة الافتتاحي الذي تؤدي فيه أنشودة المدخل في الأبيات من 100 - 162
3- المشهد التمثيلي الأول و ذلك في الأبيات من 163 - 331
4- الفاصل الإنشادي الأول للجوقة و ذلك في الأبيات من 332 - 383
5- المشهد التمثيلي الثاني ، و يقع في الأبيات من 384- 581
6- الفاصل الإنشادي الثاني ، و يقع في الأبيات من 582 - 630
7- المشهد التمثيلي الثالث ، و يشمل الأبيات من 631 - 780
8- الفاصل الإنشادي الثالث ، و يشمل الأبيات من 780 - 805
9- المشهد التمثيلي الرابع الذي يشمل الأبيات من 806 - 944 و يتضمن داخله نشيد النواح الذي تلقيه أنتيغون بالتبادل مع أفراد الجوقة ، و ذلك من الأبيات 806 - 882
10- الفاصل الأنشادي الرابع ، و ذلك من الأبيات من 945 - 987
11- المشهد التمثيلي الخامس ، و ذلك في الأبيات من 988 - 1114
12- الفاصل الإنشادي الخامس ، و هو إنشاد مصحوب بالرقص ، و يقع في الأبيات من 1115 - 1152
13 الخاتمة و هي الجزء الذي تغادر فيه الجوقة مكانها ، و ذلك في الأبيات من 1153 - 1353 .
#آراء حول أنتيغون:
وصف الفيلسوف هيجل هذه المسرحية بأنها من أعظم و أبدع الأعمال التي عرفها العالم قديما و حديثا و أنها من أكثر الأعمال الفنية إشباعا و تفوقا [19]
و منذ ذلك الحين تزايد الاهتمام بهذه المسرحية و حظي أبطالها ، و خاصة أنتيغون و كريون ، بكم غير مسبوق من اهتمام دارسي الكلاسيكيات بشكل خاص و دراسي الأدب بشكل عام [20] ، بل جائت هذه المسرحية في مقدمة المسرحيات الكلاسيكية التي دخلت إلي محاضرات الفلسفة الأخلاقية و النظريات السياسية في الجامعات و المعاهد المتخصصة في جميع أنحاء العالم [20].
يتضمن بناء المسرحية الثنائي مجموعة من الشخصيات المتقابلة ، نجد في بدايتها أختين . هما إسميني و أنتيغون ، تختلف كل منهما عن الأخرى في مفاهيمها و من ثم في سلوكها . و من بعدهما يدور الحديث حول أخوين هما " إتيوكليس و بولينيكس " أولهما محب للدولة و الثاني عدو لها ، و هما في الوقت ذاته عدوان لدودان رغم رابطة الدم التي تجمع بينهما . و لدينا فضلا عن ذلك شخصيتان رئيسيتان تعارض كل منهما الأخرى ، هما " أنتيغون و كريون " و ينشب بينهما صراع لا سبيل إلي المصالحة فيه ، نظرا للاختلاف الجذري بين فكر كل منهما و معتقداته و تكوينه العاطفي و النفسي . و في الوقت ذاته لدينا مواجهات عاصفة بين الشخصيات ، مثل المواجهة التي تتم بين كريون و ابنه هايمون ، و المواجهة التي تدور بين كريون و العراف تيريسياس .
كذلك لدينا شخصية ذات صلة مزدوجة بقطبي الصراع ، هي شخصية هايمون الذي تتمثل فيه مأساة الموقف برمته ، فهو خطيب لأنتيغون معجب بشجاعتها و برها بأخيها المقتول ، و هو في الوقت نفسه أبن الملك كريون ، يحترمه و يرغب في الاستمرار في هذا الاحترام . و هايمون معذب بسبب هذه الصلة المزدوجة التي تدفعه في النهاية إلي تدمير نفسه يأسا و قهرا .[21]
لقد أكد أرسطو في كتابه " فن الشعر " ـأن جزءا كبيرا من المتعة التي يشعر بها المتفرج في العرض المسرحي تأتي من القصة و من اللغة ، ثم جمال الإلقاء و موسيقي الشعر و جمال الإيقاع و تأثير المنظر و حركة الممثلين علي المسرح ، و من التابلوه المسرحي و تصميم الرقصات ، و من شكل الملابس و القناع . و رغم أن أرسطو يولي أهمية كبري للمغزي الأخلاقي للقصة و للشخصيات ، فإنه لا يغفل أهمية العناصر الأخرى للمشاهد .[22] [23]
درج معظم النقاد منذ عصر النهضة علي ضرورة ارتكاز المسرحية علي شخصية محورية ، عرفت منذ ذلك الحين باسم " البطل التراجيدي " . و لما كانت المسرحيات الإغريقية تسمي عادة باسم إحدي شخصياتها الرئيسية-فقد أثار النقاد الذين تصدوا لمسرحية أنتيغون تساؤلا ظل يثير قدرا غير يسير من الجدل و النقاش لفترة طويلة ، و هو : أتكون الشخصية المحورية في المسرحية هي أنتيغون أم كريون ؟ و كان دافعهم لهذا التساؤل هو اختفاء أنتيغون في منتصف المسرحية تقريبا ، علي حين ظل كريون يكابد المعاناة حتي ختامها [24]
و من هذه الوجهة فإن مسرحية أنتيغون تعد مسرحية فريدة من حيث صعوبة فهم مغزاها ، و هو أمر غريب حيث أنها لاقت القبول و الاستحسان علي مر العصور ، كما أنها عرضت في العصور الحديثة أكثر مما عرضت أية مسرحية إغريقية أخرى ، و نالت عند عرضها نجاحا منقطع النظير [25]
و قد أشار H. D. F . Kitto إلي هذه النقطة مبينا أن النقاد قد وجهوا النقد لمسرحية أنتيغون بالقدر نفسه الذي انتقدوا به مسرحية " أياس " لسوفوكليس ، لأن أنتيغون التي اعتبروها الشخصية المحورية تتفي منذ وقت مبكر ، تاركة إيانا وجها لوجه أمام كريون و هو يلقي مصيره في نهاية المسرحية [26].
و يري أن هذا هو نفس ما حدث بالنسبة لأياس في المسرحية المسماة باسمه ، إذ أنهي حياته في النصف الأول من المسرحية ، تاركا إيانا أمام نزاع طويل و جدل محتدم حول أحقيه دفنه . أوضح Kitto أن مركز الثقل في مسرحية أنتيغون لا تحتله شخصية واحدة بل تتقاسم بطولتها شخصيتان ، و أن أكثرهما أهمية لدي سوفوكليس هي شخصية كريون .
و يتفق ألبن ليسكي Albin Lesky مع Kitto في أن مسرحية أنتيغون تطرح فكرة رئيسية مؤداها أن الكراهية- و هي أمر مفزع يؤدي ألي اضطراب شامل في سلوك البشر- لابد أن تظل داخل حدود معينة و لا ينبغي أن تستمر إلي ما بعد موت الخصم [27]
و يوضح ليسكي أن أنتيغون تعكس صورة البطل السوفوكلي بإرادته القوية ، و بتصميمه الذي لا يقبل الحل الوسط ، و باعتقاده أن المساوومة أو الانسحاب نوع من الإإغراء لا ينبغي الخضوع له . و يري كذلك أن تخلي إسميني عن أختها ، و تركها لتتصرف بمفردها-قد منح أنتيغون إحساسا بالوحدة و العزلة التي تميز كل شخصيات سوفوكليس العظيمة .[28]
و لا يوافق ليسكي علي تفسير هيجل Hegelالذي يرى فيه أن مسرحية أنتيغون تقدم راعا موضوعيا بين موقفين صحيحين : أحدهما موقف الأسرة " أنتيغون " و الثاني موقف الدولة " كريون " ، و يستند ليسكي في اعتارضه هذا علي ما استنتجه ن المسرحية : و مؤداه أن سوفوكليس يدين موقف كريون صاحب القرار المتغطرس ، و يبيين في الوقت نفسه أن ما تقاتل أنتيغون من أجله في الحقيقة هو قوانين الأرباب غير المدونة ، و هي قوانين لا ينبغي للدولة أن تعارضها أو تتصارع معها مطلقا ، كما أن كريون في الوقت نفسه ليس ممثلا للدولة بمفرده فالدولة في الحقيقة كانت تقف في صف أنتيغون [29].
#المصادر:
^ روبرت غريفز، والأساطير اليونانية : 2 (لندن : بنغوين، 1960)، p.380.
^ مسرحية أنتيجوني ، سوفوكليس ، ترجمة د / منيرة كروان ، ص 31
^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص 185
^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص146
^ مسرحية أنتيجوني ، سوفوكليس ، ترجمة د / منيرة كروان ، ص 30
^ مسرحية أنتيجوني ، سوفوكليس ، ترجمة د / منيرة كروان ، ص 27 .
^ Griffith.M.:Sophocles.Antigone,Cambridge 1999, p:17 >
^ مسرحية أنتيجوني ، سوفوكليس ، ترجمة د / منيرة كروان ، ص69
^ مسرحية أنتيغون ، سوفوكليس ،د/ منيرة كروان ،المركز القومي للترجمة ص 32.
^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص147
↑ أ ب ت نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص148
↑ أ ب نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص149
^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص150
^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص151
^ r.p.wINNINGTON-iNGRAM: oP . cIT p:128:130
^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص170
^ مسرحية أنتيجوني ، سوفوكليس ، ترجمة د / منيرة كروان ، الأبيات من 1353:1348
^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص158
^ Hegel, G.W.F : Lectures on the Philosophy of religion,p.264
↑ أ ب مسرحية أنتيجوني ، سوفوكليس ، ترجمة د / منيرة كروان ، ص31
^ نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص164
^ Rorty, A.G: "The Psychology of Aristotelian tragedy " in Essays on Aristotle,princeton. 1992, p: 1:22
^ Waldock, A.J.A:Sophocles the dramatist Cambridge, 1951: Health,M : the Poetics of Greek Tragedy,london,1987
^ H.D>F Kitto:Greek Tragedy : A literary . London,Methuen (1961).P:98-99
^ R.P.Winnington-Ingram:Sophocles: An Interpretation. Cambridge University Press (1980) P.117
^ H.D.F. Kitto : Op. Cit . p.125
^ Albin Lesky:Greek Tragedy:translated by H.A. Frankfort> London (1967)P. 103:106
^ A. Lesky: Op. Cit. P.104
^ Ibid. P.108
مسرحية أنتيجوني ، سوفوكليس ، ترجمة د / منيرة كروان ، رقم 1025 ، المشروع القومي للترجمة ، المجلس الأعلي للثقافة ، ط1 ، 2006 ، القاهرة .
نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، سلسلة أدبيات ، الشركة المصرية العالمية للنشر - لونجمان ، ط 1 ، 1994 ، القاهرة .
Griffith.M.:Sophocles.Antigone,Cambridge 1999 .
r.p.wINNINGTON-iNGRAM: oP . cIT
Hegel, G.W.F : Lectures on the Philosophy of religion
Rorty, A.G: "The Psychology of Aristotelian tragedy " in Essays on Aristotle,princeton. 1992
Waldock, A.J.A:Sophocles the dramatist Cambridge, 1951: Health,M : the Poetics of Greek Tragedy,london,1987
H.D>F Kitto:Greek Tragedy : A literary . London,Methuen (1961)
R.P.Winnington-Ingram:Sophocles: An Interpretation. Cambridge University Press (1980)
H.D.F. Kitto : Op. Cit
Albin Lesky:Greek Tragedy:translated by H.A. Frankfort> London (1967)
A. Lesky: Op. Cit
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق